اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الأربعاء 16 شوال 1445 هجرية
? ??? ???????? ???? ??? ???? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ??????????????? ?????? ???????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

سم الله

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
سيرة الخلفاء
سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي
المبحث الثالث ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
الكتب العلمية


المبحث الثالث ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان وصقل مواهبه وفجر طاقته، وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة، ذلك أن عثمان لازم الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بعد إسلامه كما لازمه في المدينة بعد هجرته؛ فقد نظم عثمان نفسه, وحرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، فحرص على تعلم القرآن الكريم والسنة المطهرة من سيد الخلق أجمعين.

وهذا عثمان يحدثنا عن ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: إن الله -عز وجل- بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن، فهاجرت الهجرتين الأوليين، ونلت صهر رسول الله، ورأيت هديه.([1]) لقد تربى عثمان على المنهج القرآني، وكان المربي له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت نقطة البدء في تربية عثمان هي لقاءه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدث له تحول غريب واهتداء مفاجئ بمجرد اتصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم، فخرج من دائرة الظلام إلى دائرة النور، واكتسب الإيمان وطرح الكفر، وقوى على تحمل الشدائد والمصائب في سبيل الإسلام وعقيدته السمحة. كانت شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم تملك قوى الجذب والتأثير على الآخرين، فقد صنعه الله على عينه، وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الأرض، والعظمة دائما تحب وتحاط من الناس بالإعجاب، ويلتف حولها المعجبون ويلتصقون بها التصاقا بدافع الإعجاب والحب، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيف إلى عظمته تلك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم متلقي الوحي من الله، ومبلغه إلى الناس، وذلك بُعْد آخر له أثره في تكييف مشاعر ذلك المؤمن تجاهه، فهو لا يحبه لذاته فقط كما يحب العظماء من الناس، ولكن أيضا لتلك النفخة الربانية التي تشمله من عند الله، فهو معه في حضرة الوحي الإلهي المكرم، ومن ثم يلتقي في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم البشر العظيم والرسول العظيم، ثم يصبحان شيئا واحدا في النهاية، غير متميز البداية ولا النهاية، حب عميق شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول، ويرتبط حب الله بحب رسوله صلى الله عليه وسلم, ويمتزجان في نفسه فيصبحان في مشاعره هما نقطة ارتكاز المشاعر كلها، ومحور الحركة الشعورية والسلوكية كلها كذلك.

كان هذا الحب الذي حرك الرعيل الأول من الصحابة هو مفتاح التربية الإسلامية ونقطة ارتكازها ومنطقها الذي تنطلق منه.([2]) لقد حصل لعثمان وللصحابة ببركة صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتربيتهم على يديه أحوال إيمانية عالية، ولقد تتلمذ عثمان على يدي رسول الله، فتعلم منه القرآن الكريم والسنة النبوية، وأحكام التلاوة وتزكية النفوس، قال تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" [آل عمران: 64].

وحرص على التبحر في الهدي النبوي الكريم خلال ملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته وسِلْمه، وقد أمدته تلك المعايشة بخبرة ودربة ودراية بشئون الحرب ومعرفة بطبائع النفوس وغرائزها، وفي الصفحات القادمة سنبين -بإذن الله تعالى- مواقفه في الميادين الجهادية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد المدني.

أولاً: عثمان في ميادين الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم الدولة الإسلامية، فآخى بين المهاجرين والأنصار، فكل مهاجري يتخذ أخًا له من الأنصار، فكان نصيب عثمان بن عفان في المؤاخاة أوس بن ثابت،([3]) ثم أقام النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، وأبرم المعاهدة مع اليهود، وبدأت حركة السرايا، واهتم بالبناء الاقتصادي والتعليمي والتربوي في المجتمع الجديد. وكان عثمان من أعمدة الدولة الإسلامية، فلم يبخل بمشورة أو مال أو رأي، وشهد المشاهد كلها إلا غزوة بدر([4]).

