اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 18 رمضان 1445 هجرية
??? ????????????? ??????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ???????? ??? ???????? ???? ??? ???? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

الأعمال

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
المُجَلَّدُ الرَّابِعَ عَشَرَ
الطَّبَقَةُ السَّادِسَةَ عَشَرَةَ مِنَ التَّابِعِيْنَ
الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ
الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ أ
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
205 - الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ
هُوَ:الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بن مَحْمِيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ:أَبُو مُغِيْثٍ - الفَارِسِيُّ، البيضَاوِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وَالبَيْضَاء:مَدِيْنَة ببلاَد فَارس.
وَكَانَ جَدُّهُ مَحْمِيٌّ مَجُوْسِيّاً.
نشَأَ الحُسَيْن بِتُسْتَر، فصحب سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيّ، وَصَحِبَ بِبَغْدَادَ الجُنَيْد، وَأَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيّ، وَصَحِبَ عَمْرو بنَ عُثْمَانَ المَكِّيّ.
وَأَكْثَر التَّرحَال وَالأَسفَار وَالمُجَاهَدَة.
وَكَانَ يصحِّح حَالَه أَبُو العَبَّاسِ بنُ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَفِيْف، وَإِبْرَاهِيْمُ أَبُو القَاسِمِ النَّصْر آباذِيّ.
وَتبرَّأَ مِنْهُ سَائِرُ الصُّوْفِيَّة وَالمَشَايِخ وَالعُلَمَاء لِمَا سترَى مِنْ سوء سِيرتِهِ وَمُروقه، وَمِنْهُم مِنْ نَسَبَهُ إِلَى الحُلول، وَمِنْهُم مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَإِلَى الشَّعْبَذَةِ وَالزَّوكرَة، وَقَدْ تَسْتَّر بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ ذوِي الضَّلال وَالانحلاَل، وَانتحلُوهُ وَروَّجُوا بِهِ عَلَى الجُهَّال.
نَسْأَلُ اللهَ العِصْمَة فِي الدِّين.(14/315)
أَنْبَأَنِي ابْنُ عَلاَّنَ وَغَيْرهُ:أَنَّ أَبَا اليُمْن الكِنْدِيّ أَخْبَرَهُم قَالَ:أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصر السِّجْزِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَاكُويه، أَخْبَرَنِي حمدُ بنُ الحَلاَّج قَالَ:مَوْلِدُ أَبِي بطور البَيْضَاء، وَمنشؤُهُ تُسْتَر، وَتلمذ لسهل سَنَتَين، ثُمَّ صعد إِلَى بَغْدَادَ.
(27/354)

كَانَ يَلْبس المُسوح، وَوقتاً يَلْبس الدُّرَّاعَة وَالعِمَامَة وَالقَبَاء، وَوقتاً يَمْشِي بِخِرْقَتين، فَأَوَّل مَا سَافر مِنْ تُسْتَر إِلَى البَصْرَةِ كَانَ لَهُ ثَمَان عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى عَمْرو المَكِّيّ، فَأَقَامَ مَعَهُ ثَمَانيَةَ عشرَ شَهْراً، ثُمَّ إِلَى الجُنَيْد، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُنَيْد لأَجل مَسْأَلَة، وَنسبه الجُنَيْد إِلَى أَنَّهُ مُدَّعٍ، فَاسْتوحَشَ وَأَخَذَ وَالدتِي، وَرَجَعَ إِلَى تُسْتَر، فَأَقَامَ سنَة، وَوَقَعَ لَهُ القَبول التَّامّ، وَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بن عُثْمَانَ يَكْتُبُ الكُتُب فِيْهِ بِالعظَائِم حَتَّى حرِد أَبِي وَرَمَى بثِيَاب الصُّوْفِيَّة، وَلبس قَباءٌ، وَأَخَذَ فِي صُحْبَة أَبْنَاء الدُّنْيَا.
ثمَّ إِنَّهُ خَرَجَ وَغَاب عَنَّا خَمْسَ سِنِيْنَ، بلغَ إِلَى مَا وَرَاء النَّهر، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فَارس، وَأَخَذَ يَتَكَلَّم عَلَى النَّاسِ، وَيعملُ المَجْلِس وَيدعُو إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَصَنَّفَ لَهُم تَصَانِيْف، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى مَا فِي قُلُوْب النَّاس، فسُمِّيَ بِذَلِكَ حلاَّج الأَسرَار، وَلُقب بِهِ.
ثمَّ قَدِمَ الأَهْوَاز وَطلبنِي، فحُملت إِلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَصْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وَلبس المرقَّعَة، وَخَرَجَ مَعَهُ خلق، وَحسَدَهُ أَبُو يَعْقُوْبَ النَّهْرَجُورِيّ، وَتكلّم فِيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الأَهْوَاز، وَحمل أُمِّي وَجَمَاعَة مِنْ كِبَار أَهْل الأَهْوَاز إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا سنَة.
(27/355)

