اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم السبت 12 شوال 1445 هجرية
? ??? ???????? ???? ??? ???? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????????? ?????????? ?????????????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

سم الله

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد السابع عشر
كتاب التفسير
تفسير سورة الإخلاص
كلام للإمام أحمد في رده على الجهمية ـ تتمة ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

/وأما التأويل بالمعنى الثالث، وهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فهذا الاصطلاح لم يكن بَعْدُ عُرِفَ في عهد الصحابة، بل ولا التابعين، بل ولا الأئمة الأربعة، ولا كان التكلم بهذا الاصطلاح معروفًا في القرون الثلاثة، بل ولا علمت أحـدًا منهم خص لفـظ التأويل بهـذا، ولكـن لما صار تخصيص لفظ التأويل بهـذا شائعًا في عـرف كثير مـن المتأخـرين، فظنـوا أن التأويل في الآيـة هـذا معـناه، صاروا يعتقدون أن لمتشابه القرآن معانٍ تخالف ما يفهم منه، وفرقوا دينهم بعد ذلك، وصاروا شيعًا، والمتشابه المذكور الذي كان سبب نزول الآية لا يدل ظاهره على معنى فاسد، وإنما الخطأ في فهم السامع‏.‏ نعم قد يقال‏:‏ إن مجرد هذا الخطاب لا يبين كمال المطلـوب، ولكـن فـرق بين عـدم دلالتـه على المطلـوب، وبين دلالتـه على نقيض المطلـوب‏.‏ فهـذا الثاني هـو المنفي، بل وليس في القـرآن مـا يـدل على الباطـل البتة، كما قد بسط في موضعه‏.‏
وَلَكِنْ كثيرٌ من الناس يزعم أن لظاهر الآية معنى، إما معنى يعتقده، وإما معنى باطلًا فيحتاج إلى تأويله، ويكون ما قاله باطلًا لا تدل الآية على معتقده، ولا على المعنى الباطل‏.‏ وهذا كثير جدًا‏.‏ وهؤلاء هم الذين يجعلون القرآن كثيرًا ما يحتاج إلى التأويل المحدث، وهو صرف اللفظ عن مدلوله إلى خلاف مدلوله‏.‏
/ومما يحتج به من قال‏:‏ الراسخون في العلم يعلمون التأويل، ما ثبت في صحيح البخاري وغيره، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال‏:‏ ‏(‏اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل‏)‏، فقد دعا له بعلم التأويل مطلقًا، وابن عباس فسر القرآن كله‏.‏ قال مجاهد‏:‏ عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها، وكان يقول‏:‏ أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله‏.‏
وأيضًا، فالنقول متـواترة عـن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه تكلم في جميع معاني القرآن من الأمر والخبر، فله من الكلام في الأسماء والصفات والوعد والوعيد والقصص، ومن الكلام في الأمر والنهي والأحكام ما يبين أنه كان يتكلم في جميع معاني القرآن‏.‏
وأيضًا، قد قال ابن مسعود‏:‏ ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم في ماذا أنزلت‏.‏
وأيضًا، فإنهم متفقون على أن آيات الأحكام يعلم تأويلها، وهي نحو خمسمائة آية، وسائر القرآن خبر عن الله وأسمائه وصفاته، أو عن اليوم الآخر والجنة والنار، أو عن القصص، وعاقبة أهل الإيمان، وعاقبة أهل الكفر، فإن كان هذا هو المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله، /فجمهور القرآن لا يعرف أحد معناه، لا الرسول ولا أحد من الأمة، ومعلوم أن هذا مكابرة ظاهرة‏.‏
وأيضًا، فمعلوم أن العلم بتأويل الرؤيا أصعب من العلم بتأويل الكلام الذي يخبر به؛ فإن دلالة الرؤيا على تأويلها دلالة خفية غامضة لا يهتدي لها جمهور الناس، بخلاف دلالة لفظ الكلام على معناه، فإذا كان الله قد عَلَّم عباده تأويل الأحاديث التي يَرَوْنها في المنام، فلأن يعلمهم تأويل الكلام العربى المبين الذي ينزله على أنبيائه بطريق الأولى والأحرى، قال يعقوب ليوسف‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 6‏]‏، وقال يوسف‏:‏ ‏{‏رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 101‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 37‏]‏‏.‏
