اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الثلاثاء 15 شوال 1445 هجرية
?? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ??? ???????? ???? ??? ???? ??????? ?????????? ?????? ?????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

حكمة

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد السابع والعشرون
كتاب الزيارة وشد الرحال إليها
فصل في النهي عن اتخاذ القبور مساجد
السفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج عند أهل الشرك
مجموع فتاوى ابن تيمية
فالسفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج، والمشركون من أجناس الأمم يحجون إلى آلهتهم، كما كانت العرب تحج إلى اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى‏.‏ وهم مع ذلك يحجون إلى البيت ويطوفون به ويقفون بعرفات؛ ولهذا كانوا تارة يعبدون الله، وتارة يعبدون غيره‏.‏ وكانوا يقولون في تلبيتهم‏:‏ لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 28‏]‏، يقول تعالى‏:‏ إذا كان أحدكم لا يرضي أن يكون مملوكه شريكًا له مثل نفسه فكيف تجعلون مملوكي شريكًا لي‏؟‏ وكل ما سوي الله من الملائكة والنبيين والصالحين وسائر المخلوقات هو مملوك له، وهو سبحانه ولا إله إلا هو، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏.‏ ولهذا جعل الشرك بالملائكة والأنبياء كفرًا، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏80‏]‏‏.‏ وذم النصاري على شركهم فقال تعالى‏:‏ / ‏{‏اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 31‏]‏‏.‏
والمشركون في هذه الأزمان ـ من الهند وغيرهم ـ يحجون إلى آلهتهم كما يحجون إلى سمناة وغيره من آلهتهم‏.‏ وكذلك النصاري يحجون إلى قمامة وبيت لحم، ويحجون إلى القونة التي بصيدنايا، والقونة‏:‏ الصورة وغير ذلك من كنائسهم التي بها الصور التي يعظمونها ويدعونها ويستشفعون بها‏.‏ وقد ذكر العلماء من أهل التفسير والسير وغيرهم أن أبرهة ملك الحبشة، الذي ساق الفيل إلى مكة ليهدمها، حين استولت الحبشة على اليمن وقهروا العرب‏.‏ ثم بعد هذا وفد سيف بن ذي يزن فاستنجد كسري ملك الفرس، فأنجده بجيش حتى أخرج الحبشة عنها ـ وهو ممن بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وكانت آية الفيل التي أظهر الله تعالى بها حرمة الكعبة لما أرسل عليهم الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، أي جماعات متفرقة، والحجارة من سجيل طين قد استحجر، وكان عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهو من دلائل نبوته، وأعلام رسالته، ودلائل شريعته‏.‏ والبيت الذي لا يحج ولا يصلى إليه إلا هو وأمته‏.‏
قالوا‏:‏ كان أبرهة قد بني كنيسة بأرض اليمن، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، فدخل رجل من العرب فأحدث في الكنيسة، فغضب / لذلك أبرهة، وسافر إلى الكعبة ليهدمها، حتى جري ما جري‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ‏}‏ ‏[‏الفيل‏:‏ 1 - 5‏]‏‏.‏ وهذا معروف عند عامة العلماء من أهل التفسير والسير وغيرهم، أنه بني كنيسة أراد أن يصرف حج العرب إليها‏.‏ ومعلوم أنه إنما أراد أن يفعل فيها ما يفعله في كنائس النصاري‏.‏ فدل على أن السفر إلى الكنائس عندهم هو من جنس الحج عند المسلمين وأنه يسمي حجًا، ويضاهي به البيت الحرام، و أن من قصد أن يجعل بقعة للعبادة فيها كما يسافر إلى المسجد الحرام فإنه قصد ما هو عبادة من جنس الحج‏.‏ والنبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يحج أحد أو يسافر إلى غير المساجد الثلاثة، والحج الواجب الذي يسمي عند الإطلاق حجًا إنما هو إلى المسجد الحرام خاصة‏.‏ والسفر إلى بقعة للعبادة فيها هو إلى المسجدين، وما سوي ذلك من الأسفار إلى مكان معظم هو من جنس الحج إليه، وذلك منهي عنه‏.‏