ثُمَّ قصد إِلَى الهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهر ثَانياً، وَدَعَا إِلَى اللهِ، وَأَلَّف لَهُم كتباً، ثُمَّ رَجَعَ، فَكَانُوا يكَاتِبونه مِنَ الهِنْد بِالمُغِيْث، وَمِنْ بلاَد مَاصين وَتُرْكستَان بِالمُقيت، وَمِنْ خُرَاسَان بِأَبِي عَبْدِ اللهِ الزَّاهِد، وَمِنْ خوزستَان بِالشَّيْخ حلاَّج الأَسرَار.(14/316)
وَكَانَ بِبَغْدَادَ قَوْم يُسَمُّونه المُصْطَلم، وَبِالبَصْرَة المُحيّر، ثُمَّ كثرتِ الأَقَاويلُ عَلَيْهِ بَعْد رُجُوعه مِنْ هَذِهِ السَّفرَة، فَقَامَ وَحَجّ ثَالِثاً، وَجَاور سَنَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ وَتَغَيَّر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الأَوَّل، وَاقتنَى العَقَار بِبَغْدَادَ، وَبنَى دَاراً، وَدَعَا النَّاس إِلَى مَعْنَى لَمْ أَقف عَلَيْهِ، إِلاَّ عَلَى شطر مِنْهُ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّبلِيِّ وَغَيْره مِنْ مَشَايِخ الصُّوْفِيَّة، فَقِيْلَ:هُوَ سَاحر.
وَقِيْلَ:هُوَ مَجْنُوْنَ.
وَقِيْلَ:هُوَ ذُو كَرَامَات، حَتَّى أَخذه السُّلْطَان.
انْتَهَى كَلاَم وَلده.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ:إِنَّمَا قِيْلَ لَهُ:الحَلاَّج لأَنَّه دَخَلَ وَاسطاً إِلَى حلاَّج، وَبعثَه فِي شُغل، فَقَالَ:أَنَا مَشْغُوْل بِصَنْعَتِي.
فَقَالَ:اذهبْ أَنْتَ حَتَّى أُعينك، فَلَمَّا رَجَعَ وَجد كُلَّ قُطْنٍ عِنْدَهُ محلوجاً.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ بنِ حَنْظَلَة الوَاسِطِيُّ السَّمَّاك، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
دَخَلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ وَاسطاً، فَاسْتقبله قَطَّان، فَكلَّفه الحُسَيْنُ إِصْلاَح شغله وَالرَّجُلُ يتثَاقل فِيْهِ، فَقَالَ:اذهبْ فَإِنِّي أُعينك.
فَذَهَبَ، فَلَمَّا رَجَعَ، رَأَى كُلَّ قُطْن عِنْدَهُ محلوجاً مندوَفاً، وَكَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ رطل.
وَقِيْلَ:بَلْ لتكلُّمه عَلَى الأَسرَار.
وَقِيْلَ:كَانَ أَبُوْهُ حلاَّجاً.
(27/356)

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّرَّاج:صَحِبَ الحَلاَّجُ عَمْرو بنَ عُثْمَانَ، وَسرقَ مِنْهُ كتباً فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ علم التصوُّف، فَدَعَا عَلَيْهِ عَمْرو:اللَّهُمَّ اقطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الوَلِيْدِ:كَانَ المَشَايِخُ يَسْتَثقلُوْنَ كلامَه، وَينَالُوْنَ مِنْهُ لأَنَّه كَانَ يَأْخذ نَفْسَه بِأَشيَاء تُخَالف الشَّريعَة، وَطَرِيْقَة الزُّهَّاد، وَكَانَ يدَّعِي المحبَّة للهِ، وَيظهر مِنْهُ مَا يخَالف دعوَاهُ.
قُلْتُ:وَلاَ ريبَ أنَّ اتِّبَاع الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمٌ لمحبَّة الله لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ إِنْ كُنْتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُم اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُم ذُنُوبكُم} [آل عِمْرَان:31].(14/317)
أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ:أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَضْرَمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:كُنْتُ جَالِساً عِنْد الجُنَيْد، إِذْ وَرد شَابٌّ عَلَيْهِ خِرْقَتَانِ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ سَاعَة، فَأَقبل عَلَيْهِ الجُنَيْد، فَقَالَ لَهُ:سَلْ مَا تُرِيْد أَنْ تسأَل.
فَقَالَ لَهُ:مَا الَّذِي باين الخَلِيْفَة عَنْ رسوم الطَّبْع؟
فَقَالَ الجُنَيْد لَهُ:أَرَى فِي كَلاَمك فُضُولاً، لِمَ لاَ تسأَل عَنْ مَا فِي ضمِيرك مِنَ الخُرُوج وَالتَّقَدُّم عَلَى أَبْنَاء جِنْسِكَ؟
فَأَقبلَ الجُنَيْد يَتَكَلَّم، وَأَخَذَ هُوَ يُعَارِضُهُ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ الجُنَيْد:أَيّ خَشَبَةٍ تُفْسِدُهَا؟يُرِيْد أَنَّهُ يُصْلب.
قَالَ السُّلَمِيُّ:وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الهَمَذَانِيَّ يَقُوْلُ:سأَلت إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَيْبَان عَنِ الحَلاَّج، فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُر إِلَى ثمرَات الدَّعَاوِي الفَاسِدَة فليَنْظُرْ إِلَى الحَلاَّج وَمَا صَارَ إِلَيْهِ.
(27/357)

أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَاكويه:حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ الجَوْزَقَانِيّ:حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَيْبَان قَالَ:سلَّم أُسْتَاذِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَغْرِبِيُّ عَلَى عَمْرو بنِ عُثْمَانَ، فجَارَاهُ فِي مَسْأَلَة، فجرَى فِي عُرض الكَلاَم أَنْ قَالَ:هَا هُنَا شَابٌّ عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْس.
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْد عَمْرو صعِدنَا إِلَيْهِ، وَكَانَ وَقت الهَاجرَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالسٌ فِي صحن الدَّار عَلَى صخرَةٍ فِي الشَّمْس، وَالعَرَقُ يسيلُ مِنْهُ عَلَى الصَّخْرَة، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ المَغْرِبِيُّ رَجَعَ وَأَشَار بِيَدِهِ:ارْجِع.
فنزلنَا المَسْجَد، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:إِن عشتَ ترَ مَا يَلقَى هَذَا، قَدْ قَعَدَ بِحمقِهِ يتصبَّر مَعَ الله.
فَسَأَلنَا عَنْهُ فَإِذَا هُوَ الحَلاَّج.
قَالَ السُّلَمِيُّ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكتَّانِيَّ يَقُوْلُ:دَخَلَ الحَلاَّج مَكَّة، فجهِدْنَا حَتَّى أَخَذْنَا مرقَّعته، فَأَخَذْنَا مِنْهَا قَمْلَة، فوزنَّاهَا فَإِذَا فِيْهَا نِصْفُ دَانقٍ مِنْ شِدَّة مُجَاهَدته.(14/318)
قُلْتُ:ابْن شَاذَانَ مُتَّهَم، وَقَدْ سَمِعْنَا بِكَثْرَة القمل، أَمَا كبرُ القمل، فَمَا وَقَعَ، وَلَوْ كَانَ يَقَع، لتدَاوله النَّاس.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المُحَسِّنِ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبِي:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، قَالَ:حَمَلنِي خَالِي مَعَهُ إِلَى الحَلاَّج، فَقَالَ لِخَالِي:قَدْ عَملتُ عَلَى الخُرُوج مِنَ البَصْرَةِ.
قَالَ:وَلِمَ؟
(27/358)

قَالَ:قَدْ صيَّرَنِي أَهلُهَا حَدِيْثاً، حَتَّى إِنَّ رَجُلاً حمل إِلَيَّ درَاهم وَقَالَ:اصرِفْهَا إِلَى الفُقَرَاء، فَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرتِي أَحَد، فجعلتُهَا تَحْتَ بارِيَّة، فَلَمَّا كَانَ مِنْ غدٍ احتفَّ بِي قَوْم مِنَ الفُقَرَاء، فَشُلْتُ البَارِيَّةَ وَأَعطَيْتُهُم تِلْكَ الدَّرَاهِم، فشَنَّعُوا وَقَالُوا:إِنِّيْ أَضرب بيدِي إِلَى التُّرَاب فيصير درَاهم.
وَأَخَذَ يعدِّدُ مِثْل هَذَا، فَقَامَ خَالِي وَقَالَ:هَذَا مُتنمّس.
قَالَ ابْنُ النَّدِيْم:قَرَأْتُ بخَطِّ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ:كَانَ الحَلاَّج مشعبذاً محتَالاً، يتعَاطَى التصرُّف، وَيدَّعِي كُلَّ علم، وَكَانَ صِفْراً مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ يَعْرِف فِي الكيمِيَاء، وَكَانَ مِقْدَاماً جسوراً عَلَى السَّلاَطين، مرتكباً لِلْعظَائِم، يروم إِقلاَب الدُّول، وَيدَّعِي عِنْد أَصْحَابه الإِلهيَّة، وَيَقُوْلُ بالحُلول، وَيُظهر التَّشَيُّع لِلْمُلُوْك، وَمَذَاهِبَ الصُّوْفِيَّة لِلْعَامَّة، وَفِي تضَاعِيف ذَلِكَ يَدَّعِي أَنَّ الإِلهيَّة حلَّت فِيْهِ، تَعَالَى الله وَتَقَدَّسَ عَمَّا يَقُوْلُ.(14/319)
وَقَالَ ابْنُ بَاكويه:سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي توبَة يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَد الحَاسِبَ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ وَالدِي يَقُوْلُ:وَجَّهنِي المُعْتَضِدُ إِلَى الهِنْد لأُمُورٍ أَتعرَّفُهَا لَهُ، فَكَانَ مَعِي فِي السَّفِيْنَة رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالحُسَيْن بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ حَسَنَ العِشْرَة، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ المركب قُلْتُ:لِمَ جِئْت؟
قَالَ لأَتَعَلَّمَ السِّحرَ وَأَدْعُو الخلق إِلَى اللهِ.
وَكَانَ عَلَى سطح كوخ فِيْهِ شَيْخ.
فَقَالَ لَهُ:هَلْ عِنْدَكُم مَنْ يَعْرِف شَيْئاً مِنَ السّحر؟
(27/359)