وأيضًا، فقد ذم الله الكفار بقوله‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 38، 39‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 83، 84‏]‏، وهذا ذم لمن كذب بما لم يحط بعلمه‏.‏
/فما قاله الناس من الأقـوال المختلفة في تفسير القرآن وتأويله ليس لأحد أن يصدق بقـول دون قـول بلا علم، ولا يكذب بشيء منها، إلا أن يحيط بعلمه‏.‏ وهذا لا يمكن إلا إذا عرف الحق الذي أريد بالآية، فيعلم أن ما سواه باطل، فيكذب بالباطل الذي أحاط بعلمـه، وأمـا إذا لم يعـرف معناهـا، ولم يحط بشيء منها علمًا، فلا يجوز له التكذيب بشيء منها، مع أن الأقوال المتناقضة بعضها باطل قطعًا، ويكون حينئذ المكذب بالقرآن كالمكذب بالأقوال المتناقضة، والمكذب بالحق كالمكذب بالباطل، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم‏.‏
وأيضًا، فإنه إن بنى على ما يعتقده من أنه لا يعلم معانى الآيات الخبرية إلا الله، لزمه أن يكذب كل من احتج بآية من القرآن خبرية على شيء من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر، ومن تكلم في تفسير ذلك‏.‏ وكذلك يلزم مثل ذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإن قال‏:‏ المتشابه هو بعض الخبريات، لزمه أن يبين فصلًا يتبين به ما يجوز أن يعلم معناه من آيات القرآن، وما لا يجوز أن يعلم معناه، بحيث لا يجوز أن يعلم معناه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا أحد من الصحابة، ولا غيرهم‏.‏ ومعلوم أنه لا يمكن أحدًا ذكر حد فاصل بين ما يجوز أن يعلم معناه بعض الناس، وبين ما لا يجوز أن يعلم معناه أحد، ولو ذكر ما ذكر انتقض عليه، فعلم أن المتشابه ليس هو/ الذي لا يمكن أحدًا معرفة معناه، وهذا دليل مستقل في المسألة‏.‏
وأيضًا، فقوله‏:‏ ‏{‏لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 39‏]‏، ‏{‏أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 84‏]‏، ذم لهم على عدم الإحاطة مع التكذيب، ولو كان الناس كلهم مشتركين في عدم الإحاطة بعلم المتشابه، لم يكن في ذمهم بهذا الوصف فائدة، ولكان الذم على مجرد التكذيب، فإن هذا بمنزلة أن يقال‏:‏ أكذبتم بما لم تحيطوا به علمًا ولا يحيط به علمًا إلا الله‏؟‏ ومن كذب بما لا يعلمه إلا الله؛ كان أقرب إلى العذر من أن يكذب بما يعلمه الناس، فلو لم يحط بها علمًا الراسخون؛ كان ترك هذا الوصف أقوى في ذمهم من ذكره‏.‏
ويتبين هذا بوجه آخر هو دليل في المسألة، وهو أن الله ذم الزائغين بالجهل وسوء القصد، فإنهم يقصدون المتشابه يبتغون تأويله، ولا يعلم تأويله إلا الراسخون في العلم، وليسوا منهم، وهم يقصدون الفتنة لا يقصدون العلم والحق، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 23‏]‏، فإن المعنى بقوله‏:‏ ‏{‏لَّأسْمَعَهُمْ‏}‏ فهم القرآن؛ يقول‏:‏ لو علم الله فيهم حسن قصد وقبولًا للحق لأفهمهم القرآن، لكن لو أفهمهم لتولوا عن الإيمان وقبول الحق لسوء قصدهم، فهم جاهلون ظالمون، كذلك الذين في قلوبهم زيغ هم/مذمومون بسوء القصد، مع طلب علم ما ليسوا من أهله، وليس إذا عيب هؤلاء على العلم ومنعوه يعاب من حسن قصده وجعله الله من الراسخين في العلم‏.‏
