اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 18 رمضان 1445 هجرية
????? ??????????? ??????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

صلى

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثاني عشر
كتــــاب القرآن كلام الله حقيقة
فصــل في بيان أن القرآن العظيم كلام الله
تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء ـ ب ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

وأما قوله‏:‏ ولتعلم أن الحرف اللساني والحرف البناني كلاهما مقيد بزمان، يصرفه المولى متكلم قبل الزمان، فتعالى كلامه عن أن تكتنفه الحدثان، فقد عرف منازعة المنازعين له في هذا، ولم يذكر إلا مجرد الدعوى، وقد علم أن تصور الدعوى معلوم الفساد بالضرورة عند أكثر العقلاء، وأن الدليل عليها مقدمات ينازعه فيها جمهور العقلاء، وآخرها ينتهي إلى مقدمات تلقوها عن شيوخهم المعتزلة؛ فإن الكلابية والأشعرية إنما أخذوا مقدمات هذا الكلام، ومادته منهم ‏.‏ وقد عرف حالهم في ذلك‏.‏
وقوله‏:‏ المولى متكلم قبل الزمان، إن أراد أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قبل السموات والأرض، والليل والنهار، وقبل جميع المخلوقات، فهذا حق، لكن من أين له أن كل ما كلم به عباده، ويكلمهم به يوم القيامة، يجب أن يكون قبل جميع المخلوقات‏؟‏ ومن أين له أنه قبل خلق العالم كان مناديًا لموسى، قائلا له‏:‏‏{‏ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي‏}‏ ‏[‏طه‏:‏14‏]‏‏.‏
/ وإن أراد أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قبل ما يوصف بالقبل فهذا ممتنع، فإنه ـ سبحانه ـ موصوف بأنه الأول قبل كل شيء، وإن أراد بذلك أن الزمان مقدار الفعل والحركة، وأن ذلك ممتنع في الأزل، فقد عرف أن أئمة الملل والنحل ينازعونه في هذا، مع اتفاق أهل الملل على أن الله خالق السموات والأرض في ستة أيام، وقوله‏:‏ إن الحرف والصوت أداتان يعبر بهما عن المعنى القائم بذات الله، كما يعبر الإنسان عما قام به من الطلب؛ تارة بالبنان، وتارة باللسان، وتارة بالرأس عند طلب الرواح، وعند طلب الإتيان ـ فهذا مذهب الحق، ومركب الصدق‏.‏
فيقال له ‏:‏ هذا عليه اعتراضات‏:‏
أحدها ‏:‏ أن يقال‏:‏ ما ذلك المعنى القائم بالذات‏؟‏ أهو واحد كما يقوله الأشعري، وهو عنده مدلول التوراة، والإنجيل، والقرآن ومدلول آية الكرسي والدَّيْن، ومدلول سورة الإخلاص وسورة الكوثر‏؟‏ أم هو معان متعددة‏؟‏ فإن قال بالأول، كان فساده معلومًا بالاضطرار‏.‏ ثم يقال‏:‏ التصديق فرع التصور، و نحن لا نتصور هذا، فبين لنا معناه، ثم تكلم على إثباته، فإن قال‏:‏ هو نظير المعاني الموجودة فينا كان هذا الكلام بعد النزول عما يحتمله من التشبيه والتمثيل باطلا؛ لأن الذي فينا معان متعددة متنوعة، وإما معنى واحد هو أمر بكل مأمور به، وخبر عن كل مخبر عنه، فهذا غير متصور‏.‏
/الثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ هب أنه متصور‏.‏ فما الدليل على ثبوته‏؟‏ وما الدليل على قدمه‏؟‏‏.‏
الثالث‏:‏ أن يقال‏:‏ قولك ‏:‏الصوت والحرف عبارة عنه، أتعنى به الأصوات المسموعة من القراء، أو الحروف الموجودة في التلاوة والمصاحف، وإما حروفًا وأصواتًا غير هذه‏؟‏ فإن قلت بالأول، كان باطلا من وجوه‏:‏
