[ 2066 ] )
قوله ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وابرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم واجابة الداعى وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم أو عن تختم بالذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر وعن القسى وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج ) وفى رواية وانشاد الضالة بدل ابرار القسم أو المقسم وفى رواية ورد السلام بدل افشاء السلام أما عيادة المريض فسنة بالاجماع وسواء فيه من يعرفه ومن لايعرفه والقريب والأجنبى واختلف العلماء فى الأوكد والأفضل منها وأما اتباع الجنائز فسنة بالاجماع أيضا وسواء فيه من يعرفه وقريبة وغيرهما وسبق ايضاحه فى الجنائز وأما تشميت العاطس فهو أن يقول له يرحمك الله ويقال بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان قال الأزهرى قال الليث التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قوله للعاطس يرحمك الله وقال ثعلب يقال سمت العاطس وشمته اذا دعوت له بالهدى وقصد السمت المستقيم قال والأصل فيه السين المهملة فقلبت شينا معجمة وقال صاحب المحكم تسميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت قال وذلك لما فى العاطس من الانزعاج والقلق قال أبو عبيد وغيره
(14/31)
الشين المعجمة على اللغتين قال بن الأنبارى يقال منه شمته وسمت عليه اذا دعوت له بخير وكل داع بالخير فهو مشمت ومسمت العاطس سنة وهوسنة على الكفاية اذا فعل بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين وشرطه أن يسمع قول العاطس الحمد لله كما سنوضحه مع فروع تتعلق به فى بابه ان شاء الله تعالى وأما ابرار القسم فهو سنة أيضا مستحبة متأكدة وانما يندب إليه اذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر رضى الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبى صلى الله عليه و سلم فقال له النبى صلى الله عليه و سلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرنى فقال لا تقسم ولم يخبره وأمانصر المظلوم فمن فروض الكفاية وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وانما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضررا وأما اجابة الداعى فالمراد به الداعى إلى وليمة ونحوها من الطعام وسبق ايضاح ذلك بفروعه في باب الوليمة من كتاب النكاح وأما افشاءالسلام فهو اشاعته واكثاره وأن يبذله لكل مسلم كما قال صلى الله عليه و سلم فى الحديث الآخر وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وسبق بيان هذا فى كتاب الايمان فى حديث افشوا السلام وسنوضح فروعه فى بابه ان شاء الله تعالى وأما رد السلام فهو فرض بالاجماع فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه وان كان على جماعة كان فرض كفاية فى حقهم إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين وسنوضحه بفروعه فى بابه إن شاء الله تعالى وأما إنشاد الضالة فهو تعريفها وهو مأموربه وسبق تفصيله فى كتاب اللقطة وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجل بالاجماع وكذا لو كان بعضه ذهبا وبعضه فضة حتى قالأصحابنا لو كانت سن الخاتم ذهبا أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام لعموم الحديث الآخر فى الحرير والذهب ان هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثها وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسى وهو نوع من الحرير فكله حرام على الرجال سوأء لبسه للخيلاء أو غيرها إلا أن يلبسه للحكة فيجوز فى السفر والحضر وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير وجميع أنواعه وخواتيم الذهب وسائر الحلى منه ومن الفضة سواء المزوجة وغيرها والشابة والعجوز والغنية والفقيرة هذا الذى ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال واباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير وحكى القاضىعن قوم إباحته للرجال
(14/32)
والنساء وعن بن الزبير تحريمه عليهما ثم انعقد الاجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال ويدل عليه الأحاديث المصرحة بالتحريم مع الأحاديث التى ذكرها مسلم بعد هذا فى تشقيق على رضى الله عنه الحرير بين نسائه وبين الفواطم خمرا لهن وأن النبى صلى الله عليه و سلم أمره بذلك كما صرح به فى الحديث والله أعلم وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز الباسهم الحلى والحرير فى يوم العيد لأنه لاتكليف عليهم وفى جواز الباسهم ذلك فى باقى السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه والثانى تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز وأما قوله وعن شرب بالفضة فقد سبق إيضاحه فى الباب قبله وأما قوله ( وعن المياثر ) فهو بالثاء المثلثة قبل الراء قال العلماء هو جمع مئثرة بكسر الميم وهى وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج وكان من مراكب العجم ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره وقيل أغشية للسروج تتخذ من الحرير وقيل هي سروج من الديباج وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل والمئثرة مهموزة وهى مفعلة بكسر الميم من الوثارة يقال وثر بضم الثاء وثارة بفتح الواو فهو وثير أى وطيء لين وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها كما فى ميزان وميقات وميعادمن الوزن والوقت والوعد وأصله موزان وموقات وموعاد قال العلماء فالمئثرة ان كانت من الحرير كما هو الغالب فيما كان من عادتهم فهي حرام لأنه جلوس على الحرير واستعمال له وهو حرام على الرجال سواء كان على رحل أو سرج أو غيرهما وان كانت مئثرة من غيرالحرير فليست بحرام ومذهبنا أنها ليست مكروهة أيضا فان الثوب الأحمر لاكراهة فيه سواء كانت حمراء أم لاوقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبى صلى الله عليه و سلم لبس حلة حمراء وحكى القاضي عن بعض العلماء كراهتها لئلا يظنها الرائى من بعيد حريرا وفى صحيح البخارى عن يزيد بن رومان المراد بالمئثرة جلود السباع وهذا قول باطل مخالف للمشهور الذى أطبق عليه أهل اللغة والحديث وسائر العلماء والله أعلم وأما القسى فهو بفتح القاف وكسرالسين المهملة المشددة وهذا الذى ذكرناه من فتح القاف هو الصحيح المشهور وبعض أهل الحديث يكسرها قال أبو عبيد أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر
(14/33)
يفتحونها واختلفوا فى تفسيره فالصواب ماذكره مسلم بعد هذا بنحو فراسة فى حديث النهى عن التختم فى الوسطى والتى تليها عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم نهاه عن لبس القسى وعن جلوس على المياثر قال فأما القسى فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شبه كذا هو لفظ رواية مسلم وفى رواية البخارى فيها حرير أمثال الأترج قال أهل اللغة وغريب الحديث هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف وهوموضع من بلاد مصر وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وقيل هي ثياب كتان مخلوط بحرير وقيل هي ثياب من القز وأصله القزى بالزاى منسوب إلى القز وهو ردىء الحرير فأبدل من الزاى سين وهذا القسى ان كان حريره أكثر من كتانه فالنهى عنه للتحريم إلا فالكراهة للتنزية وأما الاستبرق فغليظ الديباج وأما الديباج فبفتح الدال وكسرها جمعه دبابيج وهو عجمى معرب الديبا والديباج والإستبرق حرام لأنهما من الحرير والله أعلم قوله فى حديث أبى بكر وعثمان بن أبى شيبة ( وزاد فى الحديث وعن الشرب ) فالضمير فى وزاد يعود إلى الشيبانى الراوى عن
