هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف ـ رحمه الله ـ كلها تدل على أهمية صلة الرحم ، أي صلة القرابة ، وصدرها بحديث أبي سفيان صخر بن حرب حين وفد ومعه قوم من قريش على هرقل ، وكان قد وفد على هرقل قبل أن يسلم رضي الله عنه ؛ لأنه أسلم عام الفتح .
وأما قدومه إلى هرقل ، فإنه كان بعد صلح الحديبية ، ولما سمع بهم هرقل وكان رجلاً عاقلاً ، عنده علم من كتاب ، وعنده علم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبما يدعو إليه ؛ لأن صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجودة في التوراة والإنجيل ، كما قال تبارك وتعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ ) [الأعراف: 157] ، مكتوباً بصفته ومعروفاً ، حتى إنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يشكون فيهم .
فلما قدم هؤلاء الجماعة من العرب من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، من الحجاز دعاهم يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعما يأمر به ، وعما ينهى عنه ، وعن كيفية أصحابه ، ومعاملتهم له ، إلى غير ذلك مما سألهم عنه ، وقد ذكره البخاري مطولاً في صحيحه ، وكان من جملة ما سألهم عنه : ماذا يأمر به ؟ قالوا : كان يأمرنا بالصلة ، والصدق ، والعفاف .
الصلة : يعني صلة الرحم ، والصدق : الخبر الصحيح المطابق للواقع ، والعفاف : عن الزنى ، وعما في أيدي الناس من الأموال ، وكذلك الأعراض .
ثم إنه لما ذكر لهم ما ذكر قال له : إن كان ما تقوله حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين ، يقول ذلك وهو أحد الرئيسين في الدولتين الكبيرتين : الروم والفرس .
يقول ذلك وهو ملك له مملكة كبيرة عظيمة ، لكنه يعلم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وأنه هو الصواب المطابق للفطرة ولمصالح الخلق ، كلن يأمر بالصدق والعفاف والأرحام . ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ أحاديث في هذا المعنى ، أي في صلة الأرحام ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله عليه (َأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )[ الشعراء 214] ، جمع قريشاً ، وعمم وخص وقال : (( يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان )) يعدهم أفخاذاً أفخاذاً حتى وصل إلى ابنته فاطمة ، قال : (( يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً )) وهذا من الصلة .
وبين أن لهم رحماً سيبلها ببلالها ، أي سيبلها بالماء ؛ وذلك لأن قطيعة الرحم نار والماء يطفئ النار ، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ) [الأنبياء:30] ، فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء .
وكذلك أيضاً من الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي )) وذلك لأنهم كفار .
والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين ، كما قال الله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة: 4] ، فتبرأ منهم مع قرابتهم له .
قال : (( ولكن لهم رحم أبلها ببلها )) يعني سأعطيها حفها من الصلة ، وإن كانوا كفاراً .
وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافراً ، لكن ليس له الولاية ، فلا يوالى و لا يناصر لما عليه من الباطل .
ثم ذكر أيضاً من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بأنهم سيفتحون مصر ، وأوصى بأهلها خيراً ، وقال : إن لهم رحما وصهراً ، وذلك أن هاجر أم إسماعيل سرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كانت من مصر ، ولهذا قال (( إن لهم صهراً ورحماً )) ؛ لأنهم أخوال إسماعيل ، وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة كلها .
فدل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة . ما دمت تعرف أن هؤلاء من قبيلتك فلهم الصلة ولو كانوا بعداء .
ودل أيضاً على أن صلة القربة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب .
(148) رواه البخاري ، كتاب بدء الوحي ، باب بدء الوحي ، رقم (7) ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ، رقم (1773) .
(149) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، رقم ( 2543 ) [ 226 ] .
(150) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل . . . ، رقم ( 2543 ) .
(151) رواه مسام ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل . . . ، رقم ( 2543 ) [ 227] .
(152) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، رقم ( 204 ) .
