اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم السبت 12 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ??????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

حكمة

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
سيرة الخلفاء
سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي
المبحث الثاني أسباب فتنة مقتل عثمان
الكتب العلمية
الفصل السادس أسباب فتنة مقتل عثمان

المبحث الثاني أسباب فتنة مقتل عثمان

قال الإمام الزهري: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة أميرا للمؤمنين، أول ست سنين منها لم ينقم الناس عليه شيئا، وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب؛ لأن عمر كان شديدا عليهم، أما عثمان فقد لان لهم ووصلهم. ثم حدثت الفتنة بعد ذلك، وقد سمى المؤرخون المسلمون الأحداث في النصف الثاني من ولاية عثمان 30-35هـ (الفتنة) التي أدت إلى استشهاد عثمان t. ([1]) كان المسلمون في خلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان متفقين لا تنازع بينهم، ثم حدث في أواخر خلافة عثمان أمور أوجبت نوعا من التفرق، وقام قوم من أهل الفتنة والظلم فقتلوا عثمان فتفرق المسلمون بعد مقتل عثمان([2]).

وقد كان المجتمع الإسلامي في خلافة الصديق والفاروق والنصف الأول من خلافة عثمان يتصف بالسمات الآتية:

1- أنه - في عمومه- مجتمع مسلم بكامل معنى الإسلام، عميق الإيمان بالله واليوم الآخر، مطبق لتعاليم الإسلام بجدية واضحة، والتزام ظاهر، وبأقل قدر من المعاصي وقع في أي مجتمع في التاريخ؛ فالدين بالنسبة له هو الحياة، وليس شيئا هامشيا يفئ الناس إليه بين الحين والحين، إنما هو حياة الناس وروحهم، ليس فقط فيما يؤدونه من شعائر تعبدية يحرصون على أدائها على وجهها الصحيح، وإنما من أخلاقياتهم وتصوراتهم واهتماماتهم وقيمهم وروابطهم الاجتماعية، وعلاقات الأسرة وعلاقات الجوار، والبيع والشراء، والضرب في مناكب الأرض، والسعي وراء الأرزاق، وأمانة التعامل، وكفالة القادرين لغير القادرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرقابة على أعمال الحكام والولاة، ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن كل أفراد المجتمع هم على هذا الوصف، فهذا لا يتحقق في الحياة الدنيا، ولا في أي مجتمع من البشر. وقد كان في مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم -كما ورد في كتاب الله- منافقون يتظاهرون بالإسلام وهم في دخيلة أنفسهم من الأعداء، وكان فيه ضعاف الإيمان، والمعوقون، والمتثاقلون، والمبطِّئون، والخائنون، ولكن هؤلاء جميعا لم يكن لهم وزن في ذلك المجتمع، ولا قدرة على تحويل مجراه؛ لأن التيار الدافق هو تيار أولئك المؤمنين صادقي الإيمان، المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، الملتزمين بتعاليم هذا الدين([3]).

2- أنه المجتمع الذي تحقق فيه أعلى مستوى من المعنى الحقيقي (للأمة)، فليست الأمة مجرد مجموعة من البشر جمعتهم وحدة اللغة ووحدة الأرض، ووحدة المصالح، فتلك هي الروابط التي تربط البشر في الجاهلية، فإن تكونت منهم أمة فهي أمة جاهلية، أما الأمة بمعناها الرباني، فهي الأمة التي تربط بينها رابطة العقيدة، بصرف النظر عن اللغة والجنس واللون، ومصالح الأرض القريبة، وهذه لم تتحقق في التاريخ وحده كما تحققت في الأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية هي أمة لا تقوم على عصبية الأرض ولا الجنس ولا اللون ولا المصالح الأرضية، إنما هو رباط العقيدة، يربط بين العربي والحبشي والرومي والفارسي، يربط بين أهل البلاد المفتوحة والأمة الفاتحة على أساس الأخوة الكاملة في الدين، ولئن كان معنى الأمة قد حققته هذه الأمة أطول فترة عرفتها الأرض، فقد كانت فترة صدر الإسلام أزهى فترة تحققت فيها معاني الإسلام كلها، بما فيها معنى الأمة على نحو غير مسبوق([4]).

3- أنه مجتمع أخلاقي يقوم على قاعدة أخلاقية واضحة مستمدة من أوامر الدين وتوجيهاته، وهي قاعدة لا تشمل علاقات الجنسين وحدها، وإن كانت هذه من أبرز سمات هذا المجتمع؛ فهو خال من التبرج ومن فوضى الاختلاط، وخال من كل ما يخدش الحياء من فعل أو قول أو إشارة، وخال من الفاحشة إلا القليل الذي لا يخلو منه مجتمع على الإطلاق، ولكن القاعدة الأخلاقية أوسع بكثير من علاقات الجنسين؛ فهي تشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والتعبير، فالحكم قائم على أخلاقيات الإسلام، وعلاقات الناس في المجتمع قائمة على الصدق والأمانة والإخلاص والتعاون والحب، لا غمز ولا لمز ولا نميمة ولا قذف للأعراض([5]).

4- أنه مجتمع جاد، مشغول بمعالي الأمور لا بسفاسفها، وليس الجد بالضرورة عبوسا وصرامة، ولكنه روح تبعث الهمة في الناس وتحث على النشاط والعمل والحركة، كما أن اهتماماته أعلى وأبعد من واقع الحس القريب، وليست فيه سمات المجتمع الفارغة المترهلة التي تتسكع في البيوت وفي الطرقات، تبحث عن وسيلة لقتل الوقت من شدة الفراغ([6]).

5- أنه مجتمع مجند للعمل في كل اتجاه تلمس فيه روح الجندية واضحة، لا في القتال في سبيل الله فحسب -وإن كان القتال في سبيل الله قد شغل حيزا كبيرا في حياة هذا المجتمع- ولكن في جميع الاتجاهات؛ فالكل متأهب للعمل في اللحظة التي يطلب منه فيها العمل، ومن ثم لم يكن في حاجة إلى تعبئة عسكرية ولا مدنية، فهو معبأ من تلقاء نفسه بدافع العقيدة وبتأثير شحنها الدافعة لبذل النشاط في كل اتجاه([7]).