(14/34)
أشعث بن أبى الشعثاء [ 2067 ] قوله ( فجاء دهقان ) هو بكسر الدال على المشهور وحكى ضمها ممن حكاه صاحب المشارق والمطالع وحكاهما القاضي فى الشرح عن حكاية أبى عبيدة ووقع فى نسخ صحاح الجوهرى أو بعضها مفتوحا وهذا غريب وهو زعيم فلاحى العجم وقيل زعيم القرية ورئيسها وهو بمعنى الأول وهو عجمى معرب قيل النون فيه أصلية مأخوذ من الدهقنة وهى الرياسة وقيل زائدة من الدهق وهو الامتلاء وذكره الجوهرى فى دهقن لكنه قال ان جعلت نونه أصلية من قولهم تدهقن الرجل صرفته لأنه فعلان وان جعلته من الدهق لم تصرفه لأنه فعلان قال القاضي يحتمل أنه سمى به من جمع المال وملأ الأوعية منه يقال دهقت الماء وأدهقته اذا أفرغته ودهق لى دهقة من ماله أى أعطانيها وأدهقت الإناء أى ملأته قالوا يحتمل أن يكون من الدهقنة والدهمة وهى لين الطعام لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة أيديهم وأحوالهم وقيل لحذقه ودهائه والله أعلم قوله ( ان حذيفة رماه باناء الفضة حين جاءه بالشراب فيه وذكر أنه إنما رماه به لأنه كان نهاه قبل ذلك عنه ) فيه تحريم الشرب فيه وتعزير من ارتكب معصية لاسيما ان كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة وفيه أنه لابأس أن يعزر الأمير بنفسه بعض مستحقى التعزير وفيه أن الأمير والكبير اذا فعل شيئا صحيحا فى نفس الأمر ولايكون وجهه ظاهرا فينبغى
(14/35)
أن ينبه على دليله وسبب فعله ذلك قوله صلى الله عليه و سلم ( فانه لهم فى الدنيا وهو لكم فى الآخرة ) أى ان الكفار إنما يحصل لهم ذلك فى الدنيا وأما الآخرة فمالهم فيها من نصيب وأما المسلمون فلهم فى الجنة الحرير والذهب وما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر وليس فى الحديث حجة لمن يقول الكفار غير مخاطبين بالفروع لأنه لم يصرح فيه باباحته لهم وإنما أخبر عن الواقع فى العادة أنهم هم الذين يستعملونه فى الدنيا وان كان حراما عليهم كما هو حرام على المسلمين قوله صلى الله عليه و سلم ( وهو لكم فى الآخرة يوم القيامة ) انما جمع بينهما لأنه قد يظن أنه بمجرد موته صار فى حكم الآخرة فى هذا الاكرام فبين
(14/36)
أنه انما هو فى يوم القيامة وبعده في الجنة أبدا ويحتمل أن المراد أنه لكم فى الآخرة من حين الموت ويستمر فى الجنة أبدا قوله صلى الله عليه و سلم ( ولاتأكلوا فى صحافها ) جمع صحفة وهى دون القصعة قال الجوهرى قال الكسائى أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل [ 2068 ] قوله ( رأى حلة سيراء ) هي بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ثم راء ثم ألف ممدودة وضبطوا الحلة هنا بالتنوين على أن سيراء صفة وبغير تنوين على الإضافة وهما وجهان مشهوران والمحققون ومتقنو العربية يختارون الاضافة قال سيبويه لم تأت فعلاء صفة وأكثر المحدثين
(14/37)
ينونون قال الخطابى حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء قالوا هي برود يخالطها حرير وهى مضلعة بالحرير وكذا فسرها فى الحديث فى سننأبى داود وكذا قاله الخليل والأصمعى وآخرون قالوا كأنها شبهت خطوطها بالستور وقال بن شهاب هي ثياب مضلعة بالقز وقيل هي مختلفة الألوان وقال هي وشى من حرير وقيل انها حرير محض وقد ذكر مسلم فى الرواية الأخرى حلة من استبرق وفى الأخرى من ديباج او حرير وفى رواية حلة سندس فهذه الألفاظ تبين أن هذه الحلة كانت حريرا محضا وهو الصحيح الذى يتعين القول به فى هذا الحديث جمعا بين الروايات ولأنها هي المحرمة أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا والله أعلم قال أهل اللغة الحلة لاتكون إلاثوبان وتكون غالبا إزارا ورداء وفى حديث عمر فى هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء وإباحة هديته وإباحة ثمنه وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا وغيره واستحباب لباس أنفس ثيابه يوم الجمعة والعيد وعند لقاء الوفود ونحوهم وعرض المفضول على الفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحة التى قد لايذكرها وفيه صلة الأقارب والمعارف وان كانوا كفارا وجواز البيع والشراء عند باب المسجد قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما يلبس هذه من لاخلاق له فى الآخرة ) قيل معناه من لانصيب له فى الآخرة وقيل من لاحرمة له وقيل من لادين له فعلى الأول يكون محمولا على الكفار وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر والله أعلم قوله ( فكساها عمر أخاله مشركا بمكة ) هكذا رواه البخارى ومسلم وفى رواية للبخارى فى كتاب قال أرسل
(14/38)
بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك وفى رواية فى مسند أبى عوانة الاسفراينى فكساها عمر أخا له من أمه من أهل مكة مشركا وفىهذا كله دليل لجواز صلة الأقارب الكفار والاحسان اليهم وجواز الهدية إلى الكفار وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لاتتعين للبسهم وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير وهذا وهم باطل لأن الحديث انما فيه الهدية إلى كافر وليس فيه الاذن له فى لبسها وقد بعث النبى صلى الله عليه و سلم ذلك إلى عمر وعلى وأسامة رضى الله عنهم ولايلزم منه إباحة لبسها لهم بل صرح صلى الله عليه و سلم بأنه انما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس والمذهب الصحيح الذى عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين والله أعلم قوله ( رأى عمر عطارد التميمى يقيم بالسوق حلة ) أى يعرضها للبيع
(14/39)
قوله صلى الله عليه و سلم ( شققها خمرا بين نسائك ) هو بضم الميم ويجوز إسكانها جمع خمار وهو ما يوضع
(14/40)
على رأس المرأة وفيه دليل لجواز لبس النساء الحرير وهو مجمع عليه اليوم وقد قدمنا أنه كان فيه خلاف لبعض السلف وزال قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما بعثت بها اليك لتنتفع بها ) أى تبيعها فتنتفع بثمنها كما صرح به فى الرواية التى قبلها وفى حديث بن مثنى بعدها قوله ( حدثنى يحيى بن أبى إسحاق قال قال لى سالم بن عبد الله فى الاستبرق قلت ما غلظ من الديباج وخشن منه قال سمعت عبد الله بن عمر يقول وذكر الحديث ) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم وفى كتابى البخارى والنسائى قال لى سالم ما الاستبرق قلت ما غلظ من الديباج وهذا معنى رواية مسلم لكنها مختصرة ومعناها قال لى سالم فى الاستبرق ما هو فقلت هو ماغلظ فرواية مسلم صحيحة لاقدح فيها وقد أشار القاضي
(14/41)