أحدها ‏:‏ أنه كل من أجاد القراءة عبر عما في نفس الله، من غير أن يكون الله عبر عما في نفسه، فيكون المخلوق أقدر من الخالق‏.‏
الثاني‏:‏أن كثيرًا من القراء ـ أو أكثرهم ـ لا يفقهون أكثر معاني القرآن، والتعبير عما في نفس المعبر فرع على معرفته، فمن لم يفهم جميع معاني القرآن ـ كلام الله ـ فكيف يعبر عن تلك المعاني‏؟‏‏!‏
الثالث‏:‏ أن الناس لا يفهمون معاني القرآن، إلا بدلالة ألفاظ القرآن على معانيه، فإذا سمعوا ألفاظه وتدبروه كان اللفظ لهم دليلا على المعاني، والمستدل باللفظ على المعنى الذي أراده المتكلم يمتنع أن يكون هو المعبر باللفظ عن المعنى؛ فإن المعبر باللفظ عن المعنى يعرف المعنى أولا، / ثم يدل غيره عليه بالعبارة، والناس في القرآن على ضد هذه الحال، فيمتنع أن يكونوا هم المعبرين به‏.‏
الرابع‏:‏ أن كل واحد منهم يعلم أنه تعلم القرآن العربي من غيره، وأنه ليس له فيه إلا الحفظ، والتبليغ، والأداء، بل يعلم أنه إذا حفظ خطب الخطباء، وشعر الشعراء، لم يكن هو المعبر عما في أنفسهم بذلك الكلام، بل يكون الكلام كلامهم، وهو قد حفظه، وأداه، وبلغه ‏.‏ فكيف بكلام رب العالمين‏؟‏‏!‏
الخامس ‏:‏ أن كل واحد يعلم بالاضطرار أن نفس القرآن العربي كان موجودًا قبل وجود كل القراء‏.‏ وأن الناس إنما تلقوه عن محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا‏.‏
و بالجملة، فالدلالة على فساد هذا القول أكثر من أن تحصر‏.‏
وإن قلت‏:‏ بل الحروف والأصوات المعبر بها عن المعاني التي أرادها الله من حروف وأصوات كانت موجودة قبل وجود القراء، ولكن كل من القراء حفظ ذلك النظم العربي، الذي كان موجودًا قبله، قيل لك‏:‏ فحينئذ قد كان ثَمَّ حروف وأصوات غير هذه الأصوات المسموعة من القراء، وغير المداد المكتوب في المصاحف، وهذا هو / الحق الذي اتفق عليه جميع الخلق‏.‏
فقول القائل ‏:‏ إنه ما ثم إلا المعنى القائم بالذات، أو هذه الحروف والأصوات ليس بحق، ويقال له حينئذ ‏:‏ فتلك الحروف والأصوات أهي من كلام الله الذي تكلم به‏؟‏ أم هي مخلوقة خلقها في غيره‏؟‏ فإن قلت ‏:‏ هي من كلام الله ـ تعالى ـ لزمك ما فررت منه، حيث أقررت أن لله كلامًا هو حروف وأصوات، كما يقوله جمهور المسلمين‏.‏ وإن قلت‏:‏ ليست كلامًا لله، فهذه أولى من أن تكون كلامًا لله‏.‏ وحينئذ فلا يكون هذا القرآن كلام الله، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام‏.‏
وأما قوله‏:‏ من قال‏:‏ لفظي عين كلام الله، فقد انسلخ عن ربقة العقل، وغرق في بحر العماية والجهل ‏.‏ فيقال ‏:‏ قول القائل‏:‏ لفظي عين كلام الله، كلام مجمل؛ فإن ‏[‏اللفظ‏]‏ في الأصل مصدر لفظ يلفظ لفظِا، كما أن ‏[‏التلاوة، والقراءة‏]‏ في الأصل مصدر تلا يتلو، وقرأ يقرأ، ويعبر باللفظ والتلاوة، والقراءة عن نفس الكلام الملفوظ به، المتلو المقروء‏.‏
فإن الناس إذا قالوا ‏:‏ اللفظ يدل على المعنى، لم يريدوا باللفظ المصدر، بل يريدون به الملفوظ به، وإذا قالوا لمن سمعوه يتكلم‏:‏ هذه ألفاظ حسنة، أرادوا به ما يلفظه، كما قال تعالى‏:‏‏{‏مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏ يراد باللفظ نفس الفعل، وقد يراد به نفس القول الذي لفظه اللافظ‏.‏ وهذا كـ‏[‏القرآن‏]‏ قد يراد به المصدر، وقد يراد به الكلام المقروء، وقال تعالى‏:‏‏{‏ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏17، 18‏]‏ والقرآن هنا مصدر، كما في الآية عن ابن عباس، قال‏:‏ علينا أن نجمعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك، فإذا قرأه جبريل فاستمع لقراءته، ثم إن علينا أن نبينه‏.‏