6- أنه مجتمع متعبد تلمس فيه روح العبادة واضحة في تصرفاته، ليس فقط في أداء الفرائض والتطوع بالنوافل ابتغاء مرضات الله، ولكن في أداء الأعمال جميعا؛ فالعمل في حسه عبادة، يؤديه بروح العبادة، الحاكم يسوس رعيته بروح العبادة، والمعلم الذي يعلم القرآن ويفقه الناس في الدين يُعَلِّم بروح العبادة، والتاجر الذي يراعى الله في بيعه وشرائه يفعل ذلك بروح العبادة، والزوج يرعى بيته بروح العبادة، والزوجة ترعى بيتها بروح العبادة، تحقيقا لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» ([8]).

هذه من أهم سمات عصر الصديق وعهد الخلفاء الراشدين، إلا أن تلك السمات كانت أقوى كلما اقتربنا من عهد النبوة، وتضعف كلما ابتعدنا عن عصر النبوة. وهذه السمات جعلته مجتمعا مسلما في أعلى آفاقه، وهي التي جعلت هذه الفترة المثالية في تاريخ الإسلام، كما أنها هي التي ساعدت في نشر هذا الدين بالسرعة العجيبة التي انتشرت بها؛ فحركة الفتح ذاتها من أسرع حركات الفتح في التاريخ كله، بحيث شملت في أقل من خمسين عاما أرضا تمتد من المحيط غربا إلى الهند شرقا، وهي ظاهرة في ذاتها تستحق التسجيل والإبراز، وكذلك دخول الناس في الإسلام في البلاد المفتوحة بلا قهر ولا ضغط، وقد كانت تلك السمات التي اشتمل عليها المجتمع المسلم هي الرصيد الحقيقي لهذه الظاهرة؛ فقدأحب الناس الإسلام لما رأوه مطبقا على هذه الصورة العجيبة الوضاءة، فأحبوا أن يكونوا من بين معتنقيه([9]).

إن دراسة هذه الفترة من التاريخ ينبغي أن تترك انطباعا لا يمحى في نفس الدارس؛ انطباعا بأن الإسلام دين واقعي قابل للتطبيق في عالم الواقع بكل مثالياته، فهي ليست مثاليات معلقة في الفضاء لمجرد التأمل أو التمني، ولكنها مثاليات واقعية في متناول التطبيق إذا حاولها الناس بالجدية الواجبة وأعطوها حقها من الجهد، ثم انطباعًا بأن ما حدث مرة يمكن أن يحدث مرة أخرى؛ لأن البشر هم البشر، وقد استطاع البشر دائما أن يحاولوا الصعود مرة أخرى وسيصعدون حين يعزمون, وسينالون على ذلك النصر والتمكين، قال تعالى: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور: 55].

ومن الأمور التي تساعد المسلمين على العودة إلى الخلافة الراشدة معرفة العوامل والأسباب التي أدت إلى زوالها، لكي نعمل على اجتنابها والأخذ بالأسباب التي جعلها الله سببا في إكرام الأمة بها، ولذلك نريد أن نفصل في أسباب فتنة مقتل عثمان لأهميتها، وإليك أهم هذه الأسباب:

أولاً: الرخاء وأثره في المجتمع:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ما يعانيه أصحابه من شظف العيش وفقر الحال، فكان يصبرهم، ثم يخبرهم أن هذا الحال الذي هم عليه لن يدوم طويلا، حتى تفتح عليهم خزائن الدنيا وخيراتها، وحذرهم من الاشتغال بذلك عن العمل الصالح والجهاد في سبيل الله، وما يمكن أن يجره ذلك عليهم من التقاتل على الدنيا ومتاعها الزائل.([10]) وقد فقه عمر بن الخطاب هذا التحذير فكان من سياسته حماية المسلمين من غوائل فتنة المال وزخارف الدنيا، فاجتهد في منع المسلمين من التوسع في بلاد العجم، ولولا ظهور مصلحة أخرى راجحة في توسعهم لبقى المنع قائما، إلا أن هذا التراجع من عمر لم يشمل كبار الصحابة والمهاجرين والأنصار، الذين كانوا بالمدينة إذ بقى المنع في حقهم.([11]) ولا شك أن الذي فعله عمر كان يدل على إحساسه وخوفه من انتشار المسلمين في أرض تزخر بألوان الخيرات والأرزاق فتستولي الدنيا على قلوبهم وتفسد عليهم آخرتهم.([12]) فلما جاء عهد عثمان وتوسعت الفتوحات شرقا وغربا، وبدأت الأموال تتقاطر على بيت المال من الغنائم والأسلاب, وامتلأت أيدي الناس بالخيرات والأرزاق([13])، وغني عن الإشارة أن النعم والخيرات وتلك الواردات من الفتوح سيكون لها أثرها على المجتمع؛ إذ تجلب الرخاء وما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا والافتتان بها، كما أنها مادة للتنافس والبغضاء، خاصة بين أولئك الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم، ولم تهذبهم التقوى من أعراب البادية وجفاتها، ومن مسلمة الفتوحات وأبناء الأمم المترفة الدخلاء في الإسلام الذين جروا شوطا بعيدا في زخارف الدنيا وبهجتها، واتخذوها غاية يتنافسون فيها. وقد أدرك عثمان هذه الظاهرة وأنذر بما سيؤول إليه أمر الأمة من التبدل والتغير في كتابه الموجه إلى الرعية: «فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاثة فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم للقرآن».([14])

أما تكامل النعم فيتحدث الحسن البصري -وهو شاهد عيان- عن حالة المجتمع، ووفور الخيرات وإدرار الأموال، وما آل إليه أمر الناس من البطر وعدم الشكر، فيقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قلما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا, يقال لهم: يا معشر المسلمين، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على السمن والعسل. الأعطيات جارية، والأرزاق دارَّة، والعدو متقى، وذات البين حسن، والخير كثير... والأخرى كان السيف مغمدا على أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم، فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس هذا، وأيم الله، إني لأراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة([15]).

