مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ
بن مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ
الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا
الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ
نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ بن مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ
رَبِيعَةُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ هُمْ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ مِنْ
نَحْوٍ فَرِيدٍ وَذَلِكَ فِي نَحْوِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْغَزْوَةُ تُعْرَفُ بِغَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ
وَغَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ بن مُحَيْرِيزٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ أَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221
أوطاس وأنهم أرادوا أن يستمعتوا مِنْهُنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ)) فَجَعَلَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ
وَسَبْيُ أَوْطَاسٍ هُوَ سَبْيُ هَوَازِنَ وَسَبْيُ هَوَازِنَ إِنَّمَا سُبِيَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ
ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَوَهِمَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بن شهاب الزهري عن بن مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
فَلَمْ يَذْكُرْ فيه بني المصطلق ولا هوازن ولا أوطاس وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ
فإنه ليس نسمة كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ))
فهذا ما في حديث بن مُحَيْرِيزٍ وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِينَ وَكِبَارِ الْفُضَلَاءِ منهم سمعه بن
أَبِي سَعِيدٍ وَسَمِعَهُ مِنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بن حبان وجماعة
ورواه بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا السُّؤَالَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَطْ
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ
يَقُولُ لِمَا أَصَبْنَا سَبْيَ خَيْبَرَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ
لَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ
هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي سَبْيِ
خَيْبَرَ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَبُو الْوَدَّاكِ جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ ثِقَةٌ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَبْيَ خَيْبَرَ يَهُودِيَّاتٌ وَسَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَبْيَ أَوْطَاسٍ وَثَنِيَّاتٌ
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ فِي تلك الغزاة انْطَلَقُوا
عَلَى وَطْءِ مَا وَقَعَ فِي سِهَامِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي سَبَوْا وَغَنِمُوا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا
بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ الشَّأْنُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ يَحِلُّ وَطْؤُهُ
مِنَ الْإِمَاءِ
وَالْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الشَّرِيعَةِ بِبَيَانِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ وَغَيْرِهَا ((لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حتى
تضع ولا توطأ حائل حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً))
وَفِي الْقُرْآنِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالشِّرْكِ فَمَنْ مَلَكَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَطْأَهَا كَالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ فِي النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ لَمْ
يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ المشركات لقوله تعالى (ولا تنحكوا المشركت حَتَّى
يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 فَحَرَّمَ وَطْءَ كُلِّ كَافِرَةٍ إلا أن تكون كتابية لقوله تعالى
(والمحصنت من الذين أوتوا الكتب مِنْ قَبْلِكُمْ) الْمَائِدَةِ 5
وَلِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَلَا تَخْلُوَا نِسَاءُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ أَنْ
تَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَيُوطَأْنَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إِلَّا أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ جَمَاعَةً دَانُوا بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ
مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ فَكَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ فِي رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَالنَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ
وَبَنِي عِجْلٍ وَخَوَاصٍّ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ
وَكَذَلِكَ كَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ أَيْضًا فِي لَخْمٍ وَجُذَامَ وَغَسَّانَ وَقُضَاعَةَ وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ
كَعْبٍ وَطَوَائِفَ مِنْ مُذْحِجٍ
وَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ فِي خَيْبَرَ وَفِي الْأَنْصَارِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَطَوَائِفَ مِمَّنْ سَاكَنَ يَهُودَ
خَيْبَرَ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهَا
وَكَانَتِ الْمَجُوسِيَّةُ فِي طَوَائِفَ مَنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَرَبِ فَأَهْلُ أَوْثَانٍ
وَعَبَدَةُ أَصْنَامٍ
وَرُبَّمَا شَذَّ مِنَ الْقَبِيلِ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ فَتَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ
فَإِنْ كَانَ بنو المصطلق يهودا أو نصارى فوطأهن جَائِزٌ مَعَ السَّبْيِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ
وَإِنْ كُنَّ عَبَدَةَ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُنَّ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ لِأُمَّتِهِ أَنْ
تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمَجُوسِ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ
وَقَدْ رُوِيَ إِجَازَةُ وَطْءِ الْإِمَاءِ الْوَثَنِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ
طَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْإِسْنَادُ عَنْهُمْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ
وَذَلِكَ كله شذوذ لا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ الْفُقَهَاءُ إِلَيْهِ
وَالصَّحِيحُ فِي وَطْءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي غَزْوِهِمُ الْفُرْسَ وَسَائِرَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
