اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الثلاثاء 8 شوال 1445 هجرية
??? ????????????? ??????? ?????? ???????????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

أعوذ

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثاني والعشرون
كتـــاب الصـــلاة
باب أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة‏‏
أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة
مجموع فتاوى ابن تيمية
/وَقال الشيخ ـ رحمه الله ‏:‏
فصــل
أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة ـ وهي أنواع الأذكار مطلقًا بعد القرآن ـ أعلاها ما كان ثناء على الله، ويليه ما كان خبرًا من العبد عن عبادة الله، والثالث ما كان دعاء للعبد‏.‏
فإن الكلام إما إخبار، وإما إنشاء، وأفضل الأخبار ما كان خبرًا عن الله‏.‏ والإخبار عن الله أفضل من الخبر عن غيره، ومن الإنشاءات‏.‏ ولهذا كانت ‏{‏قٍلً هٍوّ بلَّهٍ أّحّدِ‏}‏ ‏[‏سورة الإخلاص‏]‏، تعدل ثلث القرآن؛ لأنها تتضمن الخبر عن الله، وكانت آية الكرسي أفضل آية في القرآن؛ لأنها خبر عن الله، فما كان من الذكر من جنس هذه السورة، وهذه الآيـة، فهو أفضل الأنواع‏.‏ والسؤال للرب هو بعد الذكر المحض، كما في حديث مالك بن الحويرث‏:‏ ‏(‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين‏)‏ ‏.‏
ولهذا كانت الفاتحة نصفين‏:‏ نصفًا ثناء، ونصفًا دعاء‏.‏ والنصف /الثاني هو المقدم، وهو الذي للَّه عز وجل‏.‏ وكذلك في حديث الشفاعة الصحيح قال‏:‏ ‏(‏فإذا رأيت ربي خررت له ساجدًا، فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي، لا أحسنها الآن، فيقول‏:‏ أي محمد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسَلْ تُعطَه، واشفع تشفع‏)‏ فبدأ بالحمد للَّه، حتي أذن له في السؤال فسأل ‏.‏
وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من تَعارَّ من الليل فقال‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏.‏ له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، والحمد للَّه، وسبحان الله، والله أكبر، اللهم اغفر لي‏.‏ فإن دعا استجيب دعاؤه، وإن توضأ وصلي قبلت صلاته‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏)‏ ولهذا كان التشهد ثناء على الله -عز وجل‏.‏ وقال في آخره‏:‏ ‏(‏ثم ليتخير من المسألة ما شاء‏)‏ ‏.‏
والأدعية الشرعية هي بعد التشهد ولم يشرع الدعاء في القعود قبل التشهد بل قُدم الثناء على الدعاء، وفي حديث الذي دعا قبل الثناء قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عجل هذا‏)‏‏.‏ فروي الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن فضالة بن عبيد قال‏:‏ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل علي/ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم عَجِل هذا‏)‏ ، ثم دعاه فقال له - أو لغيره -‏:‏‏(‏إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد ذلك بما شاء‏)‏ ‏.‏
والذكر المشروع باتفاق المسلمين في الركوع والسجود، والاعتدال‏.‏ وأما الدعاء في الفرض ففي كراهيته نزاع، وإن كان الصحيح أنه لا يكره ولكن الذكر أفضل، فإن الذكر مـأمور به فيهما بقوله تعالي‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 74‏]‏، و‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏ ‏[‏الأعلي‏:‏ 1‏]‏، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجعلوها في ركوعكم‏)‏ ، والثانية‏:‏ ‏(‏اجعلوها في سجودكم‏)‏ ‏.‏
فأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم‏)‏ ، ففيه الأمر في الركوع بالتعظيم، وأمره بالدعاء في السجود بيان منه أن الدعاء في السجود أحق بالإجابة من الركوع؛ ولهذا قال‏:‏ ‏(‏فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم‏)‏ كما قال‏:‏ ‏(‏أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد‏)‏ ، فهو أمر بأن يكون الدعاء في السجود‏.‏
أمر بالصفة لا بالموصوف، أو أمر بالصفة والموصوف، وإن كان التسبيح أفضل، فإنه ليس من شرط المأمور ألا يكون غيره أفضل/منه؛ لأن الدعاء هو بحسب مطلوب العبد، لم يذكر دعاء معينًا أمر به كما أمر بالفاتحة، بقوله‏:‏ ‏{‏اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6‏]‏، والدعاء الواجب لا يكون إلا معينًا، وإن كان جنس الدعاء واجبًا، فمعلوم أن الدعاء جائز في نفس الصلاة، وخارج الصلاة‏.‏ وأكثر الأدعية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت في آخر الصلاة، كما في الحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر‏:‏ أن أجوب الدعاء جوف الليل الآخر ودبر الصلاة‏.‏
فعلم أن الدعاء دبر الصلاة ـ لاسيما قبل السلام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في الغالب ـ فهو أجوب سائر أحوال الصلاة؛ لأنه دعاء بعد إكمال العبادة‏.‏
وأما السجود فإنما ذكره والركوع، لأنه قال‏:‏ ‏(‏إني نهيت أن اقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا؛ أما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم‏)‏ فلما نهي عن القراءة في هذين الحالين، ذكر ما يكون بدلا مشروعا لمن أراد، فخص الركوع بالتعظيم، والسجود بالدعاء‏.‏ فجمع الأقسام الثلاثة‏:‏ القراءة، والذكر، والدعاء‏.‏
ومما يبين فضل الذكر على المسألة، ما ثبت في صحيح مسلم عن/ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن ـ ‏:‏سبحان الله والحمد للَّه، ولا إله إلا الله، والله أكبر‏)‏ ولهذا أمر بالذكر من عجز عن القراءة في الصلاة؛ لأن الاعتدال مشروع فيه التحميد بالسنة المتواترة وإجماع المسلمين، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في كل صلاة، وكان أحيانا يدعو بعد التحميد بقوله‏:‏ ‏(‏اللهم باعد بيني وبين خطاياي‏)‏ فأخر السؤال عن الحمد والثناء والمجد، وأمر ـ أيضًا ـ بالحمد بقوله‏:‏ ‏(‏فإذا قال‏:‏سمع الله لمن حمده‏.‏ فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد‏)‏ وما داوم عليه وقدمه وأمر به أفضل مما كان يفعله أحيانا، ويؤخره، ولم يأمر به‏.‏
وأيضًا، فنوع الثناء أضافه الرب إلى نفسه، ونوع السؤال أضافه إلى عبده‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إذا قال العبد‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قال الله‏:‏ حمدني عبدي، فإذا قال‏:‏ ‏{‏الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ‏}‏ قال‏:‏ أثني على عبدي‏.‏ وإذا قال‏:‏ ‏{‏مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ قال الله‏:‏ مجدني عبدي‏.‏ فإذا قال‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ قال‏:‏ هذه الآية، بيني وبين عبدي نصفين‏.‏ ولعبدي ما سأل، فإذا قال‏:‏ ‏{‏اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏ إلى آخر السورة‏.‏ قال‏:‏ هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل‏)‏ ‏.‏