1- عثمان وغزوة بدر:

لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا انه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب رقية -رضي الله عنها- لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر بنفس راضية وبقي إلى جوار زوجته الصابرة الطاهرة رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اشتد بها المرض، وطاف بها شبح الموت، كانت رقية -رضي الله عنها- تجود بأنفاسها وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج إلى بدر، ورؤية أختها زينب في مكة، وجعل عثمان يرنو إليها من خلال دموعه، والحزن يعتصر قلبه([5]), ودعت نبض الحياة وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولحقت بالرفيق الأعلى، ولم ترَ أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان ببدر مع أصحابه الكرام، يعلون كلمة الله، فلم يشهد دفنها صلى الله عليه وسلم, وجهزت رقية ثم حمل جثمانها الطاهر على الأعناق، وقد سار خلفه زوجها وهو حزين، حتى إذا بلغت الجنازة البقيع، دفنت رقية هناك، وقد انهمرت دموع المشيعين، وسوى التراب على قبر رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيما هم عائدون إذ بزيد ابن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسر أبطالهم، وتلقى المسلمون في المدينة هذه الأنباء بوجوه مستبشرة بنصر الله لعباده المؤمنين، وكان من بين المستبشرين وجه عثمان الذي لم يستطع أن يخفي آلامه لفقده رقية رضي الله عنها. وبعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم علم بوفاة رقية -رضي الله عنها- فخرج إلى البقيع ووقف على قبر ابنته يدعو لها بالغفران([6]).

لم يكن عثمان بن عفان ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه أو هروب ينشده كما يزعم أصحاب الأهواء ممن طعن عليه بتغيبه عن بدر، فهو لم يقصد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفضل الذي حازه أهل بدر في شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته، وعثمان خرج فيمن خرج مع رسول الله فردَّه صلى الله عليه وسلم للقيام على ابنته، فكان في أجَلِّ فرض لطاعته لرسول الله وتخليفه، وقد ضرب له بسهمه وأجره فشاركهم في الغنيمة والفضل والأجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما.([7]) فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».([8]) وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال: أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بسهم فقد شهد.([9]) وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق([10]).

2- عثمان وغزوة أحد:

في غزوة أحد منح الله -عز وجل- النصر للمسلمين في أول المعركة، وأخذت سيوف المسلمين تعمل عملها في رقاب المشركين، وكانت الهزيمة لا شك فيها، وقتل أصحاب لواء المشركين واحدا واحدا، ولم يقدر أحد أن يدنو من اللواء، وانهزم المشركون، وولولت النسوة بعد أن كن يغنين بحماس ويضربن بالدفوف، فألقين بالدفوف وانصرفن مذعورات إلى الجبل كاشفات سيقانهن، ولكن مال ميزان المعركة فجأة، وكان سبب ذلك أن الرماة الذين أوكل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مكانا على سفح الجبل لا يغادرونه مهما كانت نتيجة المعركة قد تخلوا إلا قليلا عن أماكنهم، ونزلوا إلى الساحة يطلبون الغنائم لما نظروا المسلمين يجمعونها، وانتهز خالد بن الوليد قائد سلاح الفرسان القرشي فرصة خلو الجبل من الرماة، وقلة من به منهم فكرَّ بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل، فقتلوا بقية الرماة ومعهم أميرهم عبد الله بن جبير الذي ثبت هو وطائفة قليلة معه, وفي غفلة المسلمين، وأثناء انشغالهم بالغنائم أطبق خالد ومن معه عليهم، فأعملوا فيهم القتل، فاضطرب أمر المسلمين اضطرابا شديدا، وانهزمت طائفة من المسلمين إلى قرب المدينة منهم عثمان بن عفان ولم يرجعوا حتى انفض القتال، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم، أما الفرقة التي انهزمت وفرت فلقد أنزل الله فيها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ" [آل عمران: 155] غير أن أصحاب الأهواء لا يرون إلا ما تهوى أنفسهم، فلم يروا من المتراجعين إلا عثمان t، فكانوا يتهمونه دون سائر المتراجعين من الصحابة، وهل يبقى وحده؟ ولو فعل لخاطر بنفسه([11]), وبعد أن عفا الله عن المتراجعين فالحكم واضح جليّ، لا لبس فيه ولا غموض، فلا مؤاخذة بعد ذلك على عثمان بن عفان([12]) t, فيكفي أن الله عفا عنه بنص القرآن الكريم، وحياته الجهادية بمجموعها تشهد له على شجاعته.

