قال مالك والعرق الظالم كل ما احتفر أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ
مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ
أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدِ
اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ فَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِيهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ
اضْطَرَبُوا فِيهِ عَلَى هِشَامٍ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي (التَّمْهِيدِ) وَأَتَيْنَا بِاخْتِلَافِ
أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لَهُ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْضٍ حَازَهَا فَقَالَ عُمَرُ مَنْ أَحْيَا مِنْ مَيِّتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ
فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْ مَيِّتِ
الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظالم حق)
قال عروة وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَنْطَلِقَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَغْرِسَهَا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي
هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ
لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)
قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ
بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النخل ان يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا
قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لتضرب اصولها بالفؤوس وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الْآمِلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عبد الله بن عثمان قال حدثني بن المبارك
اخبرنا نافع بن عمر الجمحي عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ (أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ وَالْعِبَادَ عِبَادُ اللَّهِ وَمَنْ أَحْيَا
مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين جاؤوا
بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رِوَايَةُ يَحْيَى بن عروة عن عروة ورواية بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184
عُرْوَةَ يَقْضِيَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَصَحُّ مِنْ
رِوَايَةِ مَنْ أَسْنَدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَشْهَدُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ فِي إِسْنَادِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ
كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَثِيرٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ
وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) أَنَّهُ الْغَرْسُ
فِي أَرْضِ غَيْرِكَ
عَلَى هَذَا خَرَجَ اللَّفْظُ الْمَقْصُودُ بِهِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ حُكْمُهُ
وَكَذَلِكَ فسره عروة وهشام ومالك
وقال بن وهب اخبرني مالك قَالَ هِشَامٌ (الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ
غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ)
قَالَ مَالِكٌ وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ وَاحْتُكِرَ وَاغْتُرِسَ فِي غَيْرِ حَقٍّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً) فَالْمَيِّتَةُ الْبُورُ الشَّامِخُ مِنَ الشَّعْوَاءِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا
وَإِحْيَاؤُهَا أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى تَعُودَ أَرْضًا بَيْضَاءَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَزْرُوعَةً بَعْدَ حَالِهَا
الْأَوَّلِ فَإِنْ غَرَسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ زَرَعَهَا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِحْيَائِهَا
وَهُوَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَاخْتُلِفَ فِي التَّحْجِيرِ عَلَيْهَا بِالْحِيطَانِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِحْيَاءً لَهَا
ام لا
قال بن الْقَاسِمِ لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ التَّحْجِيرَ إِحْيَاءً وَلَا مَا رُوِيَ (مَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَتَرَكَهَا
ثَلَاثَ سِنِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا) لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ
عِنْدَهُ فِي مَيِّتِ الْأَرْضِ شَقُّ الْأَنْهَارِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَغَرْسُ الشَّجَرِ وَالْحَرْثُ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَوْ نزل قوم من ارض البرية فجعلوا ويزرعون مَا حَوْلَهَا فَذَلِكَ إِحْيَاءٌ
لَهَا وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوَاتِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ
مِيرَاثٍ وَأَمَّا مَا عُرِفَ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَ مِنَ الْمَوَاتِ الَّذِي يُعْرَفُ
يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ
وَقَدْ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دَثَرَتْ وَطَالَ زمانها وهلكت
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185
الْأَشْجَارُ وَتَهَدَّمَتِ الْآبَارُ وَعَادَتْ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهِيَ لِمُحْيِيهَا الثَّانِي
بِخِلَافِ مَا يَمْلِكُهُ بِخَطِّهِ أَوْ شِرَاءٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يَصْلُحُ
بِهِ الْعَامِرُ مِنْ قِنَاءٍ وَطَرِيقٍ وَسُبُلِ مَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ فِي أَنْ لَا يَمْلِكَ عَلَى أَهْلِهِ
إِلَّا بِإِذْنِهِمْ
قَالَ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ
مُوَاتٌ قَدْ كَانَ عَامِرًا لِأَهْلِهِ مَعْرُوفًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عَنْهُ عمارته فصار مَوَاتًا
فَذَلِكَ كَالْعَامِرِ هُوَ لِأَهْلِهِ أَبَدًا لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ
وَالْمَوَاتُ الثَّانِي مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عُمِّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِمَارَةً وَرِثَتْهَ فِي
الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْيَا
أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِحْيَاءُ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ إِحْيَاءً لمثل المحيا ان كان مسكنا فانه يَبْنِيَ
بِنَاءً مِثْلَهُ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ
قَالَ وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الْأَرْضِ الزَّرْعُ فِيهَا وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
قَالَ وَمَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا وَجَحَدَهَا وَلَمْ يُعَمِّرْهَا رَأَيْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إِنْ أَحْيَيْتَهَا
وَإِلَّا خَلَّيْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يُحْيِيهَا فَإِنْ تَأَجَّلَهُ رَأَيْتُ أَنْ يَفْعَلَ
قَالَ فَإِذَا أَحْيَا الْأَرْضَ بِمَا تُحْيَى بِهِ مَلَكَهَا مِلْكًا صَحِيحًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ أَبَدًا وَلَا عَنْ
وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إِلَّا بِمَا تَخْرُجُ بِهِ الْأَمْلَاكُ عَنْ أَرْبَابِهَا
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَمَذْهَبُهُ أَنَّ كُلَّ الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَزُولُ مِلْكُهَا عَنْهَا
بِخَرَابِهَا وَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنَ الْعُمْرَانِ فَلَيْسَ بِمُوَاتٍ وَمَا بَعُدَ مِنْهُ فَلَمْ يُمْلَكْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ
مَوَاتٌ
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَذَكَرَ أَصْحَابُ (الْإِمْلَاءِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَوَاتَ هُوَ الَّذِي إِذَا وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى
أَدْنَاهُ مِنَ الْعَامِرِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ فِي أَقْرَبِ الْعَامِرِ إِلَيْهِ
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْتَاجُ فِي إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ لِلْمَوَاتِ إِلَّا
بِإِقْطَاعٍ مِنَ الْإِمَامِ
فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا مَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحَازُ وَلَا يُعَمَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا مَا
كَانَ فِي الْأَرْضِ فَلَكَ أَنْ تُحْيِيَهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ
شَيْئًا إِلَّا بِتَمْلِيكِ الْإِمَامِ لَهُ إِيَّاهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ التَّمْلِيكُ مِنَ الْإِمَامِ هُوَ إِقْطَاعُهُ لِمَنْ أَقْطَعَهُ إِيَّاهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَدْ مَلَكَهُ أَذِنَ الْإِمَامُ
فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا
أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَقَوْلُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ نَحْوُ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ مَلَّكَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا فَأَحْيَاهُ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَوَاتِ إِلَى
الْعُمْرَانِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ مَلَكَهُ فِيهِ وَإِنْ تَرْكَهُ وَلَمْ يُعَمِّرْهُ حَتَّى مَضَتْ
ثَلَاثُ سِنِينَ بَطَلَ إِقْطَاعُ الْإِمَامِ إِيَّاهُ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ إِقْطَاعِ الْإِمَامِ
ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُمَا فِي ذَلِكَ حَدٌّ
وَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ يُؤَجِّلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ فَإِنْ عَمَّرَهُ وَإِلَّا يُقْطِعُهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ
يُعَمِّرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ حَجَرَ عَلَى مَوَاتٍ فَقَدْ
مَلَكَهُ
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهُوَ لَهُ)
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن بن عيينة عن بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ
قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَجَّرُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَقَالَ عُمَرُ
مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَهِيَ لَهُ
وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ غَيْرُ الْإِحْيَاءِ على ما قاله اكثر العلماء
وروى بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ نَاسًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ أَرْضًا فَعَطَّلُوهَا فَجَاءَ قَوْمٌ
فَعَمَّرُوهَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187
فَخَاصَمَهُمْ أَصْحَابُ الْأَرْضِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ عُمَرُ لَوْ
كَانَتْ قَطِيعَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ مِنِّي لَمْ أَرُدَّهَا إِلَيْكُمْ وَلَكِنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ أَرُدَّهَا فَرَدَّهَا إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ مَنْ أَقْطَعَ
أَرْضًا فَعَطَّلَهَا صَاحِبُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا
مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ
أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدِ
اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ فَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِيهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ
اضْطَرَبُوا فِيهِ عَلَى هِشَامٍ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي (التَّمْهِيدِ) وَأَتَيْنَا بِاخْتِلَافِ
أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لَهُ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْضٍ حَازَهَا فَقَالَ عُمَرُ مَنْ أَحْيَا مِنْ مَيِّتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ
فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْ مَيِّتِ
الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظالم حق)
قال عروة وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَنْطَلِقَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَغْرِسَهَا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي
هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ
لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)
قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ
بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النخل ان يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا
قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لتضرب اصولها بالفؤوس وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الْآمِلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عبد الله بن عثمان قال حدثني بن المبارك
اخبرنا نافع بن عمر الجمحي عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ (أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ وَالْعِبَادَ عِبَادُ اللَّهِ وَمَنْ أَحْيَا
مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين جاؤوا
بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رِوَايَةُ يَحْيَى بن عروة عن عروة ورواية بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184
عُرْوَةَ يَقْضِيَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَصَحُّ مِنْ
رِوَايَةِ مَنْ أَسْنَدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَشْهَدُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ فِي إِسْنَادِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ
كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَثِيرٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ
وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) أَنَّهُ الْغَرْسُ
فِي أَرْضِ غَيْرِكَ
عَلَى هَذَا خَرَجَ اللَّفْظُ الْمَقْصُودُ بِهِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ حُكْمُهُ
وَكَذَلِكَ فسره عروة وهشام ومالك
وقال بن وهب اخبرني مالك قَالَ هِشَامٌ (الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ
غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ)
قَالَ مَالِكٌ وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ وَاحْتُكِرَ وَاغْتُرِسَ فِي غَيْرِ حَقٍّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً) فَالْمَيِّتَةُ الْبُورُ الشَّامِخُ مِنَ الشَّعْوَاءِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا
وَإِحْيَاؤُهَا أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى تَعُودَ أَرْضًا بَيْضَاءَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَزْرُوعَةً بَعْدَ حَالِهَا
الْأَوَّلِ فَإِنْ غَرَسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ زَرَعَهَا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِحْيَائِهَا
وَهُوَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَاخْتُلِفَ فِي التَّحْجِيرِ عَلَيْهَا بِالْحِيطَانِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِحْيَاءً لَهَا
ام لا
قال بن الْقَاسِمِ لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ التَّحْجِيرَ إِحْيَاءً وَلَا مَا رُوِيَ (مَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَتَرَكَهَا
ثَلَاثَ سِنِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا) لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ
عِنْدَهُ فِي مَيِّتِ الْأَرْضِ شَقُّ الْأَنْهَارِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَغَرْسُ الشَّجَرِ وَالْحَرْثُ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَوْ نزل قوم من ارض البرية فجعلوا ويزرعون مَا حَوْلَهَا فَذَلِكَ إِحْيَاءٌ
لَهَا وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوَاتِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ
مِيرَاثٍ وَأَمَّا مَا عُرِفَ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَ مِنَ الْمَوَاتِ الَّذِي يُعْرَفُ
يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ
وَقَدْ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دَثَرَتْ وَطَالَ زمانها وهلكت
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185
الْأَشْجَارُ وَتَهَدَّمَتِ الْآبَارُ وَعَادَتْ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهِيَ لِمُحْيِيهَا الثَّانِي
بِخِلَافِ مَا يَمْلِكُهُ بِخَطِّهِ أَوْ شِرَاءٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يَصْلُحُ
بِهِ الْعَامِرُ مِنْ قِنَاءٍ وَطَرِيقٍ وَسُبُلِ مَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ فِي أَنْ لَا يَمْلِكَ عَلَى أَهْلِهِ
إِلَّا بِإِذْنِهِمْ
قَالَ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ
مُوَاتٌ قَدْ كَانَ عَامِرًا لِأَهْلِهِ مَعْرُوفًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عَنْهُ عمارته فصار مَوَاتًا
