قال المؤلف رحمه الله تعالى - فيما نقله عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه أحياناً بما يراه مناسباً، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا حدث بشيء، فإنه حديث له وللأمة إلى يوم القيامة. وحذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- يُقال له: صاحب السر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسمل حدثه عن قوم من المنافقين، علهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بهم حذيفة، وكانوا نحو ثلاثة عشر رجلاً ، سماهم بأسماءهم.
وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - لشدة خوفه من الله، يلتقى بحذيفة فيقول: أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين؟ هذا وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر بضي الله عنهم أجمعين، فهو الثاني بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وله من اليقين والمقامات العظيمة ما هو معلوم ، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن يكن فيكم محدثون فعمر" [310]يعني إن كان فيكم أحد ملهم للصواب فهو عمر، يمدحه ويثني عليه لموافقته للصواب، وإيمانه رضي الله عنه معروف مشهور ومع ذلك يقول : " أنشدك الله هل سماني لك رسول الله مع من سماهم من المنافقين؟ فيقول حذيفة: لا . ولا أزكي بعدك أحداً [311].
فذكر رضي الله عنه ما حدثه به النبي صلى الله عليه وسلم من نزع الأمانة من قلوب الرجال، فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" يعني في أصلها ، ثم أنزل عليهم من القرآن والسنة ما يثبت ويؤيد هذا الأصل ، فجاء القرآن والسنة مؤيداً الفطرة التي فطر الناس عليها ، وعلموا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فازدادوا بذلك إيماناً وثباتاً وأداءً للأمانة.
ولكن أخبر بالحديث الثاني أن هذه الأمانة سوف تنزع من قلوب الرجال والعياذ بالله ، تنزع فيصبح الناس يتحدثون أن في بني فلان رجلاً أميناً، يعني أنك لا تكاد تجد في القبيلة رجلاً واحداً أميناً ، والباقي كلهم على خيانة ، لم يؤدوا الأمانة.
ولقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً حتى تبلغ إلى حدّ المائة أو المئات، لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله ولا في حقِّ الناس.
قد تجد رجلاً أميناً في حق الله ، ويؤدي الصلاة ، ويؤدى الزكاة ، ويصوم ، يحج، يذكر الله كثيراً ، يسبح ، لكنه في المال ليس أميناً، إن وكل إليه عملٌ حكومي فرط وصار لا يأتي للدوام إلا متأخراً، ويخرج قبل انتهاء الوقت، ويضيع الأيام الكثيرة في أشغاله الخاصة، ولا يبالي ، مع أنك تجده في مقدمة الناس في المساجد، وفي الصدقات ، وفي الصيام، وفي الحج، لكنه ليس أميناً من جهة أخرى.
كذلك تجد الرجل أميناً في عبادة الله ، يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ويصوم ، ويحج، ويتصدق ، لكنه ليس أميناً في وظيفته، يعرف أنه لا يجوز للموظف أن يتاجر أو يفتح محل تجارة، ولكنه لا يبالي ، ويفتح محل تجارة، إما باسمه صريحاً ، أو باسم مستعار، وإما برجل أجنبي يجعله في هذا الدكان وما أشبه ذلك. فيكذب ، ويخون الدولة، ويأكل المال بالباطل، ويكون هذا المال الذي يكسبه من كسب حرام مانعاً من إجابة دعوته ، والعياذ بالله.
قال النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(المؤمنون:51)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، اشعث أغبر يمدُ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام ،فإني يستجاب لذلك" [312].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أني يستجاب لذلك" بعيد أن يستجيب الله لهذا الرجل، الذي هو أشعث أغبر ، يمد يديه للسماء : يا رب يا رب، ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له؛ لأنه يأكل الحرام. هذا الذي يكون موظفاً بمقتضى عقد الوظيفة فإنه يمنع من مزاولة التجارة، ثم يزاول التجارة، فكلُ كسب كسبه من هذه التجارة فهو حرام عليه، سحت والعياذ بالله ولا يبالي، نقول لمثل هذا : أنت الآن بالخيار؛ إن شئت أن تبقي على الوظيفة فاترك التجارة، وأن رأيت أن التجارة أنسب لك وأكثر فائدة فاترك الوظيفة.
أمران لا يجتمعان حسب العهد الذي بينك وبين الدولة، أنت تعرف أن الدولة تمنع من مزاولة التجارة فلماذا تتاجر؟
قال الله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(المائدة:1) ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)(الاسراء:34)، يتعلل بعض الناس فيقول: كيف تمنعوني من التجارة وهناك وزراء يتاجرون بالأراضي وعندهم شركات كبيرة، فنقول : إذا ضلّ الناس لم يكن ضلالهم هدى، وإذا كانوا هم ضالين ظالمين بما صنعوا فلا تضل أنت، فإذا قال مثلاً: هذه النظم جاءت من تحت أيديهم، هم الذين شرعوها فكيف يخالفونها؟ نقول : حسابهم على الله ، سيكونون هم أول من يحزن ويتحسر على ما صنع يوم القيامة، حيث لا مال عندهم يفدون به أنفسهم ، ولا خدم ولا حراس يحجزون عنهم، ولا نسب ولا قرابة تنفعهم. فأنت لا تتخذ من مخالفات الناس دليلاً وسلماً لمعصية الله، ولكن عليك بالوفاء بما عاهدت غيرك عليه، وإن كان غيرك يخالف ذلك فليس لك أن تخالفه أنت.
نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الأمناء المؤدين للأمانة في حق الله وحق عباده.
