اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 18 رمضان 1445 هجرية
????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

صلى

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
الأداب و مكارم الأخلاق
كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
الْبَابُ الْخَامِسُ أَدَبُ النَّفْسِ :الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
الكتب العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

َ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: {دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لاَ يَرِيبُك فَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ وَالصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ}. وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَصْلَحَ مِنْ لِسَانِهِ، وَأَقْصَرَ مِنْ عِنَانِهِ، وَأَلْزَمَ طَرِيقَ الْحَقِّ مِقْوَلَهُ، وَلَمْ يُعَوِّدْ الْخَطَلَ مَفْصِلَهُ}. وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: {قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: أَفَيَكُونُ بَخِيلًا ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: أَفَيَكُونُ كَذَّابًا ؟ قَالَ: لاَ}.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قوله تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} أَيْ لاَ تَخْلِطُوا الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْكَذَّابُ لِصٌّ؛ لِأَنَّ اللِّصَّ يَسْرِقُ مَالَك، وَالْكَذَّابُ يَسْرِقُ عَقْلَك. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْخَرَسُ خَيْرٌ مِنْ الْكَذِبِ وَصِدْقُ اللِّسَانِ أَوَّلُ السَّعَادَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الصَّادِقُ مُصَانٌ خَلِيلٌ، وَالْكَاذِبُ مُهَانٌ ذَلِيلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: لاَ سَيْفَ كَالْحَقِّ، وَلاَ عَوْنَ كَالصِّدْقِ.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَمَا شَيْءٌ إذَا فَكَّرْتَ فِيهِ بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوءَةِ وَالْجَمَالِ مِنْ الْكَذِبِ الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ وَأَبْعَدَ بِالْبَهَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ لِسُوءِ عَوَاقِبِهِ، وَخُبْثِ نَتَائِجِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتِجُ النَّمِيمَةَ، وَالنَّمِيمَةُ تُنْتِجُ الْبَغْضَاءَ، وَالْبَغْضَاءُ تُؤَوَّلُ إلَى الْعَدَاوَةِ، وَلَيْسَ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَمْنٌ وَلاَ رَاحَةٌ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَنْ قَلَّ صِدْقُهُ قَلَّ صَدِيقُهُ. وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ يَدْخُلاَنِ الاخْبَارَ الْمَاضِيَةَ، كَمَا أَنَّ الْوَفَاءَ وَالْخُلْفَ يَدْخُلاَنِ الْمَوَاعِيدَ الْمُسْتَقْبَلَةَ. فَالصِّدْقُ هُوَ الاخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَالْكَذِبُ هُوَ الاخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَوَاعٍ. فَدَوَاعِي الصِّدْقِ لاَزِمَةٌ، وَدَوَاعِي الْكَذِبِ عَارِضَةٌ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ يَدْعُو إلَيْهِ عَقْلٌ مُوجِبٌ وَشَرْعٌ مُؤَكَّدٌ، فَالْكَذِبُ يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَقْلُ وَيَصُدُّ عَنْهُ الشَّرْعُ. وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ تَسْتَفِيضَ الاخْبَارُ الصَّادِقَةُ حَتَّى تَصِيرَ مُتَوَاتِرَةً، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَفِيضَ الاخْبَارُ الْكَاذِبَةُ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ النَّاسِ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ لِاتِّفَاقِ الدَّوَاعِي، فَدَوَاعِي الصِّدْقِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ عَلَيْهَا، حَتَّى إذَا تَلَقَّوْا خَبَرًا، وَكَانُوا عَدَدًا يَنْتَفِي عَنْ مِثْلِهِمْ الْمُوَاطَأَةُ، وَقَعَ فِي النَّفْسِ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَيْهِ نَافِعَةٌ، وَاتِّفَاقُ النَّاسِ فِي الدَّوَاعِي النَّافِعَةِ مُمْكِنٌ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، الَّذِي لاَ يُمْكِنُ مُوَاطَأَةُ مِثْلِهِمْ، عَلَى نَقْلِ خَبَرٍ يَكُونُ كَذِبًا؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَيْهِ غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَرُبَّمَا كَانَتْ ضَارَّةً. وَلَيْسَ فِي جَارِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ عَلَى دَوَاعٍ غَيْرِ نَافِعَةٍ. وَلِذَلِكَ جَازَ اتِّفَاقُ النَّاسِ عَلَى الصِّدْقِ؛ لِجَوَازِ اتِّفَاقِ دَوَاعِيهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْكَذِبِ لِامْتِنَاعِ اتِّفَاقِ دَوَاعِيهِمْ. وَإِذَا كَانَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ دَوَاعٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا سَنَحَ بِهِ الْخَاطِرُ مِنْ دَوَاعِيهِمَا.

