6775- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ "عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ - أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ - وَهُوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ"
(12/65)
6776- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ "عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ"
6777- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ"
[الحديث 6777- طرفه في 6781]
6778- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ "سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي، إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ"
6779- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْجُعَيْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ "عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ فصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ"
قوله: "باب الضرب بالجريد والنعال" أي في شرب الخمر، وأشار بذلك إلى أنه لا يشترط الجلد. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال وهي أوجه عند الشافعية: أصحها يجوز الجلد بالسوط ويجوز الاقتصار على الضرب س بالأيدي والنعال والثياب، ثانيها يتعين الجلد، ثالثها يتعين الضرب. وحجة الراجح أنه فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت نسخه والجلد في عهد الصحابة فدل على جوازه، وحجة الآخر أن الشافعي قال في " الأم ": لو أقام عليه الحد بالسوط فمات وجبت الدية فسوى بينه وبين ما إذا زاد فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط، وصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط، وصرح القاضي حسين بتعيين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة ونقل عن النص في القضاء ما يوافقه، ولكن في الاستدلال بإجماع الصحابة نظر فقد قال النووي في " شرح مسلم: ": أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب، ثم قال: والأصح جوازه بالسوط، وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للأحاديث الصحيحة. قلت: وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم وهو متجه، ونقل ابن دقيق العيد عن بعضهم أن معنى قوله: "نحوا من أربعين" تقدير أربعين ضربة بعصا مثلا لا أن المراد عدد معين، ولذلك وقع في بعض طرق عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكرم أربعين، قال: وهذا عندي خلاف الظاهر، ويبعده قوله في الرواية الأخرى "جلد في الخمر أربعين" قلت: ويبعد التأويل المذكور ما تقدم من
(12/66)
رواية همام في حديث أنس "فأمر عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال، وذكر المصنف فيه خمسة أحاديث: الأول حديث عقبة بن الحارث قد تقدم في الباب الذي قبله وهو ظاهر فيما ترجم له. الثاني حديث أنس وقد تقدم أيضا في الباب الأول، وقوله فيه: "جلد" تقدم في الباب الأول بلفظ: "ضرب" ولا منافاة بينهما لأن معنى جلد هنا ضربه فأصاب جلده وليس المراد به ضربه بالجلد. الثالث حديث أبي هريرة: قوله: "أبو ضمرة أنس" يعني ابن عياض. قوله: "عن يزيد بن الهاد" هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد فنسب إلى جده الأعلى، وهو وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون، ووقع في آخر الباب الذي يليه " أنس بن عياض حدثنا ابن الهاد". قوله: "عن محمد بن إبراهيم" أي ابن الحارث بن خالد التيمي، زاد في رواية الطحاوي من طريق نافع ابن يزيد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم أنه حدثه عن أبي سلمة. قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وصرح به في رواية الطحاوي. قوله: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب" في الرواية التي في الباب الذي يليه " بسكران " وهذا الرجل يحتمل أن يفسر بعبد الله الذي كان يلقب حمارا المذكور في الباب الذي بعده من حديث عمر، ويحتمل أن يفسر بابن النعيمان، والأول أقرب لأن في قصته " فقال رجل من القوم اللهم العنه " ونحوه في قصة المذكور في حديث أبي هريرة لكن لفظه: "قال بعض القوم أخزاك الله " ويحتمل أن يكون ثالثا فإن الجواب في حديثي عمر وأبي هريرة مختلف، وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال " الحديث، ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين " كان الذي يشرب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه". قوله: "قال اضربوه" هذا يفسر الرواية الآتية بلفظ: "فأمر بضربه " ولكن لم يذكر فيهما عددا. قوله: "قال بعض القوم" في الرواية الآتية " فقال رجل " وهذا الرجل هو عمر بن الخطاب إن كانت هذه القصة متحدة مع حديث عمر في قصة حمار كما سأبينه. قوله: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان" في الرواية الأخرى " لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم، ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان. ووقع عند أبي داود من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره: "ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه " زاد فيه أيضا بعد الضرب" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأصحابه بكتوه " وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله، وقد فسره في الخبر بقوله: "فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل، ما خشيت الله جل ثناؤه، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوه " وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب ثم قال عليه الصلاة والسلام : "بكتوه فبكتوه، ثم أرسله " ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن، وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى. الحديث الرابع قوله: "سفيان" هو الثوري، وصرح به في رواية مسلم وأبو حصين بمهملتين مفتوح أوله، وعمير بن سعيد بالتصغير وأبوه بفتح أوله وكسر ثانيه تابعي كبير ثقة، قال النووي: هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا، ووقع في الجمع للحميدي "سعد" بسكون العين وهو غلط، ووقع في المهذب وغيره: "عمر بن سعد" بحذف الياء فيهما وهو غلط فاحش. قلت: ووقع في بعض النسخ من البخاري كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في تقييد أبي علي الجياني منسوبا لأبي زيد