(153) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب تبل الرحم ببلالها ، رقم ( 5990 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم . . . ، رقم ( 215 )
وأما قدومه إلى هرقل ، فإنه كان بعد صلح الحديبية ، ولما سمع بهم هرقل وكان رجلاً عاقلاً ، عنده علم من كتاب ، وعنده علم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبما يدعو إليه ؛ لأن صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجودة في التوراة والإنجيل ، كما قال تبارك وتعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ ) [الأعراف: 157] ، مكتوباً بصفته ومعروفاً ، حتى إنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يشكون فيهم .
فلما قدم هؤلاء الجماعة من العرب من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، من الحجاز دعاهم يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعما يأمر به ، وعما ينهى عنه ، وعن كيفية أصحابه ، ومعاملتهم له ، إلى غير ذلك مما سألهم عنه ، وقد ذكره البخاري مطولاً في صحيحه ، وكان من جملة ما سألهم عنه : ماذا يأمر به ؟ قالوا : كان يأمرنا بالصلة ، والصدق ، والعفاف .
الصلة : يعني صلة الرحم ، والصدق : الخبر الصحيح المطابق للواقع ، والعفاف : عن الزنى ، وعما في أيدي الناس من الأموال ، وكذلك الأعراض .
ثم إنه لما ذكر لهم ما ذكر قال له : إن كان ما تقوله حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين ، يقول ذلك وهو أحد الرئيسين في الدولتين الكبيرتين : الروم والفرس .
يقول ذلك وهو ملك له مملكة كبيرة عظيمة ، لكنه يعلم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وأنه هو الصواب المطابق للفطرة ولمصالح الخلق ، كلن يأمر بالصدق والعفاف والأرحام . ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ أحاديث في هذا المعنى ، أي في صلة الأرحام ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله عليه (َأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )[ الشعراء 214] ، جمع قريشاً ، وعمم وخص وقال : (( يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان )) يعدهم أفخاذاً أفخاذاً حتى وصل إلى ابنته فاطمة ، قال : (( يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً )) وهذا من الصلة .
وبين أن لهم رحماً سيبلها ببلالها ، أي سيبلها بالماء ؛ وذلك لأن قطيعة الرحم نار والماء يطفئ النار ، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ) [الأنبياء:30] ، فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء .
وكذلك أيضاً من الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي )) وذلك لأنهم كفار .
والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين ، كما قال الله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة: 4] ، فتبرأ منهم مع قرابتهم له .
قال : (( ولكن لهم رحم أبلها ببلها )) يعني سأعطيها حفها من الصلة ، وإن كانوا كفاراً .
وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافراً ، لكن ليس له الولاية ، فلا يوالى و لا يناصر لما عليه من الباطل .
ثم ذكر أيضاً من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بأنهم سيفتحون مصر ، وأوصى بأهلها خيراً ، وقال : إن لهم رحما وصهراً ، وذلك أن هاجر أم إسماعيل سرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كانت من مصر ، ولهذا قال (( إن لهم صهراً ورحماً )) ؛ لأنهم أخوال إسماعيل ، وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة كلها .
فدل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة . ما دمت تعرف أن هؤلاء من قبيلتك فلهم الصلة ولو كانوا بعداء .
ودل أيضاً على أن صلة القربة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب .
(148) رواه البخاري ، كتاب بدء الوحي ، باب بدء الوحي ، رقم (7) ، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ، رقم (1773) .
(149) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، رقم ( 2543 ) [ 226 ] .
(150) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل . . . ، رقم ( 2543 ) .
(151) رواه مسام ، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل . . . ، رقم ( 2543 ) [ 227] .
(152) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، رقم ( 204 ) .
(153) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب تبل الرحم ببلالها ، رقم ( 5990 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم . . . ، رقم ( 215 )
عدد المشاهدات *:
405183
405183
عدد مرات التنزيل *:
175520
175520
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 19/04/2015