وأيضًا، فجماهير العلماء على إيجاب الثناء، فيوجبون التشهد الأخير، وكذلك التشهد الأول، يجب مع الذكر عند مالك وأحمد، فإذا تركه/عمدًا، بطلت صلاته، وتسبيح الركوع والسجود كذلك ـ أيضا ـ عند أحمد وغيره، وكذلك التكبير، تكبير الانتقال، ف مذهب مالك من ترك من ذلك ثلاثًا عمدًا أعاد الصلاة، ومذهب أحمد مشهور عنه مطلقا، وما يذكره أصحاب أحمد في مسائل الخلاف أن إيجاب هذه الأذكار من مفردات أحمد عن الثلاثة فذلك لأن أصحاب مالك يسمون هذه سننا، والسنة عندهم قد تكون واجبة إذا تركها أعاد، وهذه من ذلك، فيظن من يظن أن السنة عندهم لا تكون إلا لما يجوز تركه، وليس كذلك‏.‏
وأما الدعاء، فلم يجب منه دعاء مفرد أصلا، بل ما وجب من الفاتحة وجب بعد الثناء وكذلك من أوجب أن يدعو بعد التشهد بالدعاء المأمور به هناك، هو الاستعاذة من عذاب جهنم، والقبر، وفتنة المحيا والممات، والدجال‏.‏ فإنما أوجبه بعد التشهد الذي هو ثناء، وهو قول طاووس ووجه في مذهب أحمد‏.‏
وأيضًا، فالدعاء لم يشرع مجردًا، لم يشرع إلا مع الثناء‏.‏ وأما الثناء، فقد شرع مجردًا بلا كراهة‏.‏ فلو اقتصر في الاعتدال على الثناء، وفي الركوع والسجود على التسبيح، كان مشروعا بلا كراهة، ولو اقتصر في ذلك على الدعاء، لم يكن مشروعًا، وفي بطلان الصلاة نزاع‏.‏
وأيضًا، فالثناء يتضمن مقصود الدعاء، كما في الحديث‏:‏ ‏(‏أفضل/الذكر‏.‏ لا إله إلا الله‏.‏ وأفضل الدعاء الحمد للَّه‏)‏ فإن ثناء الداعي على المدعو بما يتضمن حصول مطلوبه، قد يكون أبلغ من ذكر المطلوب كما قيل‏:‏
إذا أثني عليـك المرء يومًا ** كفاه من تعرضه الثناء
ولهذا يقول في الدعاء المأثور‏:‏ ‏(‏أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان، بديع السموات والأرض‏)‏‏.‏ فسأله بأن له الحمد، فعلم بأن الاعتراف بكونه مستحقًا للحمد، هو سبب في حصول المطلوب‏.‏
وهذا كقول أيوب ـ عليه السلام ـ‏:‏‏{‏مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 83‏]‏، فقوله‏:‏ هذا أحسن من قوله‏:‏ ارحمني‏.‏ وفي دعاء ليلة القدر الذي روته عائشة‏:‏ ‏(‏اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني‏)‏ ‏.‏
وفي الصحيحين عن ابن عباس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب‏:‏ ‏(‏لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع، ورب الأرض رب العرش الكريم‏)‏ ‏.‏
ومما يبين فضل الثناء على الدعاء، أن الثناء المشروع يستلزم الإيمان باللَّه، وأما الدعاء فقد لا يستلزمه، إذ الكفار يسألون الله /فيعطيهم، كما أخبر الله بذلك في القرآن في غير موضع فإن سؤال الرزق والعافية ونحو ذلك من الأدعية المشروعة، هو مما يدعو به المؤمن والكافر؛ بخلاف الثناء كقوله‏:‏ ‏(‏سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالي جدك، ولا إله غيرك‏)‏ و‏(‏التحيات للَّه والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته‏)‏ فإن هذا لا يثني به إلا المؤمن، وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ربنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ‏)‏‏.‏ لكن قد يكون بعض الثناء يقر به الكفار، كإقرارهم بأن الله خالق السموات والأرض، وأنه يجيب المضطر إذا دعاه، ونحو ذلك‏.‏
لكن المشركون لم يكن لهم ثناء مشروع يثنون به على الله‏.‏ حتي في تلبيتهم كانوا يقولون‏:‏ لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك‏.‏ وكذلك النصارى ثناؤهم فيه الشرك، وأما اليهود فليس في عبادتهم ثناء، اللهم إلا ما يكون مأثورًا عن الأنبياء، وذلك من ثناء أهل الإيمان‏.‏ وكذلك النصارى، إن كان عندهم شيء من ذلك‏.‏ وأما ما شرعه من ثنائه، فهو يتضمن الإيمان، والأدلة الدالة على فضل جنس الثناء على جنس الدعاء كثيرة‏.‏ مثل أمره أن يقال عند سماع المؤذن مثل ما يقول، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة، ثم يسأل العبد بعد ذلك‏.‏ فقدم الثناء علي/ الدعاء، وهكذا بعد التشهد، فإنه قدم فيه الثناء على الله، ثم الدعاء لرسوله، ثم للإنسان‏.‏ وكذلك هنا مع أني لا أعلم في هذا نزاعًا بين العلماء، ولكن المفضول قد يكون أحيانا أفضل‏.‏ فإن الصلاة أفضل من قراءة القرآن‏.‏ والقرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء‏.‏ والمفضول قد يعرض له حال يكون فيه أفضل لأسباب متعددة، إما مطلقًا كفضيلة القراءة وقت النهي على الصلاة، وإما لحال مخصوص، وهذا مبسوط في موضع آخر‏.‏