إلى تغليطها وأن الصواب رواية البخارى وليست بغلط بل صحيحة كما أوضحناه [ 2069 ] قوله ( ومئثرة الأرجوان ) تقدم تفسير المئثرة وضبطها وأما الأجوان فهو بضم الهمزة والجيم هذا هو الصواب المعروف فى روايات الحديث وفى كتب الغريب وفى كتب اللغة وغيرها وكذاصرح به القاضي فى المشارق وفى شرح القاضي عياض فى موضعين منه أنه بفتح الهمزة وضم الجيم وهذا غلط ظاهر من النساخ لامن القاضي عياض فى موضعين منه أنه بفتح الهمزة قال أهل اللغة وغيرهم هو صبغ أحمر شديد الحمرة هكذا قاله أبوعبيد والجمهور وقال الفراء هو الحمرة وقال بن فارس هو كل لون أحمر وقيل هو الصوف الأحمر وقال الجوهرى هو شجر له نور أحمر أحسن مايكون قال وهو معرب وقال آخرون هو عربى قالوا والذكر والأنثى فيه سواء يقال هذا ثوب أرجوان وهذه قطيفة أرجوان وقد يقولونه على الصفة ولكن الأكثر فى استعماله اضافة الأرجوان إلى ما بعده ثم ان أهل اللغة ذكروه فى باب الراء والجيم والواو وهذا هو الصواب ولا يغتر بذكر القاضي له فى المشارق فى باب الهمزة والراء والجيم ولابذكر بن الأثير له فى الراء والجيم والنون والله أعلم قوله ( ان اسماء أرسلت إلى بن عمر بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة العلم فى الثوب ومئثرة الأرجوان وصوم رجب كله فقال بن عمر أما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد وأما ماذكرت من العلم فى الثوب فانى سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
(14/42)
يقول انما يلبس الحرير من لاخلاق له فحفت أن يكون العلم منه وأما مئثرة الأرجوان فهذه مئثرة عبد الله أرجوان فهذه مئثرة عبد الله أرجوان فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخرجت إلى بجبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالدبياج فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضها وكان النبى صلى الله عليه و سلم يلبسها فنحن نغسلها للمرمضى يستشفى بها ) أما جواب بن عمر فى صوم رجب فانكار منه لما بلغها عنه من تحريمه واخبار بأنه يصوم رجبا كله وأنه يصوم الأبد والمراد بالأبد ما سوى أيام العيدين والتشريق وهذا مذهبه ومذهب أبيه عمر بن الخطاب وعائشة وأبى طلحة وغيرهم من سلف الأمة ومذهب الشافعى وغيره من العلماء أنه لايكره صوم الدهر وقد سبقت المسألة فى كتاب الصيام مع شرح الأحاديث الواردة من الطرفين وأما ما ذكرت عنه من كراهة العلم فلم يعترف بأنه كان يحرمه بل أخبر أنه تورع عنه خوفا من دخوله فى عموم النهى عن الحرير وأما المئثرة فأنكر ما بلغها عنه فيها وقال هذه مئثرتى وهى أرجوان والمراد أنها حمراء وليست من حرير بل من صوف أو غيره وقد سبق أنها قد تكون من حرير وقد تكون من صوف وأن الأحاديث الواردة فى النهى عنها مخصوصة بالتى هي من الحرير وأما اخراج أسماء جبة النبى صلى الله عليه و سلم المكفوفة بالحرير فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرما وهكذا الحكم عند الشافعى وغيره أن الثوب والحبة والعمامة ونحوها اذا كان مكفوف الطرف بالحرير جاز ما لم يزد على أربع أصابع فان زاد فهو حرام لحديث عمر رضى الله تعالى عنه المذكور بعد هذا وأما قوله ( جبة طيالسة ) فهو بإضافة جبة إلى طيالسة والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام
(14/43)
على المشهور قال جماهير أهل اللغة لايجوز فيه غير فتح اللام وعدوا كسرها فى تصحيف العوام وذكر القاضي فى المشارق فى حرف السين والياء فى تفسير الساج أن الطيلسان يقال بفتح اللام وضمها وكسرها وهذا غريب ضعيف وأما قوله ( كسروانية ) فهو بكسر الكاف وفتحها والسين ساكنة والراء مفتوحة ونقل القاضي أن جمهور الرواة رووه بكسر الكاف وهو نسبة إلى كسرى صاحب العراق ملك الفرس وفيه كسر الكاف وفتحها قال القاضي ورواه الهروى فى مسلم فقال خسروانية وفى هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم وفيه أن النهى عن الحرير المراد به الثوب المتمحض من الحرير أو ما أكثره حرير وأنه ليس المراد تحريم كل جزءمنه بخلاف الخمر والذهب فإنه يحرم كل جزء منهما وأما قوله فى الجبة ( ان لها لبنة ) فهو بكسر اللام واسكان الباء هكذا ضبطها القاضي وسائر الشراح وكذا هي فى كتب اللغة والغريب قالوا وهى رقعة فى جيب القميص هذه عبارتهم كلهم والله أعلم وأما قولها ( وفرجيها مكفوفين ) فكذا وقع فى جميع النسخ وفرجيها مكفوفين وهما منصوبان بفعل محذوف أى ورأيت فرجيها مكفوفين ومعنى المكفوف أنه جعل لها كفة بضم الكاف وهو مايكف به جوانبها ويعطف عليها ويكون ذلك فى الذيل وفى الفرجين وفى الكمين وفى هذا جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان وأنه لاكراهة فيه والله أعلم قوله ( عن أبى ذبيان ) هو بضم الذال وكسرها وقوله ( أن عبد الله بن الزبير خطب فقال لاتلبسوا نساءكم الحرير فانى سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاتلبسوا الحرير ) هذا مذهب بن الزبير وأجمعوا بعده على اباحة الحرير للنساء كما سبق وهذا الحديث الذى احتج به انما ورد فى لبس الرجال لوجهين أحدهما أنه خطاب للذكور ومذهبنا ومذهب محققى الاصوليين أن النساء لايدخلن فى خطاب الرجال عند الاطلاق والثانى أن الاحاديث الصحيحة التى ذكرها مسلم قبل هذا وبعده صريحة فى اباحته للنساء
(14/44)
وأمره صلى الله عليه و سلم عليا وأسامة بأن يكسواه نساءهما مع الحديث المشهور أنه صلى الله عليه و سلم قال فى الحرير والذهب ان هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثها والله أعلم قوله ( عن أبى عثمان قال كتب الينا عمر رضى الله عنه ونحن بأذربيجان ياعتبة بن فرقد ) إلى آخره هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخارى ومسلم وقال هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان من عمر بل أخبر عن كتاب عمر وهذا الاستدراك باطل فإن الصحيح الذى عليه جماهير المحدثين ومحققو الفقهاء والاصوليين جواز العمل بالكتاب وروايته عن الكاتب سواء قال فى الكتاب أذنت لك فى رواية هذا عنى أو أجزتك روايته عنى أو لم يقل شيئا وقد أكثر البخارى ومسلم وسائر المحدثين والمصنفين فى تصانيفهم من الاحتجاج بالمكاتبة فيقول الراوى منهم وممن قبلهم كتب إلى فلان كذا أو كتب إلى فلان قال حدثنا فلان أو أخبرنى مكاتبة والمراد به هذا الذى نحن فيه وذلك معمول به عندهم معدود فى المتصل لاشعاره بمعنى الاجازة وزاد السمعانى فقال هي أقوى من الاجازة ودليلهم فى المسألة الاحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكتب إلى عماله ونوابه وأمرائه ويفعلون ما فيها وكذلك الخلفاء ومن ذلك كتاب عمر رضى الله عنه هذا فانه كتبه إلى جيشه وفيه خلائق من الصحابة فدل على حصول الاتفاق منه وممن عنده فى المدينة ومن فى الجيش على العمل بالكتاب والله أعلم وأما قول أبى عثمان كتب الينا عمر فهكذا ينبغى للراوى بالمكاتبة أن يقول كتب إلى فلان قال حدثنا فلان أو أخبرنا فلان مكاتبة أو فى كتابه أو فيما كتب به إلى ونحو هذا ولايجوز أن يطلق قوله حدثنا ولا أخبرنا هذا هو الصحيح وجوزه طائفة من متقدمي اهل الحديث وكبارهم منهم منصور والليث وغيرهما والله أعلم قوله ( ونحن بأذربيجان ) هي اقليم معروف وراء العراق وفى ضبطها وجهان مشهوران اشهرهما وأفصحهما وقول الأكثرين أذربيجان بفتح الهمزة بغير مدة واسكان الذال وفتح الراء وكسر الباء قال صاحب المطالع وآخرون هذا هو المشهور والثانى
(14/45)