وقد يراد بـ‏[‏القرآن‏]‏ نفس الكلام المقروء، كما قال‏:‏‏{‏وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏204‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏9‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏21‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏88‏]‏ ونظائره كثيرة‏.‏
وإذا كان كذلك، فقول القائل‏:‏ لفظي هو عين كلام الله، إن أراد به المصدر فقد أخطأ؛ فإن نفس حركاته ليست هي كلام الله، وهذا لا يقوله أحد يفهم ما يقول‏.‏
وإن أراد الثاني ‏:‏ كان المعنى أن هذا القرآن الذي أتلوه هو عين كلام الله، وهذا هو الذي يقصده الناس، إذا قالوا‏:‏ الذي يقرأ / القراء عين كلام الله، وهذا الذي نسمعه من القراء عين كلام الله، وهذا الذي يقرأ في الصلاة عين كلام الله، لا يقصد أحد أن يجعل حركات العباد نفس كلامه‏.‏
ثم إذا قال القائل هذا فقد وافق قول الله تعالى‏:‏‏{‏ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏، بل قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله لا كلام غيره، تارة يسمع منه كما سمعه موسى بن عمران، وتارة يسمع من المتلقين عنه كما سمعه الصحابة من الرسول، فهذا الذي نسمعه هو كلام الله، متلقى عنه مسموعًا من المبلغ عنه، قال تعالى‏:‏‏{‏ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏19‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏67‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏ لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏28‏]‏ ‏.‏ و الناس يعلمون أن الكلام كلام من قاله آمرًا بأمره، مخبرًا بخبره، مبتدئًا به، لا كلام من بلغه عن غيره وأداه‏.‏
فالناس يقرؤون القرآن، وليس هو كلامهم، ولكنه كلام يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم، وإذا كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام غيره إذا رواه الناس عنه، وبلغوه وقرؤوه، فهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من المتكلمين بذلك الكلام، والنبي / صلى الله عليه وسلم تكلم بلفظه، ونظمه، ومعناه، وتكلم به بحروف وأصوات، مع أن أصوات الرواة ليست صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن إذا قرأه الناس وبلغوه بأصواتهم وأفعالهم، كان أولى بأن يكون كلام الله، وإن كانوا لم يسمعوه من الله، بل من الخلق‏.‏
ومما ينبغي أن يعلم‏:‏ أن قول الله ورسوله والمؤمنين‏:‏ أن هذا كلام الله، بل قول الناس لما بلغ من كلام المخلوقين أن هذا كلام فلان حق، كما اتفق على ذلك الناس، لكن عرضت شبهة لكثير من المتنطعين، فلم يفرقوا بين ما إذا سمع كلام المتكلم به، وبين ما إذا سمع من غيره، فظنوا أنه إذا قال‏:‏‏{‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏ كان بمنزلة سماع موسى كلام الله‏.‏
فقالت طائفة ‏:‏ المسموع أصوات العباد ، وكلام الله ليس هو أصوات العباد، فلا يكون المسموع كلام الله‏.‏
وقالت طائفة‏:‏ بل هذا كلام الله، وهذا مخلوق، فكلام الله مخلوق‏.‏
وقالت طائفة‏:‏ بل هذا كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فهذا غير مخلوق‏.‏
