مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ
صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ مَنْ يَلِي عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَجَدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير ومروان بن الحكم فذكرت لَهُمُ الَّذِي عَرَضَ
لَهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ
إِحْرَامِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهدي
قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ أن يحلا
بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَانِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنَ
الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ أَوِ امْرَأَةٌ
تَطْلُقُ قَالَ مَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إِذَا
هُمُ أُحْصِرُوا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إَذَا قَضَى عُمْرَتَهُ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ كُسِرَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ
الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إِذَا بَرِأَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ
فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ
مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنِ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ
وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا
وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ
وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَسَعْيَهُ إِنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ
قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ أَبُو عمر أما قول بن عُمَرَ فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ إِنَّهُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ
وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَهُوَ قول بن عمر وبن عباس وعائشة
وبه قال مالك والشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ
وَمَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ مُخَالِفًا مِنَ الصحابة في هذه المسألة إلا بن مسعود فإنه قَالَ
فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ إِذَا بَعَثَ بِهَدْيٍ وواعد صاحبه ثم يوم ينحره جاز له أَنْ يَحِلَّ
وَهُوَ بِمَوْضِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ قَالَتْ مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ عَرَجٍ فَقَدْ حَلَّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي
عَرَضَ لَهُ هَذَا فِيهِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى
رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
عِكْرِمَةُ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ
قَالَ عكرمة حدثت به بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا صَدَقَ
هَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ
الصَّوَّافِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَمُعَاوَيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَدْخَلُوا بَيْنَ عِكْرِمَةَ وَبَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَافِعٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَهَذَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ حَلَّ أَيْ فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ
الْمُحْصَرُ مِنَ النَّحْرِ أَوِ الذَّبْحِ لَا أَنَّهُ قَدْ حَلَّ بِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ
قَالُوا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ قَدْ حَلَّتْ فُلَانَةُ لِلرِّجَالِ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ
حَلَّ لِلرِّجَالِ أَنْ يَخْطِبُوهَا وَيَتَزَوَّجُوهَا بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْفُرُوجُ فِي النِّكَاحِ مِنَ الصَّدَاقِ
وَغَيْرِهِ
هَذَا تَأْوِيلُ من ذهب مذهب الكوفيين
وتأول مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْحِجَازِيِّينَ أَيْ فَقَدْ حَلَّ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ حِلًّا كَامِلًا وَحَلَّ
لَهُ بِنَفْسِ الْكَسْرِ وَالْعَرَجِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شاءَ مِنْ إِلْقَاءِ التَّفَثِ وَيَفْتَدِي
وَلَيْسَ الصَّحِيحُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَبَيَّنَ فِيهِ مَذْهَبُهُ
وَهُوَ مذهب الشافعي والحجازيين
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَنَذْكُرُ نُصُوصَ أَقْوَالِهِمْ لِيُوقَفَ كَذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ
قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعَثَ بِهَدْيٍ فَنُحِرَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنْ
نَحَرَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ
وَجُمْلَةُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ بَعَثَ بِهِ وَوَاعَدَ الْمَبْعُوثَ مَعَهُ
يَوْمًا يَذْبَحُهُ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَلَقَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوْ قَصَّرَ وحل ورجع
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178
فَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَةً لِأَنَّ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً وَإِنْ كَانَ
قَارِنًا قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً
وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمُ الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ أَوْ بِمَرَضٍ
وَذَكَرَ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَأُحْصِرَ فَعَلَيْهِ
أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَحِلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ
وَعُمْرَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَقْصِيرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ
مِنَ النُّسُكِ شَيْءٌ
وًقالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَصِّرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَقَالُوا إِنْ فَعَلَ فَالْهَدْيُ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَ مَكَانَهُ وَإِنْ شَاءَ انْصَرَفَ وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ
بَعَثَ فَاشْتُرِيَ لَهُ الْهَدْيُ وَتَوَاعَدَهُمْ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَلَّ وَكَانَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ
مَكَانَهَا
قَالُوا وَإِذَا كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ فَيُشْتَرَى لَهُ هَدْيَانِ فَيُنْحَرَانِ عَنْهُ وَيَحِلُّ
وَعَلَيْهِ عُمْرَتَانِ وَحَجَّةٌ فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْعُمْرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ وَالْحَجَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ
ضَمَّ الْعُمْرَتَيْنِ إِلَى الْحَجَّةِ
وَهَكَذَا عِنْدَهُمُ الْمُحْصَرُ بِأَيٍّ كَانَ بِعَدُوٍّ أُحْصِرَ أَوْ بِمَرَضٍ يُذْبَحُ هَدْيُهُ فِي الْحَرَمِ وَيَحِلُّ
قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ سَاقَ هَدْيًا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ
هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَحَلَّلُ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ كَانَ حَاجًّا
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُحْصَرِ بِعُمْرَةٍ مَتَى شَاءَ وَيَنْحَرُ
هَدْيَهُ سَوَاءٌ بَقِيَ الْإِحْصَارُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ زَالَ
وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ الْإِحْصَارُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ جَزَى ذَلِكَ عَنْهُ
وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حجة وعمرة وإن صح قبل فوت الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهُ وَكَانَ مُحْرِمًا
بِالْحَجِّ عَلَى حَالِهِ
قَالَ وَلَوْ صَحَّ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ نَظَرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْهَدْيِ قَبْلَ
أَنْ يُذْبَحَ مَضَى حَتَّى يَقْضِيَ عُمْرَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ حَلَّ إِذَا نُحِرَ عَنْهُ الْهَدْيُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فَفِيهِ ضَعْفٌ وَتَنَاقُضٌ لِأَنَّهُمْ لَا يجيزون لمحصر
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180
بِعَدُوٍّ وَلَا بِمَرَضٍ أَنْ يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ أَجَازُوا لِلْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ
أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدَ حَامِلَهُ يَوْمَ يَنْحَرُهُ فِيهِ فَيَحْلِقُ وَيَحِلُّ فَقَدْ أَجَازُوا لَهُ أَنْ يَحِلَّ
عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ نَحْرِ الْهَدْيِ وَبُلُوغِهِ وَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِحْلَالِ بِالظُّنُونِ وَالْعُلَمَاءُ
مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَهُ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِالظَّنِّ وَالدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظَنٌّ قَوْلُهُمْ لَوْ عَطِبَ ذَلِكَ الْهَدْيُ أَوْ ضَلَّ أَوْ سُرِقَ فَحَلَّ مُرْسِلُهُ
وَأَصَابَ النِّسَاءَ وَصَادَ أَنَّهُ يَعُودُ حَرَامًا وَعَلَيْهِ جَزَاءُ مَا صَادَ فَأَبَاحُوا لَهُ فَسَادَ الْحَجِّ
بِالْجِمَاعِ وَأَلْزَمُوهُ مَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ
وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَضَعْفِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا بَنَوْا مذهبهم على قول بن
مَسْعُودٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي خِلَافِ غَيْرِهِ لَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ الْمُحْرِمُ لا يحله إلا البيت فمعناه المحرم يمرض لَا
يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ يَتَدَاوَى بِهِ
وَافْتَدَى فَإِذَا بَرَأَ أَتَى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ وَسَعَى وَلَا يَحِلُّ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذلك
وهو كقول بن عمر سواء ومثله قول بن عَبَّاسٍ
وَالنَّاسُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ وحديثه عن بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ
مِثْلُهُ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ صُرِعَ
بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ مَنْ يَلِي عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ بِهِ فَوَجَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَمَعْنَاهُ أَيْضًا مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ عَنِ
بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهِ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَإِنَّهُ أَرَادَ إِذَا صَحَّ أَتَى مَكَّةَ فَعَمِلَ عُمْرَةً هُوَ الطَّوَافُ
وَالسَّعْيُ
ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقْضِي حَجَّهُ إِنْ
كَانَ حَاجًّا أَوْ عُمْرَتَهُ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا بِخِلَافِ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ
حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيَهْدِيَانِ
إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَرْسَلَ هَذَا حُجَّةً لِمَذْهَبِهِ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الْبَيْتُ يَطُوفُ
