ملك عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ
فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَأَنَا أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ فَذَكَرَ فِيهِ مَعَانِيَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مَالِكٌ ذَكَرَهُ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عن عمرو بن أبي عمر ومولى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ لَنَا
غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدِمُنِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ فَكُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ
الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ
فَلَمْ أَزَلْ أَخْدِمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قد جاؤوا بِهَا وَأَرْدَفَهَا
خَلْفَهُ وَرَاءَهُ عَلَى كِسَائِهَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَدَعَوْتُ رِجَالًا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230
فَأَكَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاؤُهُ بِهَا ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ
مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُحُدٍ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمَعْنَى في قول الله تعالى (وسئل
الْقَرْيَةَ) يُوسُفَ 82 يَعْنِي وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم فِي أُحُدٍ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ يَعْنِي الْأَنْصَارَ السَّاكِنِينَ قُرْبَهُ وَكَانُوا يُحِبُّونَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَأَعَانُوهُ عَلَى إِقَامَةِ
دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَجَازِ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرَحُ بِأُحُدٍ
إِذَا طَلَعَ لَهُ اسْتِبْشَارًا بِالْمَدِينَةِ وَمَنْ فِيهَا مِنْ أَهِلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَيُحِبُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمْ وَيَبْتَهِجُ
لِلْأَوْبَةِ مِنْ سَفَرِهِ وَالنُّزُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَأَحِبَّتِهِ
وَقَوْلُهُ يُحِبُّنَا
أَيْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْحُبُّ لَأَحَبَّنَا كَمَا نُحِبُّهُ
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا بِشَوَاهِدَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَحَبَّتَهُ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا يُسَبِّحُ كُلُّ شَيْءٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ النَّاسُ وَغَيْرُ
نَكِيرٍ أَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ مَحَبَّةَ رَسُولِهِ فِي الْجَمَادِ وَفِيمَا لَا يَعْقِلُ كَعَقْلِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا وَضَعَ
اللَّهُ خَشْيَتَهُ فِي الْحِجَارَةِ فَأَخْبَرَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ بِأَنَّ مِنْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَكَمَا وَضَعَ فِي الْجِذْعِ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَنَّ إِلَيْهِ حَنِينَ النَّاقَةِ
لِوَلَدِهَا
رَوَاهُ أَنَسٌ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَخَطَبَ عَلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ إِلَيْهِ
فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحتضنه فسكن
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ) الْإِسْرَاءِ 44
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا
رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالْأَسَانِيدِ فِي التمهيد
وروى بن عَبَّاسٍ وَأَبُو شُرَيْحٍ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ
يُحَرِّمْهَا النَّاسُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا شُرَيْحِ بْنَ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ ثُمَّ
الْكَعْبِيَّ يَقُولُ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا
هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لِي سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ أَمْسُ وَأَنَّهَا الْيَوْمَ حَرَامٌ كَمَا حَرَّمَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ حدثني جرير عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعَضَّدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا
تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خلاءه فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِهِمْ
وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْحَقِيقَةُ لَا الْمَجَازُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) النَّمْلِ 91
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232
قَالَ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى فُكَيْهَةَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ
مَكَّةَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
يَعْنِي الْمَدِينَةَ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ
فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَأَنَا أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ فَذَكَرَ فِيهِ مَعَانِيَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مَالِكٌ ذَكَرَهُ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عن عمرو بن أبي عمر ومولى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ لَنَا
غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدِمُنِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ فَكُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ
الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ
فَلَمْ أَزَلْ أَخْدِمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قد جاؤوا بِهَا وَأَرْدَفَهَا
خَلْفَهُ وَرَاءَهُ عَلَى كِسَائِهَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَدَعَوْتُ رِجَالًا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230
فَأَكَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاؤُهُ بِهَا ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ
مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُحُدٍ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمَعْنَى في قول الله تعالى (وسئل
الْقَرْيَةَ) يُوسُفَ 82 يَعْنِي وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم فِي أُحُدٍ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ يَعْنِي الْأَنْصَارَ السَّاكِنِينَ قُرْبَهُ وَكَانُوا يُحِبُّونَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَأَعَانُوهُ عَلَى إِقَامَةِ
دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَجَازِ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرَحُ بِأُحُدٍ
إِذَا طَلَعَ لَهُ اسْتِبْشَارًا بِالْمَدِينَةِ وَمَنْ فِيهَا مِنْ أَهِلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَيُحِبُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمْ وَيَبْتَهِجُ
لِلْأَوْبَةِ مِنْ سَفَرِهِ وَالنُّزُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَأَحِبَّتِهِ
وَقَوْلُهُ يُحِبُّنَا
أَيْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْحُبُّ لَأَحَبَّنَا كَمَا نُحِبُّهُ
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا بِشَوَاهِدَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَحَبَّتَهُ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا يُسَبِّحُ كُلُّ شَيْءٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ النَّاسُ وَغَيْرُ
نَكِيرٍ أَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ مَحَبَّةَ رَسُولِهِ فِي الْجَمَادِ وَفِيمَا لَا يَعْقِلُ كَعَقْلِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا وَضَعَ
اللَّهُ خَشْيَتَهُ فِي الْحِجَارَةِ فَأَخْبَرَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ بِأَنَّ مِنْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَكَمَا وَضَعَ فِي الْجِذْعِ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَنَّ إِلَيْهِ حَنِينَ النَّاقَةِ
لِوَلَدِهَا
رَوَاهُ أَنَسٌ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَخَطَبَ عَلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ إِلَيْهِ
فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحتضنه فسكن
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ) الْإِسْرَاءِ 44
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا
رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالْأَسَانِيدِ فِي التمهيد
وروى بن عَبَّاسٍ وَأَبُو شُرَيْحٍ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ
يُحَرِّمْهَا النَّاسُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا شُرَيْحِ بْنَ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ ثُمَّ
الْكَعْبِيَّ يَقُولُ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا
هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لِي سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ أَمْسُ وَأَنَّهَا الْيَوْمَ حَرَامٌ كَمَا حَرَّمَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ حدثني جرير عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعَضَّدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا
تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خلاءه فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِهِمْ
وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْحَقِيقَةُ لَا الْمَجَازُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) النَّمْلِ 91
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232
قَالَ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى فُكَيْهَةَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ
مَكَّةَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
يَعْنِي الْمَدِينَةَ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ
عدد المشاهدات *:
631422
631422
عدد مرات التنزيل *:
109838
109838
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018