(12/67)
المروزي قال: والصواب سعيد، وجزم بذلك ابن حزم وأنه في البخاري سعد بسكون العين فلعله سلف الحميدي، ووقع للنسائي والطحاوي "عمر" بضم العين وفتح الميم كما في المهذب لكن الذي عندهما في أبيه "سعيد" ووقع عند ابن حزم في النسائي: "عمرو" بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ "عمير" كما قال النووي، وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه، وقد عمر عمير المذكور وعاش إلى سنة خمس عشرة ومائة. قوله: "ما كنت لأقيم" اللام لتأكيد النفي كما في قوله تعالى :{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} . قوله: "فيموت فأجد" بالنصب فيهما، ومعنى أجد من الوجد، وله معان اللائق منها هنا الحزن، وقوله: "فيموت" مسبب عن "أقيم" وقوله: "فأجد" مسبب عن السبب والمسبب معا. قوله: "إلا صاحب الخمر" أي شاربها وهو بالنصب، ويجوز الرفع، والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات، ويحتمل أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا من موت شارب الخمر فيكون الاستثناء على هذا متصلا قاله الطيبي. قوله: "فإنه لو مات وديته" أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها، وقد جاء مفسرا من طريق أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال: "سمعت عليا يقول من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر". قوله: "لم يسنه" أي لم يسن فيه عددا معينا، في رواية شريك " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستن فيه شيئا " ووقع في رواية الشعبي "فإنما هو شيء صنعناه". "تكملة": اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر، فعن علي ما تقدم، وقال الشافعي: إن ضرب بغير السوط فلا ضمان وإن جلد بالسوط ضمن قبل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين. الحديث الخامس قوله: "عن الجعيد" بالجيم والتصغير، ويقال الجعد بفتح أوله ثم سكون، وهو تابعي صغير تقدمت روايته عن السائب بن يزيد في كتاب الطهارة، وروي عنه هنا بواسطة، وهذا السند للبخاري في غاية العلو لأن بينه وبين التابعي فيه واحدا فكان في حكم الثلاثيات، وإن كان التابعي رواه عن تابعي آخر وله عنده نظائر، ومثله ما أخرجه في العلم عن عبيد الله بن موسى عن معروف عن أبي الطفيل عن علي فإن أبا الطفيل صحابي فيكون في حكم الثلاثيات لأن بينه وبين الصحابي فيه اثنين وإن كان صحابيه إنما رواه عن صحابي آخر، وقد أخرجه النسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن الجعيد سمعت السائب، فعلى هذا فإدخال يزيد ابن خصيفة بينهما إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون الجعيد سمعه من السائب، وثبته فيه يزيد، ثم ظهر لي السبب في ذلك وهو أن رواية الجعيد المذكورة عن السائب مختصرة فكأنه سمع الحديث تاما من يزيد عن السائب فحدث بما سمعه من السائب عنه من غير ذكر يزيد، وحدث أيضا بالتام فذكر الواسطة، ويزيد ابن خصيفة المذكور هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب لجده وقيل هو يزيد بن عبد الله بن يزيد بن خصيفة فيكون نسب إلى جد أبيه، وخصيفة هو ابن يزيد بن ثمامة أخو السائب بن يزيد صحابي هذا الحديث فتكون رواية يزيد بن خصيفة لهذا الحديث عن عم أبيه أو عم جده. قوله: "كنا نؤتى بالشارب" فيه إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجازا لكونه مستويا معهم في أمر ما وإن لم يباشر هو ذلك الفعل الخاص لأن السائب كان صغيرا جدا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تقدم في الترجمة النبوية أنه كان ابن ست سنين فيبعد أن يكون شارك من كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من ضرب الشارب، فكأن مراده بقوله: "كنا" أي
(12/68)
الصحابة، لكن يحتمل أن يحضر مع أبيه أو عمه فيشاركهم في ذلك فيكون الإسناد على حقيقته. قوله: "وإمرة أبي بكر" بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته، وفي رواية حاتم " من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض زمان عمر". قوله: "وصدرا من خلافة عمر" أي جانبا أوليا. قوله: "فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا" أي فنضربه بها. قوله: "حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين" ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر، وليس كذلك لما في قصة خالد بن الوليد وكتابته إلى عمر فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر، وإنما المراد بالغاية المذكورة أولا استمرار الأربعين فليست الفاء معقبة لآخر الإمرة بل لزمان أبي بكر وبيان ما وقع في زمن عمر، فالتقدير فاستمر جلد أربعين، والمراد بالغاية الأخرى في قوله: "حتى إذا عتوا " تأكيدا لغاية الأولى وبيان ما صنع عمر بعد الغاية الأولى. وقد أخرجه النسائي