/وهذا إذا أطلقوه ‏[‏مجملاً‏]‏ فهو حق، لكن قال بعضهم‏:‏ هذا لفظي أو تلاوتي أو صوتي؛ فلفظي أو تلاوتي أو صوتي غير مخلوق، فضلوا كما ضل غيرهم، ولو اهتدوا لعلموا أنا إذا قلنا‏:‏ هذا كلام الله، فلم نشر إليه بما امتاز قارئ عن قارئ، إذا كان من المعلوم أنه ما يسمع من كل قارئ فهو كلام الله، مع العلم بأن صوت هذا القارئ ليس هو صوت هذا القارئ، فقد اتحد من جهة كونه كلام الله، واختلف من جهة أصوات القراء، وهو كلام الله باعتبار الحقيقة المتحدة، لا باعتبار ما اختلف فيه أحوال القراء‏.‏
وهذا لأن الكلام إنما يقصد به لفظه ومعناه، ولفظه هوالحروف المقروءة المنظومة‏.‏ وإن كانت الحروف أصواتًا مقطعة، أو هي أطراف الأصوات المقطعة، فهي من الكلام باعتبار صورتها الخاصة من التقطيع والتأليف، لا باعتبار المادة الصوتية التي يشترك فيها جميع الصائتين، ولهذا ما كان في الكلام من بلاغة وبيان، وحسن تأليف ونظم، وكمال معان وغير ذلك، فهو للمتكلم بلفظه ومعناه، ليس هو لمجرد صفات الذي بلغه وأداه‏.‏
وأما قول القائل‏:‏ من قال‏:‏ إن مذهب جهم بن صفوان هو مذهب الأشعري أو قريب أو سواء معه، فهو جاهل بمذهب الفريقين؛ إذ الجهمية / قائلون بخلق القرآن، وبخلق جميع‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏
والأشعري يقول بقدم القرآن، وأن كلام الإنسان مخلوق للرحمن، فوضح للبيب كل من المذاهب الثلاثة‏.‏
فيقال‏:‏ لا ريب أن قول ابن كُلاَّب والأشعري ـ ونحوهما من المثبتة للصفات ـ ليس هو قول الجهمية، بل ولا المعتزلة،بل هؤلاء لهم مصنفات في الرد على الجهمية والمعتزلة، وبيان تضليل من نفاها، بل هم تارة يكفرون الجهمية والمعتزلة، وتارة يضللونهم، لا سيما والجهم هو أعظم الناس نفيا للصفات، بل وللأسماء الحسنى‏.‏ قوله من جنس قول الباطنية القرامطة، حتى ذكروا عنه أنه لا يسمى الله شيئًا، ولا غير ذلك من الأسماء التي يسمى بها المخلوق؛ لأن ذلك ـ بزعمه ـ من التشبيه الممتنع، وهذا قول القرامطة الباطنية‏.‏
وحكى عنه أنه لا يسميه إلا ‏[‏قادرًا فاعلا‏]‏؛ لأن العبد عنده ليس بقادر ولا فاعل؛ إذ كان هو رأس المجبرة، وقوله في الإيمان شر من قول المرجئة؛ فإنه لا يجعل الإيمان إلا مجرد تصديق القلب‏.‏ وابن كلاب ـ إمام الأشعرية ـ أكثر مخالفة لجهم، وأقرب إلى السلف / من الأشعري نفسه، والأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني‏.‏ والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبي المعالي وأتباعه؛ فإن هؤلاء نفوا الصفات؛ كالاستواء، والوجه، واليدين‏.‏
ثم اختلفوا، هل تتأول أو تفوض‏؟‏ على قولين أو طريقين، فأول قولي أبي المعالي هو تأويلها، كما ذكر ذلك في‏[‏الإرشاد‏]‏ وآخر قوليه تحريم التأويل ذكر ذلك في‏[‏الرسالة النظامية‏]‏، واستدل بإجماع السلف على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب‏.‏
وأما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه، فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية، وفي الرد على من يتأولها، كمن يقول ‏:‏ استوى بمعنى استولى‏.‏ وهذا مذكور في كتبه كلها، كـ‏[‏الموجز الكبير‏]‏ و‏[‏المقالات الصغيرة، والكبيرة‏]‏، و‏[‏الإبانة‏]‏ وغير ذلك‏.‏ وهكذا نقل سائر الناس عنه، حتى المتأخرون، كالرازي والآمدي ينقلون عنه إثبات الصفات الخبرية، ولا يحكون عنه في ذلك قولين‏.‏
