اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 18 رمضان 1445 هجرية
????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ?????????????? ???????????? ??????????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

سم الله

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
الجزء التاسع
خلافة الوليد بن عبد الملك
ثم دخلت سنة ست وتسعين
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
وفيها فتح قتيبة بن مسلم رحمه الله تعالى كاشغر من أرض الصين وبعث إلى ملك الصين رسلا يتهدده ويتوعده ويقسم بالله لا يرجع حتى يطأ بلاده ويختم ملوكهم وأشرافهم ويأخذ الجزية منهم أو يدخلوا في الإسلام فدخل الرسل على الملك الأعظم فيها وهو في مدينة عظيمة يقال إن عليها تسعين بابا في سورها المحيط بها يقال لها خان بالق من أعظم المدن وأكثرها ريعا ومعاملات وأموالا حتى قيل أن بلاد الهند مع اتساعها كالشامة في ملك الصين والصين لا يحتاجون إلى أن
يسافروا في ملك غيرهم لكثرة أموالهم ومتاعهم وغيرهم محتاج إليهم لما عندهم من المتاع والدنيا المتسعة وسائر ملوك تلك البلاد تؤدي إلى ملك الصين الخراج لقهره وكثرة جنده وعدده والمقصود أن الرسل لما دخلوا على ملك الصين وجدوا مملكة عظيمة حصينة ذات أنهار وأسواق وحسن وبهاء فدخلوا عليه في قلعة عظيمة حصينة بقدر مدينة كبيرة فقال لهم ملك الصين ما أنتم وكانوا ثلاثمائة رسول عليهم هبيرة فقال الملك لترجمانه قل لهم ما أنتم وما تريدون فقالوا نحن رسل قتيبة بن مسلم وهو يدعوك إلى الإسلام فإن لم تفعل فالجزية فإن لم تفعل فالحرب فغضب الملك وأمر بهم إلى دار فلما كان الغد دعاهم فقال لهم كيف تكونون في عبادة إلهكم فصلوا الصلاة على عادتهم فلما ركعوا وسجدوا ضحك منهم فقال كيف تكونون في بيوتكم فلبسوا ثياب مهنهم فأمرهم بالإنصراف فلما كان من الغد أرسل إليهم فقال كيف تدخلون على ملوككم فلبسوا الوشى والعمائم والمطارف ودخلوا على الملك فقال لهم ارجعوا فرجعوا فقال الملك لأصحابه كيف رأيتم هؤلاء فقالوا هذه اشبه بهيئة الرجال من تلك المرة الأولى وهم أولئك فلما كان اليوم الثالث أرسل إليهم فقال لهم كيف تلقون عدوكم فشدوا عليهم سلاحهم ولبسوا المغافر والبيض وتقلدوا السيوف ونكبوا القسى وأخذوا الرماح وركبوا خيولهم ومضوا فنظر إليهم ملك الصين فرأى أمثال الجبال مقبلة فلما قربوا منه ركزوا رماحهم ثم أقبلوا نحوه مشمرين فقيل لهم ارجعوا وذلك لما دخل قلوب أهل الصين من الخوف منهم فانصرفوا فركبو خيولهم واختلجوا رماحهم ثم ساقوا خيولهم كأنهم يتطاردون بها فقال الملك لأصحابه كيف ترونهم فقالوا ما راينا كهؤلاء قط فلما أمسوا بعث إليهم الملك أن ابعثوا إلى زعيمكم وأفضلكم فبعثوا إليه هبيرة فقال له الملك حين دخل عليه قد رأيتم عظم ملكي وليس أحد يمنعكم مني وأنتم بمنزلة البيضة في كفي وأنا سائلك عن أمر فإن تصدقني وإلا قتلتك فقال سل فقال الملك لم صنعتم ما صنعتم من زي أول يوم والثاني والثالث فقال أما زينا أول يوم فهو لباسنا في أهلنا ونسائنا وطيبنا عندهم وأما ما فعلنا ثاني يوم فهو زينا إذا دخلنا على ملوكنا وأما زينا ثالث يوم فهو إذا لقينا عدونا فقال الملك ما أحسن ما دبرتم دهركم فانصرفوا إلى صاحبكم يعني قتيبة وقولوا له ينصرف راجعا عن بلادي فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم عن آخركم فقال له هبيرة تقول لقتيبة هذا فكيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك في بلادك وأما تخويفك إيانا بالقتل فإنا نعلم أن لنا أجلا إذا حضر فاكرمها عندنا القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه
فقال الملك فما الذي يرضي صاحبكم فقال قد حلف أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضك ويختم ملوكك ويجبي الجزية من بلادك فقال أنا أبريمينه وأخرجه منها أرسل إليه بتراب من أرضى وأربع غلمان من ابناء الملوك وأرسل إليه دهبا كثيرا وحريرا وثيابا صينية لا تقوم ولا يدري قدرها ثم جرت لهم معه مقاولات كثيرة ثم اتفق الحال على أن بعث صحافا من ذهب متسعة فيها تراب من أرضه ليطأه قتيبة وبعث بجماعة من أولاده وأولاد الملوك ليختم رقابهم وبعث بمال جزيل ليبر بيمين قتيبة وقيل أنه بعث أربعمائة من أولاده وأولاد الملوك فلما انتهى إلى قتيبة ما أرسله ملك الصين قبل ذلك منه وذلك لانه كان قد انتهى إليه خبر موت الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين فانكسرت همته لذلك وقد عزم قتيبة بن مسلم الباهلي على ترك مبايعة سليمان بن عبد الملك وأراد الدعوة إلى نفسه لما تحت يده من العساكر ولما فتح من البلاد والأقاليم فلم يمكنه ذلك ثم قتل في آخر هذه السنة رحمه الله تعالى فإنه يقال أنه ما كسرت له راية وكان من المجاهدين في سبيل الله واجتمع له من العساكر مالم يجتمع لغيره وفيها غزامسلمة بن عبدالملك الصائفة وغزا العباس بن الوليد الروم ففتح طولس والمرزبانين من بلاد الروم