قَالَ:فَأَخْرَجَ الشَّيْخ كُبَّةً مِنْ غزل، وَنَاول طرَفهَا الحُسَيْن، ثُمَّ رمَى الكُبَّةَ فِي الهوَاء، فصَارت طَاقَة وَاحِدَة، ثُمَّ صعد عَلَيْهَا وَنَزَلَ، وَقَالَ لِلْحُسَيْنِ:مِثْل هَذَا تُرِيْد؟.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ:سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق:حَدَّثَنِي غَيْر وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَات:أَنَّ الحَلاَّج كَانَ قَدْ أَنْفَذَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ إِلَى بلاَد الجبل، وَوَافقه عَلَى حِيْلَةٍ يعملهَا، فسَافر، وَأَقَامَ عِنْدَهُم سِنِيْنَ يظهر النُّسُكَ وَالعِبَادَة، وَإِقرَاء القُرْآن وَالصَّوْم، حَتَّى إِذَا علم أَنَّهُ قَدْ تَمَكَّنَ أَظهر أَنَّهُ قَدْ عَمِيَ، فَكَانَ يُقَاد إِلَى مَسْجِد، وَيتعَامَى شهوراً، ثُمَّ أَظهر أَنَّهُ قَدْ زَمِنَ، فَكَانَ يُحْمَلَ إِلَى المَسْجَد، حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَتقرَّر فِي النُّفُوْس زَمَانَتُهُ وَعَمَاهُ، فَقَالَ لَهُم بَعْدَ ذَلِكَ:رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِي:إِنَّهُ يَطْرُقُ هَذَا البلدَ عَبْدٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، تُعَافَى عَلَى يَده، فَاطلبُوا لِي كُلَّ مَنْ يجتَاز مِنَ الفُقَرَاء، فلَعَلَّ الله أَنْ أُعَافَى.
فَتَعَلَّقَتِ النُّفُوْس بِذَلِكَ العَبْد، وَمَضَى الأَجلُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَلاَّج، فَقَدِمَ البلدَ، وَلبس الصُّوف، وَعكَفَ فِي الجَامِع، فتنبَّهُوا لَهُ، وَأَخبَرُوا الأَعمَى، فَقَالَ:احمِلونِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا حصل عِنْدَهُ وَعلم أَنَّهُ الحَلاَّج قَالَ:يَا عَبْدَ اللهِ:إِنِّيْ رَأَيْت منَاماً.
(27/360)

وَقصَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:مَنْ أَنَا وَمَا مَحَلِّي؟ثُمَّ أَخذ يدعو لَهُ، وَمسح يَده عَلَيْهِ، فَقَامَ المتزَامن صَحِيْحاً بَصِيْراً، فَانقلَبَ البَلَد، وَازْدَحَمُوا عَلَى الحَلاَّج، فتركهُم وَسَافَرَ، وَأَقَامَ المُعَافَى شهوراً، ثُمَّ قَالَ لَهُم:إِنَّ مِنْ حقِّ الله عِنْدِي، وَردِّهِ جَوَارحِي عليّ أَنْ أَنفردَ بِالعِبَادَة، وَأَنَّ أُقيمَ فِي الثَّغْرِ، وَأَنَا أَستودِعُكُم الله.
فَأَعطَاهُ هَذَا أَلفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ:اغزُ بِهَا عَنِّي، وَأَعطَاهُ هَذَا مائَة دِيْنَارٍ وَقَالَ:اخرجْ بِهَا فِي غَزْوَة، وَأَعطَاهُ هَذَا مَالاً، وَهَذَا مَالاً، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ أَلوف دَنَانِيْر وَدرَاهم، فلحق بِالحَلاَّج، وَقَاسَمَهُ عَلَيْهَا.(14/320)
قَالَ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:مِنْ مخَاريق الحَلاَّج أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً وَمَعَهُ مَنْ يَتَنَمَّس عَلَيْهِ وَيَهُوسُهُ، قَدِمَ قَبْل ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه الَّذِيْنَ يَكْشِفُ لَهُم الأَمْر، ثُمَّ يمضِي إِلَى الصَّحرَاء، فيدفن فِيْهَا كَعْكاً، وَسُكَّراً، وَسَوِيقاً، وَفَاكهَةً يَابسَة، وَيعلِّم عَلَى مَوَاضِعهَا بِحجر، فَإِذَا خَرَجَ القَوْم وَتَعِبُوا قَالَ أَصْحَابُهُ:نريدُ السَّاعَة كَذَا وَكَذَا.
فينفردُ وَيُرِي أَنَّهُ يدعُو، ثُمَّ يَجِيْءُ إِلَى المَوْضِعِ فَيُخْرِجُ الدَّفين المطلوب مِنْهُ.
أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الجَمُّ الغَفير، وَأَخبرُونِي قَالُوا:رُبَّمَا خَرَجَ إِلَى بِسَاتينِ البَلَد، فيقدِّم مَنْ يَدْفِنُ الفَالوذَجَ الحَارَّ فِي الرُّقَاق، وَالسَّمك السُّخن فِي الرُّقَاق، فَإِذَا خَرَجَ طلبَ مِنْهُ الرَّجُل - فِي الحَال - الَّذِي دفنه، فيُخْرِجه هُوَ.(14/321)
(27/361)