فمن قال ‏:‏ إن الأشعري كان ينفيها، وإن له في تأويلها قولين، فقد افترى عليه، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه، كأبي المعالي ونحوه؛ فإن هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة‏.‏
/ والأشعري ابتلى بطائفتين؛ طائفة تبغضه، و طائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول‏:‏ إنما صنف هذه الكتب تَقِيَّةً، وإظهارا لموافقة أهل الحديث والسنة، من الحنبلية وغيرهم‏.‏ وهذا كذب على الرجل؛ فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه، ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته؛ فدعوى المدعى أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلاً، بل من تدبر كلامه في هذا الباب ـ في مواضع ـ تبين له قطعًا أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه، لئلا يقال‏:‏ إنهم خالفوه، مع كون ما ذهبوا إليه من السنة، قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون‏.‏
والفريق الآخر دفعوا عنه؛ لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يظهرون إلا خلاف هذا القول، ولكونهم اتهموه بالتقية، وليس كذلك، بل هو انتصر للمسائل المشهورة عند أهل السنة، التي خالفهم فيها المعتزلة؛ كمسألة ‏[‏الرؤية‏]‏ و‏[‏الكلام‏]‏ وإثبات ‏[‏الصفات‏]‏ ونحو ذلك، لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة، واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار / للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك‏.‏
والمخالفون له من أهل السنة والحديث، ومن المعتزلة والفلاسفة يقولون‏:‏ إنه متناقض، وإن ما وافق فيه المعتزلة يناقض ما وافق فيه أهل السنة، كما أن المعتزلة يتناقضون فيما نصروا فيه دين الإسلام، فإنهم بنوا كثيرًا من الحجج على أصول تناقض كثيرًا من دين الإسلام، بل جمهور المخالفين للأشعري من المثبتة والنفاة يقولون ‏:‏ إن ما قاله في‏[‏مسألة الرؤية والكلام‏]‏ معلوم الفساد بضرورة العقل ‏.‏
ولهذا يقول أتباعه‏:‏ إنه لم يوافقنا أحد من الطوائف على قولنا في ‏[‏مسألة الرؤية، والكلام‏]‏ فلما كان في كلامه شَوْبٌ‏[‏أي ‏:‏ خلْط‏]‏‏.‏ من هذا وشوب من هذا، صار يقول من يقول‏:‏ إن فيه نوعا من التجهم‏.‏ وأما من قال‏:‏ إن قوله قول جهم، فقد قال الباطل ‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه ليس فيه شيء من قول جهم، فقد قال الباطل، والله يحب الكلام بعلم وعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنزيل الناس منازلهم‏.‏
وقول جهم هو النفي المحض لصفات الله ـ تعالى ـ وهو حقيقة قول القرامطة الباطنية، ومنحرفي المتفلسفة؛ كالفارابي وابن سينا‏.‏ وأما مقتصدة الفلاسفة كأبي البركات صاحب‏[‏المعتبر‏]‏، وابن رشد الحفيد ـ ففي قولهم من الإثبات ما هو خير من قول جهم؛ فإن المشهور عنهم إثبات الأسماء / الحسنى، وإثبات أحكام الصفات، ففي الجملة قولهم خير من قول جهم، وقول ضرار بن عمرو الكوفي خير من قولهم‏.‏