بِهِ ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا كَانَ مُحْصَرًا حَابِسٌ لَهُ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَجِّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181
وَهُوَ كَالَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ مَرَضٍ مِنْ خطأ عدد أو عذر يفعل ما يفعله الَّذِي يَفُوتُهُ
الْحَجُّ وَهُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَقَدْ أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب وهبار بِذَلِكَ
ثُمَّ أَبَانَ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ فِيهِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ
إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنَ الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا
عَلَى الْمُحْصَرِ
وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ حُكْمُهُمَا سَوَاءٌ كِلَاهُمَا
يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ لَا يَذْبَحُهُ إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْحَرُهُ حَيْثُ حُبِسَ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِنَّمَا يَنْحَرُهُ فِي الْحِلِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْحَرَمِ
وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْصَرِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ
مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الْحَجِّ 33 بِدَلِيلِ نَحْرِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَقَوْلُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الْفَتْحِ 25 فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْبُلُوغَ عَلَى مَنْ قَدَرَ لَا عَلَى مَنْ
أُحْصِرَ
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ فِي الْمَكِّيِّ وَالْغَرِيبِ يُحْصَرُ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّوَافِ
وَالسَّعْيِ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا بَقِيَ الْمَكِّيُّ مَحْصُورًا حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ
فَيُلَبِّي وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ وَيَحِلُّ فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ
الْحَجُّ قَابِلًا فَقَطْ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحِلُّ بعمرة مجرد لها الطواف
وقال بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ أُحْصِرَ فِي مَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقِفَ
بِعَرَفَةَ
وَقَالَ أبوَ بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي
الْمُحْصَرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ إِعَادَةِ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ هَذَا خِلَافُ
ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)
الْبَقَرَةِ 196
قَالَ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدِي قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِمَنْ لَمْ
يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يُقِيمَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ يَتَعَالَجُ وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182
فَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ما لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ
الْمَشَاهِدَ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ
قَالَ وَقَدْ عَارَضَ مَالِكٌ الزُّهْرِيَّ بِمُعَارَضَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ
تَطْلُقُ أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ قَالَ وَهَذَا لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَقَعُ إِلَّا لِمَنْ فِي
طَاقَتِهِ فِعْلُ الشَّيْءِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي طَاقَتِهِ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ
فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ الْإِبَاحَةُ لِمِثْلِهِ
وَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ
قَالَ عُرْوَةُ فِي الرَّجُلِ إِذَا أُحْصِرَ بِكَسْرٍ أَوْ لَدْغٍ فَامْتَنَعَ مِنَ الْمَصِيرِ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُ
الْحَجِّ أَنَّهُ إِنْ شَاءَ بَعَثَ بِهَدْيٍ فَيَحِلُّ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ وَلُبْسُ ثِيَابِهِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا
وَيَبْقَى مُحْرِمًا مِنَ النِّسَاءِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْكَعْبَةِ مَتَى وَصَلَ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحِلُّ
وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ فَعَلَى قَوْلِ عُرْوَةَ الْهَدْيُ الْأَوَّلُ غَيْرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي حلاق الشعر
وإلقاء التفث والهدي الثاني قَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الْبَقَرَةِ
196
قَالَ وَالْمَعْنَى إِنْ أُحْصِرْتُمْ فَأَرَدْتُمْ أن تحلقوا رؤوسكم قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَعَلَيْكُمْ
مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
(فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الْبَقَرَةِ 196 فَهَذَا
هَدْيٌ ثَانٍ لِأَنَّ الْهَدْيَ الْأَوَّلَ للمتمتع بِالْحِلَاقِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ الْهَدْيُ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي ثُمَّ احْتَجَّ بِذَلِكَ فَطَالَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ عَلَى
الْمُحْصَرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الْبَقَرَةِ 196 فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَمَامَ
الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفِي الْعُمْرَةِ الدُّخُولُ مِنَ الْحِلِّ