وكذلك في حديث أبي سفيان لما اجتمع بأمية بن أبي الصلت الثقفي، وذكر عن عالم من علماء النصاري أنه أخبره بقرب نبي يبعث من العرب، قال أمية‏:‏ قلت‏:‏ نحن من العرب‏.‏ قال‏:‏ إنه من أهل بيت يحجه العرب‏.‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ نحن معشر ثقيف، فينا بيت يحجه العرب‏.‏ / قال‏:‏إنه ليس منكم، إنه من إخوانكم قريش، كما تقدم‏.‏ وثقيف كان فيهم اللات المذكورة في القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 19‏:‏ 21‏]‏، وقد ذكروا أنها مكان رجل كان يلت السويق ويسقيه للحجاج، فلما مات عكفوا على قبره، وصار ذلك وثنًا عظيمًا يعبد‏.‏ والسفر إليه كان يسمونه حجًا، كما تقدم، فدل ذلك على أن السفر إلى المشاهد حج إليها، كما يقول من يقول من العامة‏:‏ وحق النبي الذي تحج المطايا إليه‏.‏
قال عبد بن حميد في تفسيره‏:‏ حدثنا قَبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 19‏]‏، قال‏:‏ كان رجل يلت السويق فمات، فاتخذ قبره مصلى‏.‏ وقال‏:‏ حدثنا سليمان بن داود، عن أبي الأشهب، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏اللات‏)‏ رجل يلت السويق للحجاج‏.‏ وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال‏:‏ كان يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه‏.‏ وروي عن الأعمش قال‏:‏ كان مجاهد يقرأ ‏[‏اللاتَّ‏]‏ مثقلة، ويقول‏:‏ كان رجل يلت السويق على صخرة في طريق الطائف ويطعمه الناس فمات، فقبر، فعكفوا على قبره‏.‏ وقال سليمان بن حرب‏:‏ حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء قال‏:‏ ‏[‏اللات‏]‏ حجر كان يلت السويق عليه فسمي ‏[‏اللات‏]‏‏.‏ وقال‏:‏/ حدثنا عبيد الله بن موسي، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح قال‏:‏ ‏[‏اللات‏]‏ الذي كان يقوم على آلهتهم وكان يلت لهم السويق، و‏[‏العزى‏]‏ نخلة كانوا يعلقون عليها الستور والعهن، و‏[‏مناة‏]‏ حجر بقُدَيد‏.‏ وقد قرأ طائفة من السلف ‏[‏اللات‏]‏ بتشديد التاء‏.‏ وقيل‏:‏ إنها اسم معدول عن اسم الله‏.‏ قال الخطابي‏:‏ المشركون يتعاطون الله اسمًا لبعض أصنامهم، فصرفه الله إلى اللات، صيانة لهذا الاسم وذبًا عنه‏.‏
قلت‏:‏ ولا منافاة بين القولين والقراءتين، فإنه كان رجل يلت السويق على حجر، وعكفوا على قبره، وسموه بهذا الاسم، وخففوه، وقصدوا أن يقولوا هو الإله، كما كانوا يسمون الأصنام آلهة، فاجتمع في الاسم هذا وهذا‏.‏ وكانت ‏[‏اللات‏]‏ لأهل الطائف، وكانوا يسمونها ‏[‏الربة‏]‏‏.‏ و‏[‏العزى‏]‏ لأهل مكة‏.‏ ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد‏:‏ إن لنا العزى ولاعزي لكم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا تجيبوه‏؟‏‏)‏‏.‏ فقالوا‏:‏ ما نقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏قولوا‏:‏ الله مولانا ولا مولي لكم‏)‏ الحديث، وقد تقدم‏.‏ وكانت مناة لأهل المدينة‏.‏ فكل مدينة من مدائن أهل الحجاز كان لها طاغوت تحج إليه وتتخذه شفيعًا وتعبده‏.‏
وما ذكره بعض المفسرين من أن ‏[‏العزى‏]‏ كانت لغطفان فذلك لأن غطفان كانت تعبدها وهي في جهتها‏.‏ وأهل مكة يحجون إليها، / فإن العزى كانت ببطن نخلة من ناحية عرفات‏.‏ ومعلوم بالنقول الصحيحة أن أهل مكة كانوا يعبدون العزى‏.‏ كما علم بالتواتر أن أهل الطائف كان لهم اللات، ومناة كانت حذو قدَيد، وكان أهل المدينة يهلون لها، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها‏.‏
وأما ما ذكره مَعْمَر بن المثني من أن هذه الثلاثة كانت أصناماً في جوف الكعبة من حجارة، فهو باطل باتفاق أهل العلم بهذا الشأن، وإنما كان في الكعبة ‏[‏هُبَل‏]‏ الذي ارتجز له أبو سفيان يوم أحد وقال‏:‏ أعل هبل أعل هبل‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا تجيبوه‏؟‏‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ وما نقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏قولوا‏:‏ الله أعلى وأجل‏)‏‏.‏ كما تقدم ذكره‏.‏ هذا وكان إساف ونائلة على الصفا والمروة، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، وهذه الأسماء الثلاثة مؤنثة‏:‏ اللات، والعزى، ومناة‏.‏