309 أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة ، رقم (6497)، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب ...، رقم (143)
310 أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3689)، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر...، رقم (2398).
311 أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق رقم (309).
312 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (1015).
وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - لشدة خوفه من الله، يلتقى بحذيفة فيقول: أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين؟ هذا وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر بضي الله عنهم أجمعين، فهو الثاني بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وله من اليقين والمقامات العظيمة ما هو معلوم ، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن يكن فيكم محدثون فعمر" [310]يعني إن كان فيكم أحد ملهم للصواب فهو عمر، يمدحه ويثني عليه لموافقته للصواب، وإيمانه رضي الله عنه معروف مشهور ومع ذلك يقول : " أنشدك الله هل سماني لك رسول الله مع من سماهم من المنافقين؟ فيقول حذيفة: لا . ولا أزكي بعدك أحداً [311].
فذكر رضي الله عنه ما حدثه به النبي صلى الله عليه وسلم من نزع الأمانة من قلوب الرجال، فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" يعني في أصلها ، ثم أنزل عليهم من القرآن والسنة ما يثبت ويؤيد هذا الأصل ، فجاء القرآن والسنة مؤيداً الفطرة التي فطر الناس عليها ، وعلموا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فازدادوا بذلك إيماناً وثباتاً وأداءً للأمانة.
ولكن أخبر بالحديث الثاني أن هذه الأمانة سوف تنزع من قلوب الرجال والعياذ بالله ، تنزع فيصبح الناس يتحدثون أن في بني فلان رجلاً أميناً، يعني أنك لا تكاد تجد في القبيلة رجلاً واحداً أميناً ، والباقي كلهم على خيانة ، لم يؤدوا الأمانة.
ولقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً حتى تبلغ إلى حدّ المائة أو المئات، لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله ولا في حقِّ الناس.
قد تجد رجلاً أميناً في حق الله ، ويؤدي الصلاة ، ويؤدى الزكاة ، ويصوم ، يحج، يذكر الله كثيراً ، يسبح ، لكنه في المال ليس أميناً، إن وكل إليه عملٌ حكومي فرط وصار لا يأتي للدوام إلا متأخراً، ويخرج قبل انتهاء الوقت، ويضيع الأيام الكثيرة في أشغاله الخاصة، ولا يبالي ، مع أنك تجده في مقدمة الناس في المساجد، وفي الصدقات ، وفي الصيام، وفي الحج، لكنه ليس أميناً من جهة أخرى.
كذلك تجد الرجل أميناً في عبادة الله ، يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ويصوم ، ويحج، ويتصدق ، لكنه ليس أميناً في وظيفته، يعرف أنه لا يجوز للموظف أن يتاجر أو يفتح محل تجارة، ولكنه لا يبالي ، ويفتح محل تجارة، إما باسمه صريحاً ، أو باسم مستعار، وإما برجل أجنبي يجعله في هذا الدكان وما أشبه ذلك. فيكذب ، ويخون الدولة، ويأكل المال بالباطل، ويكون هذا المال الذي يكسبه من كسب حرام مانعاً من إجابة دعوته ، والعياذ بالله.
قال النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(المؤمنون:51)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، اشعث أغبر يمدُ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام ،فإني يستجاب لذلك" [312].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أني يستجاب لذلك" بعيد أن يستجيب الله لهذا الرجل، الذي هو أشعث أغبر ، يمد يديه للسماء : يا رب يا رب، ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له؛ لأنه يأكل الحرام. هذا الذي يكون موظفاً بمقتضى عقد الوظيفة فإنه يمنع من مزاولة التجارة، ثم يزاول التجارة، فكلُ كسب كسبه من هذه التجارة فهو حرام عليه، سحت والعياذ بالله ولا يبالي، نقول لمثل هذا : أنت الآن بالخيار؛ إن شئت أن تبقي على الوظيفة فاترك التجارة، وأن رأيت أن التجارة أنسب لك وأكثر فائدة فاترك الوظيفة.
أمران لا يجتمعان حسب العهد الذي بينك وبين الدولة، أنت تعرف أن الدولة تمنع من مزاولة التجارة فلماذا تتاجر؟
قال الله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(المائدة:1) ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)(الاسراء:34)، يتعلل بعض الناس فيقول: كيف تمنعوني من التجارة وهناك وزراء يتاجرون بالأراضي وعندهم شركات كبيرة، فنقول : إذا ضلّ الناس لم يكن ضلالهم هدى، وإذا كانوا هم ضالين ظالمين بما صنعوا فلا تضل أنت، فإذا قال مثلاً: هذه النظم جاءت من تحت أيديهم، هم الذين شرعوها فكيف يخالفونها؟ نقول : حسابهم على الله ، سيكونون هم أول من يحزن ويتحسر على ما صنع يوم القيامة، حيث لا مال عندهم يفدون به أنفسهم ، ولا خدم ولا حراس يحجزون عنهم، ولا نسب ولا قرابة تنفعهم. فأنت لا تتخذ من مخالفات الناس دليلاً وسلماً لمعصية الله، ولكن عليك بالوفاء بما عاهدت غيرك عليه، وإن كان غيرك يخالف ذلك فليس لك أن تخالفه أنت.
نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الأمناء المؤدين للأمانة في حق الله وحق عباده.
309 أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة ، رقم (6497)، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب ...، رقم (143)
310 أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3689)، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر...، رقم (2398).
311 أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق رقم (309).
312 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (1015).
عدد المشاهدات *:
569592
569592
عدد مرات التنزيل *:
204531
204531
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2015