وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً
فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَرَاءَ إِمَامٍ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ يُصَلِّ بَعْدَهَا
الْأُخْرَى
فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِيمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَحَدِيثًا فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ
فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ قَبْلَ الَّتِي هُوَ فِي آخِرِ وَقْتِ وَقْتِهَا
وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَرَاءَ إِمَامٍ تَمَادَى مَعَهُ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِصَلَاتِهِ تِلْكَ
مَعَهُ وَصَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا وَصَلَّاهَا
وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَذَكَرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتِ الْمَذْكُورَةُ صَلَاةً وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ
أَوْ أَرْبَعًا وَقَدْ قِيلَ أَوْ خَمْسَةً بَدَأَ بِهَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339
وَإِنْ كَانَ فَاتَ وَقْتُ الَّذِي حَضَرَ وَقْتُهَا وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةَ صَلَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ بَدَأَ بِالَّتِي
حَضَرَ وَقْتُهَا ثُمَّ صَلَّى الْفَوَائِتَ
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا
التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْتِ
فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ بَدَأَ بِهَا فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَجِبِ
التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمْ وَالنِّسْيَانُ عِنْدَهُمْ يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ أَيْضًا
وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ مَعَ صَلَاةِ الْوَقْتِ إِلَّا بِالذِّكْرِ
وُجُوبَ اسْتِحْسَانٍ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فَائِتَةً فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ
صَلَوَاتٍ يَسِيرَةً أَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَى الْفَائِتَةِ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْعَصْرِ الَّتِي
صَلَّاهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ فِيهَا لِلْفَائِتَةِ إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يُعِيدُهَا فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ
وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ أَنَّهَا تَنْهَدِمُ أَوْ تَفْسَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ
كَلَامٌ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَوَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ لِلْعَصْرِ بَعْدَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ لِأَنَّ مَا يَنْفَسِدُ وَيَنْهَدِمُ يُعَادُ أَبَدًا وَمَا يُعَادُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّمَا إِعَادَتُهُ اسْتِحْبَابٌ
فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى مِنَ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ مَضَى فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى
الَّتِي عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ وَصَلَّى الَّتِي ذَكَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي
آخِرِ وَقْتِ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا فَخَافَ فَوْتَهَا أَنْ يَتَشَاغَلَ بِهَذِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ثُمَّ قَضَى
الَّتِي ذَكَرَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا
رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْوِتْرَ فَجَرَتْ عِنْدَهُمَا مَجْرَى الْخَمْسِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْوِتْرِ وَلَا بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ الطَّحَاوِيُّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ هَذِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَبَدَأَ
بِصَلَاةِ الوقت أجزأه
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340
وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاجِبٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ
وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ثُمَّ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ أَحْمَدُ فَقَالَ أَنَا آخِذٌ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي
الَّذِي يَذْكُرُ صَلَاةً فِي وَقْتِ صَلَاةٍ كَرَجُلٍ ذَكَرَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ
يُصَلِّي الْفَجْرَ وَلَا يُضَيِّعُ صَلَاتَيْنِ أَوْ قَالَ يُضَيِّعُ مَرَّتَيْنِ
وَقَالَ إِذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَلَا يُضَيِّعْ هَذِهِ لِقَوْلِ سَعِيدٍ لَا يُضَيِّعُ مَرَّتَيْنِ
وَهَذَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُرَاعَاتِهَا الِابْتِدَاءَ بِالْفَائِتَةِ أَبَدًا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ
صَلَاةِ الْوَقْتِ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ إِذَا دَخَلْتَ فِي صَلَاةٍ وَتَحَرَّمْتَ بِهَا ثُمَّ
ذَكَرْتَ صَلَاةً أُنْسِيتَهَا لَمْ تَقْطَعِ الَّتِي دَخَلْتَ فِيهَا وَلَكِنَّكَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا قَضَيْتَ الَّتِي
نَسِيتَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِعَادَةُ هَذِهِ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ إِنَّمَا أَعْرِفُ مَنْ قَالَ أَنَا
أَقْطَعُ وَأَنَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَأُصَلِّي الَّتِي ذَكَرْتُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُصَلِّهَا
إِذَا ذَكَرَهَا