3- في غزوة غطفان (ذي إمر):

ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وخرج في أربعمائة رجل ومعهم بعض الجياد، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان فأصابوا رجلا منهم (بذي القُصَّة) يقال له جبار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم، وقال: لن يلاقوك، لما سمعوا بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم، وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال ولم يلاقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا، وكانت غيبته إحدى عشر ليلة([13]).

4- في غزوة ذات الرقاع:

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا من غطفان من ثعلبة وأنمار يريدون غزو المدينة، فخرج في أربعمائة من أصحابه حتى قدم صرارًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف على المدينة قبل خروجه عثمان بن عفان، لقي المسلمون جمعا غفيرا من غطفان، وتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس، وقد غاب عن المدينة خمسة عشر يوما([14]).

5- في بيعة الرضوان:

عندما نزل رسول الله الحديبية رأى من الضرورة إرسال مبعوث خاص من جانبه إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريش (خراش بن أمية الخزاعي) وحمله على جمل يقال له (الثعلب), فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش، فعاد خراش بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما صنعت قريش، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل سفيرا آخر بتبليغ قريش رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب([15]), فاعتذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث عثمان مكانه،([16]) وعرض عمر رأيه هذا معززًا بالحجة الواضحة، وهي ضرورة توافر الحماية لمن يخالط هؤلاء الأعداء, وحيث إن هذا الأمر لم يكن متحققا بالنسبة لعمر t، فقد أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بعثمان لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم([17]), وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم([18]), فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: «اذهب إلى قريش فخبرهم أنَّا لم نأتِ لقتال أحد، وإنما جئنا زوارًا لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف»، فخرج عثمان بن عفان حتى أتى بلدح([19]) فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون، ويقولون: قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبدا، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم رجلا رجلا؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: إن محمدا لا يدخلها علينا أبدا.([20]) وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى([21])، وقام عثمان بتبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج،([22]) وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها: اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة.([23]) وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت([24]) سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه.([25]) وفي رواية أن البيعة كانت على الصبر([26]), وفي رواية على عدم الفرار([27])، ولا تعارض في ذلك؛ لأن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم الفرار.([28]) وكان أول من بايعه على ذلك أبا سنان عبد الله بن وهب الأسدي([29])، فخرج الناس بعده يبايعون على بيعته([30]), وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات؛ في أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم.([31]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده.([32]) وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي.([33]) وقد تحدث القرآن الكريم عن أهل بيعة الرضوان، وورد فضلهم في نصوص كثيرة من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، منها:

1- قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" [الفتح: 10].

2- قال تعالى: "لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ` لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" [الفتح: 17، 18].

3- قال جابر بن عبد الله t: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض»، وكنا ألفا وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.([34]) هذا الحديث صريح في فضل أصحاب الشجرة؛ فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما.. وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل عليٍّ على عثمان؛ لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك، وممن بايع تحت الشجرة، وكان عثمان حينئذ غائبا، وهذا التمسك باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض.([35])

وفي الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة أمور، منها: اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما بايع الصحابة وعثمان غائب، واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مَنْ بمكة أسيرا من المسلمين، وذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة([36])، فعن إياس بن سلمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس: هنيئا لأبي عبد الله الطواف بالبيت آمنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو مكث كذا ما طاف حتى أطوف» ([37]).

وقد اتهم عثمان ظلما بأنه لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وكان متغيبا عنها، فهذه من الاتهامات التي ألصقت بعثمان في أحضان فتنة أريد بها تقويض أركان الخلافة خاصة([38])، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى. وعن أنس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة فبايعه الناس، فقال: إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب بإحدى يديه على الأرض، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم([39]).

6- شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في فتح مكة:

لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى, فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على الصحابة فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله»، فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: «إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين».([40])
وجاء في رواية: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وقال: «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن حبابة([41]) وعبد الله بن سعد بن أبي السرح». ([42]) فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعد بن حارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا، وكان أشب الرجلين فقتله، وأما عكرمة فركب في البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لم ينجني في البر غيره، اللهم لك عليَّ عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ولأجدنه عفوا كريما، فجاء وأسلم. وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الباقي كما مر معنا.([43])

وعن عبد الله بن عباس قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي السرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان، فأجاره رسول الله.([44]) وذكر ابن إسحاق سبب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه فقال: وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فارتد مشركا راجعا إلى قريش، ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له، قال ابن هشام: ثم أسلم بعد، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر([45]).

7- غزوة تبوك:

في العام التاسع الهجري ولي هرقل وجهه المتآمر صوب الجزيرة العربية متلمظًا برغبة شريرة في العدوان عليها والتهامها، وأمر قواته بالاستعداد وانتظار أمره بالزحف، وترامت الأنباء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنادى في أصحابه بالتهيؤ للجهاد وكان الصيف حارا يصهر الجبال، وكانت البلاد تعاني الجدب والعسرة، فإن قاوم المسلمون بإيمانهم وطأة الحر القاتل وخرجوا إلى الجهاد فوق الصحراء الملتهبة المتأججة فمن أين لهم العتاد، والنفقات التي يتطلبها الجهاد؟ لقد حض الرسول على التبرع فأعطى كلٌّ قدرَ وسعه، وسارعت النساء بالحلي يقدمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعين به في إعداد الجيش، بيد أن التبرعات جميعها لم تكن لتغني كثيرا أمام المتطلبات للجيش الكبير، ونظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصفوف الطويلة العريضة من الذين تهيأوا للقتال وقال: «من يجهز هؤلاء ويغفر الله له؟» وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول صلى الله عليه وسلم هذا حتى سارع إلى مغفرة من الله ورضوان، وهكذا وجدت العسرة الضاغطة (عثمانها
المعطاء) ([46])، وقام بتجهيز الجيش حتى لم يتركه بحاجة إلى خطام أو عقال.

يقول ابن شهاب الزهري: قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيرا، وستين فرسا أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين. ([47]) لقد كان عثمان صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة([48]), وهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله، عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله، عليَّ ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل على المنبر وهو يقول: «ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه».([49])

وعن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنهما- قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مرارا. ([50])

إنه يبدو وكأنه الممول الوحيد للأمة الجديدة، ومضى الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس جيشه حتى وصلوا موطنا يدعى تبوك في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق، وهناك جاءته الأنباء مبشرة بأن هرقل الذي كان يعد العدة للزحف من دمشق قد ثلم الله عزمه، وغادر دمشق نافضا يديه من محاولته اليائسة بعد أن علم بخروج النبي وأصحابه إليه، ورجع الجيش بكل عتاده الذي أمده به عثمان، فهل استرجع من ذلك شيئا؟ كلا.. وحاشاه أن يفعل، وقد ظل كما كان دوما سريع التلبية لكل إيماءة من النبي صلى الله عليه وسلم تعني جديدا من البذل، ومزيدا من العطاء([51]).

ثانيًا: من حياته الاجتماعية في المدينة:

1- زواجه من أم كلثوم سنة 3 هـ:

عرفت أم كلثوم -رضي الله عنها- بكنيتها ولا يعرف لها اسم إلا ما ذكره الحاكم عن مصعب الزبيري أن اسمها أمية، وهي أكبر سنا من فاطمة رضي الله عنها([52]).

قال سعيد بن المسيب: تأيم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأيمت حفصة بنت عمر من زوجها، فمر عمر بعثمان، فقال: هل لك في حفصة، وكان عثمان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه، وذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج حفصة، وأزوج عثمان خيرا منها: أم كلثوم.([53]) وفي رواية البخاري: قال عمر: تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله فتوفي في المدينة، فقال عمر: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر. قال: فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر الصديق فلم يرجع إليَّ شيئا، فكنت عليه أَوْجَدَ مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ، إلا أني كنت علمت أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله قبلتها.([54])

