ما زال المؤلف - رحمه الله - يأتي بالأحاديث الدالة على الصبر وكظم الغيظ ، فذكر هذا الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمير المؤمنين ، وثالث رجل في هذه الأمة الإسلامية ، بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وبعد الخليفة الأول ، فعمر هو الخليفة الثاني .
وكان قد اشتُهِرَ بالعدل بين الرعية ، وبالتواضع للحق، حتى أن المرأة ربما تذكِّرهُ بالآية في كتاب الله فيقف عندها ولا يتجاوزها ، فقد قدم عليه عيينة بن حصن - وكان من كبار قومه - فقال له : هيه يا ابن الخطاب . هذه كلمة استنكار وتلوُّم. وقال له : إنك لا تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل .
انظر إلى هذا الرجل يتكلم على هذا الخليفة المشهور بالعدل بهذا الكلام ، مع أن عمر كما قال ابن عباس رضي الله عنه ((كان جلساؤه القراء )) القُرَّاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم جلساؤه ، سواء كانوا شيوخا أو كهولا أو شبابا ، يشاورهم ويدنيهم ، وهكذا ينبغي لكل أمير أو خليفة أن يكون جلساؤه الصالحين ؛ لأنه إن قُيِّضَ له جلساء غير صالحين ؛ هلك وأهلك الأمة ، وإن يسَّر الله له جلساء صالحين نفع الله به الأمة . فالواجب على ولي الأمر أن يختار من الجلساء أهل العلم والإيمان . وكان الصحابة - رضي الله عنهم - القُرَّاء منهم هم أهل العلم ، لأنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل .
لما قال الرجل هذا الكلام لعمر: إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ، غَضِبَ - رضي الله عنه - غضبا حتى كاد أن يهمَّ به ، أي : يضر به أو يبطش به .
ولكن ابن أخي عيينة الحر بن قيس قال له : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199] ، وإن هذا من الجاهلين .
فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ؛ لأنه كان وقَّافًا عند كتاب الله - رضي الله عنه وأرضاه - فوقف، وما ضرب الرجل وما بطش به ؛ لأجل الآية التي تليت عليه .
وانظر إلى أدب الصحابة - رضي الله عنهم عند كتاب الله ؛ لا يتجاوزونه ، إذا قيل لهم هذا قول الله وقفوا ، مهما كان .
فقوله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أي : خذ ما عفا من الناس وما تيسَّر، ولا تطلب حقك كله ؛ لأنه لا يحصل لك ، فخذ منهم ما عفا وسهل .
وقوله : ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ أي: اأمر بما عرفه الشرع وعرفه الناس، ولا تأمر بمنكر ، ولا بغير العرف ، لأن الأمور ثلاثة أقسام :
1 - منكر يجب النهي عنه .
2 - وعرف يؤمر به .
3 - وما ليس بهذا ولا بهذا فإنه يسكت عنه .
ولكن على سبيل النصيحة ينبغي للإنسان ألا يقول إلا قولا فيه خير ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ))(163) .
وأما لقوله : ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فالمعنى : أن من جهل عليك وتطاول عليك فأعرض عنه لاسيما إذا كان إعراضك ليس ذُلا وخُنوعًا .
مثل عمر بن الخطاب إعراضه ليس ذُلاًّ ولا خنوعا ، فهو قادر على أن يبطش بالرجل الذي تكلم ، لكن امتثل هذا الأمر وأعرض عن الجاهلين .
والجهل له معنيان :
أحدهما: عدم العلم بالشيء .
والثاني : السفه والتطاول ، ومنه قول الشاعر الجاهلي :
ألا لا يجهَلَـنْ أحـدٌ علينــا فَنَجْهَـَل فوق جَهْـِل الجـاهِلينـا
أي لا يسفَهْ علينا أحد ويتطاول علينا فنكون أشدَّ منه ، لكن هذا شعر جاهلي !! أما الأدب الإسلامي فإن الله تعالى يقول : ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:34] ، سبحان الله !! إنسان بينك وبينه عداوة أساء إليك ، ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا دفعت بالتي هي أحسن ففورًا يأتيك الثواب والجزاء : ﴿أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت:34] ، وقوله ﴿وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ أي قريب صديق في غاية ما يكون من الصداقة والقرب ، والذي يقول هو الله عز وجل مُقَلِّبُ القلوب ، ما من قلب من قلوب بني آدم إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يُصَرِّفه كيف يشاء .
فهذا الذي كان عدوًّا لك ودافعته بالتي هي أحسن ، فإنه ينقلب بدل العداوة صداقة (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) .
فالحاصل أن هذه الآية الكريمة ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199] ، لما تليت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقف ولم يبطش بالرجل ، ولم يأخذه على جهله .
فينبغي لنا إذا حصلت مثل هذه الأمور ، كالغضب والغيظ ، أن نتذكر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن نسير على هديهما ، حتى لا نضلَّ ، فإن من تمسك بهدي الله فإن الله يقول: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طـه:123] ، والله الموفق.
