اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
??????????????????? ?????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ??????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

مخ

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
المُجَلَّدُ الرَّابِعَ عَشَرَ
الطَّبَقَةُ السَّادِسَةَ عَشَرَةَ مِنَ التَّابِعِيْنَ
الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ
الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ ب
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الحَافِظ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الوَاعِظ يَقُوْل:قَالَ أَبُو القَاسِمِ الرَّازِيّ:قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مُمْشَاذ:حضَر عِنْدنَا بِالدِّيْنَور رَجُلٌ مَعَهُ مِخلاَة، فَفَتَّشوهَا، فَوَجَدُوا فِيْهَا كِتَاباً لِلْحلاَّج عنوَانُهُ:مِنَ الرَّحْمَن الرَّحِيْم إِلَى فُلاَن بن فُلاَن.
فَوجه إِلَى بَغْدَادَ فَأُحضرَ وَعُرض عَلَيْهِ، فَقَالَ:هَذَا خَطِّي وَأَنَا كَتَبْتُهُ.
فَقَالُوا:كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّة، صِرْتَ تَدَّعِي الرُّبوبيَّة؟!
قَالَ:لاَ، وَلَكِن هَذَا عينُ الجَمْعِ عِنْدنَا، هَلِ الكَاتِب إِلاَّ الله وَأَنَا؟فَاليد فِيْهِ آلَة.
فَقِيْلَ:هَلْ مَعَكَ أَحَد؟
قَالَ:نَعَمْ، ابْنُ عَطَاء، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَرِيْرِيّ، وَالشِّبلِيّ.
فَأُحضر الجَرِيْرِيّ، وَسُئِلَ، فَقَالَ:هَذَا كَافِر، يُقْتَل مَنْ يَقُوْلُ هَذَا.
وَسُئِلَ الشِّبلِيّ فَقَالَ:مَنْ يَقُوْلُ هَذَا يُمنع.
وَسُئِلَ ابْنُ عَطَاء، فَوَافق الحَلاَّج، فَكَانَ سَبَب قتله.
قُلْتُ:أَمَّا أَبُو العَبَّاسِ بنُ عَطَاءٍ فَلَمْ يُقتل، وَكلَّم الوَزِيْر بكَلاَم غليظٍ لَمَّا سأَله، وَقَالَ:مَا أَنْتَ وَهَذَا، اشْتَغَلت بظلم النَّاس.
فعزَّره.(14/329)
(27/370)

وَقَالَ السُّلَمِيُّ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ قَالَ:كَانَ الوَزِيْرَ حِيْنَ أُحضر الحَلاَّجُ لِلْقتل حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، فَأَمره أَنْ يَكْتُبَ اعْتِقَاده، فَكَتَبَ اعْتِقَاده، فَعَرضه الوَزِيْر عَلَى الفُقَهَاء بِبَغْدَادَ، فَأَنكروهُ، فَقِيْلَ لحَامِد:إِنَّ ابْنَ عَطَاء يُصَوِّب قَوْله، فَأَمر بِهِ، فَعُرض عَلَى ابْنِ عَطَاءٍ، فَقَالَ:هَذَا اعْتِقَادٌ صَحِيْح، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا فَهُوَ بِلاَ اعْتِقَاد.
فَأُحضر إِلَى الوَزِيْرِ، فَجَاءَ، وَتصدَّر فِي المَجْلِسِ، فغَاظ الوَزِيْر ذَلِكَ، ثُمَّ أُخرج ذَلِكَ الخطّ فَقَالَ:أَتصوِّبُ هَذَا؟
قَالَ:نَعَمْ، مَا لَك وَلِهَذَا؟عَلَيْك بِمَا نُصِبْتَ لَهُ مِنَ المُصَادرَة وَالظُّلم، مَا لَك وَلِلْكَلاَمِ فِي هَؤُلاَءِ السَّادَة؟
فَقَالَ الوَزِيْر:فَكَّيْهِ.
فَضُرِبَ فَكَّاهُ، فَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ:اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَلَّطْتَ هَذَا عليَّ عُقوبَةً لدُخُوْلِي عَلَيْهِ.
فَقَالَ الوَزِيْر:خُفَّه يَا غُلاَم.
فنزع خُفَّه.
فَقَالَ:دمَاغَه.
فَمَا زَالَ يضرب دمَاغه حَتَّى سَالَ الدَّم مِنْ مَنْخِرَيه.
ثُمَّ قَالَ:الحَبْس.
فَقِيْلَ:أَيُّهَا الوَزِيْر؟يتشوَّش العَامَّة.
فَحُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:حضَرتُ بَيْنَ يدِي أَبِي الحَسَنِ بنِ بَشَّارٍ، وَعِنْدَهُ أَبُو العَبَّاسِ الأَصْبَهَانِيّ، فَذَاكره بقصَّة الحَلاَّج، وَأَنَّهُ لَمَّا قُتل كتب ابْنُ عَطَاء إِلَى ابْنِ الحَلاَّج كِتَاباً يعزِّيه عَنْ أَبِيْهِ، وَقَالَ:رَحِمَ اللهُ أَبَاك، وَنسخَ رُوحه فِي أَطيبِ الأَجسَاد.
فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقُوْلُ بالتَّنَاسخ، فَوَقَعَ الكِتَابُ فِي يد حَامِد، فَأَحضر أَبَا العَبَّاسِ بنَ عَطَاء وَقَالَ:هَذَا خَطَّكَ؟
قَالَ:نَعَمْ.
(27/371)

