مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ بَيْعَهَا قبل أن يقبضها فقال
بن عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا
مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ
يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ السَّبَائِبُ عَمَائِمُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَفَقُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ الْمَلَاحِفُ
وَأَمَّا بَيْعُ مَا سُلِّفَ فِيهِ مِنَ الْعُرُوضِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنَ
الْعُلَمَاءِ
فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ فِي ذَلِكَ سَوَاءً
وهو مذهب بن عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ كَرِهَ بَيْعَ السَّبَائِبِ لِلَّذِي سَلَّفَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَذَلِكَ
مَعْرُوفٌ مَحْفُوظٌ عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ عَلَى خِلَافِ مَا
ظَنَّهُ مَالِكٌ رحمه الله
وروى معمر والثوري وبن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتى يقبضه
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438
قال بن عَبَّاسٍ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ
يُضْمَنْ
وَمَعْنَاهُ مَا كَانَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ مَا
لَمْ يُضْمَنْ فَصَارَ الرِّبْحُ وَغَيْرُ الرِّبْحِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً لِأَنَّهُ مَا جَازَ بَيْعُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ
وَدُونِهِ
وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَأَغْنَى عَنِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ
عِنْدَكَ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ
وَرَوَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ
حَتَّى يستوفى وكان يقف أنه لا يباع بيع حَتَّى يُقْبَضَ فَدَلَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ مَا فهم بن
عَبَّاسٍ
وَرَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلَا
تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ))
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ - أَئِمَّةِ الْفَتْوَى - فِي هَذَا الْبَابِ
فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ نَحْوِ الثِّيَابِ
وَالْعُرُوضِ لِكُلِّ مَنْ سَلَّمَ فِيهَا أَوِ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَمَنِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ
إِذَا سَلَّفَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنَ الَّذِي نَهَى عَلَيْهِ إِلَّا بِمِثْلِ رأس المال أو اقل لا
يريد إِلَّا عَلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ إِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِأَزْيَدَ
مِنْهَا إِلَى أَجَلٍ وَكَذَلِكَ إِذَا أَخَّرَهُ كَانَ أَيْضًا عِنْدَهُ دَيْنًا فِي دَيْنٍ فَإِنْ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا
يُسَلَّمُ فِيهِ إِلَيْهِ مِنَ الْعُرُوضِ بِعَرَضٍ وَكَانَ قَدْ سَلَّمَ فِيهِ إِلَيْهِ عَيْنًا جَازَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ
وَبَعْدَهُ إِذَا قَبَضَ الْعَرَضَ وَلَمْ يُؤْخِّرْهُ وَكَذَلِكَ لو كان رأس مال المسلم عرضان وَبَاعَهُ
مِنْهُ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ خِلَافًا بَيِّنًا لِعَرَضِهِ الَّذِي سَلَّمَ فِيهِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ
مَنْ أَسْلَمَ فِيهِ إِلَيْهِ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا انْتَقَدَ الثَّمَنَ
وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنَ الْكِتَابِ ((الْكَافِي))
وَحُجَّةُ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَصَّ الطعام إلا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439
يَبِيعَهُ كُلَّ مَنِ ابْتَاعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ فَإِدْخَالُ غَيْرِ الطَّعَامِ فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ
وَلَا قِيَاسٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ
وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا
إِلَّا مَا خَصَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا ابْتَعْتَ
بَيْعَةً فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ)) فَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ((إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى
تَقْبِضَهُ))
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لا يجوز بيع شيء أتبعته حَتَّى تَقْبِضَهُ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
قَالَ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا وَكُلُّ مَا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ
وَالْإِجَارَةِ إِلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
قَالَ وَجَائِزٌ بَيْعُ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ لَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَالْجُعْلِ فِي
الْخُلْعِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُمَا قَالَا
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَبَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا مُلِكَ كَالشِّرَاءِ
ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُسْلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنِ اشْتَرَى
ثَمَرَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ كَانَ مَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الْبَتِّيِّ خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُلِ وَخِلَافُ
الْجُمْهُورِ فَلَا مَعْنَى لَهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ
حَتَّى يُسْتَوْفَى وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى صِحَاحٍ كُلُّهَا