وبكل حال فقد قال أمية بن أبي الصلت‏:‏ فينا بيت يحجه العرب، وأبو سفيان يوافقه على ذلك‏.‏ فدل ذلك على أن البقاع التي يسافر إليها والسفر إليها حج، والحج نسك، وهو حج إلى غير بيت الله ونسك لغير الله، كما أن الدعاء لها صلاة لغير الله وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 161‏:‏ 163‏]‏، فالله تعالى أمر نبيه /صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونسكه لله، فمن سافر إلى بقعة غير يبوت الله التي يشرع السفر إليها ودعا غير الله فقد جعل نسكه وصلاته لغير الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم نهي عن السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة وإن كان بيتًا من بيوت الله؛ إذ لم تكن له خاصية تستحق السفر إليه، ولا شرع هو صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء السفر إليه، بخلاف الثلاثة، فإن كل مسجد منها بناه نبي من الأنبياء ودعا الناس إلى السفر إليه، فلها خصائص ليست لغيرها‏.‏
فإذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاثة ليس بمشروع باتفاق الأئمة الأربعة، بل قد نهي عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بالسفر إلى بيوت المخلوقين الذين تتخذ قبورهم مساجد، وأوثانًا، وأعيادًا ويشرك بها، وتدعي من دون الله‏؟‏‏!‏ حتى إن كثيرًا من معظميها يفضل الحج إليها على الحج إلى بيت الله، فيجعل الشرك وعبادة الأوثان أفضل من التوحيد وعبادة الرحمن، كما يفعل ذلك من يفعله من المشركين، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا إِن يَدْعُونَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 116، 117‏]‏، وكانت لها شياطين تكلمهم وتتراءي لهم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ في كل /صنم شيطان يتراءي للسدنة ويكلمهم‏.‏ وقال أبي ابن كعب‏:‏ مع كل صنم جنية‏.‏
وقد قيل‏:‏ الإناث هي الموات‏.‏ وعن الحسن‏:‏ كل شيء لا روح فيه كالخشب والحجر فهو إناث‏.‏ قال الزجاج‏:‏ والموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث‏.‏ فتقول في ذلك‏:‏ الأحجار تعجبني، والدراهم تنفعك وليس ذلك مختصًا بالموات، بل كل ما سوي الله تعالى يجمع بلفظ التأنيث، فيقال‏:‏ الملائكة، ويقال لما يعبد من ودن الله‏:‏ آلهة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 138‏:‏ 140‏]‏، هي أوثان وهي مؤنثة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 38‏]‏‏.‏ فالآلهة المعبودة مـن دون الله كلها بهـذه المثابـة، /وهي الأوثـان التي تتخـذ مـن دون الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 80‏]‏، وقال يوسف الصديق‏:‏ ‏{‏يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 39، 40‏]‏، وكل من عبد شيئًا من دون الله فإنما يعبد أسماء ما أنزل الله بها من سلطان‏.‏
وأيضًا، فالذين يعبدون الملائكة أو الأنبياء لا يرونهم، وإنما يعبدون تماثيل صوروها على مثال صورهم، وهي من تراب وحجر وخشب، فهم يعبدون الموات‏.‏ وفي الصحيح ـ صحيح مسـلم ـ عـن أبي الهياج الأسدي قال‏:‏ قال لي علي بن أبـي طالب ـ رضـي الله عنه ـ‏:‏ ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بعثني ألا أدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرًا مشـرفاً إلا سـويته‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏17‏:‏ 21‏]‏، وجميع الأموات لا يشعرون أيان يبعثون‏.‏ فلا يعلم بقيام الساعة إلا الله عز وجل‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس أبو بكر / الصديق فقال‏:‏ من كان يعبد محمدًا فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت‏.‏ وقرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 144‏]‏، وكأن الناس ما سمعوها حتى تلاها أبو بكر، فلا يوجد أحد من الناس إلا وهو يتلوها‏.‏ والناس تغيب عنهم معاني القرآن عند الحوادث، فإذا ذكروا بها عرفوها‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 201، 202‏]‏‏.‏
وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 21، 22‏]‏، أي‏:‏ قسمة جائرة عوجاء؛ إذ تجعلون لكم ما تحبون وهم الذكور وتجعلون لي الإناث‏!‏ وهذا من قولهم‏:‏ الملائكة بنات الله، حيث جعلوا له أولاداً إناثًا وهم يكرهون أن يكون ولد أحدهم أنثي‏.‏ كالنصاري الذين يجعلون لله ولدًا ويجلون الراهب الكبير أن يكون له ولد‏.‏