أَمَّا دَوَاعِي الصِّدْقِ فَمِنْهَا: الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِقُبْحِ الْكَذِبِ، لاَ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَجْلِبْ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ ضَرَرًا. وَالْعَقْلُ يَدْعُو إلَى فِعْلِ مَا كَانَ مُسْتَحْسَنًا، وَيَمْنَعُ مِنْ إتْيَانِ مَا كَانَ مُسْتَقْبَحًا. وَلَيْسَ مَا اُسْتُحْسِنَ مِنْ مُبَالَغَاتِ الشُّعَرَاءِ، حَتَّى صَارَ كَذِبًا صُرَاحًا، اسْتِحْسَانًا لِلْكَذِبِ فِي الْعَقْلِ كَاَلَّذِي أَنَشَدَنِيهِ الازْدِيُّ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ: تَوَهَّمَهُ فِكْرِي فَأَصْبَحَ خَدُّهُ وَفِيهِ مَكَانُ الْوَهْمِ مِنْ فِكْرَتِي أَثَرُ وَصَافَحَهُ كَفِّي فَآلَمَ كَفَّهُ فَمِنْ لَمْسِ كَفِي فِي أَنَامِلِهِ عَقْرُ وَمَرَّ بِقَلْبِي خَاطِرًا فَجَرَحْتُهُ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ يَجْرَحُهُ الْفِكْرُ وَكَقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ الاحْنَفِ وَإِنْ كَانَ دُونَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ: تَقُولُ وَقَدْ كَتَبْتُ دَقِيقَ خَطِّي إلَيْهَا: لِمَ تَجَنَّبْتَ الْجَلِيلاَ فَقُلْت لَهَا: نَحِلْتُ فَصَارَ خَطِّي مُسَاعَدَةً لِكَاتِبِهِ نَحِيلاَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مُخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ وَالاقْتِدَارِ عَلَى صَنْعَةِ الشَّعْرِ، وَأَنَّ شَوَاهِدَ الْحَالِ تُخْرِجُهُ عَنْ تَلْبِيسِ الْكَذِبِ، وَكَذَلِكَ مَا اُسْتُحْسِنَ فِي الصَّنْعَةِ وَلَمْ يُسْتَقْبَحْ فِي الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ الْكَذِبُ مُسْتَقْبَحًا فِيهِ. وَمِنْهَا: الدِّينُ الْوَارِدُ بِاتِّبَاعِ الصِّدْقِ وَحَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ بِإِرْخَاصِ مَا حَظَرَهُ الْعَقْلُ، بَلْ قَدْ جَاءَ الشَّرْعُ زَائِدًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْلُ مِنْ حَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِحَظْرِ الْكَذِبِ وَإِنْ جَرَّ نَفْعًا أَوْ دَفَعَ ضَرَرًا.

وَالْعَقْلُ إنَّمَا حَظْرَ مَا لاَ يَجْلِبُ نَفْعًا وَلاَ يَدْفَعُ ضَرَرًا. وَمِنْهَا: الْمُرُوءَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْكَذِبِ بَاعِثَةٌ عَلَى الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْنَعُ مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَكْرَهًا، فَأَوْلَى مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَقْبَحًا. وَمِنْهَا: حُبُّ الثَّنَاءِ وَالاشْتِهَارِ بِالصِّدْقِ حَتَّى لاَ يُرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلٌ وَلاَ يَلْحَقُهُ نَدَمٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لِيَكُنْ مَرْجِعُك إلَى الْحَقِّ وَمَنْزَعُكَ إلَى الصِّدْقِ، فَالْحَقُّ أَقْوَى مُعِينٍ، وَالصِّدْقُ أَفْضَلُ قَرِينٍ.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: عَوِّدْ لِسَانَك قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ إنَّ اللِّسَانَ لِمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادُ مُوَكَّلٌ بِتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَانْظُرْ كَيْفَ تَرْتَادُ.