مد الهمزة وفتح الذال وفتح الراء وكسر الباء وحكى صاحب المشارق والمطالع أن جماعة فتحوا الباء على هذا الثانى والمشهور كسرها قوله ( كتب الينا عمر يا عتبة بن فرقد أنه ليس من كدك ولاكد أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير ) أما قوله كتب الينا فمعناه كتب إلى أمير الجيش وهو عتبة بن فرقد ليقرأه على الجيش فقرأه علينا وأما قوله ( ليس من كدك ) فالكد التعب والمشقة والمراد هنا أن هذا المال الذى عندك ليس هو من كسبك ومما تعبت فيه ولحقتك الشدة والمشقة فى كده وتحصيله ولاهو من كد أبيك وأمك فورثته منهما بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولاتختص عنهم بشيء بل أشبعهم منه وهم فى رحالهم أي منازلهم كما تشبع منه فى الجنس والقدر والصفة ولاتؤخر أرزاقهم عنهم ولاتحوجهم يطلبونها منك بل أوصلها اليهم وهم فى منازلهم بلا طلب وأما قوله ( واياكم والتنعم وزى العجم ) فهوبكسر الزاى ولبوس الحرير هو بفتح اللام وضم الباء ما يلبس منه ومقصود عمر رضى الله تعالى عنه حثهم على خشونة العيش وصلابتهم
(14/46)
فى ذلك ومحافظتهم على طريقة العرب فى ذلك وقد جاء فى هذا الحديث زيادة فى مسند أبى عوانة الاسفراينى وغيره باسناد صحيح قال أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل واياكم والتنعم وزى الأعاجم وعليكم بالشمس فانها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وابرزوا وارموا الأغراض والله أعلم قوله ( فرئيتهما أزرار الطيالسة حتى رأيت الطيالسة ) فقوله فرئيتهما هو بضم الراء وكسر الهمزة وضبطه بعضهم بفتح الراء قوله ( فما عتمنا أنه يعنى الاعلام ) هكذا ضبطناه عتمنا بعين مهملة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق مشددة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم نون ومعناه ما أبطأنا فى معرفة أنه أر الاعلام يقال عتم الشيء اذا أبطأ وتأخر وعتمته اذا أخرته ومنه حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه أنه غرس كذا وكذا أودية والنبى صلى الله عليه و سلم يناوله وهو يغرس فما عتمت منها واحدة أي ما أبطأت أن علقت فهذا الذى ذكرناه من ضبط اللفظة وشرحها هو الصواب المعروف الذى
(14/47)
صرح به جمهور الشارحين وأهل غريب الحديث وذكر القاضي فيه عن بعضهم تغييرا واعتراضا لاحاجة إلى ذكره لفساده قوله ( عن قتادة عن الشعبى عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خطب بالجابية فقال نهى نبى الله صلى الله عليه و سلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع ) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يرفعه عن الشعبى إلاقتادة وهو مدلس ورواه شعبة عن أبى السفر عن الشعبى من قول عمر موقوفا ورواه بيان وداود بن أبى هند عن الشعبى عن سويد عن عمر موقوفا عليه وكذا قال شعبة عن الحكم عن خيثمة عن سويد وقاله بن عبدالأعلى عن سويد وأبو حصين عن ابراهيم عن سويد هذا كلام الدارقطني وهذه الزيادة فى هذه الرواية انفرد بها مسلم لم يذكرها البخارى وقد قدمنا أن الثقة اذا انفرد برفع ما وقفه الأكثرون كان الحكم لروايته وحكم بأنه مرفوع على الصحيح الذى عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين وهذا من ذاك والله أعلم وفى هذه الرواية إباحة العلم من الحرير فى الثوب اذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعن مالك رواية
(14/48)
بمنعه وعن بعض أصحابه رواية باباحة العلم بلا تقدير بأربع أصابع بل قال يجوزوان عظم وهذان القولان مردودان بهذا الحديث الصريح والله أعلم قوله ( حدثنا محمد بن عبد الله الرزى ) هو براء مضمومة ثم زاى مشددة قوله ( فأطرتها بين نسائى ) أى قسمتها قوله ( ان أكيدر دومة ) هي بضم الدال وفتحها لغتان مشهورتان وزعم بن دريد أنه لا يجوز إلا الضم وأن المحدثين
(14/49)
يفتوحنها وأنهم غالطون فى ذلك وليس كما قال بل هما لغتان مشهورتان قال الجوهرى أهل الحديث يقولونها بالضم وأهل اللغة يفتحونها ويقال لها أيضا دوما وهى مدينة لها حصن عادى وهى فى برية فى أرض نخل وزرع يسقون بالنواضح وحولها عيون قليلة وغالب زرعهم الشعير وهى عن المدينة على نحو ثلاث عشرة مرحلة وعن دمشق على نحو عشر مراحل وعن الكوفة على قدر عشرمراحل أيضا والله أعلم وأما أكيدر فهو بضم الهمزة وفتح الكاف وهو أكيدر بن عبد الملك الكندى قال الخطيب البغدادى فى كتابه المبهمات كان نصرانيا ثم أسلم قال وقيل بل مات نصرانيا وقال بن منده وأبونعيم الأصبهانى فى كتابيهما فى معرفة الصحابة ان أكيدرا هذا أسلم وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حلة سيراء قال بن الأثير فى كتابه معرفة الصحابة أما الهدية والمصالحة فصحيحان وأما الاسلام فغلط قال لأنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير ومن قال أسلم فقد أخطأ خطأ فاحشا قال وكان أكيدر نصرانيا فلما صالحه النبى صلى الله عليه و سلم عاد إلى حصنه وبقى فيه ثم حاصره خالد بن الوليد فى زمان أبى بكر الصديق رضى الله عنه فقتله مشركا نصرانيا يعنى لنقضه العهد قال وذكر البلاذرى أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاد إلى دومة فلما توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد أكيدر فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله وعلى هذا القول لاينبغى أيضا عده فى الصحابة هذا كلام بن الأثير قوله ( ان أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم ) أما الخمر فسبق أنه بضم الميم جمع خمار وأما الفواطم فقال الهروى والأزهرى والجمهور انهن ثلاث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وفاطمة بنت أسد وهى
(14/50)
أم على بن أبى طالب وهى أول هاشمية ولدت لهاشمى وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وذكر الحافظان عبدالغنى بن سعيد وبن عبدالبر باسنادهما أن عليا رضى الله عنه قسمه بين الفواطم الأربع فذكر هؤلاء الثلاث قال القاضي عياض يشبه أن تكون الرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب لاختصاصها بعلي رضي الله عنه بالمصاهرة وقربها إليه بالمناسبة وهي من المبايعات شهدت مع النبي صلى الله عليه و سلم حنينا ولها قصة مشهورة في الغنائم تدل على ورعها والله أعلم قال القاضي هذه المذكورات فاطمة بنت أسد أم علي كانت منهن وهو مصحح لهجرتها كما قاله غير واحد خلافا لمن زعم أنها ماتت قبل الهجرة وفي هذا الحديث جواز قبول هدية الكافر وقد سبق الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا وفيه جواز هدية الحرير إلى الرجال وقبولهم إياه وجواز لباس النساء له قوله
(14/51)
[ 2075 ] ( أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ثم قال لاينبغى هذا للمتقين ) الفروج بفتح الفاء وضم الراء المشددة هذا هو الصحيح المشهور فى ضبطه ولم يذكر الجمهور غيره وحكى ضم الفاء وحكى القاضي فى الشرح وفى المشارق تخفيف الراء وتشديدها والتخفيف غريب ضعيف قالوا وهو قباء له شق من خلفه وهذا اللبس المذكور فى هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال ولعل أول النهى والتحريم كان حين نزعه ولهذا قال صلى الله عليه و سلم فى حديث جابر الذى ذكره مسلم قبل هذا بأسطر حين صلى فى قباء ديباج ثم نزعه وقال نهانى عنه جبريل فيكون هذا أول التحريم والله أعلم