وأما بلوغ أولاد المسلمين من السبايا فيتمثل فيما آل إليه أمر هؤلاء من الدعة والترف، وكان أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى وسع الناس لطيران الحمام والرمي على الجلاهقات([16])، فاستعمل عليها عثمان رجلا من بني ليث سنة ثمان([17]) فقضَّضها وكسر الجلاهقات.([18]) وحدث بين الناس النشو بتناولهم النبيذ، فأرسل عثمان رجلا يطوف عليهم بالعصا ليمنعهم من ذلك، وعندما اشتد ذلك شكاهم عثمان إلى الناس، فأجمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفر منهم فجلدوا، ثم جعل عثمان لا يأخذ أحدا على شر أو شهر سلاحا إلا نفاه من المدينة، فضج آباؤهم من ذلك.([19]) وقام عثمان في المدينة فقال: «إن الناس تبلغني عنهم هنات وهنات، وإني لا أكون أول من فتح بابها ولا أدار راحتها (أي الفتنة)، ألا وإني زام نفسي بزمام, وملجمها بلجام، فأقودها بزمامها وأكبعها([20]) بلجامها، ومنا ولكم طرف الحبل، فمن اتبعني حملته على الأمر الذي يعرف، ومن لم يتبعني فمن خلف منه وعزاء منه، ألا وإن لكل نفس يوم القيامة سائقا وشهيدا؛ سائق يسوقها على أمر الله وشاهد يشهد عليها بعملها، فمن كان يريد الله بشيء فليبشر ومن كان يريد الدنيا فقد خسر».([21]) وهكذا لما قام عثمان الرجل التقي والخليفة الراشد بواجبه، وكانت إجراءاته تعزيرية تجاه أبناء الأغنياء الذين بدأوا نوعا من حياة الترف وفساد الأخلاق، انضم أولئك المنحرفون إلى صف الناقمين من الرعاع.

وبالنسبة لقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فيظهر في شكل واضح في تكوين طبقة في المجتمع المسلم تتعلم القرآن لا رغبة في الثواب، وإنما رغبة في الجعل الذي جعله الخليفة تشجيعا وتأليفا.([22]) ويجب أن نلاحظ أن هذا التغير بدأ أثره يظهر أولا على أطراف الدولة الإسلامية، ثم أخذ يزحف إلى عاصمة الخلافة، مما دفع عثمان إلى تذكير المسلمين في خطبه بضرورة الحذر من التهالك على الدنيا وحطامها، فكان مما قاله في إحدى خطبه:

إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، ولا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية.. واحذروا من الله الغِيَر، والزموا جماعتكم، ولا تصيروا أحزابا([23]), ثم قرأ: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ` وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 103، 104].

وفي مثل هذه الظروف، والخيرات وافرة، فاضت الدنيا على المسلمين وتفرغ الناس بعد أن فتحوا الأقاليم واطمأنوا فأخذوا ينقمون على خليفتهم([24]).

ومن هنا يعلم أثر الرخاء في تحريك الفتنة، ومن هنا أيضا يمكن فهم مقالة عثمان لعبد الرحمن بن ربيعة -له صحبة- وهو على الباب([25]): إن الرعية قد أبطر كثيرا منهم البطنة فقصر بهم، ولا تقتحم بالمسلمين فإني خاشٍ أن يبتلوا.([26])

وفي آخر خطبة لعثمان وهو يعظ المسلمين بعد أن فتحت الدنيا عليهم قال:

ألا لا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية.. واحذروا أحداث الدهر المغير، والزموا جماعتكم، ولا تتفرقوا شيعا وأحزابا([27]).

ثانيًا: طبيعة التحول الاجتماعي في عهد عثمان t:

حدثت تغيرات اجتماعية عميقة، ظلت تعمل في صمت وقوة لا يلحظها كثير من الناس، حتى ظهرت على ذلك الشكل العنيف المتفجر بدءا من النصف الثاني من خلافة عثمان، وبلغت قمة فورانها في التمرد الذي أدى إلى استشهاد عثمان t([28]).

لما توسعت الدولة الإسلامية عبر حركة الفتوح حصل تغير في تركيبة المجتمع واختلالات في نسيجه؛ لأن هذه الدولة بتوسعها المكاني والبشري ورثت ما على هذه الرقعة الواسعة من أجناس، وألوان، ولغات، وثقافات، وعادات، ونظم، وأفكار، ومعتقدات، وفنون أدبية وعمرانية، ومظاهر، وظهرت على سطح هذا النسيج ألوان مضطربة وخروقات غير منتظمة، ورقع غير منسجمة، مما صيرت المجتمع غير متجانس في نسيجه التركيبي وبالذات في الأمصار الكبرى، بمواقعها وأهميتها، تدفع بجيوش الفتوح وتستقبلها وهي عائدة، وقد نقص عددها بالموت والقتل، وتستقبل بدلا عنهم أو أكثر منهم أعدادا وفيرة من أبناء المناطق المفتوحة، فرس، وترك، وروم، وقبط، وكرد، وبربر، وكان أكثرهم من الفرس أو من النصارى العرب أو غيرهم أو من اليهود.([29]) وأكثر سكان هذه الأمصار الكبيرة هم ممن شاركوا في حركة الفتح الإسلامي ثم استقروا في هذه الأمصار، وكان أغلب هؤلاء من القبائل العربية من جنوبها وشمالها وشرقها، والذين لم يكونوا - عادة - من الصحابة، وبمعنى أدق ليسوا ممن تلقوا التربية الكافية على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو على أيدي الجيل الأول من الصحابة؛ إما لانشغالهم بالفتوح أو لقلة الصحابة. وقد حصلت تغيرات في نسيج المجتمع البشري المكون من جيل السابقين وسكان البلاد المفتوحة، والأعراب ومن سبقت لهم ردة، واليهود والنصارى، وفي تكوين نسيج المجتمع الثقافي، وفي بسطة عيش المجتمع، وفي ظهور لون جديد من الانحرافات، وفي قبول الشائعات([30]).

1- المتغيرات في نسيج المجتمع البشري:

أ- لقد تكون هذا النسيج من قطاعات عدة:

قطاع الأسبقين ممن بقى من الصحابة ومن الذين نالوا قسطا من رعاية الصحابة، ولكن هذا القطاع وذاك ظل يتناقص إما عن طريق الموت والقتل في ميادين الفتوح، وإما عن طريق تفرقهم في الأمصار، مما جعلهم أقل حضورا، وكانوا موزعين في البلدان المفتوحة والأمصار الكبيرة المستحدثة كالبصرة, والكوفة، والشام، ومصر، وبعضهم في الجزيرة العربية يخرجون منها ثم يعودون إليها مرة أخرى([31]).