وَأَمَّا دَوَاعِي الْكَذِبِ فَمِنْهَا: اجْتِلاَبُ النَّفْعِ وَاسْتِدْفَاعُ الضُّرِّ، فَيَرَى أَنَّ الْكَذِبَ أَسْلَمُ وَأَغْنَمُ فَيُرَخِّصُ لِنَفْسِهِ فِيهِ اغْتِرَارًا بِالْخُدَعِ، وَاسْتِشْفَافًا لِلطَّمَعِ. وَرُبَّمَا كَانَ الْكَذِبُ أَبْعَدَ لِمَا يُؤَمِّلُ وَأَقْرَبَ لِمَا يَخَافُ؛ لِأَنَّ الْقَبِيحَ لاَ يَكُونُ حَسَنًا وَالشَّرَّ لاَ يَصِيرُ خَيْرًا. وَلَيْسَ يُجْنَى مِنْ الشَّوْكِ الْعِنَبُ وَلاَ مِنْ الْكَرْمِ الْحَنْظَلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {تَحَرَّوْا الصِّدْقَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ فَإِنَّ فِيهِ النَّجَاةَ، وَتَجَنَّبُوا الْكَذِبَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ النَّجَاةَ فَإِنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ}. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لاَنْ يَضَعَنِي الصِّدْقُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَنِي الْكَذِبُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الصِّدْقُ مُنْجِيك وَإِنْ خِفْته، وَالْكَذِبُ مُرْدِيك وَإِنْ أَمِنْته. وَقَالَ الْجَاحِظُ: الصِّدْقُ وَالْوَفَاءُ تَوْأَمَانِ، وَالصَّبْرُ وَالْحِلْمُ تَوْأَمَانِ فِيهِنَّ تَمَامُ كُلِّ دِينٍ، وَصَلاَحُ كُلِّ دُنْيَا، وَأَضْدَادُهُنَّ سَبَبُ كُلِّ فُرْقَةٍ وَأَصْلُ كُلِّ فَسَادٍ. وَمِنْهَا: أَنْ يُؤْثِرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُ مُسْتَعْذَبًا وَكَلاَمُهُ مُسْتَظْرَفًا، فَلاَ يَجِدُ صِدْقًا يُعْذَبُ وَلاَ حَدِيثًا يُسْتَظْرَفُ، فَيَسْتَحْلِي الْكَذِبَ الَّذِي لَيْسَتْ غَرَائِبُهُ مَعُوزَةً، وَلاَ ظَرَائِفُهُ مُعْجِزَةً. وَهَذَا النَّوْعُ أَسْوَأُ حَالا مِمَّا قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ مَهَانَةِ النَّفْسِ وَدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ. وَقَدْ قَالَ الْجَاحِظُ: لَمْ يَكْذِبْ أَحَدٌ قَطُّ الا لِصِغَرِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ: لاَ تَتَهَاوَنْ بِإِرْسَالِ الْكِذْبَةِ مِنْ الْهَزْلِ فَإِنَّهَا تُسْرِعُ إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْصِدَ بِالْكَذِبِ التَّشَفِّيَ مِنْ عَدُوِّهِ فَيُسَمِّهِ بِقَبَائِحَ يَخْتَرِعُهَا عَلَيْهِ، وَيَصِفُهُ بِفَضَائِحَ يَنْسُبُهَا إلَيْهِ. وَيَرَى أَنَّ مَعَرَّةَ الْكَذِبِ غُنْمٌ وَأَنَّ إرْسَالَهَا فِي الْعَدُوِّ سَهْمٌ وَسُمٌّ. وَهَذَا أَسْوَأُ حَالا مِنْ النَّوْعَيْنِ الاوَّلِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْكَذِبِ الْمُعِرِّ وَالشَّرِّ الْمُضِرِّ. وَلِذَلِكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ دَوَاعِي الْكَذِبِ قَدْ تَرَادَفَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَلِفَهَا، فَصَارَ الْكَذِبُ لَهُ عَادَةً، وَنَفْسُهُ إلَيْهِ مُنْقَادَةٌ، حَتَّى لَوْ رَامَ مُجَانَبَةَ الْكَذِبِ عَسِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ طَبْعٌ ثَانٍ. وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: مَنْ اسْتَحْلَى رَضَاعَ الْكَذِبِ عَسِرَ فِطَامُهُ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لاَ يَلْزَمُ الْكَذَّابَ شَيْءٌ الا غَلَبَ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْكَذَّابِ قَبْلَ خِبْرَتِهِ أَمَارَاتٍ دَالَّةً عَلَيْهِ. فَمِنْهَا: أَنَّك إذَا لَقَّنْتَهُ الْحَدِيثَ تَلَقَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَا لَقَّنْته وَبَيْنَ مَا أَوْرَدَهُ فَرْقٌ عِنْدَهُ. وَمِنْهَا: أَنَّك إذَا شَكَّكْتَهُ فِيهِ تَشَكَّكَ حَتَّى يَكَادَ يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَوْلاَك مَا تَخَالَجَهُ الشَّكُّ فِيهِ. وَمِنْهَا: أَنَّك إذَا رَدَدْت عَلَيْهِ قَوْلَهُ حُصِرَ وَارْتَبَكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نُصْرَةُ الْمُحْتَجِّينَ، وَلاَ بُرْهَانُ الصَّادِقِينَ.

وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: الْكَذَّابُ كَالسَّرَابِ. وَمِنْهَا: مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ رِيبَةِ الْكَذَّابِينَ وَيَنُمُّ عَلَيْهِ مِنْ ذِلَّةِ الْمُتَوَهِّمِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ الانْسَانُ دَفْعَهَا عَنْ نَفْسِهِ؛ لِمَا فِي الطَّبْعِ مِنْ آثَارِهَا. وَلِذَلِكَ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: الْعَيْنَانِ أَنَمُّ مِنْ اللِّسَانِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْوُجُوهُ مَرَايَا تُرِيك أَسْرَارَ الْبَرَايَا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: تُرِيكَ أَعْيُنُهُمْ مَا فِي صُدُورِهِمْ إنَّ الْعُيُونَ يُؤَدِّي سِرَّهَا النَّظَرُ وَإِذَا اتَّسَمَ بِالْكَذِبِ نُسِبَتْ إلَيْهِ شَوَارِدُ الْكَذِبِ الْمَجْهُولَةُ، وَأُضِيفَتْ إلَى أَكَاذِيبِهِ زِيَادَاتٌ مُفْتَعَلَةٌ حَتَّى يَصِيرَ الْكَاذِبُ مَكْذُوبًا عَلَيْهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ مَعَرَّةِ الْكَذِبِ مِنْهُ وَمَضَرَّةِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: حَسْبُ الْكَذُوبِ مِنْ الْبَلِيَّةِ بَعْضُ مَا يُحْكَى عَلَيْهِ فَإِذَا سَمِعْت بِكِذْبَةٍ مِنْ غَيْرِهِ نُسِبَتْ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ اُتُّهِمَ، وَإِنْ جَانَبَ الْكَذِبَ كُذِّبَ، حَتَّى لاَ يُعْتَقَدُ لَهُ حَدِيثٌ يُصَدَّقُ، وَلاَ كَذِبٌ مُسْتَنْكَرٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا عُرِفَ الْكَذَّابُ بِالْكَذِبِ لَمْ يَكَدْ يُصَدَّقُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ صَادِقَا وَمِنْ آفَةِ الْكَذَّابِ نِسْيَانُ كِذْبِهِ وَتَلْقَاهُ ذَا حِفْظٍ إذَا كَانَ صَادِقَا وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِإِرْخَاصِ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ وَإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى وَجْهِ التَّوْرِيَةِ، وَالتَّأْوِيلِ دُونَ التَّصْرِيحِ بِهِ.

فَإِنَّ السُّنَّةَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَرِدَ بِإِبَاحَةِ الْكَذِبِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّوْرِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ، كَمَا {سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَطَرَّفَ بِرِدَاءٍ وَانْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: مِنْ مَاءٍ}، فَوَرَّى عَنْ الاخْبَارِ بِنَسَبِهِ بِأَمْرٍ يَحْتَمِلُ. فَظَنَّ السَّائِلُ أَنَّهُ عَنَى الْقَبِيلَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الانْسَانُ، فَبَلَغَ مَا أَحَبَّ مِنْ إخْفَاءِ نَفْسِهِ وَصَدَقَ فِي خَبَرِهِ. وَكَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ هَاجَرَ مَعَهُ فَتَلْقَاهُ الْعَرَبُ وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ: هَادٍ يَهْدِينِي السَّبِيلَ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ يَعْنِي هِدَايَةَ الطَّرِيقِ، وَهُوَ إنَّمَا يُرِيدُ هِدَايَةَ سَبِيلِ الْخَيْرِ، فَيَصْدُقُ فِي قَوْلِهِ وَيُوَرِّي عَنْ مُرَادِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ}. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي أَنْ يَعِفَّ الرَّجُلَ عَنْ الْكَذِبِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قوله تعالى {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}. أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهُ مَعَارِيضُ الْكَلاَمِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْكَلاَمُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُصَرَّحَ فِيهِ بِالْكَذِبِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الصِّدْقِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَذِبِ فِي الْقُبْحِ وَالْمَعَرَّةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الاذَى وَالْمَضَرَّةِ، وَهِيَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالسِّعَايَةُ. فَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنَّهَا خِيَانَةٌ وَهَتْكُ سِتْرٍ يَحْدُثَانِ عَنْ حَسَدٍ وَغَدْرٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}. يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا لاَ يَحِلُّ لَحْمُهُ مَيِّتًا لاَ تَحِلُّ غِيبَتُهُ حَيًّا. وَرُوِيَ {أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَتَا تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَامَتَا عَمَّا أُحِلَّ لَهُمَا، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا}. وَرَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحَرِّمَ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ}. وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: الْغِيبَةُ رَعْيُ اللِّئَامِ.

وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله تعالى، يَقُولُ: الْغِيبَةُ فَاكِهَةُ النِّسَاءِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ رحمه الله: إنِّي اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ. فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَحِلَّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك. وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: لاَ تُعِنْ النَّاسَ عَلَى عَيْبِك بِسُوءِ غَيْبِك. وَقَالَ الشَّاعِرُ: لاَ تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا وَلاَ تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا وَرُبَّمَا عَذَرَ الْمُغْتَابُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَقُولُ حَقًّا وَيُعْلِنُ فِسْقًا. وَيَسْتَشْهِدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {ثَلاَثَةٌ لَيْسَتْ غِيبَتُهُمْ بِغِيبَةٍ الامَامُ الْجَائِرُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ}. فَيَبْعُدُ مِنْ الصَّوَابِ وَيُجَانِبُ الادَبَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِالْغِيبَةِ صَادِقًا فَقَدْ هَتَكَ سِتْرًا كَانَ بِصَوْنِهِ أَوْلَى وَجَاهَرَ مَنْ أَسَرَّ وَأَخْفَى. وَرُبَّمَا دَعَا الْمُغْتَابَ ذَلِكَ إلَى إظْهَارِ مَا كَانَ يَسْتُرُهُ، وَالْمُجَاهَرَةِ بِمَا كَانَ يُضْمِرُهُ، فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ الا فَسَادَ أَخْلاَقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَلاَحٌ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ لِأَنُوشِرْوَان: مَا الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ ؟ قَالَ: مَا ضَرَّنِي وَلَمْ يَنْفَعْ غَيْرِي، أَوْ ضَرَّ غَيْرِي وَلَمْ يَنْفَعْنِي، فَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لاَ تُبْدِ مِنْ الْعُيُوبِ مَا سَتَرَهُ عَلاَمُ الْغُيُوبِ.

وَقَدْ رَوَى الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: {سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْغِيبَةِ فَقَالَ: هِيَ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيك مَا فِيهِ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَقَدْ بَهَتَهُ}. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} إنَّهُ اسْتِهْزَاءُ الْمُسْلِمِ بِمَنْ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ. {وَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَفْتِيَةً فَلَمَّا خَرَجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقْصَرَهَا. فَقَالَ: مَهْلًا إيَّاكِ وَالْغِيبَةَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا قُلْت مَا فِيهَا. قَالَ: أَجَلْ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ بُهْتَانًا}. وَسُئِلَ بَعْضُ الادَبَاءِ عَنْ صِفَةِ اللَّئِيمِ، فَقَالَ: اللَّئِيمُ إذَا غَابَ عَابَ، وَإِذَا حَضَرَ اغْتَابَ. فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الانْكَارِ لِأَفْعَالِ هَؤُلاَءِ وَلاَ يَكُونُ الانْكَارُ غِيبَةً؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَ إنْكَارِ الْمُجَاهِرِ وَغِيبَةِ الْمُسَاتَرِ. وَأَمَّا النَّمِيمَةُ: فَهِيَ أَنْ تَجْمَعَ إلَى مَذَمَّةِ الْغِيبَةِ رَدَاءَةً وَشَرًّا، وَتَضُمَّ إلَى لُؤْمِهَا دَنَاءَةً وَغَدْرًا. ثُمَّ تُؤَوَّلُ إلَى تَقَاطُعِ الْمُتَوَاصِلِينَ، وَتَبَاغُضِ الْمُتَحَابِّينَ. وَرَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {الا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مِنْ شِرَارِكُمْ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الاحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْعُيُوبَ}. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَلْعُونٌ ذُو الْوَجْهَيْنِ، مَلْعُونٌ ذُو اللِّسَانَيْنِ مَلْعُونٌ كُلُّ شَفَّارٍ، مَلْعُونٌ كُلُّ قَتَّاتٍ، مَلْعُونٌ كُلُّ مَنَّانٍ}.