إِلَى الْبَيْتِ لِلطَّوَافِ بِهِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَحِلُّ وَلَا يَتِمُّ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ
إِلَّا بِمَا وَصَفْنَا وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَعَانٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ وَإِنْ أُحْصِرَ مُتَمَتِّعٌ مِنَ الْوُصُولِ فِي الْحَجِّ إِلَى عَرَفَةَ فِي الْفَتْرَةِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى
الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَى مَنْ مُنِعَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى مَا
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183
وَصَفْنَا فِي الْحَجِّ وَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِ مَرَضٍ مِنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ
ذَلِكَ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ من كل مانع غَيْرِ الْعَدُوِّ أَنْ يَبْقَى عَلَى حالِهِ
فَيَصِلُ إِلَى الْبَيْتِ فَيَحِلُّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَيُهْدِي كَالَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ سَوَاءً فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى
لُبْسِ ثِيَابٍ أَوْ حَلْقِ شَعْرٍ فَتِلْكَ فِدْيَةُ الْهَدْيِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْفِدْيَةَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مِنَ التَّخْيِيرِ فِي
الصِّيَامِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ النُّسُكِ
وَالنُّسُكُ ها هنا لِمَنْ لَيْسَ يُهْدِي وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَوْلَى من قول الزهري والله أعلم
فليس ها هنا أَمْرُ يُهْدِي فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ لِمَنْ شَاءَ أَنْ لَا يَنْسِكَ بِشَاةٍ وَإِنَّمَا هُوَ صِيَامٌ
وَصَدَقَةٌ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَنْسِكَ بِشَاةٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا حِلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ عِنْدَ
جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ
وَحَدَّثَنَا بن أَبِي تَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ
بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا
يَحِلُّ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ حَبَسَهُ بَلَاءٌ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ حُبِسَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هذا معنى قول بن عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إِلَّا مَا أَحْصَرَ الْعَدُوُّ أَيْ لَا يَحِلُّ
لِمُحْصَرٍ أَنْ يَحِلَّ دُونَ الْبَيْتِ إِلَّا مَنْ أَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ
مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ
صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ مَنْ يَلِي عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَجَدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير ومروان بن الحكم فذكرت لَهُمُ الَّذِي عَرَضَ
لَهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ
إِحْرَامِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهدي
قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ أن يحلا
بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَانِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنَ
الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ أَوِ امْرَأَةٌ
تَطْلُقُ قَالَ مَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إِذَا
هُمُ أُحْصِرُوا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إَذَا قَضَى عُمْرَتَهُ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ كُسِرَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ
الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إِذَا بَرِأَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ
فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ
مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنِ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ
وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا
وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ
وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَسَعْيَهُ إِنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ
قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ أَبُو عمر أما قول بن عُمَرَ فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ إِنَّهُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ
وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَهُوَ قول بن عمر وبن عباس وعائشة
وبه قال مالك والشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ
وَمَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ مُخَالِفًا مِنَ الصحابة في هذه المسألة إلا بن مسعود فإنه قَالَ
فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ إِذَا بَعَثَ بِهَدْيٍ وواعد صاحبه ثم يوم ينحره جاز له أَنْ يَحِلَّ
وَهُوَ بِمَوْضِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ قَالَتْ مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ عَرَجٍ فَقَدْ حَلَّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي
عَرَضَ لَهُ هَذَا فِيهِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى
رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
عِكْرِمَةُ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ
قَالَ عكرمة حدثت به بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا صَدَقَ
هَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ
الصَّوَّافِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَمُعَاوَيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَدْخَلُوا بَيْنَ عِكْرِمَةَ وَبَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَافِعٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَهَذَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ حَلَّ أَيْ فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ
الْمُحْصَرُ مِنَ النَّحْرِ أَوِ الذَّبْحِ لَا أَنَّهُ قَدْ حَلَّ بِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ
قَالُوا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ قَدْ حَلَّتْ فُلَانَةُ لِلرِّجَالِ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ
حَلَّ لِلرِّجَالِ أَنْ يَخْطِبُوهَا وَيَتَزَوَّجُوهَا بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْفُرُوجُ فِي النِّكَاحِ مِنَ الصَّدَاقِ
وَغَيْرِهِ
هَذَا تَأْوِيلُ من ذهب مذهب الكوفيين
وتأول مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْحِجَازِيِّينَ أَيْ فَقَدْ حَلَّ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ حِلًّا كَامِلًا وَحَلَّ
لَهُ بِنَفْسِ الْكَسْرِ وَالْعَرَجِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شاءَ مِنْ إِلْقَاءِ التَّفَثِ وَيَفْتَدِي
وَلَيْسَ الصَّحِيحُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَبَيَّنَ فِيهِ مَذْهَبُهُ
وَهُوَ مذهب الشافعي والحجازيين
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَنَذْكُرُ نُصُوصَ أَقْوَالِهِمْ لِيُوقَفَ كَذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ
قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعَثَ بِهَدْيٍ فَنُحِرَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنْ
نَحَرَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ
وَجُمْلَةُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ بَعَثَ بِهِ وَوَاعَدَ الْمَبْعُوثَ مَعَهُ
يَوْمًا يَذْبَحُهُ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَلَقَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوْ قَصَّرَ وحل ورجع
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178
فَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَةً لِأَنَّ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً وَإِنْ كَانَ
قَارِنًا قَضَى حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً
وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمُ الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ أَوْ بِمَرَضٍ
وَذَكَرَ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَأُحْصِرَ فَعَلَيْهِ
أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَحِلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ
وَعُمْرَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَقْصِيرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ
مِنَ النُّسُكِ شَيْءٌ
وًقالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَصِّرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَقَالُوا إِنْ فَعَلَ فَالْهَدْيُ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَ مَكَانَهُ وَإِنْ شَاءَ انْصَرَفَ وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ
بَعَثَ فَاشْتُرِيَ لَهُ الْهَدْيُ وَتَوَاعَدَهُمْ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَلَّ وَكَانَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ
مَكَانَهَا
قَالُوا وَإِذَا كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ فَيُشْتَرَى لَهُ هَدْيَانِ فَيُنْحَرَانِ عَنْهُ وَيَحِلُّ
وَعَلَيْهِ عُمْرَتَانِ وَحَجَّةٌ فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْعُمْرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ وَالْحَجَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ
ضَمَّ الْعُمْرَتَيْنِ إِلَى الْحَجَّةِ
وَهَكَذَا عِنْدَهُمُ الْمُحْصَرُ بِأَيٍّ كَانَ بِعَدُوٍّ أُحْصِرَ أَوْ بِمَرَضٍ يُذْبَحُ هَدْيُهُ فِي الْحَرَمِ وَيَحِلُّ
قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ سَاقَ هَدْيًا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ
هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَحَلَّلُ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ كَانَ حَاجًّا
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُحْصَرِ بِعُمْرَةٍ مَتَى شَاءَ وَيَنْحَرُ
هَدْيَهُ سَوَاءٌ بَقِيَ الْإِحْصَارُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ زَالَ
وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ الْإِحْصَارُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ جَزَى ذَلِكَ عَنْهُ
وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حجة وعمرة وإن صح قبل فوت الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهُ وَكَانَ مُحْرِمًا
بِالْحَجِّ عَلَى حَالِهِ
قَالَ وَلَوْ صَحَّ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ نَظَرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْهَدْيِ قَبْلَ
أَنْ يُذْبَحَ مَضَى حَتَّى يَقْضِيَ عُمْرَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ حَلَّ إِذَا نُحِرَ عَنْهُ الْهَدْيُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فَفِيهِ ضَعْفٌ وَتَنَاقُضٌ لِأَنَّهُمْ لَا يجيزون لمحصر
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180
بِعَدُوٍّ وَلَا بِمَرَضٍ أَنْ يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ أَجَازُوا لِلْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ
أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدَ حَامِلَهُ يَوْمَ يَنْحَرُهُ فِيهِ فَيَحْلِقُ وَيَحِلُّ فَقَدْ أَجَازُوا لَهُ أَنْ يَحِلَّ
عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ نَحْرِ الْهَدْيِ وَبُلُوغِهِ وَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِحْلَالِ بِالظُّنُونِ وَالْعُلَمَاءُ
مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَهُ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِالظَّنِّ وَالدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظَنٌّ قَوْلُهُمْ لَوْ عَطِبَ ذَلِكَ الْهَدْيُ أَوْ ضَلَّ أَوْ سُرِقَ فَحَلَّ مُرْسِلُهُ
وَأَصَابَ النِّسَاءَ وَصَادَ أَنَّهُ يَعُودُ حَرَامًا وَعَلَيْهِ جَزَاءُ مَا صَادَ فَأَبَاحُوا لَهُ فَسَادَ الْحَجِّ
بِالْجِمَاعِ وَأَلْزَمُوهُ مَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ
وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَضَعْفِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا بَنَوْا مذهبهم على قول بن
مَسْعُودٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي خِلَافِ غَيْرِهِ لَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ الْمُحْرِمُ لا يحله إلا البيت فمعناه المحرم يمرض لَا
يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ يَتَدَاوَى بِهِ
وَافْتَدَى فَإِذَا بَرَأَ أَتَى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ وَسَعَى وَلَا يَحِلُّ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذلك
وهو كقول بن عمر سواء ومثله قول بن عَبَّاسٍ
وَالنَّاسُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ وحديثه عن بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ
مِثْلُهُ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ صُرِعَ
بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ مَنْ يَلِي عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ بِهِ فَوَجَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَمَعْنَاهُ أَيْضًا مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ عَنِ
بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهِ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَإِنَّهُ أَرَادَ إِذَا صَحَّ أَتَى مَكَّةَ فَعَمِلَ عُمْرَةً هُوَ الطَّوَافُ
وَالسَّعْيُ
ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقْضِي حَجَّهُ إِنْ
كَانَ حَاجًّا أَوْ عُمْرَتَهُ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا بِخِلَافِ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ
حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيَهْدِيَانِ
إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَرْسَلَ هَذَا حُجَّةً لِمَذْهَبِهِ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الْبَيْتُ يَطُوفُ
بِهِ ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا كَانَ مُحْصَرًا حَابِسٌ لَهُ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَجِّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181
وَهُوَ كَالَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ مَرَضٍ مِنْ خطأ عدد أو عذر يفعل ما يفعله الَّذِي يَفُوتُهُ
الْحَجُّ وَهُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَقَدْ أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب وهبار بِذَلِكَ
ثُمَّ أَبَانَ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ فِيهِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ
إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنَ الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا
عَلَى الْمُحْصَرِ
وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ حُكْمُهُمَا سَوَاءٌ كِلَاهُمَا
يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ لَا يَذْبَحُهُ إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْحَرُهُ حَيْثُ حُبِسَ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِنَّمَا يَنْحَرُهُ فِي الْحِلِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْحَرَمِ
وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْصَرِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ
مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الْحَجِّ 33 بِدَلِيلِ نَحْرِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَقَوْلُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الْفَتْحِ 25 فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْبُلُوغَ عَلَى مَنْ قَدَرَ لَا عَلَى مَنْ
أُحْصِرَ
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ فِي الْمَكِّيِّ وَالْغَرِيبِ يُحْصَرُ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّوَافِ
وَالسَّعْيِ
قَالَ مَالِكٌ إِذَا بَقِيَ الْمَكِّيُّ مَحْصُورًا حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ
فَيُلَبِّي وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ وَيَحِلُّ فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ
الْحَجُّ قَابِلًا فَقَطْ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحِلُّ بعمرة مجرد لها الطواف
وقال بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ أُحْصِرَ فِي مَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقِفَ
بِعَرَفَةَ
وَقَالَ أبوَ بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي
الْمُحْصَرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ إِعَادَةِ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ هَذَا خِلَافُ
ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)
الْبَقَرَةِ 196
قَالَ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدِي قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِمَنْ لَمْ
يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يُقِيمَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ يَتَعَالَجُ وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182
فَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ما لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ
الْمَشَاهِدَ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ
قَالَ وَقَدْ عَارَضَ مَالِكٌ الزُّهْرِيَّ بِمُعَارَضَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ
تَطْلُقُ أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ قَالَ وَهَذَا لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَقَعُ إِلَّا لِمَنْ فِي
طَاقَتِهِ فِعْلُ الشَّيْءِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي طَاقَتِهِ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ
فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ الْإِبَاحَةُ لِمِثْلِهِ
وَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ
قَالَ عُرْوَةُ فِي الرَّجُلِ إِذَا أُحْصِرَ بِكَسْرٍ أَوْ لَدْغٍ فَامْتَنَعَ مِنَ الْمَصِيرِ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُ
الْحَجِّ أَنَّهُ إِنْ شَاءَ بَعَثَ بِهَدْيٍ فَيَحِلُّ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ وَلُبْسُ ثِيَابِهِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا
وَيَبْقَى مُحْرِمًا مِنَ النِّسَاءِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْكَعْبَةِ مَتَى وَصَلَ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحِلُّ
وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
قَالَ فَعَلَى قَوْلِ عُرْوَةَ الْهَدْيُ الْأَوَّلُ غَيْرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي حلاق الشعر
وإلقاء التفث والهدي الثاني قَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الْبَقَرَةِ
196
قَالَ وَالْمَعْنَى إِنْ أُحْصِرْتُمْ فَأَرَدْتُمْ أن تحلقوا رؤوسكم قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَعَلَيْكُمْ
مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
(فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الْبَقَرَةِ 196 فَهَذَا
هَدْيٌ ثَانٍ لِأَنَّ الْهَدْيَ الْأَوَّلَ للمتمتع بِالْحِلَاقِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ الْهَدْيُ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي ثُمَّ احْتَجَّ بِذَلِكَ فَطَالَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ عَلَى
الْمُحْصَرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الْبَقَرَةِ 196 فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَمَامَ
الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفِي الْعُمْرَةِ الدُّخُولُ مِنَ الْحِلِّ
إِلَى الْبَيْتِ لِلطَّوَافِ بِهِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَحِلُّ وَلَا يَتِمُّ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ
إِلَّا بِمَا وَصَفْنَا وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَعَانٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ وَإِنْ أُحْصِرَ مُتَمَتِّعٌ مِنَ الْوُصُولِ فِي الْحَجِّ إِلَى عَرَفَةَ فِي الْفَتْرَةِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى
الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَى مَنْ مُنِعَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى مَا
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183
وَصَفْنَا فِي الْحَجِّ وَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِ مَرَضٍ مِنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ
ذَلِكَ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ من كل مانع غَيْرِ الْعَدُوِّ أَنْ يَبْقَى عَلَى حالِهِ
فَيَصِلُ إِلَى الْبَيْتِ فَيَحِلُّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَيُهْدِي كَالَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ سَوَاءً فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى
لُبْسِ ثِيَابٍ أَوْ حَلْقِ شَعْرٍ فَتِلْكَ فِدْيَةُ الْهَدْيِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْفِدْيَةَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مِنَ التَّخْيِيرِ فِي
الصِّيَامِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ النُّسُكِ
وَالنُّسُكُ ها هنا لِمَنْ لَيْسَ يُهْدِي وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَوْلَى من قول الزهري والله أعلم
فليس ها هنا أَمْرُ يُهْدِي فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ لِمَنْ شَاءَ أَنْ لَا يَنْسِكَ بِشَاةٍ وَإِنَّمَا هُوَ صِيَامٌ
وَصَدَقَةٌ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَنْسِكَ بِشَاةٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا حِلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ عِنْدَ
جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ
وَحَدَّثَنَا بن أَبِي تَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ
بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا
يَحِلُّ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ حَبَسَهُ بَلَاءٌ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ حُبِسَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هذا معنى قول بن عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إِلَّا مَا أَحْصَرَ الْعَدُوُّ أَيْ لَا يَحِلُّ
لِمُحْصَرٍ أَنْ يَحِلَّ دُونَ الْبَيْتِ إِلَّا مَنْ أَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ
عدد المشاهدات *:
631426
631426
عدد مرات التنزيل *:
109838
109838
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018