قَالَ:فَإِقرَارُك أَعْظَم.
قَالَ:فَشَيْخٌ يكذب؟!
فَأَمر بِهِ، فَصُفِعَ.
فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ بَشَّار:إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللهُ حَامِد بن العَبَّاسِ الجَنَّة بِذَلِكَ الصَّفْع.
قَالَ السُّلَمِيُّ:أَكْثَر المَشَايِخ ردُّوا الحَلاَّج وَنَفَوهُ، وَأَبَوْا أَنْ يَكُوْنَ لَهُ قَدَمٌ فِي التَّصَوُّف، وَقبله ابْنُ عَطَاء، وَابْنُ خَفِيْف، وَالنَّصْر آباذِيّ.
قُلْتُ:قَدْ مرَّ أَنَّ ابْنَ خَفِيْف عُرِض عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كَلاَم الحَلاَّج، فَتبرَّأَ مِنْهُ.(14/330)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الرَّازِيّ:سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ يلعنُ الحَلاَّج وَيَقُوْلُ:لَوْ قدرت عَلَيْهِ لقتلتُهُ بيدِي.
فَقُلْتُ:أَيش وَجد الشَّيْخ عَلَيْهِ؟
قَالَ:قَرَأْتُ آيَةً مِنْ كِتَاب اللهِ فَقَالَ:يُمْكنُنِي أَنْ أُؤلِّف مثلَه.
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ الأَقطع:زوَّجتُ ابْنتِي مِنَ الحُسَيْنِ بنِ مَنْصُوْر لِمَا رَأَيْت مِنْ حُسنِ طريقته وَاجْتِهَاده، فَبَانَ لِي بَعْد مُدَّة يَسِيْرَة أَنَّهُ سَاحرٌ، محتَالٌ كَافِرٌ.
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ النُّعْمَانِيّ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ الفَقِيْه يَقُوْلُ:إِنْ كَانَ مَا أَنزل اللهُ عَلَى نَبِيّه حقاً، فَمَا يَقُوْلُ الحَلاَّج بَاطِل.
وَكَانَ شَدِيْداً عَلَيْهِ.
السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيَّ بِالكُوْفَةِ يَقُوْلُ:مَا تجرَّد أَحَدٌ عَلَى الحَلاَّج وَحَمَلَ السُّلْطَانَ عَلَى قتله كَمَا تجرَّد لَهُ ابْن دَاوُدَ.
وَبلغَنِي أَنَّهُ لَمَّا أُخرج إِلَى القتل تغيَّر وَجهُ حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الفُقَهَاء:لاَ تَشُكَّنَّ أَيُّهَا الوَزِيْر، إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حقّاً، فَمَا يَقُوْلُ هَذَا بَاطِل.
(27/372)

السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ يَحْيَى، سَمِعْتُ جَعْفَراً الخُلْدِيّ وَسُئِلَ عَنِ الحَلاَّج فَقَالَ:أَعرفُه وَهُوَ حَدَث، كَانَ هُوَ وَالفُوَطِيّ يصحَبَان عَمْراً المَكِّيَّ، وَهُوَ يِحلِج.
السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي سعدَان يَقُوْلُ:الحَلاَّجُ مُمَوِّهٌ مُمَخْرِق.
قَالَ السُّلَمِيُّ:وَبلغنِي أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الجُنَيْد، فَقَالَ:أَنَا الحَقّ.
قَالَ:بَلْ أَنْتَ بِالْحَقِّ، أَيَّ خشبَةٍ تُفسد.(14/331)
السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ غَالِب يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ بَعْضَ أَصحَابنَا يَقُوْلُ:لَمَّا أَرَادُوا قتلَ الحَلاَّج، أُحضر لِذَلِكَ الفُقَهَاء، فَسَأَلُوهُ:مَا البُرهَان؟
قَالَ:شوَاهد يُلْبِسُهَا الحَقُّ لأَهْل الإِخْلاَص، يجذبُ فِي النُّفُوْس إِلَيْهَا جَاذب القبول.
فَقَالُوا بِأَجمعهم:هَذَا كَلاَم أَهْل الزَّنْدَقَة.
فنَقُوْل:بَلْ مَنْ وَزَنَ نَفْسَه وَزمَّهَا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ صَاحِبُ برهَان وَحجَّة، فَمَا أَخيَبَ سَهْمَ مَنْ فَاته ذَلِكَ!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِيْمَا أَنبأُونِي عَنْهُ:إِنَّ شَيْخَه أَبَا بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ أَنبأَه قَالَ:شهدتُ أَنَا، وَجَمَاعَة عَلَى أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل قَالَ:كُنْتُ قَدِ اعتقدتُ فِي الحَلاَّج وَنصرته فِي جزء، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ قُتل بِإِجمَاع فُقَهَاء عصره، فَأَصَابُوا وَأَخْطَأَ هُوَ وَحده.
السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ مَنْصُوْر بنَ عَبْدِ اللهِ:سَمِعْتُ الشِّبلِيَّ يَقُوْلُ:كُنْتُ أَنَا وَالحَلاَّج شَيْئاً وَاحِداً، إِلاَّ أَنَّهُ أَظهرَ وَكتمتُ.
وَسَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ:وَقَفَ الشِّبلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوب، فَنَظَر إِلَيْهِ وَقَالَ:أَلم ننهَكَ عَنِ العَالمِين؟!
(27/373)

أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنَا أَبِي:حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ حضَر مَجْلِس حَامِد وَجَاؤُوهُ بدَفَاتِر الحَلاَّج، فِيْهَا:إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَغنِي عَنْهُ بِأَنَّ يعمدَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَاره، فيعمل فِيْهَا مِحرَاباً، وَيغتسل وَيُحرم، وَيَقُوْلُ:كَذَا وَكَذَا، وَيُصَلِّي كَذَا وَكَذَا، وَيطوفُ بِذَلِكَ البَيْت، فَإِذَا فرَغ فَقَدْ سَقَط عَنْهُ الحَجّ إِلَى الكَعْبَة.
فَأَقرَّ بِهِ الحَلاَّج وَقَالَ:هَذَا شَيْءٌ رويتُهُ كَمَا سمِعتهُ.
فتعلّق بِذَلِكَ عَلَيْهِ الوَزِيْر، وَاسْتفتَى القَاضِيَيْن:أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنَ البُهْلُول، وَأَبَا عُمَرَ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ:هَذِهِ زَنْدَقَةٌ يَجِبُ بِهَا القتل.(14/332)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:لاَ يَجِبُ بِهَذَا قتلٌ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُه، لأَنَّ النَّاس قَدْ يروون الكُفْرَ وَلاَ يَعْتَقِدُوْنَهُ، وَإِنْ أَخبر أَنَّهُ يَعْتَقِده اسْتُتِيبَ مِنْهُ، فَإِنْ تَاب فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وَإِلاَّ قُتِلَ.
فعمِلَ الوَزِيْرُ عَلَى فتوَى أَبِي عُمَرَ عَلَى مَا شَاع وَذَاع مِنْ أَمره، وَظهرَ مِنْ إِلحَاده وَكُفره، فَاسْتُؤذِنَ المُقْتَدِرُ فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتغوَى نصراً القُشُورِيَّ مِنْ طَرِيْقِ الصَّلاَح وَالدِّين، لاَ بِمَا كَانَ يدعُو إِلَيْهِ، فَخوَّفَ نصرٌ السَّيِّدَة أُمَّ المُقْتَدِر مِنْ قتله، وَقَالَ:لاَ آمَنُ أَنْ يلحق ابْنَكِ عقوبَةُ هَذَا الصَّالِح.
(27/374)

فمَنَعَتِ المُقْتَدِرَ مِنْ قَتْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَمر حَامِداً بِقَتْلِهِ، فَحُمَّ المُقْتَدِرُ يَوْمهُ ذَلِكَ، فَازدَادَ نصرٌ وَأَمُّ المُقْتَدِر افتتَاناً، وَتشكَّكَ المُقْتَدِر، فَأَنفذ إِلَى حَامِد يمنعه مِنْ قَتْلِهِ، فَأَخَّر ذَلِكَ أَيَّاماً إِلَى أَنْ عُوفِي المُقْتَدِر.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِد وَقَالَ:يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ!هَذَا إِن بَقِيَ قلبَ الشَّريعَة، وَارتدَّ خلقٌ عَلَى يَدَهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى زوَال سلطَانك، فدعنِي أَقتلْه، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَاقتُلنِي، فَأَذن لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَتَلَهُ مِنْ يَوْمه، فَلَمَّا قُتل قَالَ أَصْحَابُه:مَا قُتل وَإِنَّمَا قتل بِرْذَوْنٌ كَانَ لفُلاَن الكَاتِب، نَفَقَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يعُود إِلَيْنَا بَعْد مُدَّة، فصَارت هَذِهِ الجَهَالَةُ مَقَالَة طَائِفَة.
قَالَ:وَكَانَ أَكْثَر مخَاريق الحَلاَّج أَنَّهُ يظهرهَا كَالمعجزَات، يَسْتَغوِي بِهَا ضَعَفَة النَّاس.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّنُوْخِيّ، قَالَ:أَخْبَرَنِي جَمَاعَة أَنَّ أَهْل مَقَالَة الحَلاَّج يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللاَّهوتَ الَّذِي كَانَ فِيْهِ حَالٌّ فِي ابْنٍ لَهُ بتُسْتَر، وَأَنَّ رَجُلاً فِيْهَا هَاشِم يُقَال لَهُ:أَبُو عُمَارَة مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ حلَّت فِيْهِ روح مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُخَاطب فِيهِم بسيِّدنَا.(14/333)
قَالَ التَّنوخِيُّ الأَزْرَق:فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنِ اسْتدَعَاهُ مِنَ الحَلاَّجيَّة إِلَى أَبِي عمَارَة هَذَا إِلَى مَجْلِس، فَتَكَلَّم فِيْهِ عَلَى مَذْهَب الحَلاَّج وَيدعُو إِلَيْهِ.
(27/375)

