ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ
مُلَيْكَةَ دَعَتْ رسول الله إِلَى طَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا
لُبِسَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268
فنضحته بماء فقام عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ
وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ وَفِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةُ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَجَالَّةَ وَالْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ إِذَا دَعَتْ إِلَى طَعَامٍ أُجِيبَتْ
قال الله عز وجل (والقوعد من النساء التي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ
يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) النُّورِ 60
وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا لِكَلَامِهِ بِسَاطٌ يَعْلَمُ بِهِ
مَخْرَجَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا يَنْوِي وَيَبْسُطُ مِنَ الثِّيَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى لِبَاسًا
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ
وَأَمَّا نَضْحُ الْحَصِيرِ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّمَا
كَانَ ذَلِكَ لِيَلِينَ الْحَصِيرُ لَا لِنَجَاسَةٍ فِيهِ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّ النَّضْحَ طِهَارَةٌ لِمَا شَكَّ فِيهِ لِتَطْيِيبِ النَّفْسِ عَلَيْهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ
فِي قَوْلِهِ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ ثَوْبَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
بالنجاسة وأن النضح فيما قد يحبس لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شَرًّا وَقَدْ يُسَمَّى الْغَسْلُ نَضْحًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِالشَّاهِدِ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
إِلَّا أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِالنَّضْحِ الَّذِي هُوَ الرَّشُّ إِلَى قَطْعِ الْوَسْوَسَةِ وَحَزَازَةِ النَّفْسِ فِيمَا
يُشَكُّ فِيهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ وَاتِّبَاعًا لِلْأَصْلِ فِي الثوب أنه على الطهارة
محمول حتى نضح النَّجَاسَةُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي النَّفْسِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ اتِّبَاعًا شَيْءٌ
مِنَ الشَّكِّ يَقْطَعُ بِالرَّشِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ فَهُوَ احْتِيَاطٌ غَيْرُ مُضِرٍّ وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا النضح بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَالْكَثِيرُ الْمُنْهَمِرُ
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) الرَّحْمَنِ 66
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269
جَمَاعَةً قَامَ إِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ علقمة والأسود أن بن مَسْعُودٍ صَلَّى
بِهِمَا فَقَامَ وَسَطَهُمَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُومَانِ خَلْفَهُ كَمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ وَلَمْ
يَخْتَلِفُوا فِيمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقِفُ أَمَامَهُمْ وَيَقُومُونَ خَلْفَهُ
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ قَوْلُهُ فَصَفَفْتُ أَنَا
واليتيم من ورائه
وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبِجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ فَأَقَامَنَا خَلْفَهُ
وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ فِيهِ حُجَّةً عَلَى مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لِأَنَّ
الْعَجُوزَ قَدْ قَامَتْ خَلْفَ الصَّفِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَذْهَبُونَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي
الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَكَانُوا يَرَوْنَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مِنَ
الرِّجَالِ لِحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ
وَلَا يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا صَلَّتْ خَلْفَ الصَّفِّ شَيْئًا لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالُوا سُنَّةُ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الرِّجَالِ لَا تَقُومُ مَعَهُمْ
قَالُوا فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ لِلرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ الْقِيَامُ خَلْفَ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ الْقِيَامُ
مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِي وَبِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي فَأَقَامَنِي عَنْ
يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَنَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270
وَحَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّ الرِّجَالَ
ثُمَّ الصِّبْيَانَ خَلْفَ الرِّجَالِ ثُمَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ فِي الصَّلَاةِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ
هَذَا وَأَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ رَكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ
قَالَ وَقَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ لَا تَعُدْ يَعْنِي لَا تَعُدْ أَنْ تَتَأَخَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَفُوتَكَ أَوْ
تَفُوتَكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ
قَالَ وَإِذَا جَازَ الرُّكُوعُ لِلرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ فَكَذَلِكَ سَائِرُ صَلَاتِهِ
لِأَنَّ الرُّكُوعَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَإِذَا جَازَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ جَازَ
لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَأَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وقد احتج جماعة من أصحابنا ما احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ
الصَّفِّ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الرِّجَالِ
وَلَكِنِّي أَقُولُ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي إِبْطَالِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ
لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ
وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى تَرْكِ الْقَوْلِ بِهِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كُلُّهُمْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ جَائِزَةٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ حَضَرَهَا مَعَ
الْجَمَاعَةِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ إِذَا كَانَ يُؤْمَنُ مِنْهُ اللَّعِبُ وَالْأَذَى وَكَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُ
مَعْنَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَبْصَرَ صَبِيًّا فِي
الصَّفِّ أَخْرَجَهُ
وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَأَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ
وهذا يحتمل أن يكون ذلك الصبي من لا يؤمن لعبة وعبثه أو يكون كثرة التقدم
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271
لَهُ فِي الصَّفِّ مَعَ الشُّيُوخِ وَالْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَا بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ
قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ مَعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا مَنْ قَدِ
احْتَلَمَ أَوْ أَنْبَتَ أَوْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ فَقَالَ ذَلِكَ فِي
التَّطَوُّعِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ صَلَاةُ الضُّحَى وَلِذَلِكَ سَاقَهُ مَالِكٌ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ
الضُّحَى فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ
ضَخْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أُصَلِّيَ مَعَكَ فَلَوْ أَتَيْتَ مَنْزِلِي فَصَلَّيْتَ فَأَقْتَدِي بِكَ فَصَنَعَ الرَّجُلُ طَعَامًا ثُمَّ دَعَا بِالنَّبِيِّ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَنَضَحَ حصيرا لهم فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَ مَا
رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمئِذٍ
مُلَيْكَةَ دَعَتْ رسول الله إِلَى طَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا
لُبِسَ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268
فنضحته بماء فقام عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ
وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ وَفِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةُ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَجَالَّةَ وَالْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ إِذَا دَعَتْ إِلَى طَعَامٍ أُجِيبَتْ
قال الله عز وجل (والقوعد من النساء التي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ
يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) النُّورِ 60
وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا لِكَلَامِهِ بِسَاطٌ يَعْلَمُ بِهِ
مَخْرَجَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا يَنْوِي وَيَبْسُطُ مِنَ الثِّيَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى لِبَاسًا
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ
وَأَمَّا نَضْحُ الْحَصِيرِ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّمَا
كَانَ ذَلِكَ لِيَلِينَ الْحَصِيرُ لَا لِنَجَاسَةٍ فِيهِ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّ النَّضْحَ طِهَارَةٌ لِمَا شَكَّ فِيهِ لِتَطْيِيبِ النَّفْسِ عَلَيْهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ
فِي قَوْلِهِ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ ثَوْبَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
بالنجاسة وأن النضح فيما قد يحبس لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شَرًّا وَقَدْ يُسَمَّى الْغَسْلُ نَضْحًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِالشَّاهِدِ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
إِلَّا أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِالنَّضْحِ الَّذِي هُوَ الرَّشُّ إِلَى قَطْعِ الْوَسْوَسَةِ وَحَزَازَةِ النَّفْسِ فِيمَا
يُشَكُّ فِيهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ وَاتِّبَاعًا لِلْأَصْلِ فِي الثوب أنه على الطهارة
محمول حتى نضح النَّجَاسَةُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي النَّفْسِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ اتِّبَاعًا شَيْءٌ
مِنَ الشَّكِّ يَقْطَعُ بِالرَّشِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ فَهُوَ احْتِيَاطٌ غَيْرُ مُضِرٍّ وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا النضح بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَالْكَثِيرُ الْمُنْهَمِرُ
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) الرَّحْمَنِ 66
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269
جَمَاعَةً قَامَ إِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ علقمة والأسود أن بن مَسْعُودٍ صَلَّى
بِهِمَا فَقَامَ وَسَطَهُمَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُومَانِ خَلْفَهُ كَمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ وَلَمْ
يَخْتَلِفُوا فِيمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقِفُ أَمَامَهُمْ وَيَقُومُونَ خَلْفَهُ
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ قَوْلُهُ فَصَفَفْتُ أَنَا
واليتيم من ورائه
وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبِجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ فَأَقَامَنَا خَلْفَهُ
وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ فِيهِ حُجَّةً عَلَى مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لِأَنَّ
الْعَجُوزَ قَدْ قَامَتْ خَلْفَ الصَّفِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَذْهَبُونَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي
الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَكَانُوا يَرَوْنَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مِنَ
الرِّجَالِ لِحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ
وَلَا يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا صَلَّتْ خَلْفَ الصَّفِّ شَيْئًا لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالُوا سُنَّةُ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الرِّجَالِ لَا تَقُومُ مَعَهُمْ
قَالُوا فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ لِلرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ الْقِيَامُ خَلْفَ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ الْقِيَامُ
مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِي وَبِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي فَأَقَامَنِي عَنْ
يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَنَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270
وَحَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّ الرِّجَالَ
ثُمَّ الصِّبْيَانَ خَلْفَ الرِّجَالِ ثُمَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ فِي الصَّلَاةِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ
هَذَا وَأَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ رَكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ
قَالَ وَقَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ لَا تَعُدْ يَعْنِي لَا تَعُدْ أَنْ تَتَأَخَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَفُوتَكَ أَوْ
تَفُوتَكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ
قَالَ وَإِذَا جَازَ الرُّكُوعُ لِلرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ فَكَذَلِكَ سَائِرُ صَلَاتِهِ
لِأَنَّ الرُّكُوعَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَإِذَا جَازَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ جَازَ
لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَأَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وقد احتج جماعة من أصحابنا ما احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ
الصَّفِّ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الرِّجَالِ
وَلَكِنِّي أَقُولُ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي إِبْطَالِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ
لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ
وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى تَرْكِ الْقَوْلِ بِهِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُمْ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كُلُّهُمْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ جَائِزَةٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ حَضَرَهَا مَعَ
الْجَمَاعَةِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ إِذَا كَانَ يُؤْمَنُ مِنْهُ اللَّعِبُ وَالْأَذَى وَكَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُ
مَعْنَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَبْصَرَ صَبِيًّا فِي
الصَّفِّ أَخْرَجَهُ
وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَأَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ
وهذا يحتمل أن يكون ذلك الصبي من لا يؤمن لعبة وعبثه أو يكون كثرة التقدم
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271
لَهُ فِي الصَّفِّ مَعَ الشُّيُوخِ وَالْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَا بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ
قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ مَعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا مَنْ قَدِ
احْتَلَمَ أَوْ أَنْبَتَ أَوْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ فَقَالَ ذَلِكَ فِي
التَّطَوُّعِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ صَلَاةُ الضُّحَى وَلِذَلِكَ سَاقَهُ مَالِكٌ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ
الضُّحَى فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ
ضَخْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أُصَلِّيَ مَعَكَ فَلَوْ أَتَيْتَ مَنْزِلِي فَصَلَّيْتَ فَأَقْتَدِي بِكَ فَصَنَعَ الرَّجُلُ طَعَامًا ثُمَّ دَعَا بِالنَّبِيِّ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَنَضَحَ حصيرا لهم فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَ مَا
رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمئِذٍ
عدد المشاهدات *:
471706
471706
عدد مرات التنزيل *:
94843
94843
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/01/2018