فإن قيل‏:‏ فأكثر السلف على أن الراسخين في العلم لا يعلمون التأويل، وكذلك أكثر أهل اللغة يروى هذا عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعُرْوَة، وقتادة، وعمر ابن عبد العزيز، والفراء، وأبي عبيد، وثعلب، وابن الأنباري‏.‏ قال ابن الأنباري في قراءة عبد الله‏:‏ إن تأويله إلا عند الله والراسـخون في العلم‏.‏ وفي قــراءة أبي وابن عباس‏:‏ ويقول الراسخون في العلم، قال‏:‏ وقد أنزل الله في كتابه أشياء استأثر بعلمها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 187‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 38‏]‏، فأنزل المحكم ليؤمن به المؤمن فيسعد، ويكفر به الكافر فيشقى‏.‏ قال ابن الأنباري‏:‏ والذي روى القول الآخر عن مجاهد هو ابن أبي نجيح، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد‏.‏
فيقال‏:‏ قول القائل‏:‏ إن أكثر السلف على هذا قول بلا علم، فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه قال‏:‏ إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه‏.‏ وعن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها قالت‏:‏ كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه وبمتشابهه ولا يعلمونه‏.‏ فقد روى/ البخاري عن ابن أبي مُلَىْكَة، عن القاسم، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ الحديث المرفوع في هذا، وليس فيه هذه الزيادة، ولم يذكر أنه سمعها من القاسم، بل الثابت عن الصحابة أن المتشابه يعلمه الراسخون كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك، وكذلك نحوه عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وغيرهم، وما ذكر من قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب ليس لها إسناد يعرف حتى يحتج بها، والمعروف عن ابن مسعود أنه كان يقول‏:‏ ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم في ماذا أنزلت، وماذا عنى بها‏.‏ وقال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ عثمان ابن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل‏.‏ وهذا أمر مشهور رواه الناس عن عامة أهل الحديث والتفسير، وله إسناد معروف، بخلاف ما ذكر من قراءتهما‏.‏ وكذلك ابن عباس قد عرف عنه أنه كان يقول‏:‏ أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله‏.‏ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا له بعلم تأويل الكتاب، فكيف لا يعلم التأويل مع أن قراءة عبد الله‏:‏ إن تأويله إلا عند الله لا تناقض هذا القول‏؟‏ فإن نفس التأويل لا يأتي به إلا الله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 53‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 39‏]‏‏.‏
/وقد اشتهر عن عامة السلف أن الوعد والوعيد من المتشابه، وتأويل ذلك هو مجيء الموعود به، وذلك عند الله لا يأتي به إلا هو، وليس في القرآن‏:‏ إن علم تأويله إلا عند الله، كما قال في الساعة‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 187، 188‏]‏، وكذلك لما قال فرعون لموسى‏:‏ ‏{‏فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 51، 52‏]‏‏.‏
فلو كانت قراءة ابن مسعود تقتضى نفي العلم عن الراسخين لكانت‏:‏ إن علم تأويله إلا عند الله، لم يقرأ‏:‏ إن تأويله إلا عند الله، فإن هذا حق بلا نزاع‏.‏ وأما القراءة الأخرى المروية عن أبي وابن عباس، فقد نقل عن ابن عباس ما يناقضه، وأخص أصحابه بالتفسير مجاهد، وعلى تفسير مجاهد يعتمد أكثر الأئمة كالثوري والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري‏.‏ قال الثوري‏:‏ إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به‏.‏ والشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد‏.‏ وكذلك البخاري في صحيحه يعتمد على هذا/التفسير‏.‏ وقول القائل‏:‏ لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه‏:‏ أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير، بل ليس بأيدى أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، إلا أن يكون نظيره في الصحة، ثم معه ما يصدقه، وهو قوله‏:‏ عرضت المصحف على ابن عباس أقفه عند كل آية وأسأله عنها‏.‏