وفيها تكامل بناء الجامع الأموي بدمشق على يد بانيه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى وجزاه خيرا وكان أصل موضع هذا الجامع قديما معبدا بنته اليونان الكلدانيون الذين كانوا يعمرون دمشق وهم الذين وضعوها وعمروها أولا فهم أول من بناها وقد كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتميزة وهي القمر في السمماء الدنيا وعطارد في السماء الثانية والزهرة في السماء الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة وقد كانوا صوروا على كل باب من أبواب دمشق هيكلا لكوكب من هذه الكواكب السبعة وكانت أبواب دمشق سبعة وضعوها قصدا لذلك فنصبوا هيا كل سبعة لكل كوكب هيكل وكان لهم عند كل باب من أبواب دمشق عيد في السنة وهؤلاء هم الذين وضعوا الأرصاد وتكلموا على حركات الكواكب واتصالاتها ومقارنتها وبنوا دمشق واختاروا لها هذه البقعة إلى جانب الماء الوارد من بين هذين الجبلين وصرفوه أنهارا تجري من الأماكن المرتفعة والمنخفضة وسلكوا الماء في أفناء أبنية الدور بدمشق فكانت دمشق في ايامهم من أحسن المدن بل هي أحسنها لما فيها من التصاريف العجيبة وبنوا هذا المعبد وهو الجامع اليوم في جهة القطب وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي وكانت محاريبهم إلى جهته وكان باب معبدهم يفتح إلى جهة القبلة خلف المحراب اليوم كما شاهدنا ذلك عيانا وراينا محاريبهم إلى جهة القطب ورأينا الباب وهو باب حسن مبني بحجارة منقوشة وعليه كتاب بخطهم وعن يمينه ويساره بابان صغيران بالنسبة
إليه وكان غربي المعبد قصر منيف جدا تحمله هذه الأعمدة التي بباب البريد وشرقي المعبد قصر جيرون الملك الذي كان ملكهم وكان هناك داران عظيمتان معدتان لمن يتملك دمشق قديما منهم ويقال إنه كان مع المعبد ثلاث دور عظيمة للملوك ويحيط بهذه الدور والمعبد سور واحد عال منيف بحجارة كبار منحوتة وهن دار المطبق ودار الخيل ودار كانت تكون مكان الخضراء التي يناها معاوية
قال ابن عساكر فيما حكاه عن كتب بعض الأوائل إن اليونان مكثوا يأخذون الطالع بناء دمشق وهذه الأماكن ثماني عشرة سنة وقد حفروا أساس الحدران حتى واتاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن هذا المعبد لا يخرب أبدا ولا تخلو منه العبادة وأن هذه الدار إذا بنيت لا تلخو من أن تكون دار الملك والسلطنة قلت أما المعبد فلم يخل من العبادة قال كعب الأحبار لا يخلو منها حتى تقوم الساعة وأما دار الملك التي هي الخضراء فقد جدد بناءها معاوية ثم أحرفت في سنة إحدى وستين وأربعمائة كما سنذكره فبادت وصارت مساكن ضعفاء الناس وأراذلهم في الغالب إلى زماننا هذا والمقصود أن اليونان استمروا على هذه الصفة التي ذكرناها بدمشق مددا طويلة تريد على أربعة آلاف سنة حتى أنه يقال أن أول من بنى جدران هذا المعبد الأربعة هود عليه الصلاة والسلام وقد كان هود قبل إبراهيم الخليل بمدد طويلة وقد ورد إبراهيم الخليل دمشق ونزل شمالها عند برزة وقاتل هناك قوما من أعدائه فظفر بهم ونصره الله عليهم وكان مقامه لمقاتلتهم عند برزة فهذا المكان المنسوب إليه بها منصوص عليه في الكتب المتقدمة يأثرونه كابرا عن كابر وإلى زماننا والله أعلم
وكانت دمشق إذ ذاك عامرة آهلة بمن فيها من اليونان وكانوا خلقا لا يحصيهم إلا الله وهم خصماء الخليل وقد ناظرهم الخليل في عبادتهم الأصنام والكواكب وغيرها في غير موضع كما قررنا ذلك في التفسير وفي قصة الخليل من كتابنا هذا البداية والنهاية ولله الحمد وبالله المستعان
والمقصود أن اليونان لم يزالوا يعمرون دمشق ويبنون فيها وفي معاملاتها من أرض حوران والبقاع وبعلبك وغيرها البنايات الهائلة الغريبة العجيبة حتى إذا كان بعد المسيح بمدة نحو من ثلاثمائة سنة تنصر أهل الشام على يد الملك قسطنطين بن قسطنطين الذي بنى المدينة المشهورة به ببلاد الروم وهي القسطنطينية وهو الذي وضع لهم القوانين وقد كان أولا هو وقومه وغالب أهل الأرض يونانا ووضعت له بطاركته النصارى دينا مخترعا مركبا من أصل دين النصرانية ممزوجا بشيء من عبادة الأوثان وصلوا به إلى الشرق وزادوا في الصيام وأحلوا الخنزير وعلموا أولادهم الأمانة الكبيرة فيما يزعمون وإنماهي في الحقيقة خيانة كبيرة وجناية كثيرة حقير وهي مع ذلك في الحجم