والمقصود هنا أن جنس الثناء أفضل من السؤال‏.‏ كما قال تعالي‏:‏ ‏(‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين‏)‏ وقراءة القرآن أفضل منهما، كما في حديث الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يقول الله ـ عز وجل ـ‏:‏ من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين‏)‏، قال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏.‏
وهذا بين في الاعتبار، لأن السائل غاية مقصوده حصول مطلوبه ومراده، فهو مريد من الله، وإن كان مطلوبه محبوبًا للَّه، مثل أن يطلب منه إعانته على ذكره وشكره، وحسن عبادته، فهو يريد منه هذا الأمر المحبوب للَّه‏.‏
/وأما المثني، فهو ذاكر لنفس محبوب الحق من أسمائه وصفاته فالمطلوب بهذا معرفة الله ومحبته وعبادته‏.‏ وهذا مطلوب لنفسه لا لغيره، وهو الغاية التي خلق لها الخلق‏.‏ كما قال تعالي‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏]‏، والسؤال وسيلة إلى هذا‏.‏ ولهذا قال في الفاتحة‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ فقدم قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏؛ لأنه المقصود لنفسه، على قوله‏:‏ ‏{‏وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏؛ لأنه وسيلة إلى ذلك‏.‏ والمقاصد مقدمة في القصد والقول على الوسائل، ثم مقصود السائل من الدعاء يحصل لهذا العابد المثني مع اشتغاله بأشرف القسمين‏.‏
وأما الداعي، فإذا كان مهتما بما هو محتاج إليه من جلب منفعة ودفع مضرة، كحاجته إلى الرزق والنصر الضروري، كان اشتغاله بهذا نفسه صارفًا له عن غيره‏.‏ فإذا دعا الله ـ سبحانه ـ فقد يحصل له بالدعاء من معرفة الله‏.‏ ومحبته، والثناء عليه، والعبودية له، والافتقار إليه ما هو أفضل وأنفع من مطلوبه ذلك‏.‏ كما قال بعض السلف‏:‏ يا ابن آدم لقد بورك لك في حاجة كثرت فيها قرع باب سيدك‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إنه ليكون لي إلى الله حاجة فادعوه، فيفتح لي من باب معرفته ما أحب معه ألا يعجل لي قضاءها؛ لئلا ينصرف قلبي عن الدعاء‏.‏
والسائل إذا حصل سؤاله برد، فإنه لم يكن مراده إلا سؤاله، وإذا حصل أعرض عن الله، فهذا حال الكفار الذين ذمهم الله في القرآن كقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 12‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ‏.‏ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 63،64‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ‏}‏ ‏[‏ الزمر‏:‏ 8‏]‏‏.‏
فقوله ـ سبحانه ـ‏:‏ ‏{‏نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ‏}‏، أي نسي ما كان يدعو الله إليه، وهو الحاجة التي طلبها، فإن دعاءه كان إليها، أي توجهه إليها، وقصده، فهي الغاية التي كان يقصدها‏.‏ وإذا كانت ما مصدرية، كان تقديره نسي كونه يدعو الله إلى حاجته‏.‏ كما قال تعالي في الآية الأخري‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ‏}‏‏.‏ لكن على هذا، يبقي الضمير في إليه عائدًا على غير مذكور، بخلاف ما إذا جعلت بمعني الذي فإن التقدير نسي حاجته الذي دعاني إليها من قبل، فنسي دعاءه الله الذي كان سبب الحاجة، وإلي حرف الغاية‏.‏ كما قال تعالي في الآية الأخري‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ‏.‏ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 40، 41‏]‏، فقد/ أخبر تعالي أنه يكشف ما يدعون إليه وهي الشدة التي دعوا إليها‏.‏