من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن الجعيد بلفظ: "حتى كان وسط إمارة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا " وهذه لا إشكال فيها، قوله: "حتى إذا عتوا" بمهملة ثم مثناة من العتو وهو التجبر، والمراد هنا انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد. قوله: "وفسقوا" أي خرجوا عن الطاعة، ووقع في رواية للنسائي: "فلم ينكلوا " أي يدعوا. قوله: "جلد ثمانين" وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب وفيه: "أن عمر جعله أربعين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال: هذا أدنى الحدود " وهذا يدل على أنه وافق عبد الرحمن بن عوف في أن الثمانين أدنى الحدود، وأراد بذلك الحدود المذكورة في القرآن وهي حد الزنا وحد السرقة للقطع وحد القذف وهو أخفها عقوبة وأدناها عددا، وقد مضى من حديث أنس في رواية شعبة وغيره سبب ذلك وكلام عبد الرحمن فيه حيث قال: "أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر" وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد (1) "أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجعله ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى " فجلد عمر في الخمر ثمانين، وهذا معضل وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مطولا ولفظه: "أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتى برجل " فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى:{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} وأن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى :{إِذَا مَا اتَّقَوْا} والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق، فقال عمر: ما ترون؟ فقال علي فذكره وزاد بعد قوله وإذا هذى افترى " وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين " ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى منها ما أخرجها الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن " أن رجلا من بني كلب يقال له ابن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين، قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت: إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله: ما ترون؟ قال ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد،
ـــــــ
(1) هو الكلاعي، وفي النسخة "ثور بن زيد" وهو الديلي، وقد روى مالك عن كليلهما، وكلاهما ثقة
(12/69)
فقال علي" فذكر مثل رواية ثور الموصولة، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة " أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي: إن السكران إذا سكر هذى " الحديث، ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: "شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين " وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه: "فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد: إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، قال وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين. وقال علي" فذكر مثله وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر عن ابن شهاب قال: "فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين " قال الطحاوي: جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا، ويؤيده فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين وحديث عبد الرحمن بن أزهر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه " وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث: "ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين، ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين " فإنه يدل على أنه وإن لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك. ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضير بمهملة وضاد معجمة مصغر ابن لمنذر " أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر، فقال لعبد الله بن جعفر اجلده فجلده، فلما بلغ أربعين قال: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي " فإن فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها " نحو الأربعين " والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب، وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة، ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف، وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه، وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب، قال البيهقي: وصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله، وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم، وتضعيفه الداناج لا يقبل لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا، ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع، قلت: وثق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي، وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين، ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال: أخرجه البخاري، وهو كما قال، وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه إنه جلد ثمانين، وذكرت ما قيل في ذلك هناك. وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال وهذا أحب إلي أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين، وبأن ابن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون، والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي، الثاني على
(12/70)
(12/65)
6776- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ "عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ"
6777- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ"
[الحديث 6777- طرفه في 6781]
6778- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ "سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي، إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ"
6779- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْجُعَيْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ "عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ فصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ"
قوله: "باب الضرب بالجريد والنعال" أي في شرب الخمر، وأشار بذلك إلى أنه لا يشترط الجلد. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال وهي أوجه عند الشافعية: أصحها يجوز الجلد بالسوط ويجوز الاقتصار على الضرب س بالأيدي والنعال والثياب، ثانيها يتعين الجلد، ثالثها يتعين الضرب. وحجة الراجح أنه فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت نسخه والجلد في عهد الصحابة فدل على جوازه، وحجة الآخر أن الشافعي قال في " الأم ": لو أقام عليه الحد بالسوط فمات وجبت الدية فسوى بينه وبين ما إذا زاد فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط، وصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط، وصرح القاضي حسين بتعيين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة ونقل عن النص في القضاء ما يوافقه، ولكن في الاستدلال بإجماع الصحابة نظر فقد قال النووي في " شرح مسلم: ": أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب، ثم قال: والأصح جوازه بالسوط، وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للأحاديث الصحيحة. قلت: وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم وهو متجه، ونقل ابن دقيق العيد عن بعضهم أن معنى قوله: "نحوا من أربعين" تقدير أربعين ضربة بعصا مثلا لا أن المراد عدد معين، ولذلك وقع في بعض طرق عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكرم أربعين، قال: وهذا عندي خلاف الظاهر، ويبعده قوله في الرواية الأخرى "جلد في الخمر أربعين" قلت: ويبعد التأويل المذكور ما تقدم من
(12/66)
رواية همام في حديث أنس "فأمر عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال، وذكر المصنف فيه خمسة أحاديث: الأول حديث عقبة بن الحارث قد تقدم في الباب الذي قبله وهو ظاهر فيما ترجم له. الثاني حديث أنس وقد تقدم أيضا في الباب الأول، وقوله فيه: "جلد" تقدم في الباب الأول بلفظ: "ضرب" ولا منافاة بينهما لأن معنى جلد هنا ضربه فأصاب جلده وليس المراد به ضربه بالجلد. الثالث حديث أبي هريرة: قوله: "أبو ضمرة أنس" يعني ابن عياض. قوله: "عن يزيد بن الهاد" هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد فنسب إلى جده الأعلى، وهو وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون، ووقع في آخر الباب الذي يليه " أنس بن عياض حدثنا ابن الهاد". قوله: "عن محمد بن إبراهيم" أي ابن الحارث بن خالد التيمي، زاد في رواية الطحاوي من طريق نافع ابن يزيد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم أنه حدثه عن أبي سلمة. قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وصرح به في رواية الطحاوي. قوله: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب" في الرواية التي في الباب الذي يليه " بسكران " وهذا الرجل يحتمل أن يفسر بعبد الله الذي كان يلقب حمارا المذكور في الباب الذي بعده من حديث عمر، ويحتمل أن يفسر بابن النعيمان، والأول أقرب لأن في قصته " فقال رجل من القوم اللهم العنه " ونحوه في قصة المذكور في حديث أبي هريرة لكن لفظه: "قال بعض القوم أخزاك الله " ويحتمل أن يكون ثالثا فإن الجواب في حديثي عمر وأبي هريرة مختلف، وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال " الحديث، ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين " كان الذي يشرب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه". قوله: "قال اضربوه" هذا يفسر الرواية الآتية بلفظ: "فأمر بضربه " ولكن لم يذكر فيهما عددا. قوله: "قال بعض القوم" في الرواية الآتية " فقال رجل " وهذا الرجل هو عمر بن الخطاب إن كانت هذه القصة متحدة مع حديث عمر في قصة حمار كما سأبينه. قوله: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان" في الرواية الأخرى " لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم، ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان. ووقع عند أبي داود من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره: "ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه " زاد فيه أيضا بعد الضرب" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأصحابه بكتوه " وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله، وقد فسره في الخبر بقوله: "فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل، ما خشيت الله جل ثناؤه، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوه " وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب ثم قال عليه الصلاة والسلام : "بكتوه فبكتوه، ثم أرسله " ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن، وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى. الحديث الرابع قوله: "سفيان" هو الثوري، وصرح به في رواية مسلم وأبو حصين بمهملتين مفتوح أوله، وعمير بن سعيد بالتصغير وأبوه بفتح أوله وكسر ثانيه تابعي كبير ثقة، قال النووي: هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا، ووقع في الجمع للحميدي "سعد" بسكون العين وهو غلط، ووقع في المهذب وغيره: "عمر بن سعد" بحذف الياء فيهما وهو غلط فاحش. قلت: ووقع في بعض النسخ من البخاري كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في تقييد أبي علي الجياني منسوبا لأبي زيد