وَرَوَى أَبُو الزناد عن عبيد بن حنين عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ السِّلَعِ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلى
رحالهم
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِذَا
كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا
يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ
يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي
بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا
مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ أَوْضَحَ مَالِكٌ فِيهَا مَذْهَبَهُ وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي قَطْعِ
الذَّرَائِعِ
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ سَلَّمَ فِيهِ لِأَحَدٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي أَنَّ الْعُرُوضَ فِي ذَلِكَ كَالطَّعَامِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّلَمِ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فِيهِ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ
فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ))
وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا المعنى لتكرير مالك له
قال مالك من سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ
كَذَا رَوَى يَحْيَى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَيْسَ فِي سَائِرِ ((الْمُوَطَّأِ))
فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَ مَا
يَحِلُّ بِعَرَضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرَضُ إِلَّا الطَّعَامَ
فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ
الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرَضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ
إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ
دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْكَلَامُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَغْنَى عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ
وَإِذَا كَانَ طَعَامًا جَازَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ
عِنْدَ غَيْرِهِمْ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَعَامٍ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ لِأَنَّهُ سَلَمٌ عِنْدَهُ صُرِفَ فِي
غَيْرِهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ بِيعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ
الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي
اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرَضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا
يُؤَخِّرُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تحل فلا بأس بأن يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ
لَهَا بَيِّنٍ خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْعَرَضُ الْمُخَالِفُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَجُزْ
سَلَمُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ مِنَ الْعُرُوضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَضِيَ مِنَ السَّلَمِ فِي عَرَضٍ
وَمَنْ سَلَّمَ فِي عَرَضٍ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَلَا يَأْخُذُ عَرَضًا وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا
يُشْرَبُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَوَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ عَدَدِهِ أَوْ زَرْعِهِ وَجَمِيعِ
أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فَيَكُونُ قَدْ أَقَالَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ يَكُونُ عَرْضًا مُخَالِفًا بَيِّنًا خِلَافُهُ
فَيَأْخُذُ الْفَضْلَ مِمَّا أَعْطَى أَوْ أَدْوَنَ إِنْ شَاءَ كَمَا يَكُونُ لَهُ لَوْ سَلَّفَهُ فِيهِ يَقِفُ عَلَى هَذَا
الْأَصْلِ وَهُوَ فِي ((الْكَافِي)) مَبْسُوطٌ مَعَ سَائِرِ مَعَانِي مالك وأغراضه في البيوع
والحمد لله
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ
الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ
الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ
تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَإِنَّ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ
التي سلفه فيها
قال أبو عمر هذا عِنْدَهُ مِنْ بَابٍ مَنْ سَلَّفَ فِي قَمْحٍ قَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ
يَأْخُذَ فَيْئَهُ شَعِيرًا لِأَنَّهُ تَجَاوَزَ عَنْهُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442
وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّفَ فِي شَعِيرٍ فَتَفَضَّلَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِيهِ قَمْحًا عِنْدَ مَحِلِّ
الْأَجَلِ جَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ بَيْعًا لِأَنَّ الشَّعِيرَ وَالْقَمْحَ عِنْدَهُ
صِنْفٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ الثِّيَابُ الثَّمَانِيَةُ الدُّونُ إِذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الْأَرْبَعَةِ وَجِنْسِهَا
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ كَانَ كَذَلِكَ بَيْعًا لِلْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ مِنْ
أَكْلِ الْبَغْلِ لِأَنَّهُ إِذَا أَعْطَاهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ شَعِيرًا فِي الْقَمْحِ فَقَدْ بَاعَ مِنْهُ الْأَجَلَ
يَفْصِلُ مَا بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ وَأَخَذُ شَيْءٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ مِنْ أَجْلِ الْأَجَلِ
رِبًا فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِطَرْحِ الضمان في بقية
الأجل وهو عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ
فَهَذَا أَصْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ سَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَسَطَةٍ فَجَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهَا وَزَادَهُ دِرْهَمًا أَنَّ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ فِي أَجْوَدَ مِنْهَا وَلَا فِي أَطْوَلَ
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ دِرْهَمًا فِي أَدْوَنَ وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ قَبْلَ قبضه
وهو أَيْضًا مِنْ بَابٍ يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَجُزْ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَلَا الْمَوْزُونِ أَيْضًا
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُؤْخَذَ أَطْوَلَ وَيَزِيدُهُ دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ دُونَ
ثَوْبِهِ وَيَسْتَرْجِعَ شَيْئًا
وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ عِنْدَهُ كَالثِّيَابِ
وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَطْوَلِ وَالزِّيَادَةِ وَبَيْنَ الْأَدْوَنِ وَالنُّقْصَانِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْجِنْسِ مِنَ
الْجِنْسِ صَفْقَةٌ أُخْرَى فَهُمَا صَفْقَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ جَائِزَتَانِ
وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ الْأَدْوَنَ وَاسْتَرْجَعَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ فَيَدْخُلُهُ عِنْدَهُ ذَهَبٌ وَعِوَضٌ بِذَهَبٍ أَوْ
فِضَّةٍ
وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ هُمَا جَمِيعًا مَكْرُوهَانِ لِأَنَّهُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِهِ وَبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْكُوفِيِّينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يَأْخُذَ
ابْنَةَ لَبُونٍ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443
عَنِ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ النَّاقِصَ وَزِيَادَةَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا
وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا
وَمِنْ كَرِهَ ذَلِكَ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ
وَفِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ ثُمَّ زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ
يَزِيدَهُ فِي طُولِهِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ
وَهُوَ عِنْدُهُ صَفْقَتَانِ
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى
أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ أَرْفَعَ مِنَ الصِّفَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ عِنْدَ مَالِكٍ
وَأَصْحَابِهِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ عِنْدَهُمْ إِذَا تَعَجَّلَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ
بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ بَيْعَهَا قبل أن يقبضها فقال
بن عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا
مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ
يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ السَّبَائِبُ عَمَائِمُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَفَقُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ الْمَلَاحِفُ
وَأَمَّا بَيْعُ مَا سُلِّفَ فِيهِ مِنَ الْعُرُوضِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنَ
الْعُلَمَاءِ
فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ فِي ذَلِكَ سَوَاءً
وهو مذهب بن عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ كَرِهَ بَيْعَ السَّبَائِبِ لِلَّذِي سَلَّفَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَذَلِكَ
مَعْرُوفٌ مَحْفُوظٌ عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ عَلَى خِلَافِ مَا
ظَنَّهُ مَالِكٌ رحمه الله
وروى معمر والثوري وبن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتى يقبضه
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438
قال بن عَبَّاسٍ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ
يُضْمَنْ
وَمَعْنَاهُ مَا كَانَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ مَا
لَمْ يُضْمَنْ فَصَارَ الرِّبْحُ وَغَيْرُ الرِّبْحِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً لِأَنَّهُ مَا جَازَ بَيْعُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ
وَدُونِهِ
وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَأَغْنَى عَنِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ
عِنْدَكَ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ
وَرَوَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ
حَتَّى يستوفى وكان يقف أنه لا يباع بيع حَتَّى يُقْبَضَ فَدَلَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ مَا فهم بن
عَبَّاسٍ
وَرَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلَا
تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ))
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ - أَئِمَّةِ الْفَتْوَى - فِي هَذَا الْبَابِ
فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ نَحْوِ الثِّيَابِ
وَالْعُرُوضِ لِكُلِّ مَنْ سَلَّمَ فِيهَا أَوِ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَمَنِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ
إِذَا سَلَّفَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنَ الَّذِي نَهَى عَلَيْهِ إِلَّا بِمِثْلِ رأس المال أو اقل لا
يريد إِلَّا عَلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ إِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِأَزْيَدَ
مِنْهَا إِلَى أَجَلٍ وَكَذَلِكَ إِذَا أَخَّرَهُ كَانَ أَيْضًا عِنْدَهُ دَيْنًا فِي دَيْنٍ فَإِنْ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا
يُسَلَّمُ فِيهِ إِلَيْهِ مِنَ الْعُرُوضِ بِعَرَضٍ وَكَانَ قَدْ سَلَّمَ فِيهِ إِلَيْهِ عَيْنًا جَازَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ
وَبَعْدَهُ إِذَا قَبَضَ الْعَرَضَ وَلَمْ يُؤْخِّرْهُ وَكَذَلِكَ لو كان رأس مال المسلم عرضان وَبَاعَهُ
مِنْهُ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ خِلَافًا بَيِّنًا لِعَرَضِهِ الَّذِي سَلَّمَ فِيهِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ
مَنْ أَسْلَمَ فِيهِ إِلَيْهِ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا انْتَقَدَ الثَّمَنَ
وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنَ الْكِتَابِ ((الْكَافِي))
وَحُجَّةُ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَصَّ الطعام إلا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439
يَبِيعَهُ كُلَّ مَنِ ابْتَاعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ فَإِدْخَالُ غَيْرِ الطَّعَامِ فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ
وَلَا قِيَاسٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ
وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا
إِلَّا مَا خَصَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا ابْتَعْتَ
بَيْعَةً فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ)) فَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ((إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى
تَقْبِضَهُ))
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لا يجوز بيع شيء أتبعته حَتَّى تَقْبِضَهُ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
قَالَ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا وَكُلُّ مَا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ
وَالْإِجَارَةِ إِلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
قَالَ وَجَائِزٌ بَيْعُ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ لَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَالْجُعْلِ فِي
الْخُلْعِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُمَا قَالَا
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَبَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا مُلِكَ كَالشِّرَاءِ
ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُسْلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنِ اشْتَرَى
ثَمَرَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ كَانَ مَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الْبَتِّيِّ خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُلِ وَخِلَافُ
الْجُمْهُورِ فَلَا مَعْنَى لَهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ
حَتَّى يُسْتَوْفَى وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى صِحَاحٍ كُلُّهَا
وَرَوَى أَبُو الزناد عن عبيد بن حنين عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ السِّلَعِ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلى
رحالهم
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِذَا
كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا
يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ
يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي
بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا
مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ أَوْضَحَ مَالِكٌ فِيهَا مَذْهَبَهُ وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي قَطْعِ
الذَّرَائِعِ
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ سَلَّمَ فِيهِ لِأَحَدٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي أَنَّ الْعُرُوضَ فِي ذَلِكَ كَالطَّعَامِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّلَمِ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فِيهِ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ
فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ))
وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا المعنى لتكرير مالك له
قال مالك من سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ
كَذَا رَوَى يَحْيَى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَيْسَ فِي سَائِرِ ((الْمُوَطَّأِ))
فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَ مَا
يَحِلُّ بِعَرَضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرَضُ إِلَّا الطَّعَامَ
فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ
الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرَضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ
إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ
دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْكَلَامُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَغْنَى عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ
وَإِذَا كَانَ طَعَامًا جَازَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ
عِنْدَ غَيْرِهِمْ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَعَامٍ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ لِأَنَّهُ سَلَمٌ عِنْدَهُ صُرِفَ فِي
غَيْرِهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ بِيعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ
الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي
اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرَضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا
يُؤَخِّرُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تحل فلا بأس بأن يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ
لَهَا بَيِّنٍ خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْعَرَضُ الْمُخَالِفُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَجُزْ
سَلَمُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ مِنَ الْعُرُوضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَضِيَ مِنَ السَّلَمِ فِي عَرَضٍ
وَمَنْ سَلَّمَ فِي عَرَضٍ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَلَا يَأْخُذُ عَرَضًا وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا
يُشْرَبُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَوَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ عَدَدِهِ أَوْ زَرْعِهِ وَجَمِيعِ
أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فَيَكُونُ قَدْ أَقَالَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ يَكُونُ عَرْضًا مُخَالِفًا بَيِّنًا خِلَافُهُ
فَيَأْخُذُ الْفَضْلَ مِمَّا أَعْطَى أَوْ أَدْوَنَ إِنْ شَاءَ كَمَا يَكُونُ لَهُ لَوْ سَلَّفَهُ فِيهِ يَقِفُ عَلَى هَذَا
الْأَصْلِ وَهُوَ فِي ((الْكَافِي)) مَبْسُوطٌ مَعَ سَائِرِ مَعَانِي مالك وأغراضه في البيوع
والحمد لله
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ
الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ
الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ
تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَإِنَّ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ
التي سلفه فيها
قال أبو عمر هذا عِنْدَهُ مِنْ بَابٍ مَنْ سَلَّفَ فِي قَمْحٍ قَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ
يَأْخُذَ فَيْئَهُ شَعِيرًا لِأَنَّهُ تَجَاوَزَ عَنْهُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442
وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّفَ فِي شَعِيرٍ فَتَفَضَّلَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِيهِ قَمْحًا عِنْدَ مَحِلِّ
الْأَجَلِ جَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ بَيْعًا لِأَنَّ الشَّعِيرَ وَالْقَمْحَ عِنْدَهُ
صِنْفٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ الثِّيَابُ الثَّمَانِيَةُ الدُّونُ إِذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الْأَرْبَعَةِ وَجِنْسِهَا
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ كَانَ كَذَلِكَ بَيْعًا لِلْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ مِنْ
أَكْلِ الْبَغْلِ لِأَنَّهُ إِذَا أَعْطَاهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ شَعِيرًا فِي الْقَمْحِ فَقَدْ بَاعَ مِنْهُ الْأَجَلَ
يَفْصِلُ مَا بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ وَأَخَذُ شَيْءٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ مِنْ أَجْلِ الْأَجَلِ
رِبًا فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِطَرْحِ الضمان في بقية
الأجل وهو عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ
فَهَذَا أَصْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ سَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَسَطَةٍ فَجَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهَا وَزَادَهُ دِرْهَمًا أَنَّ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ فِي أَجْوَدَ مِنْهَا وَلَا فِي أَطْوَلَ
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ دِرْهَمًا فِي أَدْوَنَ وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ قَبْلَ قبضه
وهو أَيْضًا مِنْ بَابٍ يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَجُزْ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَلَا الْمَوْزُونِ أَيْضًا
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُؤْخَذَ أَطْوَلَ وَيَزِيدُهُ دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ دُونَ
ثَوْبِهِ وَيَسْتَرْجِعَ شَيْئًا
وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ عِنْدَهُ كَالثِّيَابِ
وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَطْوَلِ وَالزِّيَادَةِ وَبَيْنَ الْأَدْوَنِ وَالنُّقْصَانِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْجِنْسِ مِنَ
الْجِنْسِ صَفْقَةٌ أُخْرَى فَهُمَا صَفْقَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ جَائِزَتَانِ
وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ الْأَدْوَنَ وَاسْتَرْجَعَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ فَيَدْخُلُهُ عِنْدَهُ ذَهَبٌ وَعِوَضٌ بِذَهَبٍ أَوْ
فِضَّةٍ
وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ هُمَا جَمِيعًا مَكْرُوهَانِ لِأَنَّهُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِهِ وَبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْكُوفِيِّينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يَأْخُذَ
ابْنَةَ لَبُونٍ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443
عَنِ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ النَّاقِصَ وَزِيَادَةَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا
وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا
وَمِنْ كَرِهَ ذَلِكَ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ
وَفِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ ثُمَّ زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ
يَزِيدَهُ فِي طُولِهِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ
وَهُوَ عِنْدُهُ صَفْقَتَانِ
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى
أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ أَرْفَعَ مِنَ الصِّفَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ عِنْدَ مَالِكٍ
وَأَصْحَابِهِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ عِنْدَهُمْ إِذَا تَعَجَّلَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ
عدد المشاهدات *:
629785
629785
عدد مرات التنزيل *:
109371
109371
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018