قَالَ:فَدَخَلتُ وَظنُّوا أَنِّي مُسترشِد، فَتَكَلَّم بِحَضْرتِي وَالرَّجُلُ أَحْوَل، فَكَانَ يقلب عَيْنَيْهِ إِلَيَّ فيجيشُ خَاطرُهُ بِالهَوَس، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ لِي الرَّجُلُ:آمنتَ؟
فَقُلْتُ:أَشدّ مَا كُنْتُ تكذيباً لِقَولكُم الآنَ، هَذَا عندكُم بِمَنْزِلَة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - !؟لِمَ لاَ يجعل نَفْسه غَيْر أَحْوَل؟
فَقَالَ:يَا أَبْلَه!وَكَأَنَّهُ أَحْوَل، إِنَّمَا يقلِّب عينيه فِي الملكوت.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ:أَخْبَرَنِي أَبُو العَبَّاسِ المتطبِّبُ أَحَدُ مسلمِي الطِّبّ الَّذِيْنَ شَاهدتُهُم:إِنَّ حَيَّ نور بن الحَلاَّج بتُسْتَر، وَإِنَّهُ يَلْتَقِط درَاهم مِنَ الهوَاء وَيَجْمَعُهَا وَيسمِّيهَا درَاهم القُدرَة، فَأَحضرُوا مِنْهَا إِلَى مجمع كَانَ لَهُم، فَوَضَعُوهَا وَاتخذُوا أَولئك يَشْهَدُوْنَ لَهُ أَنَّهُ الْتَقَطهَا مِنَ الجَوّ، يُغرُوْنَ بِهَا قَوْماً غرباء، يَسْتَدعونهُم بِذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ قدرَ حَيّ نور أَجلُّ مِنْ أَنْ يُمتحن كُلَّ وَقت، فَلَمَّا وضعت الدَّرَاهِم فِي منديل قلَّبتهَا فَإِذَا فِيْهَا دِرْهَمٌ زَائِف، فَقُلْتُ:أَهذه درَاهُم القُدرَة كُلّهَا؟
قَالُوا:نَعَمْ.
فَأَريتُهُم الدِّرْهَم الزَّيْف، فتفرقتِ الجَمَاعَةُ وَقُمنَا، وَكَانَ حَيّ نور قَدِ اسْتغوَى قَائِداً دَيْلَمِيّاً عَلَى تُسْتَر، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ فِي المخرقَة البَاردَة، فَانهتك لَهُ، فَقَتَلَهُ.
فَمِنْ بَارِد مخَاريقه:أَنَّهُ أَحضر جِرَاباً وَقَالَ لَهُ:إِذَا حَزَبكَ أَمرٌ أَخرجتُ لَكَ مِنْ هَذَا الجرَاب أَلف تُركِيٍّ بسلاَحهِم وَنَفَقَتِهِم.
فَسقط مِنْ عينه وَاطَّرَحَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ بَعْد مُدَّة وَقَالَ:أَنَا أَرُدُّ يد الملك أَحْمَد بن بُويه المقطوعَةَ صَحِيْحَة، فَأَدخِلْنِي إِلَيْهِ.
(27/376)

فصَاح عَلَيْهِ وَقَالَ:أُرِيْد أَنْ أَقْطَعَ يدك؛فَإِن رددتهَا حملتُك إِلَيْهِ، فَاضطَرَبَ مِنْ ذَلِكَ، فرمَاهُ بِشَيْءٍ كَانَتْ فِيْهِ منيَّتُه، فَبعثَه سِرّاً فغرَّقه.(14/334)
قَالَ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ الزَّوْزنِيّ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ ثوَابَة يَقُوْلُ:حَكَى لِي زيد القَصْرِيُّ، قَالَ:كُنْتُ بِالقُدْس، إِذْ دَخَلَ الحَلاَّج، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُشْعَلُ فِيْهِ قنديلُ قُمَامَةٍ بدُهن البَلَسَان، فَقَامَ الفُقَرَاء إِلَيْهِ يطلُبُونَ مِنْهُ شَيْئاً، فَدَخَلَ بِهِم إِلَى القُمَامَة، فَجَلَسَ بَيْنَ الشَّمَامِسَة، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّوَاد، فَظنُّوهُ مِنْهُم، فَقَالَ لَهُم:مَتَى يُشعل القنديل؟
قَالُوا:إِلَى أَرْبَع سَاعَات.
فَقَالَ:كَثِيْر.
فَأَومأَ بِأُصبعه، فَقَالَ:الله.
فَخَرَجت نَارٌ مَنْ يَده، فَأَشعلتِ القنديل، وَاشتعلت أَلفُ قِنديل حوَاليه، ثُمَّ رُدَّت النَّارُ إِلَى أُصْبُعه، فَقَالُوا:مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ:أَنَا حنيفيّ، أَقلُّ الحنيفيين، تُحِبُّون أَنْ أُقيم أَوْ أَخرج؟فَقَالُوا:مَا شِئْت.
فَقَالَ:أَعطُوا هَؤُلاَءِ شَيْئاً.
فَأَخرجُوا بَدْرَةً فِيْهَا عَشْرَة آلاَف دِرْهَم لِلْفُقَرَاء.
فَهَذِهِ الحِكَايَةُ وَأَمثَالهُا مَا صَحَّ مِنْهَا فحكمُهُ أَنَّهُ مخدومٌ مِنَ الجِنّ.
(27/377)