الْحَسَنَ يَقُولُ كُنَّا نَغْزُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَصَابَ
أَحَدُهُمُ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ فَأَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا أَمَرَهَا فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَلَّمَهَا
الْإِسْلَامَ وَأَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لا تحل لِرَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُشْرِكَةً أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى
تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَحِيضُ عِنْدَهُ حَيْضَةً
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا حَتَّى تُصَلِّيَ إِذَا
اسْتَبْرَأَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَسْتَبْرِئُهَا وَتَغْسِلُ نَفْسَهَا ثُمَّ يُصِيبُهَا
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَنَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا لَمْ يُرَاعُوا الْعَزْلَ وَلَمْ يُبَالُوا بِالْحَمْلِ
وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ قَاطِعَةً لَازِمَةً لِأَنَّ الْأُمَّةَ الْمُجْتَمِعَةَ عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ
بَيْعُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ سَيِّدِهَا وَمُمْكِنٌ أَنْ يُرِيدُوا تَعْجِيلَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ وَخَشَوْا إِنْ لَمْ
يَعْزِلُوا أَنْ يَحْمِلْنَ مِنْهُمْ وَأَرَادُوا الْعَزْلَ وَلَمْ يَعْرِفُوا جَوَازَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا
بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يُحَرِّمُونَ الْعَزْلَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ
مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَمَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ
فَقِيلَ مَا عَلَيْكُمْ فِي الْعَزْلِ وَلَا فِي امْتِنَاعِكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاعْزِلُوا أَوْ لَا تَعْزِلُوا فَقَدْ فُرِغَ
مِنَ الْخَلْقِ وَإِعْدَادِهِمْ وَمَا قُضِيَ وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَا محالة
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224
قال الله عز وجل (وكل شيء أحصينه كتبا) النَّبَأِ 29 وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَكُلُّ شَيْءٍ
فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) الْقَمَرِ 53 52
وَقِيلَ بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَفْعَلُوا أَيْ لَا تَفْعَلُوا الْعَزْلَ كَأَنَّهُ
نَهَى عَنْهُ
ذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ بن عَوْفٍ قَالَ ذَكَرْتُ لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - فِي الْعَزْلِ لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَقَالَ لَا عَلَيْكُمْ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَاجِرٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي الْعَزْلِ عَنِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ
فَرُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وبن عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَاصٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ الأنصاري أنهم كانوا يرخصون في العزل
بن مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ
الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا
الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ
نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ بن مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ
رَبِيعَةُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ هُمْ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ مِنْ
نَحْوٍ فَرِيدٍ وَذَلِكَ فِي نَحْوِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْغَزْوَةُ تُعْرَفُ بِغَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ
وَغَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ بن مُحَيْرِيزٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ أَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221
أوطاس وأنهم أرادوا أن يستمعتوا مِنْهُنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ)) فَجَعَلَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ
وَسَبْيُ أَوْطَاسٍ هُوَ سَبْيُ هَوَازِنَ وَسَبْيُ هَوَازِنَ إِنَّمَا سُبِيَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ
ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَوَهِمَ مُوسَى بْنُ عَقَبَةَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بن شهاب الزهري عن بن مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
فَلَمْ يَذْكُرْ فيه بني المصطلق ولا هوازن ولا أوطاس وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ
فإنه ليس نسمة كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ))
فهذا ما في حديث بن مُحَيْرِيزٍ وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِينَ وَكِبَارِ الْفُضَلَاءِ منهم سمعه بن
أَبِي سَعِيدٍ وَسَمِعَهُ مِنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بن حبان وجماعة
ورواه بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا السُّؤَالَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَطْ
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ
يَقُولُ لِمَا أَصَبْنَا سَبْيَ خَيْبَرَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ
لَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ
هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي سَبْيِ
خَيْبَرَ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَبُو الْوَدَّاكِ جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ ثِقَةٌ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَبْيَ خَيْبَرَ يَهُودِيَّاتٌ وَسَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَبْيَ أَوْطَاسٍ وَثَنِيَّاتٌ
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ فِي تلك الغزاة انْطَلَقُوا
عَلَى وَطْءِ مَا وَقَعَ فِي سِهَامِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي سَبَوْا وَغَنِمُوا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا
بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ الشَّأْنُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ يَحِلُّ وَطْؤُهُ
مِنَ الْإِمَاءِ
وَالْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الشَّرِيعَةِ بِبَيَانِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ وَغَيْرِهَا ((لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حتى
تضع ولا توطأ حائل حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً))