صغيرة وقد تكلمنا على ذلك فيما سلف وبيناه فبنى لهم هذا الملك الذي ينتسب إليه الطائفة الملكية من النصارى كنائس كبيرة في دمشق وفي غيرها حتى يقال أنه بنى اثنتى عشرة ألف كنيسة وأوقف عليها أوقافا دارة من ذلك كنيسة بيت لحم وقمامة في القدس بنتها أم هيلانة الغندقانية وغير ذلك
والمقصود أنهم يعني النصارى حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظما عند اليونان فجعلوه كنيسة يوحنا وبنوا بدمشق كنائس كثيرة غيرها مستأنفة واستمر النصارى على دينهم بدمشق وغيرها نحوا من ثلاثمائة سنة حتى بعث الله محمدا ص فكان من شأنه ما تقدم بعضه في كتاب السيرة من هذا الكتاب وقد بعث إلى ملك الروم في زمانه وهو قيصر ذلك الوقت وإسمه هرقل يدعوه إلى الله عز وجل وكان من مراجعته ومخاطبته إلى أبي سفيان ما تقدم ثم بعث أمراءه الثلاثة زيد بن حارثه وجعفر وابن رواحة إلى البلقاء من تخوم الشام فبعث الروم إليهم جيشا كبيرا فقتلوا هؤلاء الأمراء وجماعة ممن معهم من الجيش فعزم النبي ص على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك ثم رجع عام ذلك لشدة الحر وضعف الحال وضيقه على الناس ثم لما توفي بعث الصديق الجيوش إلى الشام بكمالها ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها وقد بسطنا القول في ذلك عند ذكر فتحها فلما استقرت اليد الإسلامية عليها وأنزل الله رحمته فيها وساق بره إليها وكتب أمير الحرب أبو عبيدة إذ ذاك وقيل خالد بن الوليد لأهل دمشق كتاب أمان أقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنسية وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مريحنا بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وكان على باب الجابية الصلح فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحا ونصفه عنوة فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجدا يصلي فيه المسلمون وكان أول من صلى في هذا المسجد ابو عبيدة ثم الصحابة بعده في البقعة الشرقية منه التي يقال لها محراب الصحابة ولكن لم يكن الجدار مفتوحا بمحراب محنى وإنما كانوا يصلون عند هذه البقعة المباركة والظاهر أن الوليد هو الذي فتق المحاريب في الجدار القبلي قلت هذه المحاريب متجددة ليست من فتق الوليد وإنما فتق الوليد محرابا واحدا إن كان قد فعل ولعله لم يفعل شيئا منها فكان يصلي فيه الخليفة وبقيتها فتقت قريبا لكل إمام محراب شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي وهؤلاء إنما حدثوا بعد الوليد بزمان وقد كره كثير من السلف مثل هذه المحاريب وجعلوه من البدع المحدثة وكان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد
وهو باب المعبد الأعلى من جهة القبلة مكان المحراب الكبير الذي في المقصورة اليوم فينصرف النصارى إلى جهة الغرب إلى كنيستهم ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربوا بناقوسهم اجلالا للصحابة ومهابة وخوفا وقد بنى معاوية في أيام ولايته على الشام دار الإمارة قبلى المسجد الذي كان لصحابة وبنى فيها قبة خضراء فعرفت الدار بكمالها بها فسكنها معاوية أربعين سنة كما قدمنا ثم لم يزل الأمر على ما ذكرنا من أمر هذه الكنيسة شطرين بين المسلمين والنصارى من سنة أربع عشرة إلى سنة ست وثمانين في ذي القعدة منها وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك في شوال منها فعزم الوليد على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها وجعل الجميع مسجدا واحدا وذلك لأن بعض المسلمين كان يتأذى بسماع قراءة النصارى للانجيل ورفع أصواتهم في صلواتهم فأحب أن يبعدهم عن المسلمين وأن يضيف ذلك المكان إلى هذا فيصير كله معبدا للمسلمين ويتسع المسجد لكثرة المسلمين فعند ذلك طلب النصارى وسأل منهم أن يخرجوا له عن هذا المكان ويعوضهم إقطاعات كثير وعرضها عليهم وأن يبقى بأيديهم أربع كنائس لم تدخل في العهد وهي كنيسة مريم وكنيسة المصلبة داخل باب شرقي وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درة التي بدرب الصقل فابوا ذلك اشد الأباء فقال ائتوني بعهودكم التي بأيديكم من زمن