قَالَ التَّنُوْخِيّ:وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَق قَالَ:بَلَغَنِي أَنَّ الحَلاَّج كَانَ لاَ يَأْكُل شَيْئاً شَهْراً، فَهَالنِي هَذَا، وَكَانَ بَيْنَ أَبِي الفَرَجِ وَبَيْنَ روحَان الصُّوْفِيَّ مودَّة، وَكَانَ مُحَدِّثاً صَالِحاً وَكَانَ القَصْرِيُّ - غُلاَم الحَلاَّج - زوج أُخْته، فَسَأَلته عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:أَمَّا مَا كَانَ الحَلاَّج يَفْعَلُه فَلاَ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ يتمُّ لَهُ، وَلَكِنَّ صِهرِيَ القَصْرِيَّ قَدْ أَخذ نَفْسَه، وَدرَّجهَا، حَتَّى صَارَ يصبِر عَنِ الأَكل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، أَقلّ أَوْ أَكْثَر.(14/335)
وَكَانَ يَتمُّ لَهُ ذَلِكَ بِحِيْلَةٍ تَخفَى عَلَيَّ، فَلَمَّا حُبِسَ فِي جُمْلَةِ الحَلاَّجِيَّةِ، كَشَفَهَا لِي، وَقَالَ لِي:إِنَّ الرَّصدَ إِذَا وَقَعَ بِالإِنْسَانِ، وَطَالَ فَلَمْ تَنكَشِفْ مَعَهُ حِيْلَةٌ، ضَعُفَ عَنْهُ الرَّصدُ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ يَضعُفُ كُلَّمَا لَمْ تَنكَشِفْ حِيلَتُه، حَتَّى يَبطُلَ أَصلاً، فَيَتَمَكَّنُ حِيْنَئِذٍ مِنْ فِعلِ مَا يُرِيْدُ، وَقَدْ رَصَدَنِي هَؤُلاَءِ مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَمَا رَأَوْنِي آكُلُ شَيْئاً بَتَّةَ، وَهَذَا نِهَايَة صَبْرِي، فَخُذْ رطْلاً مِنَ الزَّبِيبِ وَرِطْلاً مِنَ اللَّوزِ، فَدُقَّهُمَا، وَاجعَلْهُمَا مِثْلَ الكُسبِ، وَابسُطْهُ كَالوَرَقَةِ، وَاجعَلْهَا بَيْنَ وَرَقَتَينِ كَدَفْتَرٍ، وَخُذِ الدَّفتَرَ فِي يَدِكَ مَكشُوَفاً مَطوِيّاً لِيَخفَى، وَأَحضِرْهُ لِي خُفْيَةً لآكُلَ مِنْهُ وَأَشرَبَ المَاءَ فِي المَضمَضَةِ، فَيَكفِينِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً أُخْرَى.
فكُنْت أَعمَلُ ذَلِكَ لَهُ طُولَ حَبْسِهِ.
(27/378)

قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ فِي(تَارِيْخِهِ):وَظَهَرَ رَجُلٌ يُعرَفُ بِالحَلاَّجِ، وَكَانَ فِي حَبسِ السُّلْطَانِ بِسعَايَةٍ وَقَعَتْ بِهِ فِي وِزَارَةِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، وَذُكِرَ عَنْهُ ضُرُوبٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ، وَوَضَعَ الحِيَلَ عَلَى تَضلِيلِ النَّاسِ مِنْ جِهَاتٍ تُشبِهُ الشَّعوَذَةَ وَالسِّحرَ وَادِّعَاءَ النُّبُوَّةِ، فَكَشَفَهُ الوَزِيْرُ، وَأَنَهَى خَبَرَهُ إِلَى المُقْتَدِرِ، فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا رُمِيَ بِهِ، وَعَاقَبَه، وَصَلَبَهُ حَيّاً أَيَّاماً، وَنُودِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حُبِسَ سِنِيْنَ، يُنقَلُ مِنْ حَبسٍ إِلَى حَبسٍ، حَتَّى حُبِسَ بِأَخَرَةٍ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، فَاسْتَغوَى جَمَاعَةً مِنَ الغِلمَانِ، وَمَوَّهُ عَلَيْهِم، وَاسْتَمَالَهُم بِحِيْلَةٍ، حَتَّى صَارُوا يَحْمُونَه، وَيَدفَعُوْنَ عَنْهُ، ثُمَّ رَاسَلَ جَمَاعَةً مِنَ الكِبَارِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَتَرَامَى بِهِ الأَمْرُ حَتَّى ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، فَسُعِيَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِه فَقُبِضَ عَلَيْهِم، وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِم كُتُبٌ لَهُ تَدُلُّ عَلَى مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَانتَشَرَ خَبَرُه، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي قَتْلِهِ، فَسَلَّمَه الخَلِيْفَةُ إِلَى الوَزِيْرِ حَامِدٍ، وَأَمَرَ أَنْ يَكشِفَهُ بِحَضْرَةِ القُضَاةِ، وَيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَرَتْ فِي ذَلِكَ خُطُوبٌ، ثُمَّ تَيَقَّنَ السُّلْطَانُ أَمرَه، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَإِحرَاقِهِ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ نَحْواً مِنْ أَلفٍ، وَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَضُرِبَتْ عُنُقُه، وَأُحرِقَ بَدَنُه، وَنُصِبَ رَأْسُه لِلنَّاسِ، وَعُلِّقَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ إِلَى جَانِبِ رَأْسِهِ.(14/336)
(27/379)

