باب الشجاج وغيرها
الشجاج هي جروح الرأس والوجه وهي تسع: أولها الحارصة: وهي التي تشق الجلد شقا لا يظهر منه دم، ثم البازلة: التي ينزل منها دم يسير، ثم الباضعة: التي تبضع اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحقة: التي أخذت في اللحم، ثم السمحاق: التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة، فهذه الخمس لا توقيت فيها ولا قصاص بحال، (56) ثم الموضحة وهي التي وصلت إلى العظم وفيها خمس من الإبل
(والشجاج هي جراح الرأس والوجه) فإنه يسمى شجاجا خاصة دون جراح سائر البدن، والشجاج المسماة (تسعة) : منها خمس لا توقيت فيها، وباقيها مقدر. فأما التي لا توقيت فيها فقال الأصمعي: (أولها الحارصة وهي التي تشق اللحم قليلا) ، ومنه حرص القصار للثوب، (ثم البازلة وهي التي يبزل منها الدم) أي يسيل، وتسمى الدامية أيضا، (ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم) ، ولم تبلغ السمحاق، (ثم السمحاق وهي التي تصل إلى قشرة رقيقة) أو جلدة بين اللحم والعظم، تسمى الجراح الموصلة إلى تلك الجلدة سمحاقا باسمها، ويسميها أهل المدينة الملطاء وهي التي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه. (فهذه خمس لا توقيت فيها ولا قصاص) أي لم نجد عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها حكما ولا توقيتا، وأكثر الفقهاء لا يرون فيها توقيتا، وهو الصحيح عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه رواية أخرى في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي الملاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة، وهذا يروى عن زيد بن ثابت، صار أحمد إلى ذلك اتباعا لزيد؛ لأن مثل هذا لا يكاد يصدر إلا عن توقيت، ووجه الأول أنها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن أو كالحارصة، وروى مكحول قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيما دونها» .
مسألة 56: (ثم الموضحة) وهي من الشجاج (وهي التي وصلت إلى العظم) سميت موضحة؛ لأنها أبدت وضح العظم أي بياضه، أجمع أهل العلم على أن أرشها مقدر، قاله ابن المنذر، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وفي الموضحة خمس من الإبل» ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في المواضح خمس خمس» ، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن. والموضحة في الوجه والرأس سواء، وعنه رواية أخرى: يجب في موضحة الوجه عشر من الإبل وهو قول سعيد بن المسيب؛ لأن تشيينها أكثر، والأول ظاهر المذهب وهو الصحيح الذي يوافق عموم الخبر، ويشهد له النظر، فإن التقدير لا يصار إليه بالرأي والاختيار، أما كثرة الشين فلا عبرة به بدليل التسوية بين الصغير والكبير.
ص : 572
(57) والقصاص إذا كانت عمدا
مسألة 57: (وفيها القصاص إذا كانت عمدا) ؛ لقوله سبحانه: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ ولأن لها حدا تنتهي إليه فأشبهت اليد، وقوله في الشجاج وهي جروح الرأس والوجه يعني أنها تختص بالرأس والوجه، فلو أوضحه في غيرهما لم يكن فيه مقدر، وهذا قول أكثرهم، وقال بعضهم: إن أوضحه في غير الرأس والوجه كانت موضحة مقدرة، ولنا أن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة بالرأس والوجه، وقول الخليفتين الراشدين الموضحة في الرأس والوجه سواء يدل على أن باقي البدن بخلافه، ولأن الشين فيهما أكثر منه في سائر البدن فلا يلحق به، ثم إن إيجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح عن عظم أنملة فيجب فيها خمس من الإبل وديتها ثلاثة وثلث.
(58) ثم الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشر من الإبل
مسألة 58: (ثم الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه) سميت هاشمة لهشمها العظم (وفيها عشر من الإبل) روي ذلك عن زيد بن ثابت، ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لم يعرف له مخالف في عصره فكان إجماعا، ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة، وهي في الوجه والرأس سواء على ما ذكرناه في الموضحة.
ص : 573
(59) ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها، وفيها خمسة عشر من الإبل
مسألة 59: (ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها، وفيها خمسة عشر من الإبل) بإجماع أهل العلم، حكاه ابن المنذر في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم قال: «وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل» .
(60) ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وفيها ثلث الدية
مسألة 60: (ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ) وهي الآمة أيضا، وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ، سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه، فإذا وصلت الجراحة إليها سميت آمة ومأمومة، يقال: أم الرجل آمة ومأمومة، وأرشها ثلث الدية؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " في كتاب عمرو: «وفي المأمومة ثلث الدية» ، وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ذلك، ونحوه عن علي.
(61) وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف
مسألة 61: (وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف) ؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتاب عمرو بن حزم: «وفي الجائفة ثلث الدية» ، وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ذلك.