وأما المؤمن فلابد بعد قضاء حاجته من عبادة الله وإخلاصه له كما أمره، إما قياما بالواجب فقط، فيكون من الأبرار، أو بالواجب والمستحب فيكون من المقربين‏.‏ ومن ترك بعض ما أمر به بعد قضاء حاجته فهو من أهل الذنوب‏.‏ وقد يكون ذلك من الشرك الأصغر الذي يبتلي به غالب الخلق‏.‏ إما شركًا في الربوبية، وإما شركا في الألوهية، كما هو مبسوط في موضعه‏.‏
وقد يبتلي في أماكن الجهل وزمانه كثير من الناس بما هو من الشرك الأكبر، وهم لا يعلمون‏.‏ فالسائل مقصوده سؤاله‏.‏ وإن حصل له ما هو محبوب الرب من إنابته إليه ومحبته وتوبته‏.‏ فهذا بالعرض، وقد يدوم‏.‏ والأغلب أنه لا يدوم إلا أن يكون ذلك المحبوب للرب هو سؤاله، مثل أن يسأل الله التوبة والإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته‏.‏ فهنا مطلوبه محبوب للرب؛ ولهذا ذم الله من لم يطلب إلا الدنيا في قوله‏:‏ ‏{‏َمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ‏}‏ ‏[‏البقـرة‏:‏ 200‏]‏‏.‏
وأما المثني، فنفس ثنائه محبوب للرب، وحصول مقصود السائل يحصل ضمنًا وتبعًا، فهذا أرفع‏.‏ لكن هذا إنما يتم لمن يخلص إيمانه/ فصار يحب الله، ويحب حمده وثناءه وذكره‏.‏ وذلك أحب إلى قلبه من مطالب السائلين رزقًا ونصرًا‏.‏
وأما من كان اهتمامه بهذا أكثر، فهذا يكون انتفاعه بالدعاء أكثر وإن كان جنس الثناء أفضل‏.‏ كما أن قراءة القرآن أفضل من الذكر والدعاء‏.‏ وقد يكون بعض الناس لنقص حاله انتفاعه بالذكر والدعاء أكمل‏.‏ فهو خير له بحسب حاله، لا أفضل في نفس الأمر‏.‏
والمقصود هنا بيان ما شرعه الله لعباده مطلقًا عامًا‏.‏ ولهذا ما كان من أذكار الصلاة من جنس الدعاء، لم يجب عند عامة العلماء‏.‏
وأما الثناء كدعاء الاستفتاح وغيره، فاختلفوا في وجوبه‏.‏ فذهب طائفة من أصحاب أحمد إلى وجوب الذكر الذي هو ثناء كالاستفتاح، وهو اختيار ابن بطة وغيره، وذكر هذا رواية عن أحمد‏.‏ كما وجب في المشهور عنه التسبيح في الركوع والسجود والتسميع والتحميد وتكبيرة الانتقال، فهذان نوعان ظهر فضل أحدهما على الآخر‏.‏
وأما النوع المتوسط بينهما، فهو إخبار الإنسان بعبادة الله تعالي، كقوله‏:‏ ‏{‏وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏79‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏ الأنعام‏:‏162‏]‏، وقوله‏:‏ ‏(‏لك سجدت ولك عبدت، وبك آمنت، وبك أسلمت‏)‏ ونحو ذلك‏.‏ فهذا / أفضل من الدعاء، ودون الثناء، فإنه إنشاء وإخبار بما يحبه الله، ويأمر به العبد، فمقصوده محبوب الحق، فهو أفضل مما مقصوده مطلوب العبد، لكن جنس الثناء أفضل منه‏.‏ كما روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن‏:‏ سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر‏)‏ فجعل هذا الكلام الذي هو ذكر الله أفضل من جميع الكلام بعد القرآن‏.‏ وكذلك قال للرجل الذي قال‏:‏ لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزيني فعله‏:‏ ‏(‏سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر‏)‏ فجعل ذلك بدلا عن القرآن‏.‏

عدد المشاهدات *:
355246
عدد مرات التنزيل *:
249697
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1