قوله ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وابرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم واجابة الداعى وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم أو عن تختم بالذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر وعن القسى وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج ) وفى رواية وانشاد الضالة بدل ابرار القسم أو المقسم وفى رواية ورد السلام بدل افشاء السلام أما عيادة المريض فسنة بالاجماع وسواء فيه من يعرفه ومن لايعرفه والقريب والأجنبى واختلف العلماء فى الأوكد والأفضل منها وأما اتباع الجنائز فسنة بالاجماع أيضا وسواء فيه من يعرفه وقريبة وغيرهما وسبق ايضاحه فى الجنائز وأما تشميت العاطس فهو أن يقول له يرحمك الله ويقال بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان قال الأزهرى قال الليث التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قوله للعاطس يرحمك الله وقال ثعلب يقال سمت العاطس وشمته اذا دعوت له بالهدى وقصد السمت المستقيم قال والأصل فيه السين المهملة فقلبت شينا معجمة وقال صاحب المحكم تسميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت قال وذلك لما فى العاطس من الانزعاج والقلق قال أبو عبيد وغيره
(14/31)
الشين المعجمة على اللغتين قال بن الأنبارى يقال منه شمته وسمت عليه اذا دعوت له بخير وكل داع بالخير فهو مشمت ومسمت العاطس سنة وهوسنة على الكفاية اذا فعل بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين وشرطه أن يسمع قول العاطس الحمد لله كما سنوضحه مع فروع تتعلق به فى بابه ان شاء الله تعالى وأما ابرار القسم فهو سنة أيضا مستحبة متأكدة وانما يندب إليه اذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر رضى الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبى صلى الله عليه و سلم فقال له النبى صلى الله عليه و سلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرنى فقال لا تقسم ولم يخبره وأمانصر المظلوم فمن فروض الكفاية وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وانما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضررا وأما اجابة الداعى فالمراد به الداعى إلى وليمة ونحوها من الطعام وسبق ايضاح ذلك بفروعه في باب الوليمة من كتاب النكاح وأما افشاءالسلام فهو اشاعته واكثاره وأن يبذله لكل مسلم كما قال صلى الله عليه و سلم فى الحديث الآخر وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وسبق بيان هذا فى كتاب الايمان فى حديث افشوا السلام وسنوضح فروعه فى بابه ان شاء الله تعالى وأما رد السلام فهو فرض بالاجماع فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه وان كان على جماعة كان فرض كفاية فى حقهم إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين وسنوضحه بفروعه فى بابه إن شاء الله تعالى وأما إنشاد الضالة فهو تعريفها وهو مأموربه وسبق تفصيله فى كتاب اللقطة وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجل بالاجماع وكذا لو كان بعضه ذهبا وبعضه فضة حتى قالأصحابنا لو كانت سن الخاتم ذهبا أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام لعموم الحديث الآخر فى الحرير والذهب ان هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثها وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسى وهو نوع من الحرير فكله حرام على الرجال سوأء لبسه للخيلاء أو غيرها إلا أن يلبسه للحكة فيجوز فى السفر والحضر وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير وجميع أنواعه وخواتيم الذهب وسائر الحلى منه ومن الفضة سواء المزوجة وغيرها والشابة والعجوز والغنية والفقيرة هذا الذى ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال واباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير وحكى القاضىعن قوم إباحته للرجال
(14/32)
والنساء وعن بن الزبير تحريمه عليهما ثم انعقد الاجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال ويدل عليه الأحاديث المصرحة بالتحريم مع الأحاديث التى ذكرها مسلم بعد هذا فى تشقيق على رضى الله عنه الحرير بين نسائه وبين الفواطم خمرا لهن وأن النبى صلى الله عليه و سلم أمره بذلك كما صرح به فى الحديث والله أعلم وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز الباسهم الحلى والحرير فى يوم العيد لأنه لاتكليف عليهم وفى جواز الباسهم ذلك فى باقى السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه والثانى تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز وأما قوله وعن شرب بالفضة فقد سبق إيضاحه فى الباب قبله وأما قوله ( وعن المياثر ) فهو بالثاء المثلثة قبل الراء قال العلماء هو جمع مئثرة بكسر الميم وهى وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج وكان من مراكب العجم ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره وقيل أغشية للسروج تتخذ من الحرير وقيل هي سروج من الديباج وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل والمئثرة مهموزة وهى مفعلة بكسر الميم من الوثارة يقال وثر بضم الثاء وثارة بفتح الواو فهو وثير أى وطيء لين وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها كما فى ميزان وميقات وميعادمن الوزن والوقت والوعد وأصله موزان وموقات وموعاد قال العلماء فالمئثرة ان كانت من الحرير كما هو الغالب فيما كان من عادتهم فهي حرام لأنه جلوس على الحرير واستعمال له وهو حرام على الرجال سواء كان على رحل أو سرج أو غيرهما وان كانت مئثرة من غيرالحرير فليست بحرام ومذهبنا أنها ليست مكروهة أيضا فان الثوب الأحمر لاكراهة فيه سواء كانت حمراء أم لاوقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبى صلى الله عليه و سلم لبس حلة حمراء وحكى القاضي عن بعض العلماء كراهتها لئلا يظنها الرائى من بعيد حريرا وفى صحيح البخارى عن يزيد بن رومان المراد بالمئثرة جلود السباع وهذا قول باطل مخالف للمشهور الذى أطبق عليه أهل اللغة والحديث وسائر العلماء والله أعلم وأما القسى فهو بفتح القاف وكسرالسين المهملة المشددة وهذا الذى ذكرناه من فتح القاف هو الصحيح المشهور وبعض أهل الحديث يكسرها قال أبو عبيد أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر
(14/33)
يفتحونها واختلفوا فى تفسيره فالصواب ماذكره مسلم بعد هذا بنحو فراسة فى حديث النهى عن التختم فى الوسطى والتى تليها عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم نهاه عن لبس القسى وعن جلوس على المياثر قال فأما القسى فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شبه كذا هو لفظ رواية مسلم وفى رواية البخارى فيها حرير أمثال الأترج قال أهل اللغة وغريب الحديث هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف وهوموضع من بلاد مصر وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وقيل هي ثياب كتان مخلوط بحرير وقيل هي ثياب من القز وأصله القزى بالزاى منسوب إلى القز وهو ردىء الحرير فأبدل من الزاى سين وهذا القسى ان كان حريره أكثر من كتانه فالنهى عنه للتحريم إلا فالكراهة للتنزية وأما الاستبرق فغليظ الديباج وأما الديباج فبفتح الدال وكسرها جمعه دبابيج وهو عجمى معرب الديبا والديباج والإستبرق حرام لأنهما من الحرير والله أعلم قوله فى حديث أبى بكر وعثمان بن أبى شيبة ( وزاد فى الحديث وعن الشرب ) فالضمير فى وزاد يعود إلى الشيبانى الراوى عن