وأما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فلما قال تعالى‏:‏‏{‏أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 21‏]‏، فسرها طائفة ـ منهم الكلبي ـ بأنهم كانوا يقولون‏:‏ هذه الأصنام بنات الله، وهذا هو الذي ذكره طائفة من المتأخرين‏.‏ /وليس كذلك؛ فإنهم لم يكونوا يقولون عن هذه الأصنام أنها بنات الله‏.‏ وإنما قالوا ذلك عن الملائكة، كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى بعد هذا‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 27‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 19‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 58‏]‏، فإن الولد يماثل أباه، وكذلك الشريك يماثل شريكه، فهم ضربوا الإناث مثلاً، وهم جعلوا هذه شركاء لله سبحانه، فكانوا يجعلونها أندادًا لله، والشريك كالأخ، فجعلوا له أولادًا إناثًا، وشركاء إناثًا فجعلوا له بنات وأخوات، وهم لا يحبون أن تكون لأحدهم أنثي لا بنت ولا أخت، بل إذا كان الأب يكره أن تكون له بنت فالأخت أشد كراهة له منها‏.‏ ولم يكونوا يورثون البنات والأخوات‏.‏ فتبين فرط جهلهم وظلمهم؛ إذ جعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم، فكانت أنفسهم عندهم أعظم من الله ـ سبحانه‏.‏
وهذا كما ضرب لهم مثلاً فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ العزيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 56 - 60‏]‏، ‏{‏ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 28‏]‏‏.‏ فهم لا يرضون أن يكون مملوك أحدهم شريكه، وقد جعلوا مملوكي الرب شركاء له، فجعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم من الشركاء ومن الأولاد؛ لا يرضون مملوكيهم أن يكونوا شركاء وقد جعلوهم لله شركاء، ولا يرضون من الأولاد بالإناث فلا يرضونها ولدًا ولا نظيرًا وهم جعلوا الإناث لله أولادًا ونظراء‏.‏
والنكتة أن الله أجل وأعظم وأعلى وأكبر من كل شيء، وهم قد جعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم‏.‏
وهذا يتناول كل من وصف الله بصفة ينزه عنها المخلوق، كالذين قالوا‏:‏ إنه فقير، وإنه بخيل‏.‏ والذين قالوا‏:‏ إنه لا يوصف إلا بالسلوب، أو لا يوصف لا بسلب ولا إثبات‏.‏ والذين جعلوا بعض المخلوقات ممثالة له في شيء من الأشياء في عبادة له أو دعاء له أو توكل عليه أو حبها مثل حبه، والذين قالوا‏:‏ يفعل لا لحكمة، بل عبثًا‏.‏ والذين قالوا‏:‏ إنه يجوز أن يضع الأشياء في غير مواضعها، فيعاقب خيار الناس، ويكرم شرارهم‏.‏ والذين قالوا‏:‏ لا يقدر أن يتكلم بمشيئته‏.‏ والذين قالوا‏:‏ إنه لا يسمع ولا يبصر‏.‏ والذين قالوا‏:‏ إنه يجوز أن يحب غيره كما يحب هو ويدعي ويسأل، فجعلوا مملوكه ندًا له‏.‏ ونظائر ذلك كثيرة‏.‏
/والقرآن ملآن من توحيد الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء‏.‏ فلا يمثل به شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء؛ إذ ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يستحقه من العبادة والمحبة والتوكل والطاعة والدعاء وسائر حقوقه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏، فلا أحد يساميه، ولا يستحق أن يسمي بما يختص به من الأسماء، ولا يساويه في معني شيء من الأسماء، لا في معني الحي، ولا العليم، ولا القدير ولا غير ذلك من الأسماء، ولا في معني الذات والموجود، ونحو ذلك من الأسماء العامة، ولا يكون إلهًا، ولا ربًا، ولا خالقًا‏.‏ فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏سورة الإخلاص‏]‏، فلم يكن أحد يكافيه في شيء من الأشياء‏:‏ فلا يساويه شيء ولا يماثله شيء، ولا يعادله شيء‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 1‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 94‏:‏ 98‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 73، 74‏]‏‏.‏