ب- سكان المناطق المفتوحة: وكانوا يشكلون الأكثرية بالنسبة للقادمين إليهم مع حركة الفتوح؛ فقد ظل القادمون قلة وإن كان لهم حضور فعلي في إدارة البلد أو التأثير السلوكي والأخلاقي والفكري واللغوي، إلا أنهم رغم ذلك يعتبرون قلة، وظل هذا القطاع -قطاع سكان المناطق المفتوحة- مقتصرا في استقراره غالبا على مناطقهم، ومع هذا فقد تنقل بعضهم في المناطق الأخرى من بلدان الدولة الإسلامية؛ بل استقر بعضهم في الأمصار الكبيرة وفي عاصمة الدولة أيضا، إما على شكل ما عرف بالسبي، أي يستقرون تابعين لمواليهم، وإما على شكل تنقل تجاري ومعارفي وإداري؛ حيث لا يوجد قانون يمنعهم من ذلك، إن لم يكونوا يلقون التشجيع والدعم.([32]) وقد كان الأعاجم الذين جاءوا من البلاد المفتوحة من أسرع الناس إلى الفتنة، ذلكم لأن أغلب الأعاجم من الأمم الموتورة، والشعوب المقهورة، فتكثر مسارعتهم للفتن لأسباب كثيرة، منها:

* جهلهم وحداثة عهد أكثرهم بالكفر، والملك والعز الذي كانوا عليه، ثم سُلبوه.

* قلة فقههم في الدين، بسبب العجمة وغيرها.

* العصبية وكراهية العرب.

* أن طوائف منهم دخلت الإسلام ظاهرا وخوفا من السيف أو الجزية، وأضمروا للإسلام والمسلمين الشر والكيد، فيسارعون إلى كل فتنة.

* طمع أهل الأهواء فيهم للأسباب المذكورة وتحريضهم لهم([33]).

ج- أولئك الأعراب عُرفوا بأنهم من سكان البادية:

وهم مثل بقية الناس منهم المسلم التقي ومنهم الكافر والمنافق، إلا أنهم كما قال الله عنهم: "الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة: 97]؛ وذلك لأنهم أقسى قلوبا وأغلظ طبعا وأجفى قولا، ولصفاتهم هذه فهم جديرون وأخلق بهم أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله من الشرائع والأحكام والجهاد([34])؛ فهم من أسرع الناس في الفتن ولمسارعتهم فيها أسباب، منها:

* قلة فقههم في الدين.

* سرعة اغترار الواحد منهم بما يتعلمه من القرآن، فيظن أنه صار عالما بقليل من العلم.

* جفاؤهم للعلماء، وترك التلقي عنهم والاقتداء بهم.

* تمكن العصبية القبلية من نفوسهم.

* تغرير أهل المطامع بهم، واستغلال سذاجتهم وجهلهم.

* حدة طباعهم ونفورهم من المدنية والخلطة، وإساءة الظن بالآخرين ممن لا يعرفونهم، وهذا من طباع الأعراب في كل زمان ومكان.

* تشددهم في الدين، وتنطعهم بلا علم، لذلك صار غالب الخوارج من هذا الصنف([35]).

وخرج من هؤلاء الأعراب رجال عرفوا (بالقراء) وقد اختلف مفهوم (القراء) هذا عن منطوقه, فالمنطوق يقصد به جماعة ممن تخصصوا بقراءة القرآن، إلا أن المفهوم ومن خلال الواقع أنتج دلالات أخرى، فمنهم من كان على طريقة الخوارج، يفهمون القرآن بطريقتهم الخاصة، ومنهم من كان زاهدا لا يفقه حقيقة ما يقرأ ولم يستطع التأقلم مع واقع المجتمع.([36]) وهؤلاء القراء الجهلة يسارعون للفتن وذلك لأسباب، منها:

* الشدة في نزعة التدين عندهم مع قلة الفقه في الدين، مما يورث غيرة على الدين بغير علم ولا بصيرة، فتجرفهم الأهواء والعواطف باسم الغيرة على الدين, دون نظر في العواقب ولا فقه لقواعد الشرع كدرء المفاسد، وجلب المصالح.

* الاغترار بما يحصله الواحد منهم من الآيات والأحاديث دون فقه ولا بصيرة، فيتوهم أنه صار من أهل العلم الذين يُحلِّون ويعقدون في مصالح المسلمين.

* تعاليهم على العلماء والأئمة، وظنهم أنهم وصلوا درجة الاستغناء عنهم وعن فقههم وعلمهم، تحت شعار (هم رجال ونحن رجال).

* اتخاذهم رؤساء جهالا من بينهم دون العلماء والأئمة. لأن أهل الأهواء ورؤوس البدع والفتن -وغالبهم من الدهاة- يفزعون إلى القراء فيغوونهم، ويستدرجونهم، ويستغلون نزعة التدين فيهم، ويستثيرون غيرتهم بلا بصيرة.

* جهلهم بقواعد الاستدلال وأحكام الفتن([37]).

د- وفصيل أو قطاع آخر في نسيج المجتمع الإسلامي وهو ممن سبقت لهم ردة: وكانت حياتهم في الإسلام قصيرة وانتماؤهم إليه ضرورة، ولا ننفي أن منهم من زكى وصلح وكان من الفضلاء إلا أن منهم من لم يتذوق حلاوة الإسلام، فظل -رغم انتسابه للإسلام- يعيش بعقليته السابقة ونفسيته التي عاشها قبل الإسلام، العقلية القبلية، تناوشه العصبيات، وكأن الإسلام لم يدخل فيهم, أو أنهم ظنوا عدم التناقض بين ما يعرفونه من إسلام وما يتعاملون به في الواقع من دوافع قبلية([38]).

لقد شكلت طوائف من المرتدين عنصرا أسهم في تهيئة أجواء الفتنة، والمرتدون كانوا على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن الشيء الجديد هو اختلاف سياسة عثمان عن الخليفتين قبله تجاههم؛ فأبو بكر يكتب إلى عماله: ألا يستعينوا بمرتد في جهاد العدو، ويؤكد على خالد بن الوليد، وعياض بن غنم ألا يغزو معهما أحد قد ارتد حتى يرى رأيه فيهم، فلم تشهد أيامه([39]) مرتدا. ويقول الشعبي: كان أبو بكر لا يستعين في حروبه بأحد من أهل الردة حتى مات.([40]) ولذلك كان بعض من ارتد وحسن إسلامه بعد ذلك يستحيون من مواجهة أبي بكر، فطليحة بن خويلد مثلا يذهب إلى مكة معتمرا وما استطاع مقابلة أبي بكر حتى مات.([41]) وفي خلافة عمر تخف هذه السياسة تجاه المرتدين، فيندب أهل الردة ليرمي بهم الشام والعراق([42])، وقد كان في مسيرة جيش سعد بن أبي وقاص في القادسية قيس بن مكشوح المرادي، وعمرو بن معد يكرب كان يحمس الناس ويحرك مشاعرهم، وهذا كله كان بعد أن أذن عمر لأهل الردة في الغزو.([43]) ولكن هذا التجاوز عن سياسة أبي بكر عند عمر يصحبه نوع من الحذر والحيطة، ولا ينفك عن الضوابط والشروط المقيدة؛ فأهل الردة لا يولون على مائة، ولهذا اضطر سعد أن يبعث قيس بن المكشوح في سبعين رجلا فقط في أثر الأعاجم، ثاروا بهم في ليلة الهرير.([44]) ويأتي عثمان فيتجاوز سياسة التقييد التي فرضها الخليفتان قبله تجاه المرتدين، ويرى أن عامل الزمن الذي مضى على عهد الردة كاف لأن يتخلص من كان قد ارتد من رواسبها، ويجتهد عثمان فيستعمل أهل الردة استصلاحا لهم، فلم يصلحهم ذلك، بل زادهم فسادا وجعل قائلهم يتمثل
قول القائل:

وكنت وعمرا كالْمُسَمِّن كلبه      فخدشه أنيابه وأظافره([45])


وكانت من نتائج استعمال عثمان لأهل الردة في الكوفة أن تبدل أهلها وأصيب قائدهم عبد الرحمن بن ربيعة في غزوة للترك، وهو الذي كان يقاتلهم في عهد عمر فيَفْرَقُون منه، ويقولون: ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعه ملائكة تمنعه من الموت.([46]) وتظهر الآثار بشكل واضح في الفتنة التي انتهت بقتل عثمان، وذلك حينما نجد في أسماء المتهمين في دم عثمان رجالا ينتسبون إلى قبائل كانت في عداد المرتدين، أمثال: سودان بن حمران السكوني، وقتيرة بن فلان السكوني، وحكيم بن جبلة العبدي([47]).

هـ- اليهود والنصارى:

وكان بعضهم -وهو كثير- قد خرج أو أخرج من جزيرة العرب فاستقروا في الأمصار الكبيرة، ومنها الكوفة والبصرة، وكان اليهود خاصة -حسب طبعهم- ظلوا في تلك الأمصار المطلة على ميادين الفتوح يمارسون مهنتهم المشهورة المزدوجة, السيطرة المالية بوسائلهم المختلفة، والتآمر على قطع اليد التي تمد لهم المساعدة.([48]) وسيأتي الحديث عن دور اليهود بإذن الله تعالى.

2- تكوينات نسيج المجتمع الثقافي:

فإلى جوار هذا الخليط البشري كان هناك خليط آخر لا يقل خطره - إن لم يفق الخليط البشري- ألا وهو الخليط الثقافي؛ حيث تدفقت الثقافات والأفكار والنظم والعقائد مع تلك الأعداد البشرية التي انضمت إلى محتويات المجتمع الإسلامي، فصارت تشكل حملا ضخما على عاتقه، ومما زاد الطين بلة أنه بالرغم من اندماج المسلمين في نسيج البلدان المفتوحة؛ حيث عاشوا في أوساطهم وتزوجوا منهم، وتعلموا لغاتهم، ولبسوا ملابسهم، ومارسوا عاداتهم، إلا أنه بالرغم من ذلك فقد كان تأثيرهم في أهل البلد المفتوح محدودا في هذه الفترة المبكرة.([49]) فلم ينل أهالي هذه البلاد المفتوحة حظا وافرا من التربية، ولم تتشبع بروح الإسلام كما هو حال الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكذلك القبائل العربية التي اختلطت بأهالي البلاد المفتوحة. وإذا كان الإسلام قد تمكن من صهر هذه القبائل المختلفة في بوتقة لفترة معينة، إلا أنه مما يجب أن يوضع في الحسبان أن عملية التعليم والتربية التي كانت تقودها القاعدة الصلبة من المهاجرين والأنصار لم تكن قادرة على استيعاب هذه الأفواج الكبيرة واحتوائها؛ فالموالي لم يتخلصوا من كل الأفكار والعادات التي كانوا عليها في جاهليتهم، ويرجع ذلك إلى عدم التوازن بين حركة التوسع الأفقي في فتح البلدان وبين التوسع الرأسي في تعليم الناس وتفقيههم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على أن حركة الجهاد لا بد أن يصحبها ويتبعها الدعاة والمعلمون ليفقهوا الناس في دينهم؛ حتى لا يختل ميزان التربية، وتحدث الخلخلة في الصف الإسلامي، وتتوسع الفجوة بين الفاتحين وسكان الأراضي المفتوحة، مما يتسبب في حدوث ظواهر سلبية تؤثر في تماسك الصف الإسلامي ووحدته السياسية والفكرية.([50]) ولم يكن يمكن تفادي هذا الجانب السلبي رغم وجود البذل والحماس في ميدان التعليم والتربية الإسلامية؛ حيث كان التوسع في الأرض سريعا وواسعا، فقد فتحت العراق وما وراءها وبلاد الشام في سنوات قليلة معدودة، فلم يكن في مقدرة الطاقة البشرية في ميدان التربية والتعليم استيعاب الأعداد الهائلة من سكان تلك المناطق وتعليمها.([51]) ومن أسباب ذلك: أن الصحابة الذين كان من المفروض أن يقوموا بهذه الأمانة قد قتل معظمهم في ميادين الجهاد، ولم يبق إلا أفراد قليلون متفرقون تجمع حولهم المسلمون الذين يحبون أن يتعلموا، فظهرت طبقة التابعين، ولأن معظمهم مخلصون فقد كانوا في مقدمة ميادين الجهاد، فقُتل أيضا منهم من قُتل([52]), كما لم يكن الزمن كافيا لترسيخ التعاليم الإسلامية في نفوس كثير منهم، مما ساعد مع غيره من العوامل على وجود خلخلة فكرية وظواهر سلبية دخيلة على النهج الإسلامي, مما كان له الأثر في عدم استقرار الدولة، وظهر ذلك جليا في السنوات الأخيرة من عهد عثمان t([53]).