(14/34)
أشعث بن أبى الشعثاء [ 2067 ] قوله ( فجاء دهقان ) هو بكسر الدال على المشهور وحكى ضمها ممن حكاه صاحب المشارق والمطالع وحكاهما القاضي فى الشرح عن حكاية أبى عبيدة ووقع فى نسخ صحاح الجوهرى أو بعضها مفتوحا وهذا غريب وهو زعيم فلاحى العجم وقيل زعيم القرية ورئيسها وهو بمعنى الأول وهو عجمى معرب قيل النون فيه أصلية مأخوذ من الدهقنة وهى الرياسة وقيل زائدة من الدهق وهو الامتلاء وذكره الجوهرى فى دهقن لكنه قال ان جعلت نونه أصلية من قولهم تدهقن الرجل صرفته لأنه فعلان وان جعلته من الدهق لم تصرفه لأنه فعلان قال القاضي يحتمل أنه سمى به من جمع المال وملأ الأوعية منه يقال دهقت الماء وأدهقته اذا أفرغته ودهق لى دهقة من ماله أى أعطانيها وأدهقت الإناء أى ملأته قالوا يحتمل أن يكون من الدهقنة والدهمة وهى لين الطعام لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة أيديهم وأحوالهم وقيل لحذقه ودهائه والله أعلم قوله ( ان حذيفة رماه باناء الفضة حين جاءه بالشراب فيه وذكر أنه إنما رماه به لأنه كان نهاه قبل ذلك عنه ) فيه تحريم الشرب فيه وتعزير من ارتكب معصية لاسيما ان كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة وفيه أنه لابأس أن يعزر الأمير بنفسه بعض مستحقى التعزير وفيه أن الأمير والكبير اذا فعل شيئا صحيحا فى نفس الأمر ولايكون وجهه ظاهرا فينبغى
(14/35)
أن ينبه على دليله وسبب فعله ذلك قوله صلى الله عليه و سلم ( فانه لهم فى الدنيا وهو لكم فى الآخرة ) أى ان الكفار إنما يحصل لهم ذلك فى الدنيا وأما الآخرة فمالهم فيها من نصيب وأما المسلمون فلهم فى الجنة الحرير والذهب وما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر وليس فى الحديث حجة لمن يقول الكفار غير مخاطبين بالفروع لأنه لم يصرح فيه باباحته لهم وإنما أخبر عن الواقع فى العادة أنهم هم الذين يستعملونه فى الدنيا وان كان حراما عليهم كما هو حرام على المسلمين قوله صلى الله عليه و سلم ( وهو لكم فى الآخرة يوم القيامة ) انما جمع بينهما لأنه قد يظن أنه بمجرد موته صار فى حكم الآخرة فى هذا الاكرام فبين
(14/36)
أنه انما هو فى يوم القيامة وبعده في الجنة أبدا ويحتمل أن المراد أنه لكم فى الآخرة من حين الموت ويستمر فى الجنة أبدا قوله صلى الله عليه و سلم ( ولاتأكلوا فى صحافها ) جمع صحفة وهى دون القصعة قال الجوهرى قال الكسائى أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل [ 2068 ] قوله ( رأى حلة سيراء ) هي بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ثم راء ثم ألف ممدودة وضبطوا الحلة هنا بالتنوين على أن سيراء صفة وبغير تنوين على الإضافة وهما وجهان مشهوران والمحققون ومتقنو العربية يختارون الاضافة قال سيبويه لم تأت فعلاء صفة وأكثر المحدثين
(14/37)
ينونون قال الخطابى حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء قالوا هي برود يخالطها حرير وهى مضلعة بالحرير وكذا فسرها فى الحديث فى سننأبى داود وكذا قاله الخليل والأصمعى وآخرون قالوا كأنها شبهت خطوطها بالستور وقال بن شهاب هي ثياب مضلعة بالقز وقيل هي مختلفة الألوان وقال هي وشى من حرير وقيل انها حرير محض وقد ذكر مسلم فى الرواية الأخرى حلة من استبرق وفى الأخرى من ديباج او حرير وفى رواية حلة سندس فهذه الألفاظ تبين أن هذه الحلة كانت حريرا محضا وهو الصحيح الذى يتعين القول به فى هذا الحديث جمعا بين الروايات ولأنها هي المحرمة أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا والله أعلم قال أهل اللغة الحلة لاتكون إلاثوبان وتكون غالبا إزارا ورداء وفى حديث عمر فى هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء وإباحة هديته وإباحة ثمنه وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا وغيره واستحباب لباس أنفس ثيابه يوم الجمعة والعيد وعند لقاء الوفود ونحوهم وعرض المفضول على الفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحة التى قد لايذكرها وفيه صلة الأقارب والمعارف وان كانوا كفارا وجواز البيع والشراء عند باب المسجد قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما يلبس هذه من لاخلاق له فى الآخرة ) قيل معناه من لانصيب له فى الآخرة وقيل من لاحرمة له وقيل من لادين له فعلى الأول يكون محمولا على الكفار وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر والله أعلم قوله ( فكساها عمر أخاله مشركا بمكة ) هكذا رواه البخارى ومسلم وفى رواية للبخارى فى كتاب قال أرسل
(14/38)
بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك وفى رواية فى مسند أبى عوانة الاسفراينى فكساها عمر أخا له من أمه من أهل مكة مشركا وفىهذا كله دليل لجواز صلة الأقارب الكفار والاحسان اليهم وجواز الهدية إلى الكفار وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لاتتعين للبسهم وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير وهذا وهم باطل لأن الحديث انما فيه الهدية إلى كافر وليس فيه الاذن له فى لبسها وقد بعث النبى صلى الله عليه و سلم ذلك إلى عمر وعلى وأسامة رضى الله عنهم ولايلزم منه إباحة لبسها لهم بل صرح صلى الله عليه و سلم بأنه انما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس والمذهب الصحيح الذى عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين والله أعلم قوله ( رأى عمر عطارد التميمى يقيم بالسوق حلة ) أى يعرضها للبيع
(14/39)
قوله صلى الله عليه و سلم ( شققها خمرا بين نسائك ) هو بضم الميم ويجوز إسكانها جمع خمار وهو ما يوضع
(14/40)
على رأس المرأة وفيه دليل لجواز لبس النساء الحرير وهو مجمع عليه اليوم وقد قدمنا أنه كان فيه خلاف لبعض السلف وزال قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما بعثت بها اليك لتنتفع بها ) أى تبيعها فتنتفع بثمنها كما صرح به فى الرواية التى قبلها وفى حديث بن مثنى بعدها قوله ( حدثنى يحيى بن أبى إسحاق قال قال لى سالم بن عبد الله فى الاستبرق قلت ما غلظ من الديباج وخشن منه قال سمعت عبد الله بن عمر يقول وذكر الحديث ) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم وفى كتابى البخارى والنسائى قال لى سالم ما الاستبرق قلت ما غلظ من الديباج وهذا معنى رواية مسلم لكنها مختصرة ومعناها قال لى سالم فى الاستبرق ما هو فقلت هو ماغلظ فرواية مسلم صحيحة لاقدح فيها وقد أشار القاضي
(14/41)