ابْنُ بَاكويه:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خَفِيْف:سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب النَّهرجورِيَّ يَقُوْلُ:دَخَلَ الحَلاَّج مَكَّة وَمَعَهُ أَرْبَعُ مائَة رَجُل، فَأَخَذَ كُلُّ شَيْخ مِنْ شُيُوْخ الصُّوْفِيَّةِ جَمَاعَة، فَلَمَّا كَانَ وَقت المَغْرِب جِئْت إِلَيْهِ، قُلْتُ:قُمْ نُفْطِرْ.
فَقَالَ:نَأْكل عَلَى رَأْس أَبِي قُبَيْس.
فصعدنَا فَلَمَّا أَكَلْنَا قَالَ الحُسَيْنُ:لَمْ نَأْكل شَيْئاً حُلُواً!
قُلْتُ:أَلَيْسَ قَدْ أَكلنَا التَّمْر؟
فَقَالَ:أُرِيْد شَيْئاً مَسَّته النَّار، فَهَام وَأَخَذَ ركوَة، وَغَاب سَاعَة، ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ جَامُ حلوَاء، فَوَضَعه بَيْنَ أَيدينَا وَقَالَ:بِسْمِ اللهِ.
فَأَخَذَ القَوْم يَأْكلُوْنَ وَأَنَا أَقُول:قَدْ أَخذ فِي الصَّنعَة الَّتِي نسبهَا إِلَيْهِ عَمْرو بن عُثْمَانَ، فَأَخذتُ قطعَة، وَنزلتُ الوَادِي، وَدُرْتُ عَلَى الحلاَوييِّن أُريهُم تِلْكَ الحلوَاء، وَأَسأَلهُم، حَتَّى قَالَتْ لِي طبَّاخَة:لاَ يعمل هَذَا إِلاَّ بِزَبيْد، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُمكن حملُه، فَلاَ أَدْرِي كَيْفَ حُمل؟فَرَجَعَ رَجُلٌ مِنْ زَبيْد إِلَى زَبِيْد، فتعرَّف الخبز بزَبيْد:هَلْ ضَاع لأَحَدٍ مِنَ الحلاَوييِّن جَامٌ علاَمتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا بِهِ قَدْ حُمل مِنْ دكَانَ إِنْسَانٍ حلاَوِيّ، فصحَّ عِنْدِي أَنَّ الرَّجُل مخدوم.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ - فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْن نَاصر بِالإِجَازَةِ - :حرَّك الحَلاَّج يَده يَوْماً، فنثر عَلَى مَنْ عِنْدَهُ درَاهِم.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ:هَذِهِ درَاهم مَعْرُوْفَة، وَلَكِنْ أُؤمِنُ بِكَ إِذَا أَعطيتَنِي دِرْهَماً عَلَيْهِ اسْمُك وَاسمُ أَبيك.
فَقَالَ:وَكَيْفَ وَهَذَا لَمْ يُصنع؟
قَالَ:مَنْ أَحضرَ مَنْ لَيْسَ بحَاضِرٍ صَنَعَ مَا لَمْ يُصنع.
فَهَذِهِ حِكَايَة منقطعَة.(14/322)
(27/362)

وَقَالَ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبِي:أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زنجِيّ الكَاتِب، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:حضَرتُ مَجْلِسَ حَامِد الوَزِيْر وَقَدْ أَحضر السِّمَّرِيّ - صَاحِب الحَلاَّج - وَسَأَلَهُ عَنْ أَشيَاء مِنْ أَمر الحَلاَّج، وَقَالَ لَهُ:حَدِّثْنِي بِمَا شَاهدت مِنْهُ.
فَقَالَ:إِنْ رَأَى الوَزِيْر أَنْ يُعْفِيَنِي، فَعَلَ.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:أَعْلَم أَنِّي إِن حَدَّثْتُكُ كَذَّبْتَنِي، وَلَمْ آمن عقوبَة، فَأَمَّنَهُ، فَقَالَ:كُنْتُ مَعَهُ بفَارس فَخَرَجْنَا إِلَى إِصْطَخر فِي الشِّتَاء، فَاشْتَهَيْتُ عَلَيْهِ خِيَاراً، فَقَالَ لِي:فِي مِثْلِ هَذَا المَكَان وَالزَّمَان؟
قُلْتُ:هُوَ شَيْءٌ عَرَضَ لِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَاعَة قَالَ:أَنْتَ عَلَى شهوتك؟
قُلْتُ:نَعَم، فسرنَا إِلَى جبل ثلج، فَأَدخل يَده فِيْهِ، وَأَخرج إِلَيَّ خيَارَةً خَضْرَاء، فَأَكَلتُهَا.
فَقَالَ حَامِد:كذبتَ يَا ابْنَ مائَة أَلْف زَانيَة، أَوجِعُوا فَكَّهُ.
فَأَسرع إِلَيْهِ الغلمَانُ، وَهُوَ يَصِيْح:أَلَيْسَ مِنْ هَذَا خِفْنَا؟وَأُخرج، فَأَقبل حَامِد الوَزِيْر يتحدَّثُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ النِّيرنجَات أَنَّهُم كَانُوا يغدُوْنَ بِإِخرَاج التِّين وَمَا يجرِي مجرَاهُ مِنَ الفواكه، فَإِذَا حصل فِي يد الإِنْسَان وَأَرَادَ أَنْ يَأْكله صَارَ بَعْراً.
قُلْتُ:صدق حَامِد، هَذَا هُوَ شغل أَربَاب السِّحْرِ وَالسيمِيَاء، وَلَكِن قَدْ يقوَى فعلُهُم بِحَيْثُ يَأْكُلُ الرَّجُل البعرَ وَلاَ يشعُرُ بطعمه.
(27/363)