(62) فإن خرجت من جانب آخر فهي جائفتان
مسألة 62: (فإن جرحه في جوفه فخرجت من الجانب الآخر فهي جائفتان) ؛ لما روى سعيد بن المسيب: " أن رجلا رمى رجلا بسهم فأنفذه فقضى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بثلثي الدية "، ولا مخالف له أخرجه سعيد، قال أصحابنا: وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في الجائفة إذا نفذت في الجوف بأرش جائفتين، ولأنه أنفذه في موضعين فأشبه ما إذا كان من الظاهر إلى الباطن.
(63) وفي الضلع بعير، وفي الترقوتين بعيران
مسألة 63: (وفي الضلع بعير، وفي الترقوتين بعيران) هكذا ذكره الخرقي، وقال القاضي: إن المراد بقوله: الترقوة الترقوتان معا، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف
واللام المقتضية للاستغراق، والترقوة العظم الممدود من النحر إلى الكتف، ولكل واحد ترقوتان ففي كل ترقوة بعير، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولما كانت الترقوة عظمتين في كل واحد بعير كان في الضلع بعير أيضا.
ص : 574
(64) وفي الزندين أربعة أبعرة
مسألة 64: (وفي الزندين أربعة أبعرة) لأن فيهما أربعة عظام ففي كل عظم بعير يروى ذلك عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقيل في ذلك حكومة، وما روى سعيد حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر: إن فيه بعيرين، وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة من الإبل.
(65) وما عدا هذا مما لا مقدر فيه ولا هو في معناه ففيه حكومة
مسألة 65: (وما عدا هذا مما لا يقدر فيه ولا هو في معناه ففيه حكومة) وذلك أن لنا مقدرا، وما هو في معناه، وغيره، فالمقدر ما نص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أرشه وبين قدره كقوله: «في الأنف الدية، وفي اللسان الدية» ، وقد سبق ذكره، وما هو في معناه كالإليتين والثديين والحاجبين فذلك ملحق بالمقدر، وقد سبق أيضا، وأما غير المقدر والذي ليس في معناه فكالشجاج التي دون الموضحة وجراحات البدن سوى الجائفة وقطع الأعضاء وكسر العظام المذكورة فيجب فيها حكومة؛ لأنها ليست في معنى المقدر.
(66) وهي أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص من قيمته فله بقسطه من الدية
مسألة 66: (والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برأت، فما نقص من قيمته فله نقصه من ديته) قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم حكومة أن يقال: إذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم كم قيمة هذا المجروح لو كان عبدا لم يجرح هذا الجرح، فإن قيل: مائة دينار، قيل: وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ قيل: خمسة وتسعون، فالذي يجب له على الجاني نصف عشر الدية، وإن قالوا: تسعون، فعشر الدية، وإن زاد أو نقص فعلى هذا المثال، وإنما كان كذلك؛ لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة فيها، كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش المعيب الموجود فيه مقدرا من الثمن، فيقال: كم قيمته لا عيب فيه؟ قالوا: عشرة، فيقال: وكم قيمته والعيب فيه؟ فإذا قيل: تسعة علم أنه نقص عشر قيمته فيجب أن يرد من الثمن عشره أي قدر كان، وتقديره عبدا ليمكن تقويمه، ويجعل العبد أصلا للحكم فيما لا توقيت فيه، والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت.
ص : 575
(67) إلا أن تكون الجناية على عضو فيه مقدر فلا يجاوز به أرش المقدر، مثل أن يشجه دون الموضحة فلا يجب أكثر من أرشها، أو يجرح أنملة فلا يجب أكثر من ديتها
مسألة 67: (إلا أن تكون الجناية على عضو فيه مقدر فلا يجاوز به أرش المقدر، مثل أن يشجه دون الموضحة فلا يجب أكثر من أرشها، أو يجرح أنملة فلا يجب أكثر من ديتها) ، وذلك مثل أن يشجه سمحاقا في وجهه فينقص عشر قيمته فتقتضي الحكومة أن يجب فيه عشر من الإبل ودية الموضحة خمس، فهاهنا يعلم غلط المقوم؛ لأن الجراحة لو كانت موضحة لم تزد على خمس من الإبل مع زيادتها على السمحاق قليلا فلأنه لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى، وكذلك لو جرح أنملة فبلغ أرشها بالحكومة خمسا من الإبل فإنه يرد إلى دية الأنملة المجروحة وينقص عنها شيئا، ذكره القاضي وفي التي قبلها، وقال: من المحال أن يجب في الجناية على العضو أكثر من ديته، فما زاد علمنا غلط المقوم، وإن كانت الجناية في محل لا مقدر فيه وجب فيه ما أخرجته الحكومة بالغا ما بلغ.
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة