•  يحتفل الناس بعام جديد كلما استكملت الأرض دورتها حول الشمس و تتم هذه العملية في حوالي 365 أو 366  يوما و مجموع هذه الأيام يسمى سنة

  
  و لقد مر ما  لا يحصيه إلا الله من السنين التي شاء الله ربنا أن تكون دولا بين الناس ، يعز و يذل فيها من شاء و يحيا و يموت فيها من شاء ، و بحسابها يقدر الإنسان أجله و أجل غيره من الكائنات  و قد صار معلوما لديه أن أجله و أجل غيره من الكائنات محدود فكل من عليها فان و يبقى و جه ربك ذو الجلال و الإكرام

  
  إن حياة الفرد لها بداية الولادة و نهاية اللحد و بين نقطة الولادة و الممات زمن محدد تلخصه جملة من الكلمات غير أن على المرء أن يغتنم زمن حياته بما يعود عليه بالمنفعة فلهو الصبي منفعة ، و تأديب الغلام منفعة و تزويج الشاب منفعة و عمل رب البيت منفعة و هكذا دواليك فلا يضيع وقت حياته في غير منفعة
  هذا الوقت عبارة عن لحظات متتالية يتعاقب فيها الليل و النهار و تتغير فيها الحرارة حسب الفصول ما يؤثر على حركة الإنسان فنهاره معاش و ليله لباس إذ يكد و يجتهد في كسب قوت يومه في وضح النهار فيتعب  ثم ينام ليرتاح في ظلام الليل

  
  إن لكل شيء فترة فمن كانت فترته إلى العلم فقد نجى و إن الإنسان ليمل إذا طال دوام الشيء عليه و من رحمة الله عليه أن جعل تقلبات الزمان سببا لراحته فالنوم من رحمة الله تعالى بالإنسان يلزمه به فيترك العمل للراحة و تغير المناخ عبر الفصول الأربعة من رحمته تعالى بالإنسان
  لكننا هنا لا نريد الحديث عن خصائص الفصول و الساعات إنما نريد أن نتحدث عن احتفال الناس بالعام الجديد و قد تقرر أن دوران الأرض حول الشمس إنما هو انجاز قام به رب العباد جل جلاله لا حول و لا قوة فيه لأي مخلوق إنما هو من حول الله و قوته تعالى لا شريك له فلماذا إذن الإحتفال؟
  هذا لأن العاقل من الناس إنما يحتفل بغاية نالها بنفسه أو نالها من أحب أو بعيد عاد ليذكر بمناسبة تستحق الإحتفال : كعيدي الفطر و الأضحى فهما خير أعياد الناس ، و كاحتفال المرء بزفافه و كاحتفال البلد بالإستقلال و كاحتفال المرء بيوم النجاح ،فللإحتفال بهذه الأمثلة و ما شابهها معنى فسعي الإنسان فيها سبب استحق الجزاء فعيد الفطر جزاء الصائمين و عيد الأضحى معجزة إبراهيم ...
  عام جديد : فلماذا الإحتفال ؟
  قد يجيب البعض لأن الناس يحتفلون فلنحتفل معهم لكن نبينا عليه الصلاة و السلام نهانا أن يكون أحدنا إمعة يحسن إن أحسن الناس و يسيء إن اساءوا بل عليه أن يحسن إن أساءوا
  قد يحتفل الغني بما أنجز من أرباح في عامه الدي مضى لكن بماذا يحتفل البائس الفقير من ذلك؟
  قد يفقد المرء أعز قريب لديه أو يخسر ماله خلال عامه الذي مضى فبماذا يحتفل؟
  قد تشتعل نار الفتنة و الحرب في البلد و الناس خائفون غير أمنون تسفك الدماء و تهدر الحرمات فبمادا يحتفل ؟
  ثم إن من عادة الناس الإحتفال بما مضى فلما يحتفل المرء بعام ربما يكون فيه هلاكه أو هلاك ما ملك أو أحب ؟
  إن احتفال الناس بالعام الجديد كالتلميذ الذي يحتفل بدخوله المدرسة في فصلها الجديد و لا يحتفل بنهايته أو كالذي يحتفل بالنصر على العدو  قبل المعركة
  إن الكيس الفطن من أفادته تجارب ما مضى في خير مابقي يحاسب نفسه و ينتقذ ذاته و يراجع قوله و فعله ليصحح الخطأ بالصواب و يدفع بالحسنة السيئة تمحها و يخالط الناس بخلق حسن
  إن اللبيب الأريب ذاك الذي يستحضر الذاكرة فيزن ما عمل في ما مضى من عمره فيصلح ما أفسد و يتوب من الذنب قبل الندم و ليس ذاك الذي اتبع هواه و تمنى على الله  فضيع عمره و ما ملك
  إن العظة و العبرة من حلول عام جديد تدل على اقتراب الأجل فكل يوم يمضي بالكائن الحي نحو الموت و الموت يؤدي بالإنسان إلى الحساب فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره
  إن صبينا يرجو و يأمل في أن ينمو فيكبر و الكبير منا يرجو و يأمل أن لا يموت حتى يتوب إلى الله تعالى لكن الغافل لا يرى أن تعاقب الليل و النهار يعجلان بزواله من الدنيا و لذلك يرى أن الإحتفال بهذه المناسبة بما أعد لها من سخط الله مما يسعده في الحياة و هيهات أن تكون السعادة مظهرا يفتخر بها الشقي أمام العالمين بما أوتي من المتاع و قد يضحك ضحكة صفراء ليخفي ألم العذاب الأليم الذي لا يفارق حركاته و سكناته
  إن الصالح منا كلما استقبل يوما جديدا قال :
  الحمد لله الذي احياني بعد ما أماتني و إليه النشور
  و إن الصالح منا كلما أمد الله في عمره قال :
  اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي
  و يقول :
  اللهم اغفر لي ما قدمت و ما أخرت و ما أسررت و ما أعلنت و ما أنت أعلم به مني  أنت المقدم و أنت المؤخر و انت على كل شيء قدير
  و يقول :
  ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إنك أنت الوهاب
  و مثل هذا كثير بين الخوف و الرجاء ، بين الحمد و الشكر و بين التوبة و الإستغفار
  أما الطالح فيقع في الفتنة عاما بعد عام فلا يتوب و لا يتذكر لأنه نسي يوم العرض على الله و غرته الأماني و غره بالله الغرور
  ينبغي أن يكون العام الجديد للعاقل موقف محاسبة النفس على ما سلف و العزيمة على الإحسان في ما بقي
  و نسأل الله أن يتغمدنا برحمته في كل حال و أن يطيل بنا العمر لحسن العمل لا لغير

خير الناس أنفعهم للناس