الصحابة فأتوا بها فقرئت بحضرة الوليد فإذا كنيسة توما التي كانت خارج باب توما على حافة النهر لم تدخل في العهد وكانت فيما يقال أكبر من كنيسة مريحنا فقال الوليد أنا أهدمها وأجعلها مسجدا فقالوا بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى ونطيب له نفسا بقية هذه الكنيسة فأقرهم على تلك الكنائس وأخذ منهم بقية هذه الكنيسة هذا قول ويقال إن الوليد لما أهمه ذلك وعرض ما عرض على النصارى فأبو من قبوله دخل عليه بعض الناس فأرشده إلى أن يقيس من باب شرقي ومن باب الجابية فوجدوا أن الكنيسة قد دخلت في العنوة وذلك أنهم قاسوا من باب شرقي ومن باب الجابية فوجدوا منتصف ذلك عند سوق الريحان تقريبا فإذا الكنيسة قد دخلت في العنوة فأخذها وحكى عن المغيرة مولى الوليد قال دخلت على الوليد فوجدته مهموما فقلت مالك يا أمير المؤمنين مهموما فقال إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذه الكنسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا فقال المغيرة يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك قال وما هو قلت الصاحبة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب شرقي بالسيف فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة يطلبون منه الأمان فأمنهم وفتحوا له باب الجابية فدخل منه أبو عبيدة
بالصلح فنحن ماسحهم إلى أي موضع بلغ السيف أخذناه وما بالصلح تركناه بأيديهم وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة فتدخل في المسجد فقال الوليد فرجت عني فتول أنت ذلك بنفسك فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالا حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر فدخلت الكنيسة في المسجد فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم فقالوا إنك أولا دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الاقصاعات فأبينا فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا فيبقى لها هذه الكنائس الأربع بايدينا ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة فصالحهم على إبقاء هذه الأربع الكنائس والله أعلم
وقيل أنه عوضهم منها كنيسة عند حمام القاسم عند باب الفراديس داخل فسموها مريحنا باسم تلك الكنيسة التي أخذت منهم وأخذوا شاهدها فوضعوه فوق التي أخذوها بدلها فالله أعلم
ثم أمر الوليد باحضار آلات الهدم واجتمع إليه الأمراء والكبراء وجاء إليه أساقفة النصارى وفساوستهم فقالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن فقال الوليد أنا أحب أن أجن في الله و والله لا يهدم فيها أحد شيئا قبلي ثم صعد المنارة الشارقية ذات الأضالع المعروفة بالساعات وكانت صومعة هائلة فيها راهب عندهم فأمره الوليد بالنزول منها فأكبر الراهب ذلك فأخذ الوليد بقفاه فلم يزل يدفعه حتى أنزله منها ثم صعد الوليد على أعلى مكان في الكنيسة فوق المذبح الأكبر منها الذي يسمونه الشاهد وهو تمثال في أعلى الكنيسة فقال له الرهبان أحذر الشاهد فقال أنا أول ما أضع فأسي في رأس الشاهد ثم كبر وضربه فهدمه وكان على الوليد قباء أصفر لونه سفرجلي قد غرز أذياله في المنطقة ثم أخذ فأسا بيده فضرب بها في أعلى حجر فألقاه فتبادر الأمراء إلى الهدم وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات وصرخت النصارى بالعويل على درج جيرون وكانوا قد اجتمعوا هنالك فأمر الوليد أمير الشرطة وهو أبو نائل رياح الغساني أن يضربهم حتى يذهبوا من هنالك ففعل ذلك فهدم الوليد والأمراء جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المعبد من المذابح والأبينة والحنايا حتى بقى المكان صرحة مربعة ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على هذه الصفة الحسنة الأنيقة التي لم يشتهر مثلها قبلها كما سنذكره
وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد خلقا كثيرا من الصناع والمهندسين والفعلة وكان المستحث على عمارته أخوه وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك ويقال أن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعا في الرخام وغير ذلك ليستعين بهم على عمارة هذا المسجد على ما يريد وأرسل يتوعده لئن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش وليخربن كل كنيسة في بلاده حتى