وتروي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها- خبر زواج أم كلثوم من عثمان فتقول: لما زوج النبي ابنته أم كلثوم قال لأم أيمن: «هيئ ابنتي أم كلثوم وزفيها إلى عثمان، وخفقي([55]) بين يديها بالدف»، ففعلت ذلك، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثالثة فدخل عليها فقال: «يا بنية، كيف وجدت بعلك»؟ قالت: خير بعل.([56])

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند باب المسجد فقال: «يا عثمان، هذا جبريل أخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها»، وكان ذلك سنة ثلاث من الهجرة النبوية، في ربيع الأول، وبنى بها في جمادى الآخرة.([57])

2- وفاة عبد الله بن عثمان:

وفي جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة مات عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست سنين، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، ونزل حفرته والده عثمان.([58]) وهذه محنة عظيمة تعرض لها عثمان، وما أكثر المحن في حياة الدعاة إلى الله تعالى.

3- وفاة أم كلثوم رضي الله عنها:

ولم تزل أم كلثوم عند عثمان -رضي الله عنهما- إلى أن توفيت في شعبان سنة تسع من الهجرة بسبب مرض نزل بها، وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس على قبرها. وعن أنس ابن مالك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبر أم كلثوم، قال: فرأيت عينيه تدمعان، فقال: «هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟» فقال أبو طلحة: أنا، قال: «فانزل في قبرها». ([59])

وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقو، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعده في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب ومعه كفنها يناولنا إياه ثوبا ثوبا.([60]) وجاء عند ابن سعد أن عليَّ بن أبي طالب, والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد، قد نزلوا في حفرتها مع أبي طلحة وأن التي غسلتها هي أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب([61]).

وقد تأثر عثمان وحزن حزنا عظيما على فراقه لأم كلثوم، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وهو يسير منكسرا وفي وجهه حزن لما أصابه، فدنا منه وقال: «لو كانت عندنا ثالثة لزوجناكها يا عثمان». ([62]) وهذا دليل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان، ودليل وفاء عثمان لنبيه وتوقيره، وفيه دليل على نفي ما اعتاده الناس من التشاؤم في مثل هذا الموطن، فإن قدر الله ماض وأمره نافذ ولا راد لأمره([63]).

ثالثـًا: من مساهماته الاقتصادية في بناء الدولة:

كان عثمان من الأغنياء الذين أغناهم الله عز وجل، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة، ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة الله -عز وجل- وابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقا لكل خير ينفق ولا يخشى الفقر، ومما أنفقه من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي:

1- بئر رومة:

عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة».([64]) وقال صلى الله عليه وسلم: «من حفر بئر رومة فله الجنة». ([65])

وقد كانت رومة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم لا يشرب منه أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: يا رسول الله, ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: «نعم» قال: قد جعلتها للمسلمين.([66]) وقيل: كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل([67]).

2- توسعة المسجد النبوي:

بعد أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة، فصار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي صلى الله عليه وسلم التي يصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، وينطلقوا منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها، ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من صلب ماله([68]) بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد([69]), ووسع على المسلمين رضي الله عنه وأرضاه([70]).

3- العسرة وعثمانها المعطاء:

عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة الأغنياء على البذل لتجهيز جيش العسرة الذي أعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزو الروم، فأنفق الأموال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلٌّ على حسب طاقته وجهده، أما عثمان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها ([71]), وقد تم بيانها عند حديثنا عن موقفه في غزوة تبوك.






([1]) فضائل الصحابة لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (1/597)، إسناده صحيح.

([2]) منهج التربية الإسلامية، لمحمد قطب، ص34، 35.

([3]) الأمين ذو النورين، محمود شاكر، ص 40.

([4]) الخلفاء الراشدون، عبد الوهاب النجار، ص269.

([5]) نساء أهل البيت، أحمد خليل جمعة، ص 491- 504.

([6]) دماء على قميص عثمان بن عفان، ص 20.

([7]) كتاب الإمامة والرد على الرافضة، للأصبهاني، ص 302.

([8]) البخاري، رقم: (3698).

([9]) الإمامة والرد على الرافضة، ص304.

([10]) عثمان بن عفان، صادق عرجون، ص47.