وأيضًا، فأبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قد عرف عنه أنه كان يفسر ما تشابه من القرآن، كما فسر قوله‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 17‏]‏، وفسر قوله‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 35‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 172‏]‏، وغير ذلك‏.‏ ونَقْلُ ذلك معروف عنه بالإسناد أثبت من نقل هذه القراءة التي لا يعرف لها إسناد‏.‏ وقد كان يسئل عن المتشابه من معنى القرآن فيجيب عنه كما سأله عمر، وسئل عن ليلة القدر‏.‏
وأما قوله‏:‏ إن الله أنزل المجمل ليؤمن به المؤمن‏.‏ فيقال‏:‏ هذا حق، لكن هل في الكتاب والسنة أو قول أحد من السلف أن الأنبياء والملائكة والصحابة لا يفهمون ذلك الكلام المجمل‏؟‏ أم العلماء متفقون على أن المجمل في القرآن يفهم معناه ويعرف ما فيه من الإجمال، كما مثل به من وقت الساعة‏؟‏ فقد علم المسلمون كلهم معنى الكلام الذي أخبر الله به عن الساعة، وأنها آتية لا محالة، وأن الله انفرد بعلم وقتها، فلم يُطْلِع على ذلك أحدًا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم/ لما سأله السائل عن الساعة، وهو في الظاهر أعرابي لا يعرف قال له‏:‏ متى الساعة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏)‏ ولم يقل‏:‏ إن الكلام الذي نزل في ذكرها لا يفهمه أحد، بل هذا خلاف إجماع المسلمين، بل والعقلاء؛ فإن إخبار الله عن الساعة وأشراطها كلام بين واضح يفهم معناه، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 38‏]‏، قد علم المراد بهذا الخطاب، وأن الله خلق قرونًا كثيرة لا يعلم عددهم إلا الله، كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 31‏]‏ فأي شيء في هذا مما يدل على أن ما أخبر الله به من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر لا يفهم معناه أحد لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا الصحابة ولا غيرهم‏؟‏‏!‏
وأما ما ذكر عن عُرْوَة، فعروة قد عرف من طريقه أنه كان لا يفسر عامة أي القرآن إلا آيات قليلة رواها عن عائشة، ومعلوم أنه إذا لم يعرف عروة التفسير؛ لم يلزم أنه لا يعرفه غيره من الخلفاء الراشدين، وعلماء الصحابة، كابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وغيرهم‏.‏
وأمـا اللغـويون الذين يقـولون‏:‏ إن الراسخين لا يعلمون معنى المتشابه فهم متناقضـون في ذلك، فـإن هـؤلاء كلهم يتكلمون في تفسير كل شيء في القرآن، ويتوسعون في القول في ذلك، حتى مــا منهم أحـد إلا وقــد قـال في ذلك أقـوالا لم يُسـبق إليها، وهي خطأ‏.‏ وابن الأنبارى الذي/ بالغ في نصر ذلك القول هو من أكثر الناس كلامًا في معانى الآي المتشابهات، يذكر فيها من الأقوال ما لم ينقل عن أحد من السلف، ويحتج لما يقوله في القرآن بالشاذ من اللغة، وقصده بذلك الإنكار على ابن قتيبة، وليس هو أعلم بمعانى القرآن والحديث، وأتبع للسنة من ابن قتيبة، ولا أفقه في ذلك، وإن كان ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة؛ لكن
باب فقه النصوص غير باب حفظ ألفاظ اللغة‏.‏