وَفِي الْقُرْآنِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالشِّرْكِ فَمَنْ مَلَكَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَطْأَهَا كَالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ فِي النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ لَمْ
يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ المشركات لقوله تعالى (ولا تنحكوا المشركت حَتَّى
يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 فَحَرَّمَ وَطْءَ كُلِّ كَافِرَةٍ إلا أن تكون كتابية لقوله تعالى
(والمحصنت من الذين أوتوا الكتب مِنْ قَبْلِكُمْ) الْمَائِدَةِ 5
وَلِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَلَا تَخْلُوَا نِسَاءُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ أَنْ
تَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَيُوطَأْنَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إِلَّا أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ جَمَاعَةً دَانُوا بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ
مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ فَكَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ فِي رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَالنَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ
وَبَنِي عِجْلٍ وَخَوَاصٍّ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ
وَكَذَلِكَ كَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ أَيْضًا فِي لَخْمٍ وَجُذَامَ وَغَسَّانَ وَقُضَاعَةَ وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ
كَعْبٍ وَطَوَائِفَ مِنْ مُذْحِجٍ
وَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ فِي خَيْبَرَ وَفِي الْأَنْصَارِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَطَوَائِفَ مِمَّنْ سَاكَنَ يَهُودَ
خَيْبَرَ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهَا
وَكَانَتِ الْمَجُوسِيَّةُ فِي طَوَائِفَ مَنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَرَبِ فَأَهْلُ أَوْثَانٍ
وَعَبَدَةُ أَصْنَامٍ
وَرُبَّمَا شَذَّ مِنَ الْقَبِيلِ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ فَتَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ
فَإِنْ كَانَ بنو المصطلق يهودا أو نصارى فوطأهن جَائِزٌ مَعَ السَّبْيِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ
وَإِنْ كُنَّ عَبَدَةَ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُنَّ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ لِأُمَّتِهِ أَنْ
تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمَجُوسِ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ
وَقَدْ رُوِيَ إِجَازَةُ وَطْءِ الْإِمَاءِ الْوَثَنِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ
طَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْإِسْنَادُ عَنْهُمْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ
وَذَلِكَ كله شذوذ لا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ الْفُقَهَاءُ إِلَيْهِ
وَالصَّحِيحُ فِي وَطْءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي غَزْوِهِمُ الْفُرْسَ وَسَائِرَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
الْحَسَنَ يَقُولُ كُنَّا نَغْزُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَصَابَ
أَحَدُهُمُ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ فَأَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا أَمَرَهَا فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَلَّمَهَا
الْإِسْلَامَ وَأَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لا تحل لِرَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُشْرِكَةً أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى
تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَحِيضُ عِنْدَهُ حَيْضَةً
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا حَتَّى تُصَلِّيَ إِذَا
اسْتَبْرَأَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَسْتَبْرِئُهَا وَتَغْسِلُ نَفْسَهَا ثُمَّ يُصِيبُهَا
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَنَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا لَمْ يُرَاعُوا الْعَزْلَ وَلَمْ يُبَالُوا بِالْحَمْلِ
وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ قَاطِعَةً لَازِمَةً لِأَنَّ الْأُمَّةَ الْمُجْتَمِعَةَ عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ
بَيْعُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ سَيِّدِهَا وَمُمْكِنٌ أَنْ يُرِيدُوا تَعْجِيلَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ وَخَشَوْا إِنْ لَمْ
يَعْزِلُوا أَنْ يَحْمِلْنَ مِنْهُمْ وَأَرَادُوا الْعَزْلَ وَلَمْ يَعْرِفُوا جَوَازَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا
بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يُحَرِّمُونَ الْعَزْلَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ
مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَمَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ
فَقِيلَ مَا عَلَيْكُمْ فِي الْعَزْلِ وَلَا فِي امْتِنَاعِكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاعْزِلُوا أَوْ لَا تَعْزِلُوا فَقَدْ فُرِغَ
مِنَ الْخَلْقِ وَإِعْدَادِهِمْ وَمَا قُضِيَ وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَا محالة
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224
قال الله عز وجل (وكل شيء أحصينه كتبا) النَّبَأِ 29 وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَكُلُّ شَيْءٍ
فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) الْقَمَرِ 53 52
وَقِيلَ بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَفْعَلُوا أَيْ لَا تَفْعَلُوا الْعَزْلَ كَأَنَّهُ
نَهَى عَنْهُ
ذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ بن عَوْفٍ قَالَ ذَكَرْتُ لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - فِي الْعَزْلِ لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَقَالَ لَا عَلَيْكُمْ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَاجِرٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي الْعَزْلِ عَنِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ
فَرُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وبن عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَاصٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ الأنصاري أنهم كانوا يرخصون في العزل
عدد المشاهدات *:
465887
465887
عدد مرات التنزيل *:
94265
94265
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018