وأما ابن كلاب والقلانسي والأشعري فليسوا من هذا الباب، بل هؤلاء معروفون بالصفاتية، مشهورون بمذهب الإثبات؛ لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية، وما يقول الناس ‏:‏ إنه يلزمهم بسببه التناقض، وأنهم جمعوا بين الضدين، وأنهم قالوا ما لا يعقل، ويجعلونهم مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهذا وجه من يجعل فى قولهم شيئًا من أقوال الجهمية، كما أن الأئمة ـ كأحمد وغيره ـ كانوا يقولون‏:‏ افترقت الجهمية على ثلاث فرق ‏:‏ فرقة يقولون‏:‏ القرآن مخلوق‏.‏ وفرقة تقف ولا تقول ‏:‏ مخلوق ولا غير مخلوق‏.‏ وفرقة تقول ‏:‏ ألفاظنا بالقرآن مخلوقة‏.‏
ومن المعلوم أنهم إنما أرادوا بذلك افتراقهم في‏[‏مسألة القرآن‏]‏ خاصة، وإلا فكثير من هؤلاء يثبت الصفات والرؤية، والاستواء على العرش‏.‏ وجعلوه من الجهمية في بعض المسائل؛ أي أنه وافق الجهمية، فيها ليتبين ضعف قوله، لا أنه مثل الجهمية ولا أن حكمه حكمهم؛ فإن هذا لا يقوله من يعرف ما يقول‏.‏
ولهذا عامة كلام أحمد إنما هو يجهم اللفظية، لا يكاد يطلق القول بتكفيرهم كما يطلقه بتكفير المخلوقية، وقد نسب إلى هذا القول غير واحد من المعروفين بالسنة والحديث؛ كالحسين الكرابيسي، ونعيم / بن حماد الخزاعي، والبويطي، والحارث المحاسبي، ومن الناس من نسب إليه البخاري‏.‏
والقول بأن ‏[‏اللفظ غير مخلوق‏]‏ نسب إلى محمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي، بل وبعض الناس ينسبه إلى أبي زُرْعَة أيضًا، ويقول ‏:‏ إنه هو وأبو حاتم هجرا البخاري لما هجره محمد بن يحيى الذهلي، والقصة في ذلك مشهورة‏.‏
وبعد موت أحمد وقع بين بعض أصحابه وبعضهم، وبين طوائف من غيرهم بهذا السبب، وكان أهل الثَّغْر مع محمد بن داود، والمِصِّيصي شيخ أبي داود، يقولون بهذا‏.‏ فلما ولى صالح بن أحمد قضاء الثغر‏:‏ طلب منه أبو بكر المروزي أن يظهر لأهل الثغر‏[‏مسألة أبي طالب‏]‏ فإنه قد شهدها صالح وعبد الله أبناء أحمد، والمروزي، وفوران، وغيرهم‏.‏وصنف المروزي كتابًا في الإنكار على من قال‏:‏ إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأرسل في ذلك إلى العلماء بمكة والمدينة، والكوفة والبصرة، وخراسان وغيرهم؛ فوافقوه، وقد ذكر ذلك أبو بكر الخلال في ‏[‏كتاب السنة‏]‏ وبسط القول في ذلك‏.‏
ومع هذا فطوائف من المنتسبين إلى السنة، وإلى أتباع أحمد، كأبي عبد الله بن مَنْدَه، وأبن نصر السِّجْزي، وأبي إسماعيل الأنصاري / وأبي العلاء الهمداني وغيرهم يقولون‏:‏ لفظنا بالقرآن غير مخلوق ‏.‏ ويقولون ‏:‏ إن هذا قول أحمد، ويكذِّبون ـ أو منهم من يكذب ـ برواية أبي طالب، ويقولون ‏:‏ إنها مفتعلة عليه، أو يقولون‏:‏ رجع عن ذلك، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي، في كتابه ‏[‏الإبانة‏]‏ المشهور‏.‏
وليس الأمر كما قاله هؤلاء؛ فإن أعلم الناس بأحمد وأخص الناس وأصدق الناس في النقل عنه، هم الذين رووا ذلك عنه، ولكن أهل خراسان لم يكن لهم من العلم بأقوال أحمد ما لأهل العراق، الذين هم أخص به‏.‏ وأعظم ما وقعت فتنة ‏[‏اللفظ‏]‏ بخراسان، وتُعُصِّب فيها على البخاري ـ مع جلالته وإمامته ـ وإن كان الذين قاموا عليه أيضًا أئمة أجلاء، فالبخاري ـ رضي الله عنه ـ من أجل الناس‏.‏