/وهذا الذي ذكرنا من أن السفر إلى الأماكن المعظمة ـ القبور وغيرها ـ عند أصحابه كالحج عند المسلمين هو أمر معروف عند المتقدمين والمتأخرين لفظًا ومعني، فإنهم يقصدون من دعاء المخلوق والخضوع له والتضرع إليه نظير ما يقصده المسلمون من دعاء الله تعالى والخضوع له والتضرع إليه، لكن كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏165‏]‏، وهم يسمون ذلك حجًا إليها، وهذا معروف عند متقدميهم ومتأخريهم‏.‏ وكذلك أهل البدع والضلال من المسلمين كالرافضة وغيرهم يحجون إلى المشاهد وقبور شيوخهم وأئمتهم ويسمون ذلك حجًا‏.‏ ويقول داعيتهم‏:‏ السفر إلى الحج الأكبر‏.‏ ويظهرون علمًا للحج إليه، ومعه مناد ينادي إليه، كما يرفع المسلمون علمًا للحج، لكن داعي أهل البدع ينادي‏:‏ السفر إلى الحج الأكبر علانية في مثل بغداد، يعني السفر إلى مشهد من المشاهد، فيجعلون السفر إلى قبر بعض المخلوقين هو الحج الأكبر، والحج إلى بيت الله عندهم الأصغر‏.‏ وقد ذكر ذلك أئمتهم في مصنفاتهم‏.‏ ومن جهال الناس من يقول‏:‏ وحق النبي الذي تحج المطايا إليه‏.‏
فلما كان المشركون يصلون ويدعون المخلوق ويحجون إلى قبره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 161‏:‏ 163‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 88‏]‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُسُكِي‏}‏ قد ذكروا في تفسيره‏:‏ الذبح لله، والحج إلى بيت الله، وذكروا أن لفظ ‏(‏النسك‏)‏ يتناول العبادة مطلقًا‏.‏ والله ـ سبحانه ـ قد بين في القرآن أن الذبح والحج كلاهما منسك‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 34‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من ذبح بعد الصلاة فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو شاة لحم عجلها لأهله، ليس من النسك في شيء‏)‏‏.‏ وقال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 127، 128‏]‏، فأري الله إبراهيم وابنه إسماعيل المواضع التي تقصد في الحج، والأفعال التي تفعل هناك‏:‏ كالطواف والسعي والوقوف والرمى، كما ذكر ذلك غير واحد من السلف‏.‏
والصلاة تتناول الدعاء الذي هو بمعني العبادة، والذي هو بمعني السؤال‏.‏ فالصلاة تجمع هذا وهذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏، فقد فسر دعاءه بسؤاله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يقول‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 162‏]‏، فأمره تعالى أن يكون الدعاء لله والصلاة لله، ولا تبني المساجد إلا لله؛ لا تبني على قبر مخلوق، ولا من أجله، ولا يسافر إلى بيوت المخلوقين‏.‏ وقد نهي أن يحج ويسافر إلى بيوت الله التي ليست لها تلك الخصائص‏.‏
وهذا ونحوه يعرف من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وسنة خلفائه الراشدين، وما كان عليه الصحابة من بعده، والتابعون لهم بإحسان، وما ذكره أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم‏.‏ ولهذا لا يقدر أحد أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين أنه يستحب السفر إلى زيارة قبر نبي أو رجل صالح‏.‏ ومن نقل ذلك فليخرج نقله‏.‏
وإذا كان الأمر كذلك وليس في الفتيا إلا ما ذكره أئمة المسلمين وعلماؤهم، فالمخالف، لذلك مخالف لدين المسلمين وشرعهم، ولسنة نبيهم، وسـنة خلفائه الراشدين، ولما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، من توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وأنه إنما يعبد بما شرعه من واجب ومستحب، لا يعبد بما نهي عنه ولم يشرعه‏.‏ والله ـ سبحانه ـ بعث محمداً بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفي بالله شهيدًا‏.‏ فبعثه بدين الإسلام الذي بعث به جميع الأنبياء، فإن الدين عند الله الإسلام، ‏{‏$ّمّن يّبًتّغٌ غّيًرّ الإسًلامٌ دٌينْا فّلّن يٍقًبّلّ مٌنًهٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 58‏]‏، لا من الأولين ولا من الأخرين‏.‏

عدد المشاهدات *:
359185
عدد مرات التنزيل *:
250446
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : السفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج عند أهل الشرك
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  السفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج عند أهل الشرك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  السفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج عند أهل الشرك لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1