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيُّ:أَخْبَرَنِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَيَّاشٍ القَاضِي، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ:
أَنَّهُ كَانَ بِحَضْرَةِ حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ لَمَّا قُبِضَ عَلَى الحَلاَّجِ، وَقَدْ جِيْءَ بِكُتُبٍ وُجِدَتْ فِي دَارِهِ مِنْ دُعَاتِهِ فِي الأَطرَافِ يَقُوْلُوْنَ فِيْهَا:وَقَدْ بَذَرْنَا لَكَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا يَزكُو فِيْهَا، وَأَجَابَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ البَابُ - يَعْنِي:الإِمَامَ - وَآخَرُوْنَ يَعنُوْنَ أَنَّكَ صَاحِبُ الزَّمَانِ - يَعنُوْنَ:الإِمَامَ الَّذِي تَنْتَظِرُهُ الإِمَامِيَّةُ - وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ صَاحِبُ النَّامُوسِ الأَكْبَرِ - يَعنُوْنَ:النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْمٌ يَعنُوْنَ أَنَّكَ هُوَ هُوَ - يَعْنِي:اللهَ عَزَّ وَجَلَّ - .
قَالَ:فَسُئِلَ الحَلاَّجُ عَنْ تَفْسِيْرِ هَذِهِ الكُتُبِ، فَأَخَذَ يَدفَعُهُ وَيَقُوْلُ:هَذِهِ الكُتُبُ لاَ أَعرِفُهَا، هَذِهِ مَدسُوسَةٌ عَلَيَّ، وَلاَ أَعلَمُ مَا فِيْهَا، وَلاَ مَعنَى هَذَا الكَلاَمِ.
وَجَاؤُوا بِدَفَاتِرَ لِلْحَلاَّجِ فِيْهَا:أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، فَإِنَّهُ يَكفِيهِ أَنْ يَعمَدَ إِلَى بَيْتٍ...، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ الحَنْبَلِيُّ:كَانَ عِنْدَنَا بِسُوقِ السِّلاَحِ رَجُلٌ يَقُوْلُ:القُرْآنُ حِجَابٌ، وَالرَّسُولُ حِجَابٌ، وَلَيْسَ إِلاَّ عَبْدٌ وَرَبٌّ، فَافْتُتِنَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَتَرَكُوا العِبَادَاتِ، ثُمَّ اخْتَفَى مَخَافَةَ القَتْلِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي(تَارِيْخِهِ):ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حَامِدٍ أَنَّ الحَلاَّجَ قَدْ مَوَّهَ عَلَى الحَشَمِ وَالحُجَّابِ بِالدَّارِ بِأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى، وَأَنَّ الجِنَّ يَخدِمُونَهُ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحيَى عِدَّةً مِنَ الطَّيرِ.(14/337)
(27/380)

وَقِيْلَ:إِنَّ القُنَّائِيَّ الكَاتِبَ يَعْبُدُ الحَلاَّجَ وَيَدعُو إِلَيْهِ، فَكُبِسَ بَيتُه، وَأَحضَرُوا مِنْ دَارِهِ دَفَاتِرَ وَرِقَاعاً بِخَطِّ الحَلاَّجِ، فَنَهَضَ حَامِدٌ، فَدَفَعَه المُقْتَدِرُ إِلَى حَامِدٍ، فَاحْتَفَظَ بِهِ، وَكَانَ يُخْرِجُهُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى مَجْلِسِه لِيَظفَرَ لَهُ بِسَقْطِه، فَكَانَ لاَ يَزِيْدُ عَلَى إِظهَارِ الشَّهَادَتَينِ وَالتَّوحِيدِ وَالشَّرَائِعِ، وَقَبَضَ حَامِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ يَعْتَقِدُوْنَ إِلَهِيَّةَ الحَلاَّجِ، فَاعْتَرَفُوا أَنَّهُم دُعَاةُ الحَلاَّجِ، وَذَكَرُوا لِحَامِدٍ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُم أَنَّهُ إِلَهٌ، وَأَنَّهُ يُحيِي المَوْتَى، وَكَاشَفُوا بِذَلِكَ الحَلاَّجَ، فَجَحَدَ، وَكَذَّبَهُم، وَقَالَ:أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ أَعْبُدُ اللهَ، وَأُكْثِرُ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ وَفِعلَ الخَيْرِ، وَلاَ أَعرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجِيٍّ:أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
(27/381)

كَانَ أَوَّلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ أَمرِ الحَلاَّجِ لِحَامِدٍ أَنَّ شَيْخاً يُعْرَفُ بِالدَّبَّاسِ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَخْرَقَتَه، فَفَارَقَهُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ أَبُو عَلِيٍّ الأوَارجِيُّ الكَاتِبُ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ كِتَاباً ذَكَرَ فِيْهِ مَخَارِيقَ الحَلاَّجِ وَالحِيَلَ فِيْهَا، وَالحَلاَّجُ حِيْنَئِذٍ مُقِيْمٌ عِنْدَ نَصْرٍ القُشُوْرِيِّ فِي بَعْضِ حُجَرِهِ، مُوسعٌ عَلَيْهِ، مَأْذُوْنٌ لِمَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَغوَى القُشُوْرِيَّ، فَكَانَ يُعَظِّمُه، وَيُحَدِّثُ أَنَّ عِلَّةً عَرَضَتْ لِلْمُقْتَدِرِ فِي جَوفِه، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ الحَلاَّجُ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَعُوْفِيَ، فَقَامَ بِذَلِكَ لِلْحَلاَّجِ سُوقٌ فِي الدَّارِ وَعِنْدَ أُمِّ المُقْتَدِرِ، وَلَمَّا انْتَشَرَ كَلاَمُ الدَّبَّاسِ وَالأَوَارجِيِّ فِي الحَلاَّجِ، أُحضِرَ إِلَى الوَزِيْرِ ابْنِ عِيْسَى، فَأَغلَظَ لَهُ، فَحُكِيَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَى الوَزِيْرِ، وَقَالَ لَهُ سِرّاً:قِفْ حَيْثُ انْتَهَيْتَ وَلاَ تَزِدْ، وَإِلاَّ قَلَبتُ الأَرْضَ عَلَيْكَ.
فَتَهَيَّبَهُ الوَزِيْرُ، فَنُقِلَ حِيْنَئِذٍ إِلَى حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ.
وكَانَتْ بِنْتُ السِّمَّرِيِّ - صَاحِبِ الحَلاَّجِ - قَدْ أُدخِلَتْ إِلَيْهِ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ فِي دَارِ الخِلاَفَةِ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى حَامِدٍ لِيَسأَلَهَا عَن مَا رَأَتْ.
فَدَخَلَتْ إِلَى حَامِدٍ، وَكَانَتْ عَذْبَةَ العِبَارَةِ، فَسَأَلَهَا، فَحَكَتْ أَنَّهَا حَمَلَهَا أَبُوْهَا إِلَى الحَلاَّجِ، وَأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَهَبَ لَهَا أَشيَاءً مُثمنَةً، مِنْهَا رَيْطَةٌ خَضْرَاءُ، وَقَالَ لَهَا:
(27/382)