3- ظهور جيل جديد:

فقد حدث في المجتمع تغير أكبر؛ ذلك أن جيلا جديدا من الناس ظهر، وأخذ يحتل مكانة في المجتمع، وهو غير جيل الصحابة، جيل يعيش في عصر غير العصر الذي كانوا يعيشون فيه، ويتصف بما لا يتصفون به؛ فهو جيل([54]) يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الأول الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها، فقد تميز الجيل الأول من المسلمين بقوة الإيمان والفهم السليم لجوهر العقيدة الإسلامية والاستعداد التام لإخضاع النفس لنظام الإسلام المتمثل في القرآن والسنة، وكانت هذه الميزات أقل ظهورا في الجيل الجديد الذي وُجِد نتيجة للفتوحات الواسعة، وظهرت فيه المطامع الفردية، وبعثت فيه العصبية للأجناس والأقوام, وبعضهم يحملون رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها، ولم ينالوا من التربية الإسلامية على العقيدة الصحيحة السليمة مثل ما نال الرعيل الأول من الصحابة -رضوان الله عليهم- على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة.([55]) فالصحابة كانوا أقل فتنا من سائر من بعدهم، فإنه كلما تأخر العصر عن النبوة كثر التفرق والخلاف([56]).

كان الجيل الجديد لا يرضى بالواقع الذي كان يتسم به جيل الذين سبقوه، فقد اعتاد على غير ما اعتادوا عليه، فتكونت عقلية جديدة ومفهوم جديد للحياة، وهو مفهوم قد ابتعد عن العقلية التي كانت سائدة في عصر الراشدين الأولين، فأصبح لا يفهم تلك العقلية ولا يستطيع تشربها، ولا يسعه أن يذعن لحكمها([57])، ولذلك انضم المنحرفون من الجيل الجديد لدعاة الفتنة.

4- استعداد المجتمع لقبول الشائعات:

وهكذا ندرك من خلال هذا الخليط غير المتجانس في نسيج المجتمع أنه صار مهيأ للهزات، مستعدا للاضطراب، قابلا لتلقي الإذاعات والأقاويل والشائعات([58])، وهذا ما يعبر عنه بوضوح ابن تيمية قائلا: ولهذا لما كان الناس في زمن أبي بكر وعمر اللذين أُمِر المسلمون بالاقتداء بهما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر..»، أقرب عهدا بالرسالة وأعظم إيمانا وصلاحا، وأئمتهم أقوم بالواجب، وأثبت في الطمأنينة لم تقع فتنة؛ إذ كانوا في حكم القسط (أي النفوس المطمئنة)، ولما كان في آخر خلافة عثمان وخلافة عليٍّ كثر القسم الثالث (أهل النفس اللوامة التي تخلط عملا صالحا وآخر سيئا)، فصار فيهم شهوة وشبهة مع الإيمان والدين، وصار ذلك في بعض الولاة وبعض الرعايا، ثم كثر هذا القسم (الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا) بعد، فنشأت الفتنة التي سببها ما تقدم من عدم تمحيص التقوى والطاعة في الطرفين، واختلاطهما بنوع من الهوى والمعصية في الطرفين، وكل منهم متأول وأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنه مع الحق والعدل، ومع هذا التأويل نوع من الهوى، ففيه نوع من الظن، وما تهوى الأنفس، وإن كانت إحدى الطائفتين أولى بالحق من الأخرى.([59]) ويوضح هذا الواقع بدقة أكثر ذلك الحوار الذي دار بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأحد أتباعه، قال الرجل: ما بال المسلمين اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ قال علي: لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي، وأنا اليوم وال على مثلك.([60]) وكان أمير المؤمنين عثمان بن عفان مدركا لما يدور في وسط المجتمع؛ حيث قال في رسالته إلى الأمراء: أما بعد، فإن الرعية قد طعنت في الانتشار، ونزعت إلى الشَّره، وأعداها على ذلك ثلاث: دنيا مؤثرة، وأهواء مُسْرعة، وضغائن محمولة، يوشك أن تنفر فتغير([61]).

ثالثـًا: مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما:

كان مجيء عثمان مباشرة بعد عمر بن الخطاب واختلاف الطبع بينهما مؤديا إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية، فبينما كان عمر قوي الشكيمة، شديد المحاسبة لنفسه, ولمن تحت يديه، كان عثمان ألين طبعا وأرق في المعاملة، ولم يكن يأخذ نفسه أو يأخذ الناس بما يأخذهم به عمر حتى يقول عثمان نفسه: يرحم الله عمر، ومن يطيق ما كان عمر يطيق.([62]) لكن الناس وإن رغبوا في الشوط الأول من خلافته لأنه لان معهم وكان عمر شديدا عليهم، حتى أصبحت محبته مضرب المثل، فقد أنكروا عليه بعد ذلك، ويرجع هذا إلى نشأة عثمان في لطفه ولين عريكته ورقة طبعه ودماثة خلقه، مما كان له بعض الأثر في مظاهر الفرق عند الأحداث بين عهده وعهد سلفه عمر بن الخطاب، وقد أدرك عثمان ذلك حين قال لأقوام سجنهم: أتدرون ما جرأكم عليَّ؟ ما جرأكم علي إلا حلمي.([63]) وحين بدت نوايا الخارجين وقد ألزمهم عثمان الحجة في رده على المآخذ التي أخذوها عليه أمام الملأ من الصحابة والناس، أبى المسلمون إلا قتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم لحلمه ووداعته قائلا: بل نعفو ونقبل، ولنبصرهم بجهدها، ولا نحادّ أحدا حتى يركب حدا أو يبدي كفرا.([64])

رابعًا: خروج كبار الصحابة من المدينة:

كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل، فشكوه فبلغه، فقام فقال: ألا إني قد سننت الإسلام سَنَّ البعير، يبدأ فيكون جذعا، ثم ثَنِيًّا، ثم رباعيا، ثم سداسيا، ثم بازلا([65])، إلا فهل ينتظر البازل إلا النقصان، ألا فإن الإسلام قد بزل، ألا وإن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة، آخذ بحلاقيم([66]) قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.([67]) لقد كان عمر يخاف على هؤلاء الصحابة من انتشارهم في البلاد المفتوحة وتوسعهم في القطاع والضياع، فكان يأتيه الرجل من المهاجرين وهو ممن حبس في المدينة فيستأذنه في الخروج فيجيبه عمر: لقد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك.([68]) وأما عثمان فقد سمح لهم بالخروج ولان معهم. يقول الشعبي: فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس، فكان أحب إليهم من عمر([69])، فكان من نتائج هذا التوسع أن اتخذ رجال من قريش أموالا في الأمصار، وانقطع إليهم الناس.([70]) وفي رواية: فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم عمر فانساحوا في البلاد، فلما رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع إليهم من لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام، فكان مغموما (مغمورا) في الناس، وصاروا أوزاعا إليهم وأملوهم، وتقدموا في ذلك فقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم، وتقدمنا في التقريب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أول وهن دخل في الإسلام، وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك([71]).

