بسم الله الرحمن الرحيم
أمثلة من القرآن
ولكن ما هو الدليل؟ نقول اقرأ قول الله سبحانه وتعالى
تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد المسد 1_5
هذه السورة الكريمة نزلت في أبي لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان كافرا رفض الايمان، محاربا لدين الله ورسوله، نزلت هذه السورة وأبو لهب كافر، وكثير من صناديد قريش وزعماء مكة كانوا كفارا، ثم هداهم الله فأسلموا، مثل أبي سفيان وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم، وكان من الممكن أن يكون أبو لهب من هؤلاء وأن يهتدي للاسلام، ولو حدث ذلك لانعدمت قضية الايمان كلها، لأن القرآن قال ان أبا لهب سيموت كافرا، ولكن هناك شيئا آخر لا بد أن ننتبه اليه وهو أن هذا الاخبار بالغيب، بأن أبا لهب سيموت كافرا جاء في أمر اختياري أي يخضع ظاهريا لارادة أبي لهب
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن أبا لهب ذهب الى مكان يتجمع فيه أهل مكة أو دعا زعماء مكة الى اجتماع وقال لهم
لقد قال عني محمد في القرآن ادعى أنه ينزل من السماء انني سأموت كافرا وسأدخل النار ولكني أقول أمامكم أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، لتعلموا أنه هذا الكلام غير صادق وأن محمدا لا يوحى اليه بشيء
ماذا كان يمكن ان يحدث لو نطق أبو لهب بالشهادتين رياء أو نفاق ليهدم قضية الدين، ولكن حتى هذا التصرف الذي كان يمكن ان يخدم قضية الكفر التي كان أبو لهب أكبر أقطابها، حتى هذا الكلام لم يخطر على عقل أبيلهب ولم يقله، أليس هذا دليلا على أن ما يريده الله لا بد أن يحدث أيوجد تحد أكبر من أن يعطي الله أكبر أعداء الاسلام القضية التي يهدم بها هذا الدين، ثم لا يستطيع أن يستخدمها؟! أليس هذا دليلا على أن ما يقضي الله به غيبا لا بد أن ينفذ مهما بدا غير ذلك، وهل يوجد دليل أكبر من ذلك على أن الغيب عند الله لا بد أن يقع؟ ثم نأتي بعد ذلك الى دليل آخر، عندامت حولت القبلة من بيت المدقس الى الكعبة المشرّفة، نزل القرآن يقول
سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها البقرة 142
واستخدام حرف السين هنا دليل على أن الأمر لم يحدث بعد، ولو أنه حدث لقال سبحانه وتعالى
قال السفهاء، ولكن قوله تعالى
يقول دليل على أن ذلك سيحدث مستقبلا، والآية نزلت في غير المؤمنين وتليت عليهم قبل ان يقولوا، ولو أنهم فكروا قليلا لسكتوا ولم يقولوا شيئا وحينئذ كان الناس سيتساءلون عن قول الله! ويقولون لم يأت هؤلاء الذين وصفهم الله بالسفهاء الذين يقولون ما ولاهم عن قبلتهم، ولكنهم رغم أنهم يريدون هدم الدين، ورغم أن الدليل المادي لهدم قضية الايمان وضع في أيديهم الا أنهم لم يخطر على بالهم أن يمتنعوا عن القول، بل جاءوا وقالوا، لنعلم أن امر الله وغيب الله لا بد أن ينفذا مهما كانت هناك ارادة بشرية
الحق سبحانه وتعالى أعطانا الدليل المادي على صدق قوله سبحانه وتعالى
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه البقرة 235
فالذين لا يؤمنون لا يصدقون هذا الكلام، ويقولون أين الدليل العقلي على ذلك؟ نقول
ان الدليل العقلي موجود، فالله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن الكريم أنه يعلم ما في النفس وما يدور فيها، اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى
اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله الله يشهد انّ المنافقين لكاذبون المنافقون 1
هذه الاية الكريمة قد نزلت عندما جاء عدد من المنافقين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنوا اسلامهم، ماذا قال المنافقون؟ قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذه شهادة حق، لأن الله سبحانه وتعالى يقول والله يعلم انك لرسوله! اذن شهادة المنافقين وافقت علم الله سبحانه وتعالى، ولكن الله سبحانه يقول
كيف يكون المنافقون كاذبين وهم قد شهدوا بما قاله الله سبحانه وتعالى؟ نقول
ان الله أراد أن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ما تقوله ألسنة هؤلاء المنافقين لا يوافق ما في قلوبهم، فهم شهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولكن بألسنتهم فقط، أما قلوبهم فهي منكرة لهذه الرسالة مكذبة بها، وهكذا أعلن ما في صدور المنافقين وما يخفونه عن الناس، ولم يجرؤا أن يكذبوا ما أعلنه الله، والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تعطينا الدليل المادي على أن الله يعلم ما يخفيه الانسان في صدره ولو لم ينطق به، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى
فانه يعلم السر وأخفى طه 7
والسر هو ما يسر به الانسان الى غيره، والسر دائما يكون بين اثنين، وما هو أخفى من السر، أي ما لا ينطق به الانسان لأحد بل يبقى في صدره لا يعلمه أحد غيره، والله سبحانه وتعالى يأتي ليفضح الكافرين والمنافقين يقول
ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله المجادلة 8
اذن هم لم يقولوا هذا الكلام لأحد، ولكن قالوه في انفسهم فقط ولم تنطق به السنتهم، ولا تحركت به شفاههم
ولكن الله فضحهم وأنبأ بما في صدورهم ولم يستطيعوا أن يكذبوه، ولو أن هذا كان صحيحا لقالوا لم نقل شيئا في أنفسنا، ولكنهم بهتوا بعلم الله سبحانه وتعالى فلم يستطيعوا الرد عليه ولو بالكذب
وهكذا يظهر الدليل المادي أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور وما تخفي الأنفس ولا تعلنه، وان الله عليم بما يحرص الانسان على اخفائه عن الدنيا كلها، فعلم الله يمتد الى غيب النفس البشرية، وما تحاول أن تكتمه أو تعتقد أن أحدا لا يعلمه
دليل آخر
ثم ياتي الحق سبحانه وتعالى بدليل مادي آخر، على أنه هو عالم بالغيب، وأن ما يقوله حادث ونافذ، وأن الدنيا كلها لا تستطيع أن تغير قدرا من أقدار الله، ويعطينا الدليل المادي على ذلك فيقول تبارك وتعالى
الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون الروم 1_4
وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن أن ينكرها حتى الملحدون، ولقد نزلت هذه الآية عندما قامت الحرب بين الروم والفرس، وكانت الدولتان تمثلان أكبر قوة في العالم في ذلك الوقت، مثل الاتحاد السوفياتي سابقا وامريكا الآن، وقامت الحرب بينهما وهزمت الروم في هذه الحرب، عندئذ فرح الكفار لأن الفرس كانوا دولة كافرة تعبد النار، والروم كانت دولة مسيحية، أي أهل كتاب، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يطمئن المؤمنين، ويذهب عنهم الحزن، فنزلت الآيات الكريمة تبشر بأن الروم سينتصرون في بضع سنين، وفي وقتها راهن المؤمنون الكفار على أن انتصار الروم سيحدث، وكان من المراهنين سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي راهن بأربعة من الابل على أن انتصار الروم سيحدث بعد سبع سنين، ولما مضت هذه المدة ولم يحدث شيء، فرح المشركون بذلك، وشق على المسلمين، فذكر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال
ما بضع سنين عندكم؟ قالوا
دون العشر، فقال لبي بكر
اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل، فما مضت السنتان حتى انتصر الروم على الفرس، ففرح المسلمون بذلك، ثم نهى الرسول أبا بكر ونهى الصحابة عن المراهنة، وقال
ان الاسلام لا يقرّها ولا يسمح بها
من الذي يستطيع أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد تسع سنوات؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الروم والفرس عقدا صلحا خلال هذه السنوات التسع، أو أن الفرس استعدوا قويا لهذه الحرب وهزموا الروم مرة أخرى، ومن الذي يستطيع أن يضمن نتيجة معركة حربية ستحدث بعد هذه الفترة الطويلة، بل ان أحدا لا يستطيع أن يضمن نتيجة معركة حربية ستحدث بعد لحظات، بل ان كل قائد لأي معركة حربية لا يكون واثقا من النصر قبل أن تبدأ لمعركة، أ, حتى عندما تبدأ، فلو علم أي قائد لمعركة حربية أنه سيهزم لما دخلها
يأتي الله سبحانه وتعالى ليعطينا بالدليل المادي على أنه يعلم غيب السموات والأرض علم اليقين، فينبئنا بنتيجة معركة لا بين قوتين محدودتين، ولكن بين دولتين عظيمتين، وينبئنا عن هذه المعركة قبل أن تبدأ بتسع سنوات، ويخبرنا من الذي سينتصر ومن الذي سيهزم، وتأتي الأحداث وتقع الحرب، وينتصر الروم ويهزم الفرس كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الفرس انتصروا على الروم؟! والقرآن كلام الله المتعبد بتلاوته الى يوم القيامة، وكيف كان يمكن أن يقف المسلمون في المساجد ويقرأون سورة الروم في الصلاة، مع أن نتيجة الحرب قد اختلفت عما في السورة
وهكذا نرى مدى الاعجاز في أن الله سبحانه وتعالى، قد بيّن لنا بالدليل المادي على أنه يعلم الغيب، وأن علمه للغيب علم يقين لا بد أن يحدث وأن يتم، وأنه مسيطر على أمور الدنيا كلها، حتى في تلك الأشياء التي لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد قبل حدوثها بتسع سنوات، بل لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد حتى ساعة حدوثها، أليس هذا دليلا ماديا على أن الله سبحانه وتالى هو الذي يسيّر الأمر في كونه، وهو الذي اذا قال " كن" يكون، أليس هذا دليلا على أن الله سبحانه وتعالى القائل
انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون يس 82
قول من اله الخلق ومسيطر وقادر على كل أحداث كونه، فاذا عرفنا ذلك بالدليل المادي، ألا نفهم معنى الآية الكريمة
أتى أمر الله فلا تستعجلوه
ونصدق يقينا بأن الله سبحانه وتعالى وحده هو رب واله هذا الكون
622664
108666
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 14/05/2007 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/05/2007