وقال قدس الله روحه
فصل
وأما [المزارعة]: فإذا كان البذر من العامل أو من رب الأرض. أو كان من شخص أرض ومن آخر بذر ومن ثالث العمل ففي ذلك روايتان عن أحمد. والصواب أنها تصح في ذلك كله. وأما إذا كان البذر من العامل فهو أولى بالصحة مما إذا كان البذر من المالك.(فإن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على أن يعمروها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع) [رواه البخاري وغيره. وقصة أهل خيبر هي الأصل في جواز المساقاة والمزارعة] [وإنما كانوا يبذرون من أموالهم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم بذرا من عنده وهكذا خلفاؤه من بعده: مثل عمر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وغير واحد من الصحابة. كانوا يزارعون ببذر من العامل. وقد نص الإمام أحمد في رواية عامة أصحابه في أجوبة كثيرة جدا على أنه يجوز أن يؤجر الأرض ببعض ما يخرج منها واحتج على ذلك بقصة أهل خيبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم عليها ببعض الخارج منها. وهذا هو معنى إجارتها ببعض الخارج منها إذا كان البذر من العامل؛ فإن المستأجر هو الذي يبذر الأرض وفي الصورتين للمالك بعض الزرع. ولهذا قال من حقق هذا الموضع من أصحابه كأبي الخطاب وغيره: إن هذا مزارعة على أن البذر من العامل. وقالت طائفة من أصحابه كالقاضي وغيره: بل يجوز هذا العقد بلفظ الإجارة ولا يجوز بلفظ المزارعة؛ لأنه نص في موضع آخر: أن المزارعة يجب أن يكون فيها البذر من المالك. وقالت طائفة ثالثة: بل يجوز هذا مزارعة ولا يجوز مؤاجرة؛ لأن الإجارة عقد لازم؛ بخلاف المزارعة في أحد الوجهين؛ ولأن هذا يشبه قفيز الطحان. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن قفيز الطحان) وهو: أن يستأجر ليطحن الحب بجزء من الدقيق. والصواب: هو الطريقة الأولى؛ فإن الاعتبار في العقود بالمعاني والمقاصد؛ لا بمجرد اللفظ. هذا أصل أحمد وجمهور العلماء وأحد الوجهين في مذهب الشافعي؛ ولكن بعض أصحاب أحمد قد يجعلون الحكم يختلف بتغاير اللفظ كما قد يذكر الشافعي ذلك في بعض المواضع وهذا كالسلم الحال في لفظ البيع والخلع بلفظ الطلاق والإجارة بلفظ البيع ونحو ذلك مما هو مبسوط في موضعه. وأما من قال: إن المزارعة يشترط فيها أن يكون البذر من المالك فليس معهم بذلك حجة شرعية ولا أثر عن الصحابة؛ ولكنهم قاسوا ذلك على المضاربة. قالوا: كما أنه في المضاربة يكون العمل من شخص والمال من شخص فكذلك المساقاة والمزارعة يكون العمل من واحد والمال من واحد والبذر من رب المال. وهذا قياس فاسد؛ لأن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه ويقتسمان الربح فنظيره الأرض أو الشجر يعود إلى صاحبه ويقتسمان الثمر والزرع وأما البذر فإنهم لا يعيدونه إلى صاحبه؛ بل يذهب بلا بدل كما يذهب عمل العامل وعمل بقره بلا بدل؛ فكان من جنس النفع لا من جنس المال وكان اشتراط كونه من العامل أقرب في القياس مع موافقة هذا المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن منهم من كان يزارع والبذر من العامل وكان عمر يزارع على أنه إن كان البذر من المالك فله كذا وإن كان من العامل فله كذا. ذكره البخاري. فجوز عمر هذا. وهذا هو الصواب. وأما الذين قالوا: لا يجوز ذلك إجارة لنهيه عن قفيز الطحان فيقال: هذا الحديث باطل لا أصل له وليس هو في شيء من كتب الحديث المعتمدة ولا رواه إمام من الأئمة والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى القفيز وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج فالعراق لم يفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين لا يسوغون مثل هذا؛ قولا باجتهادهم. والحديث ليس فيه نهيه عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق؛ بل عن شيء مسمى: وهو القفيز وهو من المزارعة لو شرط لأحدهما زرعه بقعة بعينها أو شيئا مقدرا كانت المزارعة فاسدة. وهذا هو المزارعة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رافع بن خديج في حديثه المتفق عليه: (أنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ]. وقد بسط الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع. وبين أن المزارعة أحل من المؤاجرة بأجرة مسماة. وقد تنازع المسلمون في الجميع؛ فإن المزارعة مبناها على العدل: إن حصل شيء فهو لهما وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان. وأما الإجارة فالمؤجر يقبض الأجرة والمستأجر على خطر: قد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل؛ فكانت المزارعة أبعد عن المخاطرة من الإجارة؛ وليست المزارعة مؤاجرة على عمل معين حتى يشترط فيها العمل بالأجرة؛ بل هي من جنس المشاركة: كالمضاربة ونحوها. وأحمد عنده هذا الباب هو القياس. ويجوز عنده أن يدفع الخيل والبغال والحمير والجمال إلى من يكاري عليها والكراء بين المالك والعامل وقد جاء في ذلك أحاديث في سنن أبي داود وغيره. ويجوز عنده أن يدفع ما يصطاد به: الصقر والشباك والبهائم وغيرها إلى من يصطاد بها وما حصل بينهما. ويجوز عنده أن يدفع الحنطة إلى من يطحنها وله الثلث أو الربع. وكذلك الدقيق إلى من يعجنه والغزل إلى من ينسجه والثياب إلى من يخيطها بجزء في الجميع من النماء. وكذلك الجلود إلى من يحذوها نعالا وإن حكي عنه في ذلك خلاف. وكذلك يجوز عنده - في أظهر الروايتين - أن يدفع الماشية إلى من يعمل عليها بجزء من درها ونسلها ويدفع دود القز والورق إلى من يطعمه ويخدمه وله جزء من القز. وأما قول من فرق بين المزارعة والإجارة بأن الإجارة عقد لازم؛ بخلاف المزارعة فيقال له: هذا ممنوع؛ بل إذا زارعه حولا بعينه فالمزارعة عقد لازم كما تلزم إذا كانت بلفظ الإجارة والإجارة قد لا تكون لازمة كما إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهمين؛ فإنها صحيحة في ظاهر مذهب أحمد وغيره وكلما دخل شهر فله فسخ الإجارة. والجعالة في معنى الإجارة وليست عقدا لازما. فالعقد المطلق الذي لا وقت له لا يكون لازما وأما المؤقت فقد يكون لازما.
فصل
وأما [المزارعة]: فإذا كان البذر من العامل أو من رب الأرض. أو كان من شخص أرض ومن آخر بذر ومن ثالث العمل ففي ذلك روايتان عن أحمد. والصواب أنها تصح في ذلك كله. وأما إذا كان البذر من العامل فهو أولى بالصحة مما إذا كان البذر من المالك.(فإن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على أن يعمروها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع) [رواه البخاري وغيره. وقصة أهل خيبر هي الأصل في جواز المساقاة والمزارعة] [وإنما كانوا يبذرون من أموالهم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم بذرا من عنده وهكذا خلفاؤه من بعده: مثل عمر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وغير واحد من الصحابة. كانوا يزارعون ببذر من العامل. وقد نص الإمام أحمد في رواية عامة أصحابه في أجوبة كثيرة جدا على أنه يجوز أن يؤجر الأرض ببعض ما يخرج منها واحتج على ذلك بقصة أهل خيبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم عليها ببعض الخارج منها. وهذا هو معنى إجارتها ببعض الخارج منها إذا كان البذر من العامل؛ فإن المستأجر هو الذي يبذر الأرض وفي الصورتين للمالك بعض الزرع. ولهذا قال من حقق هذا الموضع من أصحابه كأبي الخطاب وغيره: إن هذا مزارعة على أن البذر من العامل. وقالت طائفة من أصحابه كالقاضي وغيره: بل يجوز هذا العقد بلفظ الإجارة ولا يجوز بلفظ المزارعة؛ لأنه نص في موضع آخر: أن المزارعة يجب أن يكون فيها البذر من المالك. وقالت طائفة ثالثة: بل يجوز هذا مزارعة ولا يجوز مؤاجرة؛ لأن الإجارة عقد لازم؛ بخلاف المزارعة في أحد الوجهين؛ ولأن هذا يشبه قفيز الطحان. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن قفيز الطحان) وهو: أن يستأجر ليطحن الحب بجزء من الدقيق. والصواب: هو الطريقة الأولى؛ فإن الاعتبار في العقود بالمعاني والمقاصد؛ لا بمجرد اللفظ. هذا أصل أحمد وجمهور العلماء وأحد الوجهين في مذهب الشافعي؛ ولكن بعض أصحاب أحمد قد يجعلون الحكم يختلف بتغاير اللفظ كما قد يذكر الشافعي ذلك في بعض المواضع وهذا كالسلم الحال في لفظ البيع والخلع بلفظ الطلاق والإجارة بلفظ البيع ونحو ذلك مما هو مبسوط في موضعه. وأما من قال: إن المزارعة يشترط فيها أن يكون البذر من المالك فليس معهم بذلك حجة شرعية ولا أثر عن الصحابة؛ ولكنهم قاسوا ذلك على المضاربة. قالوا: كما أنه في المضاربة يكون العمل من شخص والمال من شخص فكذلك المساقاة والمزارعة يكون العمل من واحد والمال من واحد والبذر من رب المال. وهذا قياس فاسد؛ لأن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه ويقتسمان الربح فنظيره الأرض أو الشجر يعود إلى صاحبه ويقتسمان الثمر والزرع وأما البذر فإنهم لا يعيدونه إلى صاحبه؛ بل يذهب بلا بدل كما يذهب عمل العامل وعمل بقره بلا بدل؛ فكان من جنس النفع لا من جنس المال وكان اشتراط كونه من العامل أقرب في القياس مع موافقة هذا المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن منهم من كان يزارع والبذر من العامل وكان عمر يزارع على أنه إن كان البذر من المالك فله كذا وإن كان من العامل فله كذا. ذكره البخاري. فجوز عمر هذا. وهذا هو الصواب. وأما الذين قالوا: لا يجوز ذلك إجارة لنهيه عن قفيز الطحان فيقال: هذا الحديث باطل لا أصل له وليس هو في شيء من كتب الحديث المعتمدة ولا رواه إمام من الأئمة والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى القفيز وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج فالعراق لم يفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين لا يسوغون مثل هذا؛ قولا باجتهادهم. والحديث ليس فيه نهيه عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق؛ بل عن شيء مسمى: وهو القفيز وهو من المزارعة لو شرط لأحدهما زرعه بقعة بعينها أو شيئا مقدرا كانت المزارعة فاسدة. وهذا هو المزارعة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رافع بن خديج في حديثه المتفق عليه: (أنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ]. وقد بسط الكلام على هذه المسائل في غير هذا الموضع. وبين أن المزارعة أحل من المؤاجرة بأجرة مسماة. وقد تنازع المسلمون في الجميع؛ فإن المزارعة مبناها على العدل: إن حصل شيء فهو لهما وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان. وأما الإجارة فالمؤجر يقبض الأجرة والمستأجر على خطر: قد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل؛ فكانت المزارعة أبعد عن المخاطرة من الإجارة؛ وليست المزارعة مؤاجرة على عمل معين حتى يشترط فيها العمل بالأجرة؛ بل هي من جنس المشاركة: كالمضاربة ونحوها. وأحمد عنده هذا الباب هو القياس. ويجوز عنده أن يدفع الخيل والبغال والحمير والجمال إلى من يكاري عليها والكراء بين المالك والعامل وقد جاء في ذلك أحاديث في سنن أبي داود وغيره. ويجوز عنده أن يدفع ما يصطاد به: الصقر والشباك والبهائم وغيرها إلى من يصطاد بها وما حصل بينهما. ويجوز عنده أن يدفع الحنطة إلى من يطحنها وله الثلث أو الربع. وكذلك الدقيق إلى من يعجنه والغزل إلى من ينسجه والثياب إلى من يخيطها بجزء في الجميع من النماء. وكذلك الجلود إلى من يحذوها نعالا وإن حكي عنه في ذلك خلاف. وكذلك يجوز عنده - في أظهر الروايتين - أن يدفع الماشية إلى من يعمل عليها بجزء من درها ونسلها ويدفع دود القز والورق إلى من يطعمه ويخدمه وله جزء من القز. وأما قول من فرق بين المزارعة والإجارة بأن الإجارة عقد لازم؛ بخلاف المزارعة فيقال له: هذا ممنوع؛ بل إذا زارعه حولا بعينه فالمزارعة عقد لازم كما تلزم إذا كانت بلفظ الإجارة والإجارة قد لا تكون لازمة كما إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهمين؛ فإنها صحيحة في ظاهر مذهب أحمد وغيره وكلما دخل شهر فله فسخ الإجارة. والجعالة في معنى الإجارة وليست عقدا لازما. فالعقد المطلق الذي لا وقت له لا يكون لازما وأما المؤقت فقد يكون لازما.
عدد المشاهدات *:
490703
490703
عدد مرات التنزيل *:
265928
265928
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013