إلى تغليطها وأن الصواب رواية البخارى وليست بغلط بل صحيحة كما أوضحناه [ 2069 ] قوله ( ومئثرة الأرجوان ) تقدم تفسير المئثرة وضبطها وأما الأجوان فهو بضم الهمزة والجيم هذا هو الصواب المعروف فى روايات الحديث وفى كتب الغريب وفى كتب اللغة وغيرها وكذاصرح به القاضي فى المشارق وفى شرح القاضي عياض فى موضعين منه أنه بفتح الهمزة وضم الجيم وهذا غلط ظاهر من النساخ لامن القاضي عياض فى موضعين منه أنه بفتح الهمزة قال أهل اللغة وغيرهم هو صبغ أحمر شديد الحمرة هكذا قاله أبوعبيد والجمهور وقال الفراء هو الحمرة وقال بن فارس هو كل لون أحمر وقيل هو الصوف الأحمر وقال الجوهرى هو شجر له نور أحمر أحسن مايكون قال وهو معرب وقال آخرون هو عربى قالوا والذكر والأنثى فيه سواء يقال هذا ثوب أرجوان وهذه قطيفة أرجوان وقد يقولونه على الصفة ولكن الأكثر فى استعماله اضافة الأرجوان إلى ما بعده ثم ان أهل اللغة ذكروه فى باب الراء والجيم والواو وهذا هو الصواب ولا يغتر بذكر القاضي له فى المشارق فى باب الهمزة والراء والجيم ولابذكر بن الأثير له فى الراء والجيم والنون والله أعلم قوله ( ان اسماء أرسلت إلى بن عمر بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة العلم فى الثوب ومئثرة الأرجوان وصوم رجب كله فقال بن عمر أما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد وأما ماذكرت من العلم فى الثوب فانى سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
(14/42)
يقول انما يلبس الحرير من لاخلاق له فحفت أن يكون العلم منه وأما مئثرة الأرجوان فهذه مئثرة عبد الله أرجوان فهذه مئثرة عبد الله أرجوان فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخرجت إلى بجبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالدبياج فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضها وكان النبى صلى الله عليه و سلم يلبسها فنحن نغسلها للمرمضى يستشفى بها ) أما جواب بن عمر فى صوم رجب فانكار منه لما بلغها عنه من تحريمه واخبار بأنه يصوم رجبا كله وأنه يصوم الأبد والمراد بالأبد ما سوى أيام العيدين والتشريق وهذا مذهبه ومذهب أبيه عمر بن الخطاب وعائشة وأبى طلحة وغيرهم من سلف الأمة ومذهب الشافعى وغيره من العلماء أنه لايكره صوم الدهر وقد سبقت المسألة فى كتاب الصيام مع شرح الأحاديث الواردة من الطرفين وأما ما ذكرت عنه من كراهة العلم فلم يعترف بأنه كان يحرمه بل أخبر أنه تورع عنه خوفا من دخوله فى عموم النهى عن الحرير وأما المئثرة فأنكر ما بلغها عنه فيها وقال هذه مئثرتى وهى أرجوان والمراد أنها حمراء وليست من حرير بل من صوف أو غيره وقد سبق أنها قد تكون من حرير وقد تكون من صوف وأن الأحاديث الواردة فى النهى عنها مخصوصة بالتى هي من الحرير وأما اخراج أسماء جبة النبى صلى الله عليه و سلم المكفوفة بالحرير فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرما وهكذا الحكم عند الشافعى وغيره أن الثوب والحبة والعمامة ونحوها اذا كان مكفوف الطرف بالحرير جاز ما لم يزد على أربع أصابع فان زاد فهو حرام لحديث عمر رضى الله تعالى عنه المذكور بعد هذا وأما قوله ( جبة طيالسة ) فهو بإضافة جبة إلى طيالسة والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام
(14/43)
على المشهور قال جماهير أهل اللغة لايجوز فيه غير فتح اللام وعدوا كسرها فى تصحيف العوام وذكر القاضي فى المشارق فى حرف السين والياء فى تفسير الساج أن الطيلسان يقال بفتح اللام وضمها وكسرها وهذا غريب ضعيف وأما قوله ( كسروانية ) فهو بكسر الكاف وفتحها والسين ساكنة والراء مفتوحة ونقل القاضي أن جمهور الرواة رووه بكسر الكاف وهو نسبة إلى كسرى صاحب العراق ملك الفرس وفيه كسر الكاف وفتحها قال القاضي ورواه الهروى فى مسلم فقال خسروانية وفى هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم وفيه أن النهى عن الحرير المراد به الثوب المتمحض من الحرير أو ما أكثره حرير وأنه ليس المراد تحريم كل جزءمنه بخلاف الخمر والذهب فإنه يحرم كل جزء منهما وأما قوله فى الجبة ( ان لها لبنة ) فهو بكسر اللام واسكان الباء هكذا ضبطها القاضي وسائر الشراح وكذا هي فى كتب اللغة والغريب قالوا وهى رقعة فى جيب القميص هذه عبارتهم كلهم والله أعلم وأما قولها ( وفرجيها مكفوفين ) فكذا وقع فى جميع النسخ وفرجيها مكفوفين وهما منصوبان بفعل محذوف أى ورأيت فرجيها مكفوفين ومعنى المكفوف أنه جعل لها كفة بضم الكاف وهو مايكف به جوانبها ويعطف عليها ويكون ذلك فى الذيل وفى الفرجين وفى الكمين وفى هذا جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان وأنه لاكراهة فيه والله أعلم قوله ( عن أبى ذبيان ) هو بضم الذال وكسرها وقوله ( أن عبد الله بن الزبير خطب فقال لاتلبسوا نساءكم الحرير فانى سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاتلبسوا الحرير ) هذا مذهب بن الزبير وأجمعوا بعده على اباحة الحرير للنساء كما سبق وهذا الحديث الذى احتج به انما ورد فى لبس الرجال لوجهين أحدهما أنه خطاب للذكور ومذهبنا ومذهب محققى الاصوليين أن النساء لايدخلن فى خطاب الرجال عند الاطلاق والثانى أن الاحاديث الصحيحة التى ذكرها مسلم قبل هذا وبعده صريحة فى اباحته للنساء
(14/44)
وأمره صلى الله عليه و سلم عليا وأسامة بأن يكسواه نساءهما مع الحديث المشهور أنه صلى الله عليه و سلم قال فى الحرير والذهب ان هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثها والله أعلم قوله ( عن أبى عثمان قال كتب الينا عمر رضى الله عنه ونحن بأذربيجان ياعتبة بن فرقد ) إلى آخره هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخارى ومسلم وقال هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان من عمر بل أخبر عن كتاب عمر وهذا الاستدراك باطل فإن الصحيح الذى عليه جماهير المحدثين ومحققو الفقهاء والاصوليين جواز العمل بالكتاب وروايته عن الكاتب سواء قال فى الكتاب أذنت لك فى رواية هذا عنى أو أجزتك روايته عنى أو لم يقل شيئا وقد أكثر البخارى ومسلم وسائر المحدثين والمصنفين فى تصانيفهم من الاحتجاج بالمكاتبة فيقول الراوى منهم وممن قبلهم كتب إلى فلان كذا أو كتب إلى فلان قال حدثنا فلان أو أخبرنى مكاتبة والمراد به هذا الذى نحن فيه وذلك معمول به عندهم معدود فى المتصل لاشعاره بمعنى الاجازة وزاد السمعانى فقال هي أقوى من الاجازة ودليلهم فى المسألة الاحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكتب إلى عماله ونوابه وأمرائه ويفعلون ما فيها وكذلك الخلفاء ومن ذلك كتاب عمر رضى الله عنه هذا فانه كتبه إلى جيشه وفيه خلائق من الصحابة فدل على حصول الاتفاق منه وممن عنده فى المدينة ومن فى الجيش على العمل بالكتاب والله أعلم وأما قول أبى عثمان كتب الينا عمر فهكذا ينبغى للراوى بالمكاتبة أن يقول كتب إلى فلان قال حدثنا فلان أو أخبرنا فلان مكاتبة أو فى كتابه أو فيما كتب به إلى ونحو هذا ولايجوز أن يطلق قوله حدثنا ولا أخبرنا هذا هو الصحيح وجوزه طائفة من متقدمي اهل الحديث وكبارهم منهم منصور والليث وغيرهما والله أعلم قوله ( ونحن بأذربيجان ) هي اقليم معروف وراء العراق وفى ضبطها وجهان مشهوران اشهرهما وأفصحهما وقول الأكثرين أذربيجان بفتح الهمزة بغير مدة واسكان الذال وفتح الراء وكسر الباء قال صاحب المطالع وآخرون هذا هو المشهور والثانى
(14/45)