قَالَ وَهَذَا شَنِيعٌ أَنْ يَقْطَعَ وَهُوَ وَرَاءَ إِمَامٍ
قِيلَ لَهُ فَمَا تَقَوُلُ أَنْتَ قَالَ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَطَعَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ وَلَا يُعِيدُ هَذِهِ
وَاحْتَجَّ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصُّبْحِ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا مَا قَبْلَهُمَا
وَأَيْضًا فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ إِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ صَلَاةِ
الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي صَلَاةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ اسْتِدْلَالًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ
يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِ مَا دَامَ قَائِمًا فَإِذَا انْقَضَى سَقَطَ التَّرْتِيبُ عَنْ كُلِّ مَنْ يَصُومُهُ عَنْ
مَرَضٍ أَوْ سِفْرٍ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى غَيْرِ نَسَقٍ
قَالُوا فَكَذَلِكَ تَرْتِيبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ
قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا هِقْلٌ قَالَ حَدَّثَنَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341
الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي الَّذِي يَنْسَى الظُّهْرَ فَلَا يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ
فِي الْعَصْرِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِذَا انْصَرَفَ اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ ثُمَّ
صَلَّى العصر
فهذا بن شهاب الزهري يفتي بقول بن عُمَرَ وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
(وَأَقِمِ الصلوة لِذِكْرِي (1)) طه 14
وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَنْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ
قَالُوا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالُوا قَدْ جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْفَائِتَةِ
وَقْتًا لَهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا فَكَأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَبْدَأُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا وَمَنْ
أَبَى مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إعلاما به بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا
يُسْقِطُهَا خُرُوجُ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالذِّكْرِ أَبَدًا وَلَيْسَتْ كَالْجِمَارِ وَالضَّحَايَا وَالْأَعْمَالِ
الَّتِي تَفُوتُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى
وَأَمَّا تَرْتِيبُهَا وَتَقْدِيمُهَا عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ فَلَا
وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذَا الْبَابِ بِآثَارٍ عَنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَرَاءَ إِمَامٍ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ يُصَلِّ بَعْدَهَا
الْأُخْرَى
فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِيمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَحَدِيثًا فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ
فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ قَبْلَ الَّتِي هُوَ فِي آخِرِ وَقْتِ وَقْتِهَا
وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَرَاءَ إِمَامٍ تَمَادَى مَعَهُ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِصَلَاتِهِ تِلْكَ
مَعَهُ وَصَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا وَصَلَّاهَا
وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَذَكَرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتِ الْمَذْكُورَةُ صَلَاةً وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ
أَوْ أَرْبَعًا وَقَدْ قِيلَ أَوْ خَمْسَةً بَدَأَ بِهَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339
وَإِنْ كَانَ فَاتَ وَقْتُ الَّذِي حَضَرَ وَقْتُهَا وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةَ صَلَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ بَدَأَ بِالَّتِي
حَضَرَ وَقْتُهَا ثُمَّ صَلَّى الْفَوَائِتَ
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا
التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْتِ
فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ بَدَأَ بِهَا فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَجِبِ
التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمْ وَالنِّسْيَانُ عِنْدَهُمْ يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ أَيْضًا
وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ مَعَ صَلَاةِ الْوَقْتِ إِلَّا بِالذِّكْرِ
وُجُوبَ اسْتِحْسَانٍ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فَائِتَةً فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ
صَلَوَاتٍ يَسِيرَةً أَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَى الْفَائِتَةِ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْعَصْرِ الَّتِي
صَلَّاهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ فِيهَا لِلْفَائِتَةِ إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يُعِيدُهَا فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ
وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ أَنَّهَا تَنْهَدِمُ أَوْ تَفْسَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ
كَلَامٌ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَوَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ لِلْعَصْرِ بَعْدَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ لِأَنَّ مَا يَنْفَسِدُ وَيَنْهَدِمُ يُعَادُ أَبَدًا وَمَا يُعَادُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّمَا إِعَادَتُهُ اسْتِحْبَابٌ
فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى مِنَ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ مَضَى فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى
الَّتِي عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ وَصَلَّى الَّتِي ذَكَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي
آخِرِ وَقْتِ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا فَخَافَ فَوْتَهَا أَنْ يَتَشَاغَلَ بِهَذِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ثُمَّ قَضَى
الَّتِي ذَكَرَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا
رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْوِتْرَ فَجَرَتْ عِنْدَهُمَا مَجْرَى الْخَمْسِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْوِتْرِ وَلَا بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ الطَّحَاوِيُّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ هَذِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَبَدَأَ
بِصَلَاةِ الوقت أجزأه
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340
وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاجِبٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ
وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ثُمَّ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ أَحْمَدُ فَقَالَ أَنَا آخِذٌ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي
الَّذِي يَذْكُرُ صَلَاةً فِي وَقْتِ صَلَاةٍ كَرَجُلٍ ذَكَرَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ
يُصَلِّي الْفَجْرَ وَلَا يُضَيِّعُ صَلَاتَيْنِ أَوْ قَالَ يُضَيِّعُ مَرَّتَيْنِ
وَقَالَ إِذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَلَا يُضَيِّعْ هَذِهِ لِقَوْلِ سَعِيدٍ لَا يُضَيِّعُ مَرَّتَيْنِ
وَهَذَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُرَاعَاتِهَا الِابْتِدَاءَ بِالْفَائِتَةِ أَبَدًا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ
صَلَاةِ الْوَقْتِ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ إِذَا دَخَلْتَ فِي صَلَاةٍ وَتَحَرَّمْتَ بِهَا ثُمَّ
ذَكَرْتَ صَلَاةً أُنْسِيتَهَا لَمْ تَقْطَعِ الَّتِي دَخَلْتَ فِيهَا وَلَكِنَّكَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا قَضَيْتَ الَّتِي
نَسِيتَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِعَادَةُ هَذِهِ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ إِنَّمَا أَعْرِفُ مَنْ قَالَ أَنَا
أَقْطَعُ وَأَنَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَأُصَلِّي الَّتِي ذَكَرْتُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُصَلِّهَا
إِذَا ذَكَرَهَا
قَالَ وَهَذَا شَنِيعٌ أَنْ يَقْطَعَ وَهُوَ وَرَاءَ إِمَامٍ
قِيلَ لَهُ فَمَا تَقَوُلُ أَنْتَ قَالَ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَطَعَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ وَلَا يُعِيدُ هَذِهِ
وَاحْتَجَّ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصُّبْحِ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا مَا قَبْلَهُمَا
وَأَيْضًا فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ إِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ صَلَاةِ
الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي صَلَاةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ اسْتِدْلَالًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ
يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِ مَا دَامَ قَائِمًا فَإِذَا انْقَضَى سَقَطَ التَّرْتِيبُ عَنْ كُلِّ مَنْ يَصُومُهُ عَنْ
مَرَضٍ أَوْ سِفْرٍ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى غَيْرِ نَسَقٍ
قَالُوا فَكَذَلِكَ تَرْتِيبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ
قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا هِقْلٌ قَالَ حَدَّثَنَا
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341
الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي الَّذِي يَنْسَى الظُّهْرَ فَلَا يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ
فِي الْعَصْرِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِذَا انْصَرَفَ اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ ثُمَّ
صَلَّى العصر
فهذا بن شهاب الزهري يفتي بقول بن عُمَرَ وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
(وَأَقِمِ الصلوة لِذِكْرِي (1)) طه 14
وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَنْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ
قَالُوا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالُوا قَدْ جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْفَائِتَةِ
وَقْتًا لَهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا فَكَأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَبْدَأُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا وَمَنْ
أَبَى مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إعلاما به بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا
يُسْقِطُهَا خُرُوجُ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالذِّكْرِ أَبَدًا وَلَيْسَتْ كَالْجِمَارِ وَالضَّحَايَا وَالْأَعْمَالِ
الَّتِي تَفُوتُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى
وَأَمَّا تَرْتِيبُهَا وَتَقْدِيمُهَا عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ فَلَا
وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذَا الْبَابِ بِآثَارٍ عَنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
عدد المشاهدات *:
454001
454001
عدد مرات التنزيل *:
93363
93363
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/01/2018