وقد نقم هو وغيره على ابن قتيبة كونه رد على أبي عبيد أشياء من تفسيره غريب الحديث، وابن قتيبة قد اعتذر عن ذلك، وسلك في ذلك مسلك أمثاله من أهل العلم، وهو وأمثاله يصيبون تارة، ويخطؤون أخرى، فإن كان المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، فهم كلهم يجترئون على الله، يتكلمون في شيء لا سبيل إلى معرفته، وإن كان ما بينوه من معاني المتشابه قد أصابوا فيه ـ ولو في كلمة واحدة ـ ظهر خطؤهم في قولهم‏:‏ إن المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، ولا يعلمه أحد من المخلوقين، فليختر من ينصر قولهم هذا أو هذا‏.‏
ومعلوم أنهم أصابوا في شيء كثير مما يفسرون به المتشابه، وأخطؤوا في بعض ذلك، فيكون تفسيرهم هذه الآية مما أخطؤوا فيه العلم اليقيني، فإنهم أصابوا في كثير من تفسير المتشابه، وكذلك ما نقل عن قتادة من أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه، فكتابه/ في التفسير من أشهر الكتب، ونقله ثابت عنه من رواية معمر عنه، ورواية سعيد بن أبي عَرُوَبة عنه؛ ولهذا كان المصنفون في التفسير عامتهم يذكرون قوله لصحة النقل عنه، ومع هذا يفسر القرآن كله محكمه ومتشابهه‏.‏
والذي اقتضى شهرة القول عن أهل السنة بأن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، ظهور التأويلات الباطلة من أهل البدع كالجهمية والقدرية من المعتزلة وغيرهم، فصار أولئك يتكلمون في تأويل القرآن برأيهم الفاسد، وهذا أصل معروف لأهل البدع، أنهم يفسرون القـرآن برأيهم العقـلي، وتأويلهم اللغوي، فتفاسير المعتزلة مملوءة بتأويل النصوص المثبتة للصفات والقـدر على غير ما أراده الله ورسوله، فإنكار السلف والأئمة هو لهذه التأويلات الفاسـدة، كما قال الإمـام أحمـد فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيـه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، فهذا الذي أنكره السلف والأئمة من التأويل‏.‏
فجاء بعدهم قوم انتسبوا إلى السنة بغير خبرة تامة بها، وبما يخالفها ظنوا أن المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، فظنوا أن معنى التأويل هو معناه في اصطلاح المتأخرين وهو‏:‏ صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح، فصاروا في موضع يقولون وينصرون أن المتشابه لا يعلم /معناه إلا الله، ثم يتناقضون في ذلك من وجوه‏:‏
أحدها‏:‏ أنهم يقولون‏:‏ النصوص تجري على ظواهرها، ولا يزيدون على المعنى الظاهر منها؛ ولهذا يبطلون كل تأويل يخالف الظاهر، ويقرون المعنى الظاهر، ويقولون مع هذا‏:‏ إن له تأويلًا لا يعلمه إلا الله، والتأويل عندهم ما يناقض الظاهر، فكيف يكون له تأويل يخالف الظاهر، وقد قرر معناه الظاهر‏؟‏ ‏!‏ وهذا مما أنكره عليهم مناظروهم، حتى أنكر ذلك ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى‏.‏
ومنها‏:‏ أنا وجدنا هؤلاء كلهم لا يحتج عليهم بنص يخالف قولهم، لا في مسألة أصلية، ولا فرعية، إلا تأولوا ذلك النص بتأويلات متكلفة مستخرجة من جنس تحريف الكلم عن مواضعه، من جنس تأويلات الجهمية والقدرية للنصوص التي تخالفهم، فأين هذا من قولهم‏:‏ لا يعلم معانى النصوص المتشابهة إلا الله تعالى‏؟‏ ‏!‏ واعتبر هذا بما تجده في كتبهم من مناظرتهم للمعتزلة في مسائل الصفات والقرآن والقدر، إذا احتجت المعتزلة على قولهم بالآيات التي تناقض قول هؤلاء، مثل أن يحتجوا بقوله‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 205‏]‏، ‏{‏وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 7‏]‏، ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏]‏، ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏، ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏، ونحو ذلك كيف تجدهم يتأولون هذه النصوص بتأويلات غالبها فاسد، / وإن كان في بعضها حق‏؟‏ فإن كان ما تأولوه حقًا، دل على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فظهر تناقضهم، وإن كان باطلًا فذلك أبعد لهم‏.‏