قَالَ ابْنُ بَاكويه:حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مفلح، حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ:تعجَّبت مِنْ أَمر الحَلاَّج، فَلَمْ أَزل أَتتبَّعُ وَأَطلبُ الحِيَلَ، وَأَتعلم النَّارنجيات لأَقف عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَدَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً مِنَ الأَيَّام، وَسلَّمتُ وَجلَسْتُ سَاعَة، فَقَالَ لِي:يَا طَاهِر!لاَ تتعنَّ، فَإِنَّ الَّذِي ترَاهُ وَتسمعه مِنْ فعل الأَشخَاص لاَ مِنْ فِعلِي، لاَ تَظُنَّ أَنَّهُ كرَامَةٌ أَوْ شَعْوَذَة.
فعل الأَشخَاص:يَعْنِي بِهِ الجِنّ.(14/323)
وَقَالَ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق:أَنَّ الحَلاَّج لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ اسْتغوَى خلقاً مِنَ النَّاس وَالرُّؤسَاء، وَكَانَ طمعُهُ فِي الرَّافِضَة أَقوَى لدُخُوْله فِي طريقهم، فرَاسَلَ أَبَا سَهْل بن نُوْبَخْت يَسْتَغويه، وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ فَطِناً، فَقَالَ لرَسُوْله:هَذِهِ المعجزَاتُ الَّتِي يُظهرهَا يمكن فِيْهَا الحِيل، وَلَكِنِّي رَجُلٌ غزِل، وَلاَ لذَّةَ لِي أَكْبَر مِنَ النِّسَاء، وَأَنَا مبتلَى بِالصَّلَع، فَإِن جَعَلَ لِي شَعراً وَردَّ لحيتِي سَوْدَاء، آمنتُ بِمَا يَدْعُونِي إِلَيْهِ وَقُلْتُ:إِنَّهُ بَابُ الإِمَامُ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ:إِنَّهُ الإِمَامُ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ:إِنَّهُ النَّبِيّ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ:إِنَّهُ الله.
فَأَيِسَ الحَلاَّج مِنْهُ وَكفَّ.
قَالَ الأَزْرَق:وَكَانَ يدعُو كُلَّ قَوْمٍ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَشيَاء حسب مَا يَسْتَبله طَائِفَة طَائِفَة.
(27/364)

أَخْبَرَنِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه:أَنَّهُ لَمَّا افتُتِنَ بِهِ النَّاس بِالأَهْوَاز وَكُورِهَا بِمَا يُخْرِجُ لَهُم مِنَ الأَطعمَة وَالأَشربَة فِي غَيْر حينهَا، وَالدَّرَاهم الَّتِي سمَّاهَا درَاهم القُدرَة، فَحَدَّث أَبُو عَلِيٍّ الجبَائِيّ بِذَلِكَ، فَقَالَ:هَذِهِ الأَشيَاء يمكن الحِيَل فِيْهَا فِي منَازل، لَكِن أَدخلُوهُ بيتاً مِنْ بُيُوْتكُم وَكلِّفُوهُ أَنْ يُخرج مِنْهُ جرزتين شوكاً.
فَبلغَ الحَلاَّج قَوْلُه، وَأَنَّ قَوْماً عَملُوا عَلَى ذَلِكَ، فسَافر.
وفِي(النشوَار)لِلتَّنُوخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَهْوَازِيّ، قَالَ:حَدَّثَنِي مُنَجِّمٌ مَاهرٌ قَالَ:بَلَغَنِي خبر الحَلاَّج، فجئتُهُ كَالمسترشد، فَخَاطَبَنِي وَخَاطبته ثُمَّ قَالَ:تَشَهَّ السَّاعَة مَا شِئْت حَتَّى أَجيئَكَ بِهِ.
وَكُنَّا فِي بَعْضِ بلدَان الجبل الَّتِي لاَ يَكُوْن فِيْهَا الأَنهَار، فَقُلْتُ:أُرِيْدُ سَمَكاً طَرِيّاً حَيّاً، فَقَامَ، فَدَخَلَ البَيْت، وَأَغلق بَابَه، وَأَبطأَ سَاعَة، ثُمَّ جَاءنِي وَقَدْ خَاض وَحلاً إِلَى ركبته، وَمَعَهُ سمَكَةٌ تضطرب، وَقَالَ:دعوتُ الله، فَأَمرنِي أَنْ أَقصِدَ البطَائِح، فجئت بِهَذِهِ.
قَالَ:فعلمتُ أَنَّ هَذَا حِيْلَة، فَقُلْتُ لَهُ:فَدَعنِي أَدخل البَيْت، فَإِنْ لَمْ تنكشف لِي حِيْلَةٌ آمنتُ بِكَ؟.
قَالَ:شأَنك.(14/324)
(27/365)

فَدَخَلت البَيْت وَغَلَّقْتُ عَلَى نَفْسِي، فَلَمْ أَجِدْ طريقاً وَلاَ حِيلَة، ثُمَّ قلعت مِنَ التَّأزير، وَدخلتُ إِلَى دَارٍ كَبِيْرَة فِيْهَا بستَانٌ عَظِيْم، فِيْهِ صنوف الأَشجَار، وَالثِّمَار، وَالرَّيْحَان، الَّتِي هُوَ وَقتهَا، وَمَا لَيْسَ وَقتهَا مِمَّا قَدْ غُطِّيَ وَعُتِّقَ وَاحتيل فِي بقَائِه، وَإِذَا الخزَائِن مُفَتَّحَةٌ، فِيْهَا أَنْوَاع الأَطعمَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِذَا بِرْكَةٌ كَبِيْرَة، فَخضتُهَا، فَإِذَا رجلِي قَدْ صَارت بِالوحلِ كَرِجْلَيه، فَقُلْتُ:الآنَ إِن خَرَجتُ وَمعِي سمَكةً قتلنِي، فَصِدْتُ سمَكَة، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى بَابِ البَيْت أَقبلتُ أَقُولُ:آمنتُ وَصَدَّقْتُ، مَا ثَمَّ حِيْلَة، وَلَيْسَ إِلاَّ التَّصْدِيق بِك.
قَالَ:فَخَرَجَ.
وَخَرَجتُ وَعدوتُ، فَرَأَى السّمَكَة مَعِي، فَعدَا خَلْفِي، فلحقنِي، فضربتُ بِالسَّمَكَةِ فِي وَجْهِهِ وَقُلْتُ لَهُ:أَتعبْتَنِي حَتَّى مضيت إِلَى البَحْر فَاسْتَخرجت هَذِهِ، فَاشْتَغَل بِمَا لَحِقَهُ مِنَ السَّمَكَة، فَلَمَّا صرت فِي الطَّرِيْق رميت بنفسِي لِمَا لحقنِي مِنَ الجزع وَالفزع، فَجَاءَ إِلَيَّ، وَضَاحكنِي وَقَالَ:ادْخل.
فَقُلْتُ:هَيْهَاتَ.
فَقَالَ:اسْمع، وَاللهِ لَئِنْ شِئْتُ قتلتُك عَلَى فِرَاشك، وَلَكِن إِن سَمِعْتُ بِهَذِهِ الحِكَايَة لأَقتلنَّك، فَمَا حكيتهَا حَتَّى قتل.
قُلْتُ:هَذَا المنجِّم مَجْهُوْل، أَنَا أَستَبْعِدُ صِدْقَهُ.
ابْنُ بَاكويه:سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ الفَارِسِيَّ بِالمَوْصِل، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ سعدَان يَقُوْلُ:قَالَ لِي الحَلاَّج:تُؤمن بِي حَتَّى أَبعثَ إِلَيْك بعُصفورٍ أَطرحُ مِنْ ذَرْقهَا وَزن حَبَّةٍ عَلَى كَذَا مَنّاً نُحَاساً فَيَصِيْرُ ذَهباً؟
(27/366)