مد الهمزة وفتح الذال وفتح الراء وكسر الباء وحكى صاحب المشارق والمطالع أن جماعة فتحوا الباء على هذا الثانى والمشهور كسرها قوله ( كتب الينا عمر يا عتبة بن فرقد أنه ليس من كدك ولاكد أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير ) أما قوله كتب الينا فمعناه كتب إلى أمير الجيش وهو عتبة بن فرقد ليقرأه على الجيش فقرأه علينا وأما قوله ( ليس من كدك ) فالكد التعب والمشقة والمراد هنا أن هذا المال الذى عندك ليس هو من كسبك ومما تعبت فيه ولحقتك الشدة والمشقة فى كده وتحصيله ولاهو من كد أبيك وأمك فورثته منهما بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولاتختص عنهم بشيء بل أشبعهم منه وهم فى رحالهم أي منازلهم كما تشبع منه فى الجنس والقدر والصفة ولاتؤخر أرزاقهم عنهم ولاتحوجهم يطلبونها منك بل أوصلها اليهم وهم فى منازلهم بلا طلب وأما قوله ( واياكم والتنعم وزى العجم ) فهوبكسر الزاى ولبوس الحرير هو بفتح اللام وضم الباء ما يلبس منه ومقصود عمر رضى الله تعالى عنه حثهم على خشونة العيش وصلابتهم
(14/46)
فى ذلك ومحافظتهم على طريقة العرب فى ذلك وقد جاء فى هذا الحديث زيادة فى مسند أبى عوانة الاسفراينى وغيره باسناد صحيح قال أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل واياكم والتنعم وزى الأعاجم وعليكم بالشمس فانها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وابرزوا وارموا الأغراض والله أعلم قوله ( فرئيتهما أزرار الطيالسة حتى رأيت الطيالسة ) فقوله فرئيتهما هو بضم الراء وكسر الهمزة وضبطه بعضهم بفتح الراء قوله ( فما عتمنا أنه يعنى الاعلام ) هكذا ضبطناه عتمنا بعين مهملة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق مشددة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم نون ومعناه ما أبطأنا فى معرفة أنه أر الاعلام يقال عتم الشيء اذا أبطأ وتأخر وعتمته اذا أخرته ومنه حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه أنه غرس كذا وكذا أودية والنبى صلى الله عليه و سلم يناوله وهو يغرس فما عتمت منها واحدة أي ما أبطأت أن علقت فهذا الذى ذكرناه من ضبط اللفظة وشرحها هو الصواب المعروف الذى
(14/47)
صرح به جمهور الشارحين وأهل غريب الحديث وذكر القاضي فيه عن بعضهم تغييرا واعتراضا لاحاجة إلى ذكره لفساده قوله ( عن قتادة عن الشعبى عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خطب بالجابية فقال نهى نبى الله صلى الله عليه و سلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع ) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يرفعه عن الشعبى إلاقتادة وهو مدلس ورواه شعبة عن أبى السفر عن الشعبى من قول عمر موقوفا ورواه بيان وداود بن أبى هند عن الشعبى عن سويد عن عمر موقوفا عليه وكذا قال شعبة عن الحكم عن خيثمة عن سويد وقاله بن عبدالأعلى عن سويد وأبو حصين عن ابراهيم عن سويد هذا كلام الدارقطني وهذه الزيادة فى هذه الرواية انفرد بها مسلم لم يذكرها البخارى وقد قدمنا أن الثقة اذا انفرد برفع ما وقفه الأكثرون كان الحكم لروايته وحكم بأنه مرفوع على الصحيح الذى عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين وهذا من ذاك والله أعلم وفى هذه الرواية إباحة العلم من الحرير فى الثوب اذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعن مالك رواية
(14/48)
بمنعه وعن بعض أصحابه رواية باباحة العلم بلا تقدير بأربع أصابع بل قال يجوزوان عظم وهذان القولان مردودان بهذا الحديث الصريح والله أعلم قوله ( حدثنا محمد بن عبد الله الرزى ) هو براء مضمومة ثم زاى مشددة قوله ( فأطرتها بين نسائى ) أى قسمتها قوله ( ان أكيدر دومة ) هي بضم الدال وفتحها لغتان مشهورتان وزعم بن دريد أنه لا يجوز إلا الضم وأن المحدثين
(14/49)
يفتوحنها وأنهم غالطون فى ذلك وليس كما قال بل هما لغتان مشهورتان قال الجوهرى أهل الحديث يقولونها بالضم وأهل اللغة يفتحونها ويقال لها أيضا دوما وهى مدينة لها حصن عادى وهى فى برية فى أرض نخل وزرع يسقون بالنواضح وحولها عيون قليلة وغالب زرعهم الشعير وهى عن المدينة على نحو ثلاث عشرة مرحلة وعن دمشق على نحو عشر مراحل وعن الكوفة على قدر عشرمراحل أيضا والله أعلم وأما أكيدر فهو بضم الهمزة وفتح الكاف وهو أكيدر بن عبد الملك الكندى قال الخطيب البغدادى فى كتابه المبهمات كان نصرانيا ثم أسلم قال وقيل بل مات نصرانيا وقال بن منده وأبونعيم الأصبهانى فى كتابيهما فى معرفة الصحابة ان أكيدرا هذا أسلم وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حلة سيراء قال بن الأثير فى كتابه معرفة الصحابة أما الهدية والمصالحة فصحيحان وأما الاسلام فغلط قال لأنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير ومن قال أسلم فقد أخطأ خطأ فاحشا قال وكان أكيدر نصرانيا فلما صالحه النبى صلى الله عليه و سلم عاد إلى حصنه وبقى فيه ثم حاصره خالد بن الوليد فى زمان أبى بكر الصديق رضى الله عنه فقتله مشركا نصرانيا يعنى لنقضه العهد قال وذكر البلاذرى أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاد إلى دومة فلما توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد أكيدر فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله وعلى هذا القول لاينبغى أيضا عده فى الصحابة هذا كلام بن الأثير قوله ( ان أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم ) أما الخمر فسبق أنه بضم الميم جمع خمار وأما الفواطم فقال الهروى والأزهرى والجمهور انهن ثلاث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وفاطمة بنت أسد وهى
(14/50)
أم على بن أبى طالب وهى أول هاشمية ولدت لهاشمى وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وذكر الحافظان عبدالغنى بن سعيد وبن عبدالبر باسنادهما أن عليا رضى الله عنه قسمه بين الفواطم الأربع فذكر هؤلاء الثلاث قال القاضي عياض يشبه أن تكون الرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب لاختصاصها بعلي رضي الله عنه بالمصاهرة وقربها إليه بالمناسبة وهي من المبايعات شهدت مع النبي صلى الله عليه و سلم حنينا ولها قصة مشهورة في الغنائم تدل على ورعها والله أعلم قال القاضي هذه المذكورات فاطمة بنت أسد أم علي كانت منهن وهو مصحح لهجرتها كما قاله غير واحد خلافا لمن زعم أنها ماتت قبل الهجرة وفي هذا الحديث جواز قبول هدية الكافر وقد سبق الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا وفيه جواز هدية الحرير إلى الرجال وقبولهم إياه وجواز لباس النساء له قوله
(14/51)
[ 2075 ] ( أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ثم قال لاينبغى هذا للمتقين ) الفروج بفتح الفاء وضم الراء المشددة هذا هو الصحيح المشهور فى ضبطه ولم يذكر الجمهور غيره وحكى ضم الفاء وحكى القاضي فى الشرح وفى المشارق تخفيف الراء وتشديدها والتخفيف غريب ضعيف قالوا وهو قباء له شق من خلفه وهذا اللبس المذكور فى هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال ولعل أول النهى والتحريم كان حين نزعه ولهذا قال صلى الله عليه و سلم فى حديث جابر الذى ذكره مسلم قبل هذا بأسطر حين صلى فى قباء ديباج ثم نزعه وقال نهانى عنه جبريل فيكون هذا أول التحريم والله أعلم
عدد المشاهدات *:
432096
432096
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 28/03/2015