وعن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود رواه مسلم
قوله على ما كانت عليه في الجاهلية كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في قصة الهاشمي في الجاهلية وفيها أن أبا طالب قال للقاتل اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا خطأ وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله وإن أبيت قتلناك به وفيه دليل على ثبوت القتل بالقسامة واعلم أنا قد أشرنا إلى أنه لم يثبت القسامة إلا الجماهير كما قررناه عنهم وذهب سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن علية والناصر إلى عدم شرعيتها لمخالفتها الأصول المقررة شرعا فإن الأصل أن البينة على المدعى عليه وبأن الأيمان لا تأثير لها في إثبات الدماء وبأن الشرع ورد بأنه لا يجوز الحلف إلا على ما علم قطعا أو شوهد حسا وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بها وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يجري الحكم بها على أصول الإسلام وبيان أنه لم يحكم بها أنهم لما قالوا له وكيف نحلف ولم نحضر ولم نشاهد لم يبين لهم أن هذا الحلف في القسامة من شأنه ذلك وأنه حكم الله فيها وشرعه بل عدل إلى قوله يحلف لكم يهود فقالوا ليسوا بمسلمين فلم يوجب صلى الله عليه وسلم عليهم ويبين لهم أن ليس لكم إلا اليمين من المدعى عليهم مطلقا مسلمين كانوا أو غيرهم بل عدل إلى إعطائه الدية من عنده صلى الله عليه وسلم ولو كان الحكم ثابتا بها لبين وجهه لهم بل تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على أنه لا حلف إلا على شيء مشاهد مرئي دليل على أنه لا حلف في القسامة ولأنه لم يطلب صلى الله عليه وسلم اليهود للإجابة عن خصومهم في دعواهم فالقصة منادية بأنها لم تخرج مخرج الحكم الشرعي إذا لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا أقوى دليل بأنها ليست حكما شرعيا وإنما تلطف صلى الله عليه وسلم في بيان أنها ليست بحكم شرعي بهذا التدريج المنادي بعدم ثبوتها شرعا وأقرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يحلفون على ما لا يعلمونه ولا شاهدوه ولا حضروه ولم يبين لهم بحرف واحد أن أيمان القسامة من شأنها أن تكون على ما لا يعلم وبذا تعرف بطلان القول بأن في القصة دليلا على الحكم على الغائب إذ لا حكم فيها أصلا وبطلان الجواب عن كونها مخالفة للأصول بأنها مخصصة من الأصول لأن القسامة سنة مستقلة بنفسها منفردة مخصصة للأصول كسائر المخصصات للحاجة إلى شرعيتها حياطة
(3/256)
لحفظ الدماء وردع المعتدين ووجه بطلانه أنه فرع ثبوت الحكم بها عن الشارع فلو ثبت الحكم بها لكان هذا جوابا حسنا وأما ما في حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود فهو إخبار عن القصة التي في حديث سهل بن أبي حثمة وقد عرفت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقض بها فيه كما قررناه وقد عرفت من حديث أبي طالب أنها كانت في الجاهلية على أن يؤدي الدية القاتل لا العاقلة كما قال أبو طالب إما أن تؤدي مائة من الإبل فإنه ظاهر أنها من ماله لا من عاقلته أو يحلف خمسون من قومك أو تقتل وهنا في قصة خيبر لم يقع شيء من ذلك فإن المدعى عليهم لم يحلفوا ولم يسلموا الدية ولم يطلب منهم الحلف وليس هذا قدحا في رواية الراوي من الصحابة بل في استنباطه لأنه قد أفاد حديثه أنه استنبط قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة من قصة أهل خيبر وليس في تلك القصة قضاء وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا وإنما روايته للحديث بلفظه أو بمعناه هي التي يتعين قبولها وأما قول أبي الزناد قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان فإنه قال في فتح الباري إنما نقله أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرة من الصحابة فضلا عن ألف اه قلت لا يخفى أنه تقرير لما رواه أبو الزناد لثبوت ما رواه عن خارجة بن زيد الفقيه الثقة وإنما دلس أبو الزناد بقوله قتلنا وكأنه يريد معشر المسلمين وإن لم يحضرهم ثم لا يخفى أن غايته بعد ثبوته عن خارجة فعل جماعة من الصحابة وليس بإجماع حتى يكون حجة ولا شك في ثبوت فعل عمر بالقسامة وإن اختلف عنه في القتل بها وإنما نزاعنا في ثبوت حكمه صلى الله عليه وسلم بها فإنه لم يثبت
(3/257)