فَقُلْتُ لَهُ:بَلْ أَنْتَ تُؤمن بِي حَتَّى أَبعثَ إِلَيْكَ بفيلٍ يَسْتَلقِي فتصيرُ قَوَائِمُهُ فِي السَّمَاء، فَإِذَا أَردتَ أَنْ تُخفيهُ أَخفيتَه فِي إِحْدَى عَيْنَيْك.
قَالَ:فَبُهِتَ وَسَكَتَ.(14/325)
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحلاَّج:أُرِيْد تُفَّاحَة، وَلَمْ يَكُنْ وَقته، فَأَومأَ بِيَدِهِ إِلَى الهوَاء، فَأَعطَاهُم تُفَّاحَةً وَقَالَ:هَذِهِ مِنَ الجَنَّة.
فَقِيْلَ لَهُ:فَاكهَة الجَنَّة غَيْرُ متغيِّرَة، وَهَذِهِ فِيْهَا دودَة.
فَقَالَ:لأَنَّهَا خَرَجت مِنْ دَار البَقَاء إِلَى دَار الفنَاء، فحلَّ بِهَا جُزْءٌ مِنَ البلاَءِ.
فَانظر إِلَى ترَامِي هَذَا المِسْكِيْنِ عَلَى الكَرَامَاتِ وَالخوَارق، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذلاَن، فَعَنْ عُمَر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ خُشُوْعِ النِّفَاق.
قَالَ ابْنُ بَاكويه:حَدَّثَنَا حمدُ بنُ الحَلاَّج قَالَ:ثُمَّ قَدِمَ أَبِي بَغْدَاد، وَبنَى دَاراً، وَدَعَا النَّاس إِلَى مَعْنَىً لَمْ أَقف إِلاَّ عَلَى شطرٍ مِنْهُ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَقبَّحُوا صورَتَه، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّبْلِيّ.
قَالَ ابْنُ بَاكويه:سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ بزول القَزْوِيْنِيّ يَقُوْلُ:إِنَّهُ سَأَلَ ابْنَ خَفِيْف عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الأَبيَات
سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ نَاسُوْتُهُ*سِرَّ سَنَا لاَهُوتِه الثَّاقِبِ
ثُمَّ بدَا فِي خَلْقِهِ ظَاهِراً*فِي صُوْرَةِ الآكِلِ وَالشَّارِبِ
حَتَّى لَقَدْ عَايَنَهُ خَلْقُهُ*كَلَحْظَةِ الحَاجِبِ بِالحَاجِبِ
فَقَالَ ابْنُ خَفِيْف:عَلَى قَائِل ذَا لعنَةُ الله.
قَالَ:هَذَا شِعر الحُسَيْن الحَلاَّج.
قَالَ:إِنْ كَانَ هَذَا اعْتِقَادَهُ فَهُوَ كَافِر فَرُبَّمَا يَكُوْن مَقُولاً عَلَيْهِ.
(27/367)