وإذا حسن قصدهم، واجتهد هو وهم، أثابه الله وإياهم على حسن القصد والاجتهاد، وإن كان قد وقع منه أو منهم بعض الغلط والخطأ فالله يغفر لهم كلهم، لكن من الجهال من لا يدري كيف وقعت الأمور، حتى رأيت بخط بعض الشيوخ الذين لهم علم ودين، يقول‏:‏ مات البخاري بقرية خَرْتَنْك، فأرسل أحمد إلى أهل القرية يأمرهم ألا يصلوا عليه لأجل قوله في‏[‏مسألة اللفظ‏]‏، وهذا من أبين الكذب على أحمد والبخاري، وكاذبه جاهل بحالهما‏.‏ فإن البخاري ـ رضي الله عنه ـ توفى سنة ست وخمسين، بعد موت أحمد بخمس عشرة / سنة، فإن أحمد توفى سنة إحدى وأربعين، وكان أحمد مكرما للبخاري معظما، وأما تعظيم البخاري وأمثاله لأحمد فهذا أظهر من أن يذكر‏.‏
والبخاري ذكر في كتابه في ‏[‏خلق الأفعال‏]‏ أن كلتا الطائفتين لا تفهم كلام أحمد‏.‏ ومن الطائفة الأخرى المنتسبة إلى السنة، وأتباع أحمد؛ أبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر البيهقي، وغيرهما ممن يقول‏:‏ إنهم متبعون لأحمد، وأن قولهم في ‏[‏مسألة اللفظ‏]‏ موافق لقول أحمد‏.‏ ووقع بين ابن منده وأبي نعيم بسبب ذلك مشاجرة، حتى صنف أبو نعيم كتابه في ‏[‏الرد على الحروفية الحلولية‏]‏، وصنف أبو عبد الله كتابه في الرد على ‏[‏اللفظية‏]‏‏.‏
والمنتصرون للسنة ـ من أهل الكلام والفقه؛ كالأشعري، والقاضي أبي بكر بن الطيب، والقاضي أبي يعلى وغيرهم ـ يوافقون أحمد على الإنكار على الطائفتين، على من يقول‏:‏ لفظي بالقرآن مخلوق، وعلى من يقول ‏:‏ لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولكن يجعلون سبب الكراهة كون القرآن لا يلفظ؛ لأن اللفظ الطرح والرمي‏.‏
ثم هؤلاء منهم من ينكر تكلم الله بالصوت‏.‏ ومنهم من يقر بذلك، بل منهم من يقول‏:‏ إن الصوت المسموع هو الصوت القديم، وينكرون مع ذلك على من يقول‏:‏ لفظي بالقرآن غير مخلوق، لظنهم أن الكراهة / في ذلك لما فيه من الطرح والرمي، وليس الأمر على ما ظنوه؛ فإن الإمام أحمد وغيره من الأئمة لم ينكروا قول القائل ‏:‏ لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق لكون اللفظ الطرح؛ فإنه لو كان كذلك لما أنكروا إلا مجرد ما يتصرف من حروف لفظ يلفظ، وليس كذلك، بل أنكروا على من قال‏:‏ التلاوة والقراءة مخلوقة، وعلى من قال‏:‏ تلاوتي وقراءتي غير مخلوقة، مع جواز قول المسلمين‏:‏ قرأت القرآن وتلوته‏.‏
وأيضًا، فإنه يجوز أن يقال‏:‏ لفظت الكلام وتلفظت به، كما قال تعالى‏:‏‏{‏مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏، ولكن الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة قالوا‏:‏ من قال‏:‏ لفظي بالقرآن وتلاوتي أو قراءتي مخلوقة فهو جهمي‏.‏ ومن قال ‏:‏ إنه غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأن ‏[‏اللفظ‏]‏ و‏[‏التلاوة‏]‏ و‏[‏القراءة‏]‏ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ومصدر قرأ يقرأ قراءة، وتلا يتلو تلاوة، ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته، ليس هو بقديم باتفاق سلف الأمة وأئمتها، حتى القدرية القائلون بأن أفعال العباد غير مخلوقة‏.‏ يقولون‏:‏ إن ذلك ليس بقديم ‏.‏ ويقولون‏:‏ إنه مخلوق لله‏.‏

عدد المشاهدات *:
344859
عدد مرات التنزيل *:
248583
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء ـ ب ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل   تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء ـ ب ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط   تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء ـ ب ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1