مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ وهو
يشعره قال بسم اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَهِيَ السُّنَّةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ
يُقَلِّدُ نَعْلًا أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجِدُ النِّعَالَ
قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُ النَّعْلُ الْوَاحِدُ في التقليد
وكذلك هو عند غير
وقال الثوري يقلد نعلين وفم القربة يجزئ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة لا تقلد الغنم
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقَلِّدُ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ النِّعَالَ وَتُقَلِّدُ الْغَنَمَ الرِّقَاعَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوَدَ لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً غَنَمًا فَقَلَّدَهَا
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْهَدْيُ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ يُقَلِّدُهُ ثُمَّ يُشْعِرُهُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ
يُحْرِمُ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُقَلَّدُ إِلَّا هَدْيُ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَطَوُّعٍ
وَجَائِزٌ إِشْعَارُ الْهَدْيِ قَبْلَ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدُهُ قَبْلَ إِشْعَارِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا تَوَجُّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي حِينِ التَّقْلِيدِ فَإِنَّ الْقِبْلَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهَا
بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا الْحَدِيثَ
فَهَذَا فِي الصَّلَاةِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ بِذَبِيحَتِهِ الْقِبْلَةَ وَيَقُولُ (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ والأرض حنيفا) الأنعام 79
وكره بن عمر وبن سِيرِينَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ ذَبِيحَةِ مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِهِ الْقِبْلَةَ
وَأَبَاحَ أَكْلَهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالْقَاسِمُ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ والْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ
وَيَسْتَحِبُّونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ خَيْرُ الْمَجَالِسِ
مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ فَمَا ظَنُّكَ بِمَا هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ
وَأَمَّا تَقْلِيدُهُ بِنَعْلَيْنِ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنَّمَا التَّقْلِيدُ عَلَامَةٌ لِلْهَدْيِ كَأَنَّهُ إِشْهَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا قَلَّدَهُ مِنْ مِلْكِهِ لِلَّهِ (عَزَّ
وَجَلَّ) وَجَائِزٌ أَنْ يُقَلِّدَ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَنَعْلَانِ أَفْضَلُ إِنْ شَاءَ الله لمن وجدهما
وَكَذَلِكَ الْإِشْعَارُ أَيْضًا عَلَامَةٌ لِلْهَدْيِ وَجَائِزٌ الْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَفِي الْجَانِبِ
الْأَيْسَرِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246
وقد روي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا فَعَلَ هَذَا وَرُبَّمَا فَعَلَ هَذَا إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ
الْعِلْمِ يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن لحديث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي
حَسَّانَ عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
ثُمَّ دَعَا بِبُدْنِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ
وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يُشْعَرُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى ما رواه عن نافع عن بن عُمَرَ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ
حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَشْعِرْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ الْإِشْعَارَ وَيَكْرَهُهُ وَيَقُولُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ
وَهَذَا الْحُكْمُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّوَهُّمُ وَالظَّنُّ وَلَا تُتْرَكُ السُّنَنُ بِالظُّنُونِ
وَأَمَّا نَحْرُهُ بِمِنًى فَهُوَ الْمَنْحَرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي الْحَجِّ
وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْجَمِيعِ وَسَيَأْتِي فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ
فِيمَا يَفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي مَوْضِعِهِ
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا صَفُّهُ لِبُدْنِهِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليها) الْحَجِّ
36 وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247
وَأَمَّا أَكْلُهُ وَإِطْعَامُهُ مِنَ الْهَدْيِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ
امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الْحَجِّ 36 وَهَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي
الْهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وَفِي الضَّحَايَا وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيمَا يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدْيِ وَمَا
لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ عِنْدَ نَحْرِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَيْهَا) الْحَجِّ 36 وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَسْتَحِبُّ التَّكْبِيرَ مع التسمية كما كان يقول بن
عُمَرَ وَعَسَاهُ أَنْ يَكُونَ امْتَثَلَ قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)
الْبَقَرَةِ 185
وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ التَّسْمِيَةُ تُجْزِي وَلَا يَزِيدُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقُولَ
بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَبْحِ ضَحِيَّتِهِ وَهُوَ
قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر كان يقول الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ
بِعَرَفَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسُوقُ هَدْيَهُ حَتَّى يَقِفَهُ
بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَدْفَعَ به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى نَحَرَهُ
وَوَقْفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لِمَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُدْخِلْهُ مِنَ الْحِلِّ
وَاجِبٌ لَا يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ على قول بن عُمَرَ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ
عَلَى عَرَفَةَ
قَالَ مَالِكٌ مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى وَنَحَرَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْحِلِّ فَعَلَيْهِ الْبُدْنُ
فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْهَدْيِ قَدْ سَاقَهُ مِنَ الْحِلِّ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَقِفْهُ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَسْبُهُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ
وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يقول نحو قول بن عُمَرَ لَا يَصْلُحُ مِنَ الْهَدْيِ إِلَّا مَا عُرِّفَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَقُولُ إِنْ شِئْتَ فَعَرِّفْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تعرف
وروي ذلك عن بن عَبَّاسٍ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَقْفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ لِمَنْ شَاءَ إِذَا لَمْ يَسُقْهُ مِنَ الحل
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَاقَ الْهَدْيَ
مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّ مَسْكَنَهُ كَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ هَدْيَهُ مِنَ
الْحِلِّ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ التَّقْلِيدَ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ التَّعْرِيفُ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَدْيِهِ مِنَ الْحِلِّ
وَأَمَّا حُجَّةُ مَالِكٍ فِي إِيجَابِ ذَلِكَ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ هَدْيَهُ
مِنَ الْحِلِّ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَالْهَدْيُ إِذَا وَجَبَ بِاتِّفَاقٍ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُجْزِئَ إِلَّا
بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ سُنَّةٍ تُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْفِعْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ
عَلَى الْوُجُوبِ فِي مِثْلِ هَذَا
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْحَاجَّ وَالْمُعْتَمِرَ يَجْمَعَانِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
يَكُنْ لَهُ الْهَدْيُ
قَالُوا وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْهَدْيُ هَدْيًا لِأَنَّهُ يُهْدِي مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ كَمَا يُهْدِي مِنْ مِلْكٍ
مَلَكَهُ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ يَقُولُونَ اسْمُ الْهَدْيِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَدِيَّةِ فَإِذَا
أُهْدِيَ إِلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ جَاءَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ
بِهِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا مَا اشْتُرِيَ بِمِنًى فهو جزور
وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ عَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالبدن
وكان بن سِيرِينَ يَكْرَهُ شِرَاءَ الْبَدَنَةِ إِذَا لَمْ تُوقَفْ بعرفة
وروى الثوري وبن عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ فَعَرِّفُوا بِهِ وَمَا لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَاحْبِسُوهُ وَاعْقِلُوهُ بِمِنًى
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْقَبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا
إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إِيَّاهَا
مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجِلَالِ بُدْنِهِ حِينَ
كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكُسْوَةَ قَالَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جِلَالَ بُدْنِهِ وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُوَ
مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ تُكْسَى مِنْ زمن تبع
ويقال إن أول من كسى الْكَعْبَةَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ
وَكِسْوَتُهَا مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَمِنْ كَرَائِمِ الصدقات فلهذا
كان بن عُمَرَ يَكْسُو بُدْنَهُ الْجُلَلَ وَالْقَبَاطِيَّ وَالْحُلَلَ فَيُجَمِّلُ بِذَلِكَ بُدْنَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ
تَعَالَى فَتَعْظِيمُهُ وَتَجْمِيلُهُ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَكْسُوهَا الْكَعْبَةَ فَيَحْصُلُ عَلَى
فَضْلَيْنِ وَعَمَلَيْنِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ رَفِيعَيْنِ فَلَمَّا كَسَا الْأُمَرَاءُ الكعبة وحالوا بين الناس
وكسوتها تصدق بن عُمَرَ حِينَئِذٍ بِجِلَالِ بُدْنِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ لله تعالى من ماله
وما خرج لله تعالى فَلَا عَوْدَةَ فِيهِ
وَأَمَّا تَرْكُهُ تَجْلِيلَ بُدْنِهِ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فِي حِينِ رَوَاحِهِ إِلَى عَرَفَةَ فَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
لِأَنَّهُ شَيْءٌ قَصَدَ بِهِ التَّزْيِينَ وَالْجَمَالَ كَمَا يَتَزَيَّنُ بِاللِّبَاسِ فِي العيدين وينحر البدن في
مجتمع الناس وذلك ليقتدي بِهِ النَّاسُ
يشعره قال بسم اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَهِيَ السُّنَّةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ
يُقَلِّدُ نَعْلًا أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجِدُ النِّعَالَ
قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُ النَّعْلُ الْوَاحِدُ في التقليد
وكذلك هو عند غير
وقال الثوري يقلد نعلين وفم القربة يجزئ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة لا تقلد الغنم
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقَلِّدُ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ النِّعَالَ وَتُقَلِّدُ الْغَنَمَ الرِّقَاعَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوَدَ لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً غَنَمًا فَقَلَّدَهَا
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْهَدْيُ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ يُقَلِّدُهُ ثُمَّ يُشْعِرُهُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ
يُحْرِمُ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُقَلَّدُ إِلَّا هَدْيُ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَطَوُّعٍ
وَجَائِزٌ إِشْعَارُ الْهَدْيِ قَبْلَ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدُهُ قَبْلَ إِشْعَارِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا تَوَجُّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي حِينِ التَّقْلِيدِ فَإِنَّ الْقِبْلَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهَا
بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا الْحَدِيثَ
فَهَذَا فِي الصَّلَاةِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الذَّبِيحَةُ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ بِذَبِيحَتِهِ الْقِبْلَةَ وَيَقُولُ (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ والأرض حنيفا) الأنعام 79
وكره بن عمر وبن سِيرِينَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ ذَبِيحَةِ مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِهِ الْقِبْلَةَ
وَأَبَاحَ أَكْلَهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالْقَاسِمُ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ والْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ
وَيَسْتَحِبُّونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ خَيْرُ الْمَجَالِسِ
مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ فَمَا ظَنُّكَ بِمَا هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ
وَأَمَّا تَقْلِيدُهُ بِنَعْلَيْنِ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنَّمَا التَّقْلِيدُ عَلَامَةٌ لِلْهَدْيِ كَأَنَّهُ إِشْهَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا قَلَّدَهُ مِنْ مِلْكِهِ لِلَّهِ (عَزَّ
وَجَلَّ) وَجَائِزٌ أَنْ يُقَلِّدَ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَنَعْلَانِ أَفْضَلُ إِنْ شَاءَ الله لمن وجدهما
وَكَذَلِكَ الْإِشْعَارُ أَيْضًا عَلَامَةٌ لِلْهَدْيِ وَجَائِزٌ الْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَفِي الْجَانِبِ
الْأَيْسَرِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246
وقد روي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا فَعَلَ هَذَا وَرُبَّمَا فَعَلَ هَذَا إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ
الْعِلْمِ يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن لحديث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي
حَسَّانَ عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
ثُمَّ دَعَا بِبُدْنِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ
وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يُشْعَرُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى ما رواه عن نافع عن بن عُمَرَ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ
حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَشْعِرْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ الْإِشْعَارَ وَيَكْرَهُهُ وَيَقُولُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ
وَهَذَا الْحُكْمُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّوَهُّمُ وَالظَّنُّ وَلَا تُتْرَكُ السُّنَنُ بِالظُّنُونِ
وَأَمَّا نَحْرُهُ بِمِنًى فَهُوَ الْمَنْحَرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي الْحَجِّ
وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْجَمِيعِ وَسَيَأْتِي فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ
فِيمَا يَفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي مَوْضِعِهِ
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا صَفُّهُ لِبُدْنِهِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليها) الْحَجِّ
36 وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247
وَأَمَّا أَكْلُهُ وَإِطْعَامُهُ مِنَ الْهَدْيِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ
امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الْحَجِّ 36 وَهَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي
الْهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وَفِي الضَّحَايَا وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيمَا يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدْيِ وَمَا
لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ عِنْدَ نَحْرِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَيْهَا) الْحَجِّ 36 وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَسْتَحِبُّ التَّكْبِيرَ مع التسمية كما كان يقول بن
عُمَرَ وَعَسَاهُ أَنْ يَكُونَ امْتَثَلَ قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)
الْبَقَرَةِ 185
وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ التَّسْمِيَةُ تُجْزِي وَلَا يَزِيدُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقُولَ
بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَبْحِ ضَحِيَّتِهِ وَهُوَ
قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر كان يقول الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ
بِعَرَفَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسُوقُ هَدْيَهُ حَتَّى يَقِفَهُ
بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَدْفَعَ به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى نَحَرَهُ
وَوَقْفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لِمَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُدْخِلْهُ مِنَ الْحِلِّ
وَاجِبٌ لَا يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ على قول بن عُمَرَ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ
عَلَى عَرَفَةَ
قَالَ مَالِكٌ مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى وَنَحَرَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْحِلِّ فَعَلَيْهِ الْبُدْنُ
فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْهَدْيِ قَدْ سَاقَهُ مِنَ الْحِلِّ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَقِفْهُ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَسْبُهُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ
وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يقول نحو قول بن عُمَرَ لَا يَصْلُحُ مِنَ الْهَدْيِ إِلَّا مَا عُرِّفَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَقُولُ إِنْ شِئْتَ فَعَرِّفْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تعرف
وروي ذلك عن بن عَبَّاسٍ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَقْفُ الْهَدْيِ بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ لِمَنْ شَاءَ إِذَا لَمْ يَسُقْهُ مِنَ الحل
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَاقَ الْهَدْيَ
مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّ مَسْكَنَهُ كَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ هَدْيَهُ مِنَ
الْحِلِّ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ التَّقْلِيدَ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ التَّعْرِيفُ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَدْيِهِ مِنَ الْحِلِّ
وَأَمَّا حُجَّةُ مَالِكٍ فِي إِيجَابِ ذَلِكَ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ هَدْيَهُ
مِنَ الْحِلِّ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَالْهَدْيُ إِذَا وَجَبَ بِاتِّفَاقٍ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُجْزِئَ إِلَّا
بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ سُنَّةٍ تُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْفِعْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ
عَلَى الْوُجُوبِ فِي مِثْلِ هَذَا
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْحَاجَّ وَالْمُعْتَمِرَ يَجْمَعَانِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
يَكُنْ لَهُ الْهَدْيُ
قَالُوا وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْهَدْيُ هَدْيًا لِأَنَّهُ يُهْدِي مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ كَمَا يُهْدِي مِنْ مِلْكٍ
مَلَكَهُ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ يَقُولُونَ اسْمُ الْهَدْيِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَدِيَّةِ فَإِذَا
أُهْدِيَ إِلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ جَاءَ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ
بِهِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا مَا اشْتُرِيَ بِمِنًى فهو جزور
وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ عَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالبدن
وكان بن سِيرِينَ يَكْرَهُ شِرَاءَ الْبَدَنَةِ إِذَا لَمْ تُوقَفْ بعرفة
وروى الثوري وبن عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ فَعَرِّفُوا بِهِ وَمَا لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَاحْبِسُوهُ وَاعْقِلُوهُ بِمِنًى
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْقَبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا
إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إِيَّاهَا
مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجِلَالِ بُدْنِهِ حِينَ
كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكُسْوَةَ قَالَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جِلَالَ بُدْنِهِ وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُوَ
مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ تُكْسَى مِنْ زمن تبع
ويقال إن أول من كسى الْكَعْبَةَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ
وَكِسْوَتُهَا مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَمِنْ كَرَائِمِ الصدقات فلهذا
كان بن عُمَرَ يَكْسُو بُدْنَهُ الْجُلَلَ وَالْقَبَاطِيَّ وَالْحُلَلَ فَيُجَمِّلُ بِذَلِكَ بُدْنَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ
تَعَالَى فَتَعْظِيمُهُ وَتَجْمِيلُهُ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَكْسُوهَا الْكَعْبَةَ فَيَحْصُلُ عَلَى
فَضْلَيْنِ وَعَمَلَيْنِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ رَفِيعَيْنِ فَلَمَّا كَسَا الْأُمَرَاءُ الكعبة وحالوا بين الناس
وكسوتها تصدق بن عُمَرَ حِينَئِذٍ بِجِلَالِ بُدْنِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ لله تعالى من ماله
وما خرج لله تعالى فَلَا عَوْدَةَ فِيهِ
وَأَمَّا تَرْكُهُ تَجْلِيلَ بُدْنِهِ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فِي حِينِ رَوَاحِهِ إِلَى عَرَفَةَ فَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
لِأَنَّهُ شَيْءٌ قَصَدَ بِهِ التَّزْيِينَ وَالْجَمَالَ كَمَا يَتَزَيَّنُ بِاللِّبَاسِ فِي العيدين وينحر البدن في
مجتمع الناس وذلك ليقتدي بِهِ النَّاسُ
عدد المشاهدات *:
471326
471326
عدد مرات التنزيل *:
94798
94798
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018