كنيسة القدس وهي قمامة وكنيسة الرها وسائر آثار الروم فبعث ملك الروم إليه صناعا كثيرة جدا مائتي صانع وكتب إليه يقول إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك وإن لم يكن فهمه وفهمت أنت لوصمة عليه فلما وصل ذلك إلى الوليد أراد أن يجيب عن ذلك واجتمع الناس عنده لذلك فكان فيهم الفرزدق الشاعر فقال أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله قال الوليد وما هو ويحك فقال الله تعالى ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسليمان هو ابن داود ففهمه الله مالم يفهمه أبوه فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جوابا إلى ملك الروم وقد قال الفرزدق في ذلك فرقت بين النصارى في كنائسهم
والعابدين مع الأسحار والغنم وهم جميعا إذا صلوا وأوجههم
شتى إذا سجدوا لله والصنم وكيف يجتمع الناقوس يضربه
أهل الصليب مع القراء لم تنم فهمت تحويلها عنهم كما فهما
إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم داود والملك المهدي إذ جزآ
ولادها واجتزاز الصوف بالجلم فهمك الله تحويلا لبيعتهم
عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم ما من أب حملته الأرض نعمله
خير بنين ولا خير من الحكم
قال الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي بنى الوليد ما كان داخل حيطان المسجد وزاد في سمك الحيطان وقال الحسن بن يحيى الخشني إن هودا عليه السلام هو الذي بنى الحائط القبلي من مسجد دمشق وقال غيره لما أراد الوليد بناء القبة التي وسط الرواقات وهي قبة النسر وهو إسم حادث لها وكأنهم شبهوها بالنسر في شكله لأن الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها حفر لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منه ماء عذبا زلالا ثم إنهم وضعوا فيه زيادة الكرم وبنوا فوقها بالحجارة فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت فقال الوليد لبعض المهندسين أريد أن تبني لي أنت هذه القبة فقال على أن تعطيني عهد الله وميثاقه على أن لا يبنيها أحد غيري ففعل فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري وغاب عنها سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب فلما كان بعد السنة حضر فهم به الوليد فأخذه ومعه رؤس الناس فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض فقال لهك من هذا أتيت ثم بناها فانعقدت
وقال بعضهم أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن هذا البناء فقال له المعمار إنك لا تقدر على ذلك فضربه خمسين سوطا وقال له ويلك أنا لا أقدر على ذلك وتزعم أني أعجز عنه وخراج الأرض وأموالها تجبى إلي قال نعم أنا أبين لك ذلك قال فبين
ذلك قال اضرب لبنه واحدة من الذهب وقس عليها ما تريد هذه القبة من ذلك فأمر الوليد فأحضر من الذهب ما ضرب منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب فقال يا أمير المؤمنين إنا نريد مثل هذه اللبنة كذا وكذا ألف لبنة فإن كان عندك ما يكفي من ذلك عملناه فلما تحقق صحة قوله أطلق له الوليد خمسين دينارا وقال إني لا أعجز عما قلت ولكن فيه إسراف وضياع مال في غير وجهه اللائق به ولأن يكون ما أردنا من ذلك نفقة في سبيل الله وردا على ضعفاء المسلمين خير من ذلك ثم عقدها على ما أشار به المعمار ولما سقف الوليد الجامع جعلوا سقفه جملونات وباطنها مسطحا مفرنصا بالذهب فقال له بعض أهله أتعبت الناس بعدك في طين أسطحتهم لما يريد هذا المسجد في كل عام من الطين الكثير يشير إلى أن التراب يغلو والفعلة تقل لأجل العمل في هذا المسجد في كل عام فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعله عوض الطين ويكون أخف على السقوف فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم فعازوا فإذا عند امرأة منه قناطير مقنطرة فساوموها فيه فقالت لا أبيعه إلا بوزنه فضة فكتبوا إلى الوليد فقال أشتروه منها ولو بوزنه فضة فلما بذلوا لها ذلك قالت أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله يكون في سقف هذا المسجد فكتبوا على ألواحها بطابع لله ويقال أنها كانت إسرائيلية وإنه كتب على الألواح التي أخذت منها هذا ما أعطته الإسرائيلية
وقال محمد بن عائذ سمعت المشايخ يقولون ما تم بناء مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة لقد كان يفضل عند الرجل من القوم أو الفعلة الفلس وراس المسمار فيأتي به حتى يضعه في الخزانة وقال بعض مشايخ الدماشقة ليس في الجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس والباقي كله مرمر وقال بعضهم اشترى الوليد العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر من حرب ابن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار وقال دحيم عن الوليد بن مسلم ثنا مروان بن جناح عن أبيه قال كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم وقال أبو قصي عن دخيم عن الوليد ابن مسلم عن عمرو بن مهاجر الأنصاري إنهم حسبوا ما أنفقه الوليد على الكرمة التي في قبلى المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار
وقال أبو قصي أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق من الذهب في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار وفي رواية في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار قلت فعلى الأول يكون ذلك هي فسيفساء على هيئة الكرم مؤلفة من قطع صغيرة من الزجاج المربع مبطن بالذهب أو الألوان وكان منها بقايا إلى أيام الحريق الأخيرة سنة هويوجد قريب منها في قبة الملك الظاهر بدمشق إلى اليوم
خمسة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار وعلى الثاني يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف دينار ومائتي ألف دينار وقيل أنه صرف أكثر من ذلك بكثير والله أعلم
قال أبو قصي وأتى الحرسي إلى الوليد فقال يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق أمير المؤمنين بيوت الأموال في غير حقها فنودي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد الوليد المنبر وقال إنه بلغني عنكم أنكم قلتم أنفق الوليد بيوت الأموال في غير حقها ثم قال يا عمرو بن مهاجر قم فأحضر أموال بيت المال فحملت على البغال إلى الجامع ثم بسط لها الأنطاع تحت قبة النسر ثم أفرغ عليها المال ذهبا صبيبا وفضة خالصة حتى صارت كوما حتى كان الرجل إذا قام من الجانب الواحد لا يرى الرجل من الجانب الآخر وهذا شيء كثير ثم جيء بالقبانين فوزنت الأموال فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة وفي رواية ست عشرة سنة مستقبلة لو لم يدخل للناس شيء بالكلية فقال لهم الوليد والله ما أنفقت في عمارة هذا المسجد درهما من بيوت المال وإنما هذا كله من مالي ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك ودعوا للخليفة وانصرفوا شاكرين داعين فقال لهم الوليد يا أهل دمشق والله ما أنفقت في بناء هذا المسجد شيئا من بيوت المال وإنما هذا كله من مالي لم أرزأكم من أموالكم شيئا ثم قال الوليد يا أهل دمشق إنكم تفخرون على الناس باربع بهوائكم ومائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي هذا الجامع وقال بعضهم كان في قبلة جامع دمشق ثلاث صفائح مذهبة بلا زورد في كل منها بسم الله الرحمن الرحيم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه ربنا الله وحده وديننا الإسلام ونبينا محمد ص أمر ببنيان هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبدالله أمير المؤمنين الوليد في ذي القعدة سنة ست وثمانين وفي صفيحة أخرى رابعة من تلك الصفائح الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر الفاتحة ثم النازعات ثم عبس ثم إذا الشمس كورت قالوا ثم محيت بعد مجيء المأمون إلى دمشق وذكروا أن أرضه كانت مفضضة كلها وأن الرخام كان في جدرانه إلى قامات وفوق الرخام كرمة عظيمة من ذهب وفوق الكرمة الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض قد صوروا بها سائر البلدان المشهورة الكعبة فوق المحراب وسائر الأقاليم يمنة ويسرة وصوروا ما في البلدان من الأشجار الحسنة المثمرة والمزهرة وغير ذلك وسقفه مقرنص بالذهب والسلاسل المعلقة فيها جميعها من ذهب وفضة وأنوار الشموع في أماكنه مفرقة قال وكان في محراب الصحابة برنية حجر من بلور ويقال بل كانت حجرا من جوهر وهي الدرة وكانت تسمى القليلة وكانت إذا طفئت القناديل تظيء لمن هناك بنورها فلما كان زمن الأمين بن الرشيد وكان يحب البلور وقيل