(162) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) رقم (4642).
(163) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، رقم (6108)، ومسلم، كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، رقم (47).
وكان قد اشتُهِرَ بالعدل بين الرعية ، وبالتواضع للحق، حتى أن المرأة ربما تذكِّرهُ بالآية في كتاب الله فيقف عندها ولا يتجاوزها ، فقد قدم عليه عيينة بن حصن - وكان من كبار قومه - فقال له : هيه يا ابن الخطاب . هذه كلمة استنكار وتلوُّم. وقال له : إنك لا تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل .
انظر إلى هذا الرجل يتكلم على هذا الخليفة المشهور بالعدل بهذا الكلام ، مع أن عمر كما قال ابن عباس رضي الله عنه ((كان جلساؤه القراء )) القُرَّاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم جلساؤه ، سواء كانوا شيوخا أو كهولا أو شبابا ، يشاورهم ويدنيهم ، وهكذا ينبغي لكل أمير أو خليفة أن يكون جلساؤه الصالحين ؛ لأنه إن قُيِّضَ له جلساء غير صالحين ؛ هلك وأهلك الأمة ، وإن يسَّر الله له جلساء صالحين نفع الله به الأمة . فالواجب على ولي الأمر أن يختار من الجلساء أهل العلم والإيمان . وكان الصحابة - رضي الله عنهم - القُرَّاء منهم هم أهل العلم ، لأنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل .
لما قال الرجل هذا الكلام لعمر: إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ، غَضِبَ - رضي الله عنه - غضبا حتى كاد أن يهمَّ به ، أي : يضر به أو يبطش به .
ولكن ابن أخي عيينة الحر بن قيس قال له : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199] ، وإن هذا من الجاهلين .
فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ؛ لأنه كان وقَّافًا عند كتاب الله - رضي الله عنه وأرضاه - فوقف، وما ضرب الرجل وما بطش به ؛ لأجل الآية التي تليت عليه .
وانظر إلى أدب الصحابة - رضي الله عنهم عند كتاب الله ؛ لا يتجاوزونه ، إذا قيل لهم هذا قول الله وقفوا ، مهما كان .
فقوله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أي : خذ ما عفا من الناس وما تيسَّر، ولا تطلب حقك كله ؛ لأنه لا يحصل لك ، فخذ منهم ما عفا وسهل .
وقوله : ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ أي: اأمر بما عرفه الشرع وعرفه الناس، ولا تأمر بمنكر ، ولا بغير العرف ، لأن الأمور ثلاثة أقسام :
1 - منكر يجب النهي عنه .
2 - وعرف يؤمر به .
3 - وما ليس بهذا ولا بهذا فإنه يسكت عنه .
ولكن على سبيل النصيحة ينبغي للإنسان ألا يقول إلا قولا فيه خير ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ))(163) .
وأما لقوله : ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فالمعنى : أن من جهل عليك وتطاول عليك فأعرض عنه لاسيما إذا كان إعراضك ليس ذُلا وخُنوعًا .
مثل عمر بن الخطاب إعراضه ليس ذُلاًّ ولا خنوعا ، فهو قادر على أن يبطش بالرجل الذي تكلم ، لكن امتثل هذا الأمر وأعرض عن الجاهلين .
والجهل له معنيان :
أحدهما: عدم العلم بالشيء .
والثاني : السفه والتطاول ، ومنه قول الشاعر الجاهلي :
ألا لا يجهَلَـنْ أحـدٌ علينــا فَنَجْهَـَل فوق جَهْـِل الجـاهِلينـا
أي لا يسفَهْ علينا أحد ويتطاول علينا فنكون أشدَّ منه ، لكن هذا شعر جاهلي !! أما الأدب الإسلامي فإن الله تعالى يقول : ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:34] ، سبحان الله !! إنسان بينك وبينه عداوة أساء إليك ، ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا دفعت بالتي هي أحسن ففورًا يأتيك الثواب والجزاء : ﴿أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت:34] ، وقوله ﴿وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ أي قريب صديق في غاية ما يكون من الصداقة والقرب ، والذي يقول هو الله عز وجل مُقَلِّبُ القلوب ، ما من قلب من قلوب بني آدم إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يُصَرِّفه كيف يشاء .
فهذا الذي كان عدوًّا لك ودافعته بالتي هي أحسن ، فإنه ينقلب بدل العداوة صداقة (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) .
فالحاصل أن هذه الآية الكريمة ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199] ، لما تليت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقف ولم يبطش بالرجل ، ولم يأخذه على جهله .
فينبغي لنا إذا حصلت مثل هذه الأمور ، كالغضب والغيظ ، أن نتذكر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن نسير على هديهما ، حتى لا نضلَّ ، فإن من تمسك بهدي الله فإن الله يقول: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طـه:123] ، والله الموفق.
(162) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) رقم (4642).
(163) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، رقم (6108)، ومسلم، كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، رقم (47).
عدد المشاهدات *:
419533
419533
عدد مرات التنزيل *:
177215
177215
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 12/04/2015