زَوَّجتُكِ ابْنِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَعَزُّ وَلَدِي عَلَيَّ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَقَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَزَوجِهَا خِلاَفٌ، أَوْ تُنْكِرَ مِنْهُ حَالاً، وَقَدْ أَوصَيتُه بِكِ، فَمَتَى جَرَى عَلَيْكِ شَيْءٌ، فَصُومِي يَوْمَكِ، وَاصعَدِي إِلَى السَّطحِ، وَقُومِي عَلَى الرَّمَادِ، وَاجعَلِي فِطْرَكِ عَلَيْهِ مَعَ مِلْحٍ، وَاسْتَقبِلِي نَاحِيَتِي، وَاذْكُرِي مَا أَنكَرتِيْهِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَرَى.(14/338)
قَالَتْ:وَكُنْتُ لَيْلَةً نَائِمَةً، فَمَا أَحسَستُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ غَشِيَنِي، فَانتَبَهتُ مَذْعُوْرَةً مُنكِرَةً لِذَلِكَ، فَقَالَ:إِنَّمَا جِئْتُ لأُوقِظَكِ لِلصَّلاَةِ.
وَلَمَّا أَصبَحنَا وَمَعِي بِنْتُه، نَزَلَ، فَقَالَتْ بِنْتُهُ:اسجُدِي لَهُ.
فَقُلْتُ:أَوَ يُسْجَدُ لِغَيْرِ اللهِ؟!
فَسَمِعَ كَلاَمِي، فَقَالَ:نَعَمْ، إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ.
قَالَتْ:وَدَعَانِي إِلَيْهِ، وَأَدخَلَ يَدَه فِي كُمِّهِ، وَأَخرَجَهَا مَمْلُوْءةً مِسْكاً، فَدَفَعَه إِلَيَّ، وَقَالَ:هَذَا تُرَابٌ، اجعَلِيهِ فِي طِيْبِكِ.
وَقَالَ مَرَّةً:ارفَعِي الحَصِيرَ، وَخُذِي مَا تُرِيدِيْنِ.
فَرَفَعتُهَا، فَوَجَدْتُ الدَّنَانِيْرَ تَحْتهَا مَفْرُوْشَةً مِلْءَ البَيْتِ، فَبَهَرنِي مَا رَأَيْتُ.
وَلَمَّا حَصَلَ الحَلاَّجُ فِي يَدِ حَامِدٍ، جَدَّ فِي تَتَبُّعِ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُم:حَيْدَرَةَ، وَالسِّمَّرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ القُنَّائِيَّ، وَأَبَا المُغِيْثِ الهَاشِمِيَّ، وَابْنَ حَمَّادٍ، وَكَبَسَ بَيتَهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ دَفَاتِرُ كَثِيْرَةٌ، وَبَعْضُهَا مَكْتُوْبٌ بِالذَّهَبِ، مُبَطَّنَةٌ بِالحَرِيْرِ.
(27/383)

فَقَالَ لَهُ حَامِدٌ:أَمَا قَبَضتُ عَلَيْكَ بِوَاسِطَ، فَذَكَرْتَ لِي دفعَةً أَنَّكَ المَهْدِيُّ، وَذَكَرتَ مَرَّةً أَنَّكَ تَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، فَكَيْفَ ادَّعَيتَ بَعْدِي الإِلَهِيَّةَ؟(14/339)
وَكَانَ فِي الكُتُبِ عَجَائِبُ مِنْ مُكَاتَبَاتِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّافِذِيْنَ إِلَى النَّوَاحِي، يُوصِيْهِم بِمَا يَدْعُوْنَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَمَا يَأْمُرُهُم بِهِ مِنْ نَقلِهِم مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَرُتبَةٍ إِلَى رُتْبَةٍ، وَأَنْ يُخَاطِبُوا كُلَّ قَوْمٍ عَلَى حَسبِ عُقُوْلِهِم، وَقَدْرِ اسْتِجَابَتِهِم وَانْقِيَادِهِم، وَأَجَابَ بِأَلْفَاظٍ مَرمُوزَةٍ، لاَ يَعْرِفُهَا غَيْرُ مَنْ كَتَبَهَا وَكُتِبَتْ إِلَيْهِ، وَفِي بَعْضِهَا صُوْرَةٌ فِيْهَا اسْمُ اللهِ عَلَى تَعوِيجٍ، وَفِي دَاخِلِ ذَلِكَ التَّعوِيجِ مَكْتُوْبٌ:عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَحَضَرتُ مَجْلِسَ حَامِدٍ وَقَدْ أُحْضِرَ سَفَطٌ مِنْ دَارِ القُنَّائِيِّ، فَإِذَا فِيْهِ قِدْرٌ جَافَّةٌ، وَقَوَارِيرُ فِيْهَا شَيْءٌ كَالزِّئبَقِ، وَكِسَرٌ جَافَّةٌ، فَعَجِبَ الوَزِيْرُ مِنْ تِلْكَ القِدَرِ، وَجَعَلهَا فِي سَفَطٍ مَخْتُوْمٍ، فَسُئِلَ السِّمَّرِيُّ، فَدَافَعَ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنَّهَا رَجِيعُ الحَلاَّجِ، وَأَنَّهُ يَشْفِي، وَأَنَّ الَّذِي فِي القَوَارِيرِ بَوْلُهُ.
فَقَالَ السِّمَّرِيُّ لِي:فُكُلْ مِنْ هَذِهِ الكِسَرِ، ثُمَّ انظُرْ كَيْفَ يَكُوْنُ قَلْبُكَ لِلْحَلاَّجِ.
ثُمَّ أَحضَرَ حَامِدٌ الحَلاَّجَ، وَقَالَ:أَيْشٍ فِي هَذَا السَّفطِ؟
قَالَ:مَا أَدْرِي.
وَجَاءَ غُلاَمُ حَامِدٍ الَّذِي كَانَ يَخدُمُ الحَلاَّجَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ دَخَلَ بِطَبَقٍ.
(27/384)