(12/67)
المروزي قال: والصواب سعيد، وجزم بذلك ابن حزم وأنه في البخاري سعد بسكون العين فلعله سلف الحميدي، ووقع للنسائي والطحاوي "عمر" بضم العين وفتح الميم كما في المهذب لكن الذي عندهما في أبيه "سعيد" ووقع عند ابن حزم في النسائي: "عمرو" بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ "عمير" كما قال النووي، وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه، وقد عمر عمير المذكور وعاش إلى سنة خمس عشرة ومائة. قوله: "ما كنت لأقيم" اللام لتأكيد النفي كما في قوله تعالى :{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} . قوله: "فيموت فأجد" بالنصب فيهما، ومعنى أجد من الوجد، وله معان اللائق منها هنا الحزن، وقوله: "فيموت" مسبب عن "أقيم" وقوله: "فأجد" مسبب عن السبب والمسبب معا. قوله: "إلا صاحب الخمر" أي شاربها وهو بالنصب، ويجوز الرفع، والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات، ويحتمل أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا من موت شارب الخمر فيكون الاستثناء على هذا متصلا قاله الطيبي. قوله: "فإنه لو مات وديته" أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها، وقد جاء مفسرا من طريق أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال: "سمعت عليا يقول من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر". قوله: "لم يسنه" أي لم يسن فيه عددا معينا، في رواية شريك " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستن فيه شيئا " ووقع في رواية الشعبي "فإنما هو شيء صنعناه". "تكملة": اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر، فعن علي ما تقدم، وقال الشافعي: إن ضرب بغير السوط فلا ضمان وإن جلد بالسوط ضمن قبل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين. الحديث الخامس قوله: "عن الجعيد" بالجيم والتصغير، ويقال الجعد بفتح أوله ثم سكون، وهو تابعي صغير تقدمت روايته عن السائب بن يزيد في كتاب الطهارة، وروي عنه هنا بواسطة، وهذا السند للبخاري في غاية العلو لأن بينه وبين التابعي فيه واحدا فكان في حكم الثلاثيات، وإن كان التابعي رواه عن تابعي آخر وله عنده نظائر، ومثله ما أخرجه في العلم عن عبيد الله بن موسى عن معروف عن أبي الطفيل عن علي فإن أبا الطفيل صحابي فيكون في حكم الثلاثيات لأن بينه وبين الصحابي فيه اثنين وإن كان صحابيه إنما رواه عن صحابي آخر، وقد أخرجه النسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن الجعيد سمعت السائب، فعلى هذا فإدخال يزيد ابن خصيفة بينهما إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون الجعيد سمعه من السائب، وثبته فيه يزيد، ثم ظهر لي السبب في ذلك وهو أن رواية الجعيد المذكورة عن السائب مختصرة فكأنه سمع الحديث تاما من يزيد عن السائب فحدث بما سمعه من السائب عنه من غير ذكر يزيد، وحدث أيضا بالتام فذكر الواسطة، ويزيد ابن خصيفة المذكور هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب لجده وقيل هو يزيد بن عبد الله بن يزيد بن خصيفة فيكون نسب إلى جد أبيه، وخصيفة هو ابن يزيد بن ثمامة أخو السائب بن يزيد صحابي هذا الحديث فتكون رواية يزيد بن خصيفة لهذا الحديث عن عم أبيه أو عم جده. قوله: "كنا نؤتى بالشارب" فيه إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجازا لكونه مستويا معهم في أمر ما وإن لم يباشر هو ذلك الفعل الخاص لأن السائب كان صغيرا جدا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تقدم في الترجمة النبوية أنه كان ابن ست سنين فيبعد أن يكون شارك من كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من ضرب الشارب، فكأن مراده بقوله: "كنا" أي
(12/68)
الصحابة، لكن يحتمل أن يحضر مع أبيه أو عمه فيشاركهم في ذلك فيكون الإسناد على حقيقته. قوله: "وإمرة أبي بكر" بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته، وفي رواية حاتم " من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض زمان عمر". قوله: "وصدرا من خلافة عمر" أي جانبا أوليا. قوله: "فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا" أي فنضربه بها. قوله: "حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين" ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر، وليس كذلك لما في قصة خالد بن الوليد وكتابته إلى عمر فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر، وإنما المراد بالغاية المذكورة أولا استمرار الأربعين فليست الفاء معقبة لآخر الإمرة بل لزمان أبي بكر وبيان ما وقع في زمن عمر، فالتقدير فاستمر جلد أربعين، والمراد بالغاية الأخرى في قوله: "حتى إذا عتوا " تأكيدا لغاية الأولى وبيان ما صنع عمر بعد الغاية الأولى. وقد أخرجه النسائي من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن الجعيد بلفظ: "حتى كان وسط إمارة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا " وهذه لا إشكال فيها، قوله: "حتى إذا عتوا" بمهملة ثم مثناة من العتو وهو التجبر، والمراد هنا انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد. قوله: "وفسقوا" أي خرجوا عن الطاعة، ووقع في رواية للنسائي: "فلم ينكلوا " أي يدعوا. قوله: "جلد ثمانين" وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب وفيه: "أن عمر جعله أربعين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال: هذا أدنى الحدود " وهذا يدل على أنه وافق عبد الرحمن بن عوف في أن الثمانين أدنى الحدود، وأراد بذلك الحدود المذكورة في القرآن وهي حد الزنا وحد السرقة للقطع وحد القذف وهو أخفها عقوبة وأدناها عددا، وقد مضى من حديث أنس في رواية شعبة وغيره سبب ذلك وكلام عبد الرحمن فيه حيث قال: "أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر" وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد (1) "أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجعله ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى " فجلد عمر في الخمر ثمانين، وهذا معضل وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مطولا ولفظه: "أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتى برجل " فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى:{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} وأن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى :{إِذَا مَا اتَّقَوْا} والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق، فقال عمر: ما ترون؟ فقال علي فذكره وزاد بعد قوله وإذا هذى افترى " وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين " ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى منها ما أخرجها الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن " أن رجلا من بني كلب يقال له ابن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين، قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت: إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله: ما ترون؟ قال ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد،
ـــــــ
(1) هو الكلاعي، وفي النسخة "ثور بن زيد" وهو الديلي، وقد روى مالك عن كليلهما، وكلاهما ثقة
(12/69)
فقال علي" فذكر مثل رواية ثور الموصولة، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة " أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي: إن السكران إذا سكر هذى " الحديث، ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: "شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين " وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه: "فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد: إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، قال وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين. وقال علي" فذكر مثله وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر عن ابن شهاب قال: "فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين " قال الطحاوي: جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا، ويؤيده فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين وحديث عبد الرحمن بن أزهر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه " وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث: "ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين، ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين " فإنه يدل على أنه وإن لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك. ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضير بمهملة وضاد معجمة مصغر ابن لمنذر " أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر، فقال لعبد الله بن جعفر اجلده فجلده، فلما بلغ أربعين قال: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي " فإن فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها " نحو الأربعين " والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب، وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة، ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف، وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه، وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب، قال البيهقي: وصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله، وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم، وتضعيفه الداناج لا يقبل لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا، ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع، قلت: وثق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي، وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين، ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال: أخرجه البخاري، وهو كما قال، وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه إنه جلد ثمانين، وذكرت ما قيل في ذلك هناك. وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال وهذا أحب إلي أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين، وبأن ابن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون، والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي، الثاني على
(12/70)
عدد المشاهدات *:
480100
480100
عدد مرات التنزيل *:
152291
152291
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 07/11/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 07/11/2013