باب الخيار
الخيار بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه وهو أنواع: ذكر المصنف في هذا الباب خيار الشرط وخيار المجلس.
(عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا تَبَايعَ الرَّجلانِ) أي أوقعا العقد بينهما لا تساوما من غير عقد (فكُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بالْخِيار مَا لَمْ يتَفَرَّقَا) وفي لفظ يفترقا والمراد بالأبدان (وكانَا جِميعاً، أَوْ يُخَيّرُ) من التخيير (أَحَدُهُمَا الآخَرَ) فإن خير أحدهما الآخر أي إذا اشترط أحدهما الخيار مدة معلومة فإن الخيار لا ينقضي بالتفرق بل يبقى حتى تمضي مدة الخيار التي شرطها.
وقيل المراد إذا اختار إمضاء البيع قبل التفرق لزمه البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق ويدل لهذا قوله: (فإنْ خَيّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَابَعا عَلى ذلكَ فَقَدْ وجَبَ الْبَيْعُ) أي نفذ وتم.
(وإنْ تَفَرّقا) بالأبدان (بَعْدَ أَنْ تَبَايَعا) أي عقدا عقد البيع (ولَمْ يتْرُكْ واحِدٌ مِنْهُما الْبَيْعَ فَقَد وَجَبَ الْبَيْع متفق عليه واللفظ لمسلم).
الحديث دليل على ثبوت خيار المجلس للمتبايعين وأنه يمتد إلى أن يحصل التفرق بالأبدان.
وقد اختلف العلماء في ثبوته على قولين:
الأول: ثبوته وهو لجماعة من الصحابة منهم عليّ عليه السلام و ابن عباس و ابن عمر وغيرهم، وإليه ذهب أكثر التابعين والشافعي وأحمد وإسحاق والإمام يحيى قالوا:
والتفرق الذي يبطل له الخيار ما يسمى عادة تفرُّقاً ففي المنزل الصغير بخروج أحدهما وفي الكبير بالتحوّل من مجلسه إلى آخر بخطوتين أو ثلاث ودل على أن هذا تفرق فعلُ ابن عمر المعروف.
فإن قاما معاً أو ذهبا معاً فالخيار باق وهذا المذهب دليله هذا الحديث المتفق عليه.
القول الثاني: للهادوية والحنفية و مالك والإمامية: أنه لا يثبت خيار المجلس بل متى تفرق المتبايعان بالقول فلا خيار إلا ما شرط مستدلين:
بقوله تعالى: {وتجارة عن تراض} وبقوله: {وأشهدوا إذا تبايعتم}.
قالوا: والإشهاد إن وقع بعد التفرق لم يطابق الأمر "وإن وقع قبله لم يصادف محله" وحديث: "إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع" ولم يفصل.
وأجيب بأن الآية مطلقة قيدت بالحديث.
وكخيار الشرط.
وكذلك الحديث وآية الإشهاد يراد بهما عند العقد ولا ينافيه ثبوت خيار المجلس كما لا ينافيه سائر الخيارات.
قالوا: والحديث منسوخ بحديث: "المسلمون على شروطهم" والخيار بعد لزوم العقد يفسد الشرط.
ورُدّ بأن الأصل عدم النسخ ولا يثبت بالاحتمال.
قالوا: ولأنه من رواية مالك ولم يعمل به.
وأجيب بأن مخالفة الراوي لا توجب عدم العمل بروايته لأن عمله مبني على اجتهاده وقد يظهر له ما هو أرجح عنده مما رواه وإن لم يكن أرجح في نفس الأمر.
قالوا: وحديث الباب يحمل على المتساومين فإن استعمال البائع في المساوم شائع.
وأجيب عنه بأنه إطلاق مجازي والأصل الحقيقة.
وعورض بأنه يلزم أيضاً حمله على المجازي على القول الأول فإنه على تقدير القول بأن المراد التفرق بالأبدان هو بعد تمام الصيغة وقد مضى فهو مجاز في الماضي.
وردت هذه المعارضة بأنا لا نسلم أنه مجاز في الماضي بل هو حقيقة فيه كما ذهب إليه الجمهور بخلاف المستقبل فمجاز اتفاقاً.
قالوا: المراد التفرق بالأقوال.
والمراد بالتفرق فيما هو ما بين قول البائع بعتك بكذا أو قول المشتري اشتريت.
قالوا فالمشتري بالخيار في قوله اشتريت أو تركه والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشتري.
ولا يخفى ركاكة هذا القول وبطلانه فإنه إلغاء للحديث عن الفائدة إذ من المعلوم يقيناً أن كلا من البائع والمشتري في هذه الصورة على الخيار إذ لا عقد بينهما فالإخبار به لاغ عن الإفادة ويرده لفظ الحديث كما لا يخفى.
فالحق هو القول الأول وأما معارضة حديث الباب بالحديث الآتي؛ وهو قوله:
وَعَنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عنْ جَدِّهِ رضيَ اللَّهُ عنْهُمْا أَنّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ: "الْبَائِعُ وَالمُبْتَاعُ بالخيار حَتى يَتَفَرَّقَا إلا أَنْ تَكونَ صَفَقَةَ خِيارٍ، وَلا يحلُّ لَهُ أَنْ يُفَارقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقيلَهُ" رواه الْخَمْسَةُ إلا ابن مَاجَه ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ وابنُ خُزَيْمةَ وابنُ الْجارُودِ.
وَفي روَايَةِ: "حتّى يَتَفَرَّقَا عَنْ مَكانِهمَا".
عدد المشاهدات *:
542458
542458
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013