الجوهر بعث إلى سليمان وإلى شرطه دمشق أن يبعث بها إليه فسرقها الوالي خوفا من الناس وأرسلها إليه فلما ولى المأمون ردها إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين قال ابن عساكر ثم ذهبت بعد ذلك فجعل مكانها برنية من زجاج قال وقد رأيت تلك الرنية ثم انكسرت بعد ذلك فلم يجعل مكانها شيء قالوا وكانت الأبواب الشارعة من داخل الصحن ليس عليها أغلاق وإنما كان عليها الستور مرخاه وكذلك الستور على سائر جدرانه إلى حد الكومة التي فوقها الفصوص المذهبة ورؤس الأعمدة مطلية بالذهب الخالص الكثير وعملوا له شرفات تحيط به وبنى الوليد المنارة الشمالية التى يقال لها مأذنة العروس فأما الشرقية والغربية فكانتا فيه قبل ذلك بدهور متطاولة وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة شاهقة جدا بنتها اليونان للرصد ثم بعد ذلك سقطت الشماليتان وبقيت القبليتان إلى الآن وقد أحرق بعض الشرقية بعد الأربعين وسبعمائة فنقضت وجدد بناؤها من أموال النصارى حيث اتهموا بحريقها فقامت على أحسن الأشكال بيضاء بذاتها وهي والله أعلم الشرفة التي ينزل عليها عيسى بن مريم في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان
قلت ثم أحرق أعلى هذه المنارة وجددت وكان أعلاها من خشب فبنيت بحجارة كلها في آخر السبعين وسبعمائة فصارت كلها مبنية بالحجارة
والمقصود أن الجامع الأموي لما كمل بناؤه لم يكن على وجه الأرض بناء أحسن منه ولا أبهى ولا أجمل منه بحيث أنه إذا نظر الناظر إليه أو إلى جهة منه أو إلى بقعة أو مكان منه تحير فيها نظره لحسنه وجماله ولا يمل ناظره بل كلما أدمن النظر بانت له أعجوبة ليست كالأخرى وكانت فيه طلسمات من أيام اليونان فلا يدخل هذه البقعة شيء من الحشرات بالكلية لا من الحيات ولا من العقارب ولا الخنافس ولا العناكب ويقال ولا العصافير أيضا تعشش فيه ولا الحمام ولا شيء مما يتأذى به الناس وأكثر هذه الطلسمات أو كلها كانت مودعة في سقف هذا المعبد مما يلي السبع فأحرقت لما أحرق ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة إحدى وستين وأربعمائة في دولة الفاطميين كما سيأتي ذلك في موضعه وقد كانت بدمشق طلسمات وضعتها اليونان بعضها باق إلى يومنا هذا والله أعلم
فمن ذلك العمود الذي في رأسه مثل الكرة في سوق الشعير عند قنطرة أم حكيم وهذا المكان يعرف اليوم بالعلبين ذكر أهل دمشق أنه من وضع اليونان لعسر بول الحيوان فإذا داروا بالحيوان حول هذا العمود ثلاث دورات انطلق باطنه فبال وذلك مجرب من عهد اليونان
قال ابن تيمية عن هذا العمود إن تحته مدفون جبار عنيد كافر يعذب فإذا داروا بالحيوان حوله سمع العذاب فراث وبال من الخوف قال ولهذا يذهبون بالدواب إلى قبور النصارى واليهود والكفار فإذا سمعت أصوات المعذبين انطلق بولها والعمود المشار إليه ليس له سر ومن اعتقد أن فيه منفعة أو مضرة فقد أخطأ خطأ فاحشا وقيل إن تحته كنزا وصاحبه عنده مدفون وكان ممن يعتقد الرجعة إلى الدنيا كما قال تعالى وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين والله سبحانه وتعالى أعلم
وما زال سليمان بن عبد الملك يعمل في تكملة الجامع الأموي بعد موت أخيه مدة ولايته وجددت له في المقصورة فلما ولي عمر بن عبد العزيز عزم علي أن يجرده مما فيه من الذهب ويقلع السلاسل والرخام والفسيفساء ويرد ذلك كله إلى بيت المال ويجعل مكان ذلك كله طينا فشق ذلك على أهل البلد واجتمع أشرافهم إليه وقال خالد بن عبدالله القسري أنا أكلمه لكم فقال له يا أمير المؤمنين بلغنا عنك كذا وكذا قال نعم فقال خالد ليس ذلك لك يا أمير المؤمنين فقال عمر ولم يا ابن الكافره وكانت أمه نصرانية رومية أم ولد فقال يا أمير المؤمنين إن كانت كافرة فقد ولدت رجلا مؤمنا فقال صدقت واستحيا عمر ثم قال له فلم قلت ذلك قال يا أمير المؤمنين لأن غالب ما فيه من الرخام إنما حمله المسلمون من أموالهم من سائر الأقاليم وليس هو لبيت المال فأطرق عمر قالوا واتفق في ذلك الزمان قدوم جماعة من بلاد الروم رسلا من عند ملكهم فلما دخلوا من باب البريد وانتهوا إلى الباب الكبير الذي تحت النسر ورأوا ما بهر عقولهم من حسن الجامع الباهر والزخرفة التي لم يسمع بمثلها صعق كبيرهم وخر مغشيا عليه فحملوه إلى منزلهم فبقى أياما مدنفا فلما تماثل سألوه عما عرض له فقال ما كنت أظن أن يبني المسلمون مثل هذا اليناء وكنت أعتقد أن مدتهم تكون أقصر من هذا فلما بلغ ذلك عمر بن عبد العزيز قال أو إن الغيظ أهلك الكفار دعوه وسألت النصارى في أيام عمر بن عبد العزيز أن يعقد لهم مجلسا في شأن ما كان أخذه الوليد منهم وكان عمر عادلا فأراد أن يرد عليهم ما كان أخذه الوليد منهم فأدخله في الجامع ثم حقق عمر القضية ثم نظر فإذا الكنائس التي هي خارج البلد لم تدخل في الصلح الذي كتبه لهم الصحابة مثل كنسة دير مران بسفح قايسون وهي بقرية المعظمية وكنيسة الراهب وكنيسة توما خارج باب توما وسائر الكائس التي بقرى الحواجز فخيرهم بين رد ما سالوه وتخريب هذه الكنائس كلها أو تبقى تلك الكنائس ويطيبوا نفسا للمسلمين بهذه البقعة فاتفقت آراؤهم بعد ثلاثة أيام على إبقاء تلك الكنائس ويكتب لهم كتاب أمان بها