وهذا أحمد بن حنبل ـ إمام أهل السنة الصابر في المحنة الذي قد صار للمسلمين معيارًا يفرقون به بين أهل السنة والبدعة ـ لما صنف كتابه في ‏[‏الرد على الزنادقة والجهمية‏]‏ فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، تكلم على معانى المتشابه الذي اتبعه الزائغون ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله آية آية، وبين معناها، وفسرها ليبين فساد تأويل الزائغين، واحتج على أن الله يرى، وأن القرآن غير مخلوق، وأن الله فوق العرش بالحجج العقلية والسمعية، ورد ما احتج به النفاة من الحجج العقلية والسمعية، وبين معانى الآيات التي سـماها هو متشابهـة، وفسـرها آية آية‏.‏ وكـذلك لما ناظـروه واحتجـوا عليـه بالنصـوص جعـل يفسـرهـا آيـة آية، وحديـثًا حـديثًا، ويبين فسـاد ما تأولها عليـه الزائغـون، ويبين هـو معناهـا، ولـم يقـل أحمـد‏:‏ إن هـذه الآيـات والأحاديث لا يفـهم معناهـا إلا الله، ولا قال أحـد لـه ذلك، بـل الطـوائف كلهـا مجتمعـة على إمكـان معرفـة معنـاهـا، لكـن يتنازعـون في المـراد كـما يتنـازعون في آيات الأمــر والنهي، وكـذلك كـان أحمد يفسر المتشابـه مـن الآيات والأحاديث التي يحتج بها الزائغون مـن الخـوارج /وغيرهم‏.‏ كقوله‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر حين يشرب وهو مؤمن‏)‏ وأمثال ذلك‏.‏
ويبطل قول المرجئة والجهمية وقول الخوارج المعتزلة وكل هذه الطوائف تحتج بنصوص المتشابه على قولها، ولم يقل أحد لا من أهل السنة ولا من هؤلاء ـ لما يستدل به هو، أو يستدل به على منازعه‏:‏ هذه آيات وأحاديث لا يعلم معناها أحد من البشر، فأمسكوا عن الاستدلال بها‏.‏ وكان الإمام أحمد ينكر طريقة أهل البدع الذين يفسرون القرآن برأيهم وتأويلهم من غير استدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين، والذين بلغهم الصحابة معانى القرآن، كما بلغوهم ألفاظه، ونقلوا هذا كما نقلوا هذا، لكن أهل البدع بتأولون النصوص بتأويلات تخالف مراد الله ورسوله، ويدعون أن هذا هو التأويل الذي يعلمه الراسخون، وهم مبطلون في ذلك، لا سيما تأويلات القرامطة والباطنية الملاحدة، وكذلك أهل الكلام المحدث من الجهمية والقدرية وغيرهم ‏.‏
ولكن هؤلاء يعترفون بأنهم لا يعلمون التأويل، وإنما غايتهم أن يقولوا‏:‏ ظاهر هذه الآية غير مراد، ولكن يحتمل أن يراد كذا، وأن يراد كذا، ولو تأولها الواحد منهم بتأيل معين، فهو لا يعلم أنه /مراد الله ورسوله، بـل يجـوز أن يكون مراد الله ورسوله عندهم غير ذلك، كالتأويلات التي يذكرونها في نصوص الكتاب، كما يذكرونه في قوله‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 22‏]‏ و‏(‏ينزل ربنا‏)‏، و‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 164‏]‏، ‏{‏وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 6‏]‏، ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏، وأمثال ذلك من النصوص، فإن غاية ما عندهم يحتمل أن يراد به كذا ويجوز كذا ونحو ذلك، وليس هذا علما بالتأويل، وكذلك كل من ذكر في نص أقوالا، واحتمالات، ولم يعرف المراد، فإنه لم يعرف تفسير ذلك وتأويله وإنما يعرف ذلك من عرف المراد ‏.

عدد المشاهدات *:
357522
عدد مرات التنزيل *:
250188
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : كلام للإمام أحمد في رده على الجهمية ـ تتمة ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  كلام للإمام أحمد في رده على الجهمية ـ تتمة ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  كلام للإمام أحمد في رده على الجهمية ـ تتمة ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1