قوله على ما كانت عليه في الجاهلية كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في قصة الهاشمي في الجاهلية وفيها أن أبا طالب قال للقاتل اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا خطأ وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله وإن أبيت قتلناك به وفيه دليل على ثبوت القتل بالقسامة واعلم أنا قد أشرنا إلى أنه لم يثبت القسامة إلا الجماهير كما قررناه عنهم وذهب سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن علية والناصر إلى عدم شرعيتها لمخالفتها الأصول المقررة شرعا فإن الأصل أن البينة على المدعى عليه وبأن الأيمان لا تأثير لها في إثبات الدماء وبأن الشرع ورد بأنه لا يجوز الحلف إلا على ما علم قطعا أو شوهد حسا وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بها وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يجري الحكم بها على أصول الإسلام وبيان أنه لم يحكم بها أنهم لما قالوا له وكيف نحلف ولم نحضر ولم نشاهد لم يبين لهم أن هذا الحلف في القسامة من شأنه ذلك وأنه حكم الله فيها وشرعه بل عدل إلى قوله يحلف لكم يهود فقالوا ليسوا بمسلمين فلم يوجب صلى الله عليه وسلم عليهم ويبين لهم أن ليس لكم إلا اليمين من المدعى عليهم مطلقا مسلمين كانوا أو غيرهم بل عدل إلى إعطائه الدية من عنده صلى الله عليه وسلم ولو كان الحكم ثابتا بها لبين وجهه لهم بل تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على أنه لا حلف إلا على شيء مشاهد مرئي دليل على أنه لا حلف في القسامة ولأنه لم يطلب صلى الله عليه وسلم اليهود للإجابة عن خصومهم في دعواهم فالقصة منادية بأنها لم تخرج مخرج الحكم الشرعي إذا لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا أقوى دليل بأنها ليست حكما شرعيا وإنما تلطف صلى الله عليه وسلم في بيان أنها ليست بحكم شرعي بهذا التدريج المنادي بعدم ثبوتها شرعا وأقرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يحلفون على ما لا يعلمونه ولا شاهدوه ولا حضروه ولم يبين لهم بحرف واحد أن أيمان القسامة من شأنها أن تكون على ما لا يعلم وبذا تعرف بطلان القول بأن في القصة دليلا على الحكم على الغائب إذ لا حكم فيها أصلا وبطلان الجواب عن كونها مخالفة للأصول بأنها مخصصة من الأصول لأن القسامة سنة مستقلة بنفسها منفردة مخصصة للأصول كسائر المخصصات للحاجة إلى شرعيتها حياطة
(3/256)
لحفظ الدماء وردع المعتدين ووجه بطلانه أنه فرع ثبوت الحكم بها عن الشارع فلو ثبت الحكم بها لكان هذا جوابا حسنا وأما ما في حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود فهو إخبار عن القصة التي في حديث سهل بن أبي حثمة وقد عرفت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقض بها فيه كما قررناه وقد عرفت من حديث أبي طالب أنها كانت في الجاهلية على أن يؤدي الدية القاتل لا العاقلة كما قال أبو طالب إما أن تؤدي مائة من الإبل فإنه ظاهر أنها من ماله لا من عاقلته أو يحلف خمسون من قومك أو تقتل وهنا في قصة خيبر لم يقع شيء من ذلك فإن المدعى عليهم لم يحلفوا ولم يسلموا الدية ولم يطلب منهم الحلف وليس هذا قدحا في رواية الراوي من الصحابة بل في استنباطه لأنه قد أفاد حديثه أنه استنبط قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة من قصة أهل خيبر وليس في تلك القصة قضاء وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا وإنما روايته للحديث بلفظه أو بمعناه هي التي يتعين قبولها وأما قول أبي الزناد قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان فإنه قال في فتح الباري إنما نقله أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرة من الصحابة فضلا عن ألف اه قلت لا يخفى أنه تقرير لما رواه أبو الزناد لثبوت ما رواه عن خارجة بن زيد الفقيه الثقة وإنما دلس أبو الزناد بقوله قتلنا وكأنه يريد معشر المسلمين وإن لم يحضرهم ثم لا يخفى أن غايته بعد ثبوته عن خارجة فعل جماعة من الصحابة وليس بإجماع حتى يكون حجة ولا شك في ثبوت فعل عمر بالقسامة وإن اختلف عنه في القتل بها وإنما نزاعنا في ثبوت حكمه صلى الله عليه وسلم بها فإنه لم يثبت
(3/257)
عدد المشاهدات *:
571995
571995
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 25/12/2016