خامسًا: العصبية الجاهلية:

يقول ابن خلدون: لما استكمل الفتح واستكمل للملة الملك، ونزل العرب بالأمصار في حدود ما بينهم وبين الأمم من البصرة والكوفة والشام ومصر، وكان المختصون بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه وآدابه المهاجرين والأنصار وقريش وأهل الحجاز، ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم، وأما سائر العرب من بني بكر بن وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والأزد وكندة وقضاعة وغيرهم، فلم يكونوا في تلك الصحبة بمكان إلا قليل منهم، وكانت لهم في الفتوحات قدم، فكانوا يرون ذلك لأنفسهم مع ما يدين به فضلاؤهم من تفضيل أهل السابقة ومعرفة حقهم، وما كانوا فيه من الذهول والدهش لأمر النبوة وتردد الوحي وتنزل الملائكة، فلما انحصر ذلك العباب، وتنوسى الحال بعض الشيء، وذل العدو واستفحل الملك، كانت عروق الجاهلية تنبض، ووجدوا الرياسة عليهم من المهاجرين والأنصار وقريش وسواهم، فأنفت نفوسهم منه، ووافق ذلك أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالأمصار، والمؤاخذة لهم باللحظات والخطوات، والاستبطاء عليهم الطاعات، والتجني بسؤال الاستبداد منهم والعزل، ويفيضون في النكير على عثمان، وفشت المقالة في ذلك في أتباعهم، وتناولوا بالظلم في جهاتهم، وانتهت الأخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة، فارتابوا وأفاضوا في عزل عثمان وحمله على عزل أمرائه، وبعث إلى الأمصار من يأتيه بالخبر.. فرجعوا إليه فقالوا: ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعيان المسلمين ولا عوامهم([72]).

سادسًا: توقف الفتوحات:

حين توقفت الفتوح في أواخر عهد عثمان أمام حواجز طبيعية أو بشرية لم تتجاوزها سواء في جهات فارس وشمالي بلاد الشام أم في جهة أفريقية، توقفت الغنائم على أثرها، فتساءل الأعراب: أين ذهبت الغنائم القديمة؟ أين ذهبت الأراضي المفتوحة التي يعدونها حقا من حقوقهم؟([73]) وانتشرت الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان بأنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه، وأنه أقطع منها لمن شاء من الناس، وقد كان لها أثر ووقع على الأعراب؛ خاصة أن معظمهم بقى بدون عمل يقضون شطرا من وقتهم في الطعام والنوم، والشطر الآخر بالخوض في سياسة الدولة والحديث عن تصرفات عثمان التي كانت تهوِّلها السبئية. وقد أدرك أحد عمال عثمان هذا الأمر -وهو عبد الله بن عامر- فأشار على الخليفة حيث طلب من عماله -وهم وزراؤه ونصحاؤه- أن يجتهدوا في آرائهم ويشيروا عليه، فأشار عليه أن يأمر الناس بالجهاد ويجمهرهم في المغازي حتى لا يتعدى همُّ أحدهم قمل فروة رأسه ودبرة دابته.([74])

وفي ذلك الجو من الحديث والفكر عند أفراد تعودوا الغزو ولم يفقهوا من الدين شيئا كثيرا يمكن أن يتوقع كل سوء، ويكفي أن يُحرك هؤلاء الأعراب وأن يُوجهوا توجيها، فإذا هم يثورون ويحدثون القلاقل والفتن، وهذا ما حدث بالفعل؛ فإن الأعراب بسبب توقف الفتوحات ساهموا في بوادر الفتنة الأولى، وكانوا سببا من أسباب اندلاعها.([75])

سابعًا: المفهوم الخاطئ للورع:

الورع في الشريعة طيب؛ وهو أن يترك ما لا بأس به مخافة مما فيه بأس. وهو في الأصل: ترفع عن المباحات في الله ولله. والورع شيء شخصي يصح للإنسان أن يطالب به نفسه، ولكن لا يصح أن يطالب به الآخرين. ومن أخطر أنواع الورع: الورع الجاهل الذي يجعل المباح حراما أو مفروضًا، وهذا الذي وقع فيه أصحاب الفتنة([76])؛ فقد استغل أعداء الإسلام يومها مشاعرهم هذه ونفخوا فيها، فرأوا فيما فعله عثمان من المباحات أو المصالح خروجا على الإسلام وتغييرا لسنة من سبقه، وعظمت هذه المسائل في أعين الجهلة فاستباحوا أو أعانوا من استباح دم الخليفة الراشد عثمان بن عفان t، وفتحوا على المسلمين باب الفتنة إلى اليوم. وهذا الورع الجاهل نلاحظه اليوم في تصرفات بعض المسلمين الذين يصرون على تكييف أحكام الإسلام وفق ما يشتهون أو يكرهون، أو وفق عاداتهم وتقاليدهم([77]).

ثامنًا: طموح الطامحين:

وجد في الجيل الثاني من أبناء الصحابة -رضي الله عنهم- من يعتبر نفسه جديرا بالحكم والإدارة، ووجد أمثال هؤلاء أن الطريق أمامهم مغلق، وفي العادة أنه متى
وجد الطامحون الذين لا يجدون لطموحهم متنفسا فإنهم يدخلون في كل عملية تغيير، ومعالجة أمر هؤلاء في غاية الأهمية([78]).