ويطيبوا نفسا بهذه البقعة فكتب لهم كتاب أمان بها
والمقصود أن الجامع الأموي كان حين تكامل بناؤه ليس له في الدينا مثيل في حسنه وبهجته قال الفرزدق أهل دمشق في بلادهم في قصر من قصور الجنة يعني الجامع وقال أحمد بن أبي الحواري عن الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان ما ينبغي لأحد من أهل الأرض أن يكون اشد شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدها قالوا ولما دخل أمير المؤمنين المهدي دمشق يريد زيارة القدس نظر إلى جامع دمشق فقال لكاتبه أبي عبيد الله الأشعري سبقنا بنو أمية بثلاث بهذا المسجد الذي لا أعلم على وجه الأرض مثله وبنبل الموالي وبعمر ابن عبد العزيز لا يكون والله فينا مثله أبدا ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى الصخرة وكان عبد الملك بن مروان هو الذي يناها قال لكاتبه وهذه رابعة ولما دخل المأمون دمشق فنظر إلى جامعها وكان معه أخوه المعتصم وقاضيه يحيى بن أكثم قال ما أعجب ما فيه فقال أخوه هذه الأذهاب التي فيه وقال يحيى بن أكثم الرخام وهذه العقد فقال المأمون إني إنما أعجب من حسن بنيانه على غير مثال متقدم ثم قال المأمون لقاسم التمار أخبرني باسم حسن أسمى به جاريتي هذه فقال سمها مسجد دمشق فإنه أحسن شيء وقال عبد الرحمن عن ابن عبد الحكم عن الشافعي قال عجائب الدنيا خمسة أحدها منارتكم هذه يعني منارة ذي القرنين باسكندرية والثانية أصحاب الرقيم وهم بالروم اثنا عشر رجلا والثالثة مرآة بباب الأندلس على باب مدينتها يجلس الرجل تحتها فينظر فيها صاحبه من مسافة مائة فرسخ وقيل ينظر من بالقسطنطينية والرابع مسجد دمشق وما يوصف من الإنفاق عليه والخامس الرخام والفسفساء فإنه لا يدري لها موضع ويقال إن الرخام معجون والدليل على ذلك أنه يذوب على النار
قال ابن عساكر وذكر إبراهيم بن أبي الليث الكاتب وكان قدم دمشق سنة اينثتين وثلاثين وأربعمائة في رسالة له قال ثم أمرنا بالإنتقال فانتقلت منه إلى بلد تمت محاسنه ووافق ظاهره باطنه أزقته أرجة وشوارعه فرجة فحيث ما مشيت شممت طيبا وأين سعيت رأيت منظرا عجيبا وإن أفضيت إلى جامعة شاهدت منه ماليس في استطاعة الواصف أن يصفه ولا الرائي أن يعرفه وجملته أنه كنز الدهر ونادرة الوقت وأعجوبة الزمان وغريبة الأوقات ولقد أثبت الله عز وجل به ذكرا يدرس وخلف به أمرا لا يخفى ولا يدرس قال ابن عساكر وأنشدني بعض المحدثين في جامع دمشق عمره الله بذكره وفي دمشق فقال دمشق قد شاع حسن جامعها
وما حوته ربى مرابعها بديعة الحسن في الكمال لما
يدركه الطرف من بدائعها
طيبة أرضها مباركة
باليمن والسعد أخذ طالعها جامعها جامع المحاسن قد
فاقت به المدن في جوامعها بنية بالإتقان قد وضعت
لا ضيع الله سعى واضعها تذكر في فضله ورفعته
آثار صدق راقت لسامعها قد كان قبل الحريق مدهشة
فغيرت ناره بلاقعها فأذهبت بالحريق بهجته
فليس يرجى إياب راجعها إذا تفكرت في الفصوص وما
فيها تبقنت حذق راصعها أشجارها لا تزال مثمرة
لا ترهب الريح من مدافعها كأنها من زمرد غرست
في أرض تبر تغشى بنافعها فيها ثمار تخالها ينعت
وليس يخشى فساد يانعها تقطف باللحظ لا بجارحة ال
أيدي ولا تجتني لبايعها وتحتها من رخامة قطع
لا قطعض الله كف قاطعها احكم ترخيمها المرخم قد بان عليها إحكام صانعها
وإن تفكرت في قناطره
وسقفه بان حذق رافعها وإن تبينت حسن قبته
تحير اللب في أضالعها تخترق الريح في منافذها
عصفا فتقوى على زعازعها وأرضه بالرخام قد فرشت
ينفسح الطرف في مواضعها مجالس العلم فيه مؤنقة
ينشرح الصدر في مجامعها وكل باب عليه مطهرة
قد أمن الناس دفع مانعها يرتفق الناس من مرافقها
ولا يصدون عن منافعها ولا تزال المياه جارية
فيها لما شق من مشارعها وسوقها لا تزال آهلة
يزدحم الناس في شوارعها لما يشاؤن من فواكهها
وما يريدون من بضائعها كأنها جنة معجلة
في الأرض لولا مسرى فجائعها دامت برغم العدى مسلمة
وحاطها الله من قوارعها

عدد المشاهدات *:
295725
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى

روابط تنزيل : ثم دخلت سنة ست وتسعين
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  ثم دخلت سنة ست وتسعين لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى


@designer
1