قَالَ:فَوَجَدَه مِلءَ البَيْتِ مِنْ سَقْفِهِ إِلَى أَرضِهِ، فَهَالَهُ مَا رَأَى، وَرَمَى بِالطَّبَقِ مِنْ يَدِهِ وَحُمَّ.
قَالَ ابْنُ زَنْجِيٍّ:وَحُمِلَتْ دَفَاتِرُ مِنْ دُورِ أَصْحَابِ الحَلاَّجِ، فَأَمَرَنِي حَامِدٌ أَنْ أَقرَأَهَا وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ حَاضِرٌ، وَالقَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الأَشْنَانِيِّ، فَمِنْ ذَلِكَ:أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، أَفرَدَ فِي دَارِه بَيتاً، وَطَافَ بِهِ أَيَّامَ المَوْسِمِ، ثُمَّ جَمَعَ ثَلاَثِيْنَ يَتِيماً، وَكَسَاهُم قَمِيصاً قَمِيصاً، وَعَمِلَ لَهُم طَعَاماً طَيِّباً، فَأَطعَمَهُم، وَخَدَمَهُم، وَكَسَاهُم، وَأَعطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ ثَلاَثَةً، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، قَامَ لَهُ ذَلِكَ مَقَامَ الحَجِّ.(14/340)
فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ الفَصلَ، الْتَفَتَ القَاضِي أَبُو عُمَرَ إِلَى الحَلاَّجِ، وَقَالَ لَهُ:مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟
قَالَ:مِنْ كِتَابِ(الإِخْلاَصِ)لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ:كَذَبتَ يَا حَلاَلَ الدَّمِ!قَدْ سَمِعْنَا كِتَابَ(الإِخْلاَصِ)، وَمَا فِيْهِ هَذَا.
فَلَمَّا قَالَ أَبُو عُمَرَ:كَذَبتَ يَا حَلاَلَ الدَّمِ، قَالَ لَهُ حَامِدٌ:اكْتُبْ بِهَذَا.
فَتَشَاغَلَ أَبُو عُمَرَ بِخِطَابِ الحَلاَّجِ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِدٌ، وَقَدَّمَ لَهُ الدَّوَاةَ، فَكَتَبَ بِإِحلاَلِ دَمِهِ، وَكَتَبَ بَعْدَهُ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ الحَلاَّجُ:ظَهرِي حِمَىً، وَدَمِي حَرَامٌ، وَمَا يَحِلُّ لَكُم أَنْ تَتَأَوَّلُوا عَلَيَّ، وَاعْتِقَادِي الإِسْلاَمُ، وَمَذْهَبِي السُّنَّةُ، فَاللهَ اللهَ فِي دَمِي.
(27/385)

وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ هَذَا القَوْلَ وَهُم يَكْتُبُوْنَ خُطُوطَهُم، ثُمَّ نَهَضُوا، وَرُدَّ الحَلاَّجُ إِلَى الحَبْسِ، وَكُتِبَ إِلَى المُقْتَدِرِ بِخَبَرِ المَجْلِسِ، فَأَبطَأَ الجَوَابَ يَوْمَيْنِ، فَغلظَ ذَلِكَ عَلَى حَامِدٍ، وَنَدِمَ، وَتَخَوَّفَ، فَكَتَبَ رُقعَةً إِلَى المُقْتَدِرِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُوْلُ:إِنَّ مَا جَرَى فِي المَجْلِسِ قَدْ شَاعَ، وَمَتَى لَمْ تُتبِعْهُ قَتْلَ هَذَا، افْتُتِنَ بِهِ النَّاسُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
فَعَادَ الجَوَابُ مِنَ الغَدِ مِنْ جِهَةِ مُفْلِحٍ:إِذَا كَانَ القُضَاةُ قَدْ أَبَاحُوا

عدد المشاهدات *:
273783
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 14/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/12/2013

سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي

روابط تنزيل : الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ ب
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط   الحَلاَّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ ب لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي


@designer
1