فَذَلِكَ كَالْعَامِرِ هُوَ لِأَهْلِهِ أَبَدًا لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ
وَالْمَوَاتُ الثَّانِي مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عُمِّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِمَارَةً وَرِثَتْهَ فِي
الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْيَا
أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِحْيَاءُ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ إِحْيَاءً لمثل المحيا ان كان مسكنا فانه يَبْنِيَ
بِنَاءً مِثْلَهُ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ
قَالَ وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الْأَرْضِ الزَّرْعُ فِيهَا وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
قَالَ وَمَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا وَجَحَدَهَا وَلَمْ يُعَمِّرْهَا رَأَيْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إِنْ أَحْيَيْتَهَا
وَإِلَّا خَلَّيْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يُحْيِيهَا فَإِنْ تَأَجَّلَهُ رَأَيْتُ أَنْ يَفْعَلَ
قَالَ فَإِذَا أَحْيَا الْأَرْضَ بِمَا تُحْيَى بِهِ مَلَكَهَا مِلْكًا صَحِيحًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ أَبَدًا وَلَا عَنْ
وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إِلَّا بِمَا تَخْرُجُ بِهِ الْأَمْلَاكُ عَنْ أَرْبَابِهَا
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَمَذْهَبُهُ أَنَّ كُلَّ الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَزُولُ مِلْكُهَا عَنْهَا
بِخَرَابِهَا وَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنَ الْعُمْرَانِ فَلَيْسَ بِمُوَاتٍ وَمَا بَعُدَ مِنْهُ فَلَمْ يُمْلَكْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ
مَوَاتٌ
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَذَكَرَ أَصْحَابُ (الْإِمْلَاءِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَوَاتَ هُوَ الَّذِي إِذَا وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى
أَدْنَاهُ مِنَ الْعَامِرِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ فِي أَقْرَبِ الْعَامِرِ إِلَيْهِ
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْتَاجُ فِي إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ لِلْمَوَاتِ إِلَّا
بِإِقْطَاعٍ مِنَ الْإِمَامِ
فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا مَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحَازُ وَلَا يُعَمَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا مَا
كَانَ فِي الْأَرْضِ فَلَكَ أَنْ تُحْيِيَهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ
شَيْئًا إِلَّا بِتَمْلِيكِ الْإِمَامِ لَهُ إِيَّاهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ التَّمْلِيكُ مِنَ الْإِمَامِ هُوَ إِقْطَاعُهُ لِمَنْ أَقْطَعَهُ إِيَّاهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَدْ مَلَكَهُ أَذِنَ الْإِمَامُ
فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا
أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَقَوْلُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ نَحْوُ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ مَلَّكَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا فَأَحْيَاهُ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَوَاتِ إِلَى
الْعُمْرَانِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ مَلَكَهُ فِيهِ وَإِنْ تَرْكَهُ وَلَمْ يُعَمِّرْهُ حَتَّى مَضَتْ
ثَلَاثُ سِنِينَ بَطَلَ إِقْطَاعُ الْإِمَامِ إِيَّاهُ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ إِقْطَاعِ الْإِمَامِ
ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُمَا فِي ذَلِكَ حَدٌّ
وَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ يُؤَجِّلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ فَإِنْ عَمَّرَهُ وَإِلَّا يُقْطِعُهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ
يُعَمِّرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ حَجَرَ عَلَى مَوَاتٍ فَقَدْ
مَلَكَهُ
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهُوَ لَهُ)
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن بن عيينة عن بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ
قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَجَّرُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَقَالَ عُمَرُ
مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَهِيَ لَهُ
وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ غَيْرُ الْإِحْيَاءِ على ما قاله اكثر العلماء
وروى بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ نَاسًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ أَرْضًا فَعَطَّلُوهَا فَجَاءَ قَوْمٌ
فَعَمَّرُوهَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187
فَخَاصَمَهُمْ أَصْحَابُ الْأَرْضِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ عُمَرُ لَوْ
كَانَتْ قَطِيعَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ مِنِّي لَمْ أَرُدَّهَا إِلَيْكُمْ وَلَكِنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ أَرُدَّهَا فَرَدَّهَا إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ مَنْ أَقْطَعَ
أَرْضًا فَعَطَّلَهَا صَاحِبُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا
عدد المشاهدات *:
453555
453555
عدد مرات التنزيل *:
93327
93327
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018