تاسعًا: تآمر الحاقدين:

لقد دخل في الإسلام منافقون موتورون اجتمع لهم من الحقد والذكاء والدهاء ما استطاعوا أن يدركوا نقاط الضعف التي يستطعيون من خلالها أن يوجدوا الفتنة, ووجدوا من يستمع إليهم بآذان مصغية، فكان من آثار ذلك ما كان([79])؛ فقد عرفنا سابقا وجود يهود ونصارى وفرس، وهؤلاء جميعا معروف باعث غيظهم وحقدهم على الإسلام والدولة الإسلامية، ولكننا هنا نضيف من وقع عليه حد أو تعزير لأمر ارتكبه في وسط الدولة، عاقبه الخليفة أو ولاته في بعض الأمصار وبالذات البصرة والكوفة ومصر والمدينة، فاستغل أولئك الحاقدون من يهود ونصارى وفرس وأصحاب الجرائم مجموعات من الناس كان معظمهم من الأعراب، ممن لا يفقهون هذا الدين على حقيقته, فتكونت لهؤلاء جميعا طائفة وصفت من جميع من قابلهم بأنهم أصحاب شر، فقد وصفوا: بالغوغاء من أهل الأمصار، ونُزَّاع القبائل، وأهل المياه وعبيد المدينة([80])، وبأنهم ذؤبان العرب([81])، وأنهم حثالة الناس ومتفقون على الشر([82])، وسفهاء عديمو الفقه([83]), وأراذل من أوباش القبائل([84])، فهم أهل جفاء وهمج، ورعاع من غوغاء القبائل، وسفلة الأطراف الأراذل([85])، وأنهم آلة الشيطان.([86]) وقد تردد في المصادر اسم عبد الله بن سبأ الصنعاني اليهودي ضمن هؤلاء الموتورين الحاقدين، وأنه كان من اليهود ثم أسلم، ولم ينقب أحد عن نواياه فتنقل بين البلدان الإسلامية باعتباره أحد أفراد المسلمين([87])، وسيأتي الحديث عنه في مبحث مستقل بإذن الله.

عاشرًا: التدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان t:

كان المجتمع مهيأ لقبول الأقاويل والشائعات نتيجة عوامل وأسباب متداخلة، وكانت الأرض مهيأة، ونسيج المجتمع قابلا لتلقي الخروقات، وأصحاب الفتنة أجمعوا على الطعن في الأمراء بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى استمالوا الناس إلى صفوفهم، ووصل الطعن إلى عثمان بن عفان نفسه باعتباره قائد الدولة. وإذا ما حصرنا الدعاوي التي روجت ضد الخليفة وطعنوه بها فيمكننا تصنيفها إلى مجموعات خمس:

1- مواقف شخصية له قبل توليه الخلافة (تغيبه عن بعض الغزوات والمواقع).

2- سياسته المالية: الأعطيات، الحمى.

3- سياسته الإدارية النافذة: تولية أقربائه، طريقته في التولية.

4- اجتهادات خاصة به أو بمصلحة الأمة (إتمام الصلاة بمنى، جمع القرآن، الزيادة في المسجد).

5- معاملته لبعض الصحابة: عمار، أبي ذر، ابن مسعود([88]).

وقد بينت موقف عثمان في كل ما وجه إليه في موضعه، ولم يبق إلا عمار t, وسيأتي الحديث عنه بإذن الله. وقد حدثت زيادات في إبراز المطاعن على عثمان سواء في عهده وما واجهوه بها ورده عليها في حينها، أو ما تُقُوِّل عليه فيما بعد عند الرواة والكتاب فإنها لم تصح ولم تصل إلى حد أن تكون سببا في قتله([89]).

إن المآخذ السابق ذكرها والمدونة في تاريخ الطبري وغيره من كتب التاريخ، والمروية عن طريق المجاهيل والإخباريين الضعفاء خاصة الرافضة، كانت ولا تزال بلية عظمى على الحقائق في سِيَر الخلفاء والأئمة، خاصة في مراحل الاضطرابات والفتن، وقد كان مع الأسف لسيرة عثمان أمير المؤمنين من ذلك الحظ الوافر؛ فرواية الحوادث ووضع الأباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب عليه أو التشهير به، وقد أدرك عثمان بنفسه ذلك عندما كتب إلى أمرائه: أما بعد، فإن الرعية طعنت في الانتشار, ونزعت إلى الشر أعداها على ذلك ثلاث: دنيا مؤثرة، وأهواء متسرعة، وضغائن محمولة.([90]) وقال ابن العربي عن تلك المآخذ جملة: قالوا متعدين متعلقين برواية كذابين جاء عثمان في ولايته بمظالم ومناكير.. هذا كله باطل سند ومتنا.([91])

وقد بيَّن ابن تيمية بأن عثمان ليس معصوما، فقال: والقاعدة الكلية في هذا أن لا يعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ، والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون منها، وقد تكفر عنهم بحسناتهم الكثيرة، وقد يبتلون أيضا بمصائب يكفر الله بها، وقد يكفر عنهم بغير ذلك، فكل ما ينقل عن عثمان غايته أن يكون ذنبا أو خطأ، وعثمان قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه كثيرة منها سابقته وإيمانه وجهاده وغير ذلك من طاعته. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له؛ بل بشره بالجنة على بلوى تصيبه([92])، ومنها أنه تاب من عامة ما أنكروه عليه، وأنه ابتلى ببلاء عظيم فكفر الله به خطاياه, وصبر حتى قتل شهيدا مظلوما، وهذا من أعظم ما يكفر به الخطايا.([93])

حادي عشر: استخدام الأساليب والوسائل المهيجة للناس:

وأهم هذه الأساليب: إشاعة الأراجيف حيث ترددت كلمة الإشاعة والإذاعة كثيرا، والتحريض والمناظرة والمجادلة للخليفة أمام الناس، والطعن على الولاة، واستخدام تزوير الكتب واختلافها على لسان الصحابة رضي الله عنهم؛ عائشة وعلي وطلحة والزبير، والإشاعة بأن علي بن أبي طالب الأحق بالخلافة، وأنه الوصي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنظيم فرق في كل من البصرة والكوفة ومصر، أربع فرق من كل مصر، مما يدل على التدبير المسبق. وأوهموا أهل المدينة أنهم ما جاءوا إلا بدعوة الصحابة، وصعَّدوا الأحداث حتى وصلت إلى القتل.([94]) وإلى جوار هذه الوسائل استخدموا مجموعة من الشعارات منها: التكبير، ومنها أن جهادهم هذا ضد المظالم، ومنها أنهم لا يقومون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها المطالبة باستبدال الولاة وعزلهم، ثم تطورت المطالبة إلى خلع عثمان إلى أن تمادوا في جرأتهم وطالبوا بل سارعوا إلى قتل الخليفة، وخاصة حينما وصلهم الخبر بأن أهل الأمصار قادمون لنصرة الخليفة، فزادهم حماسهم المحموم لتضييق الخناق على الخليفة, والتشوق إلى قتله بأي وسيلة([95]).

 

سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي


عدد المشاهدات *:
466904
عدد مرات التنزيل *:
94365
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 02/05/2011 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 02/05/2011

الكتب العلمية

روابط تنزيل : المبحث الثاني أسباب فتنة مقتل عثمان
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  المبحث الثاني أسباب فتنة مقتل عثمان لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1