السُّلَمِيّ:أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِد بنُ بَكْرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ فَارس، سَمِعْتُ الحَلاَّج يَقُوْلُ:حجبَهُم الاسْم فَعَاشوا، وَلَوْ أَبَرَز لَهُم عُلُوْم القدرَة لطَاشوا.(14/326)
وَقَالَ:أَسْمَاءُ اللهِ مِنْ حَيْثُ الإِدرَاكُ رسم، وَمِنْ حَيْثُ الحَقُّ حَقِيْقَة.
وَقَالَ:إِذَا تخلَّص العَبْدُ إِلَى مقَام المَعْرِفَة، أُوحيَ إِلَيْهِ بخَاطرَة.
وَقَالَ:مَنَ التمسَ الحَقَّ بِنُورِ الإِيْمَان، كَانَ كَمَنْ طَلَبَ الشَّمْس بِنُوْرِ الكواكب.
وَقَالَ:مَا انفصَلَتِ البشريَّةُ عَنْهُ، وَلاَ اتَّصلت بِهِ.
وَمِمَّا رُوِيَ لِلْحلاج:
أَنْتَ بَيْنَ الشَّغَافِ وَالقَلْبِ تَجْرِي*مِثْلَ جَرْيِ الدُّمُوعِ مِنْ أَجْفَانِي
وَتَحِلُّ الضَّمِيْرَ جَوْفَ فُؤَادِي*كَحُلُوْلِ الأَروَاحِ فِي الأَبْدَانِ
يَا هِلاَلاً بَدَا لأَرْبَع عَشْرٍ*لِثَمَانٍ وَأَرْبَعٍ وَاثْنَتَان
وَله:
مُزِجَتْ رُوْحِي فِي رِوحِكْ كَمَا*تُمْزَجُ الخَمْرَةُ بِالمَاءِ الزُّلاَلِ
فَإِذَا مَسَّكَ شَيْءٌ مَسَّنِي*فَإِذَا أَنْتَ أَنَا فِي كُلِّ حَال
وَعَنِ القَناد قَالَ:لقيتُ يَوْماً الحَلاَّج فِي حَالَةٍ رَثَّةٍ، فَقُلْتُ لَهُ:كَيْفَ حَالك؟(14/327)
فَأَنشَأَ يَقُوْلُ:
لَئِنْ أَمْسَيْتُ فِي ثَوْبَي عَدِيْمٍ*لَقَدْ بَليَا عَلَى حُرٍّ كَرِيْمِ
فَلاَ يَحْزُنْكَ أَنْ أَبْصَرْتَ حَالاً*مُغَيَّرَةً عَنِ الحَالِ القَدِيْم
فَلِي نَفْسٌ سَتَذْهَبُ أَوْ سَتَرْقَى*لَعَمْرُكَ بِي إِلَى أَمْرٍ جَسِيْم
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ أُدخل الحَلاَّج بَغْدَاد مَشْهُوْراً عَلَى جَمل، قبض عَلَيْهِ بِالسُّوس، وَحُمِلَ إِلَى الرَّائِشِيّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ حَيّاً، وَنُودِي عَلَيْهِ:هَذَا أَحَدُ دُعَاة القرَامِطَة فَاعْرِفُوهُ.
(27/368)

وَقَالَ الفَقِيْه أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ:كَانَ الحَلاَّجُ قَدِ ادَّعَى أَنَّهُ إِله، وَأَنَّهُ يَقُوْلُ بحلول اللاَّهُوتِ فِي النَّاسُوت، فَأَحْضَرَهُ الوَزِيْرُ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى فَلَمْ يجده - إِذْ سأَله - يُحْسِنُ القُرْآن وَالفِقْه وَلاَ الحَدِيْثَ.
فَقَالَ:تعلُّمُكَ الفرضَ وَالطَّهور أَجدَى عَلَيْكَ مِنْ رسَائِل لاَ تَدْرِي مَا تَقُولُ فِيْهَا.
كَمْ تَكْتُبُ - وَيْلَك - إِلَى النَّاس:تبَاركَ ذُو النُّوْرِ الشَّعْشَعَانِيّ؟!مَا أَحْوَجَكَ إِلَى أَدب!وَأَمَرَ بِهِ فصُلب فِي الجَانب الشَّرْقِيّ، ثُمَّ فِي الغربِيّ.
وَوُجد فِي كُتُبِه:إِنِّيْ مُغْرِقُ قَوْم نوح، وَمُهْلِك عَادَ وَثمود.
وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْوَاحِد مِنْ أَصْحَابه:أَنْتَ نُوح.
وَلآخر:أَنْتَ مُوْسَى.
وَلآخر:أَنْتَ مُحَمَّد.
وَقَالَ:مَنْ رَسَتْ قَدَمُهُ فِي مَكَان المنَاجَاة، وَكُوْشِفَ بِالمُبَاشرَة، وَلُوْطِفَ بِالمُجَاوَرَة، وَتلذَّذ بِالقُرْبِ، وَتزيَّن بِالأُنْس، وَترَشَّحَ بِمرَأَى الملكوت، وَتوشَّح بِمَحَاسِن الجَبَروت، وَترقَّى بَعْدَ أَنْ توقَّى، وَتَحَقَّقَ بَعْدَ أَنْ تمَزَّق، وَتَمَزَّقَ بَعْدَ أَنْ تزندَق، وَتصرَّف بَعْدَ أَنْ تعرَّف، وَخَاطبَ وَمَا رَاقبَ، وَتدلَّلَ بَعْدَ أَنْ تَذَلَّل، وَدَخَلَ وَمَا اسْتَأَذنَ، وَقُرِّبَ لَمَّا خُرِّب، وَكُلِّمَ لَمَّا كُرِّم، مَا قتلُوهُ وَمَا صَلَبوهُ.(14/328)
ابْنُ بَاكويه:سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ المذَارِيّ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب النَّهْرَجُورِيّ يَقُوْلُ:دَخَلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْر مَكَّة، فَجَلَسَ فِي صحن المَسْجَد لاَ يَبْرَحُ مِنْ مَوْضِعه إِلاَّ لِلطَّهَارَة أَوِ الطَّوَاف، لاَ يُبَالِي بِالشَّمْس وَلاَ بِالمَطَر، فَكَانَ يُحمل إِلَيْهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ كُوْزٌ وَقُرص، فيعَضُّ مِنْ جَوَانبه أَرْبَعَ عَضَّاتٍ وَيَشْرَبُ.
(27/369)

أَخْبَرَنَا المسلمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيّ كِتَابة، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ زريق، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ السَّاحلِيُّ،

عدد المشاهدات *:
265766
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 14/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/12/2013

سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي

روابط تنزيل : الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ أ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط   الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ أ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي


@designer
1