([11]) الأمين ذو النورين، محمود شاكر، ص 49.

([12]) ذو النورين مع النبي، د. عاطف لماضة، ص 32.

([13]) الروض الأنف (3/137), الطبقات لابن سعد (2/34، 35).

([14]) الأمين ذو النورين، محمود شاكر، ص52، 53.

([15]) غزوة الحديبية لأبي فارس، ص83.

([16]) المغازي، محمد عمر الواقدي (2/600).

([17]،2) المغازي، محمد عمر الواقدي (2/600).



([19]) مكان قريب من مكة.

([20]) زاد المعاد (3/290)، السيرة النبوية لابن هشام (3/344).

([21]، 6) زاد المعاد (3/290).



([23]) غزوة الحديبية لأبي فارس، ص85.

([24]) البخاري، رقم الحديث: (4169).

([25]) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص486.

([26]) البخاري، رقم: 4169.

([27]) مسلم، رقم: 1856.

([28]، 6، 7) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص486.





([31]) زاد المعاد، (3/291).

([32]) صحيح السيرة النبوية، ص404.

([33]) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص482.

([34]) مسلم، (1485).

([35]) فتح الباري (7/443).

([36]) الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص(490، 491).

([37]) المصدر نفسه، ص 491، في سنده ضعف.

([38]) ذو النورين مع النبي، ص 32.

([39]) سير السلف الصالحين (1/181)، إسناده ضعيف، والحديث صحيح، سنن الترمذي، رقم: (3702).

([40]) الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص109.

([41]) أضواء البيان في تاريخ القرآن, صابر أبو سليمان، ص79.

([42]) المصدر نفسه, ص 79.

([43]) المصدر نفسه، ص80.

([44]) المصدر نفسه، ص80.

([45]) السيرة النبوية لابن هشام (4/57، 58).

([46]) فتح الباري (7/67)، خلفاء الرسول، ص250، العشرة المبشرون بالجنة، محمد صالح عوض، ص53.

([47]) سنن الترمذي، رقم: (3785). صحيح التوثيق، ص26.

([48]) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص615.

([49]) سنن الترمذي، رقم: (3700).

([50]) سنن الترمذي، رقم: (3702).

([51]) خلفاء الرسول، ص138، العشرة المبشرون بالجنة، ص31.

([52]) الدوحة النبوية الشريفة، فاروق حمادة، ص45، 46.

([53]) مستدرك الحاكم (4/49)، الآثار لأبي يوسف رقم: (1957).

([54]) البخاري، كتاب النكاح، رقم: (5122).

([55]) خفق: اضطرب وتحرك.

([56]) السيرة النبوية لأبي شهبة (2/231)، دماء على قميص عثمان، ص 22.

([57]) سنن ابن ماجه، رقم: (110)، وفيه عثمان بن خالد وهو ضعيف.

([58]) الكامل لابن الأثير (2/130)، دماء على قميص عثمان، ص22.

([59]) البخاري، كتاب الجنائز، رقم: (1342).

([60]) سنن أبي داود، رقم: (3157).

([61]) الطبقات لابن سعد، (8/39), الدوحة النبوية، ص48.

([62]) مجمع الزوائد للهيثمي (9/83)، إسناده حسن لما له من شواهد.

([63]) الخلفاء الراشدون.. أعمال وأحداث، د.أمين القضاة، ص73.

([64]) صحيح النسائي للألباني (2/766).

([65]) أخرجه البخاري رقم: (2778) معلقا، وهو صحيح لشواهده.

([66]) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي (10/196).

([67]) فتح الباري (5/408), الحكمة في الدعوة إلى الله، ص231.

([68]) صحيح سنن الترمذي للألباني (3/209)، رقم: (2921).

([69]) صحيح سنن النسائي (2/766).

([70]) أعلام المسلمين لخالد البيطار (3/41).

([71]) الحكمة في الدعوة إلى الله، ص231.


 

سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي


عدد المشاهدات *:
470022
عدد مرات التنزيل *:
94684
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 17/04/2011 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 17/04/2011

الكتب العلمية

روابط تنزيل : المبحث الثالث ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  المبحث الثالث ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1