الشَّفَّارُ الْمُحَرِّشُ بَيْنَ النَّاسِ يُلْقِي بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ، وَالْقَتَّاتُ النَّمَّامُ وَقِيلَ النَّمَّامُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْقَوْمِ يَتَحَدَّثُونَ فَيَنُمُّ حَدِيثَهُمْ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِعُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ فَيَنُمُّ حَدِيثَهُمْ، وَالْمَنَّانُ هُوَ الَّذِي يَصْنَعُ الْخَيْرَ وَيَمُنُّ بِهِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: النَّمِيمَةُ سَيْفٌ قَاتِلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: لَمْ يَمْشِ مَاشٍ شَرٌّ مِنْ وَاشٍ. فَأَمَّا السِّعَايَةُ فَهِيَ شَرُّ الثَّلاَثَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ إلَى مَذَمَّةِ الْغِيبَةِ وَلُؤْمِ النَّمِيمَةِ، التَّغْرِيرَ بِالنُّفُوسِ وَالامْوَالِ، وَالْقَدَحَ فِي الْمَنَازِلِ وَالاحْوَالِ. وَرَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {الْجَنَّةُ لاَ يَدْخُلُهَا دَيُّوثٌ وَلاَ قَلاَعٌ}. الدَّيُّوثُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُثُّ بَيْنَهُمْ. وَالْقَلاَعُ هُوَ السَّاعِي الَّذِي يَقَعُ فِي النَّاسِ عِنْدَ الامَرَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي الرَّجُلَ الْمُتَمَكِّنَ عِنْدَ الامِيرِ فَلاَ يَزَالُ يَقَعُ فِيهِ حَتَّى يَقْلَعَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّاعِي بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ قَبِيحَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَدَقَ فَقَدْ خَانَ الامَانَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ كَذَبَ فَخَالَفَ الْمُرُوءَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الصِّدْقُ يُزَيِّنُ كُلَّ أَحَدٍ الا السُّعَاةَ، فَإِنَّ السَّاعِيَ أَذَمُّ وَآثَمُ مَا يَكُونُ إذَا صَدَقَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: النَّمِيمَةُ دَنَاءَةٌ وَالسِّعَايَةُ رَدَاءَةٌ، وَهُمَا رَأْسُ الْغَدْرِ وَأَسَاسُ الشَّرِّ فَتَجَنَّبْ سُبُلَهُمَا، وَاجْتَنِبْ أَهْلَهُمَا. وَوَقَعَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ عَلَى قِصَّةِ سَاعٍ سَعَى إلَيْهِ: نَحْنُ نَرَى قَبُولَ السِّعَايَةِ شَرًّا مِنْهَا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ دَلاَلَةٌ، وَالْقَبُولَ إجَازَةٌ، فَاتَّقُوا السَّاعِيَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي سِعَايَتِهِ صَادِقًا كَانَ فِي صِدْقِهِ آثِمًا، إذْ لَمْ يَحْفَظْ الْحُرْمَةَ وَيَسْتُرْ الْعَوْرَةَ. وَقَالَ الاسْكَنْدَرُ لِرَجُلٍ سَعَى إلَيْهِ بِرَجُلٍ: أَتُحِبُّ أَنْ نَقْبَلَ مِنْك مَا تَقُولُ فِيهِ عَلَى أَنْ نَقْبَلَ مِنْهُ مَا يَقُولُ فِيك ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَكُفَّ عَنْ الشَّرِّ يَكُفَّ عَنْك الشَّرُّ. وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَى مُوسَى - عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَنَّ فِي بَلَدِك سَاعِيًا وَلَسْتُ أُخْبِرُك وَهُوَ فِي أَرْضِك. قَالَ يَا رَبِّ دُلَّنِي عَلَيْهِ حَتَّى أُخْرِجَهُ فَقَالَ: يَا مُوسَى أَكْرَهُ النَّمِيمَةَ وَأَنُمُّ.


عدد المشاهدات *:
453206
عدد مرات التنزيل *:
93310
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 13/05/2007 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/05/2007

الكتب العلمية

روابط تنزيل : الْبَابُ الْخَامِسُ أَدَبُ النَّفْسِ :الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  الْبَابُ الْخَامِسُ أَدَبُ النَّفْسِ :الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1