وعن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ
وَعِشْرِينَ جُزْءًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُزْءًا وفي حديث بن عُمَرَ دَرَجَةً وَفِي
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مَعْنًى وَاحِدًا كُلَّهُ
يُرِيدُ تَضْعِيفَ ثَوَابِ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ عَلَى ثَوَابِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَضْلَ أَجْرِ مَنْ
صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ عَلَى أَجْرِ الْمُنْفَرِدِ فِي صَلَاتِهِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ
وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَالَ فِيهِ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ
خَمْسُونَ الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا
الْحَوْطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
قَالَ الْحَوْطِيُّ حَدَّثْتُ بِهِ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي الْمَنَامِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ صَدَقَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْأَفْضَلِ لِكَثِيرِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلِيلِهَا
وَبِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا أَلَّا يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ
أُخْرَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا
وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِعَادَةَ الْفَذِّ لِمَا صَلَّى وَحْدَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى
الِانْفِرَادِ
فَإِذَا لَمْ يُعِدْ مَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ
وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ مَرْفُوعَةٌ مِنْهَا
حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ
وَصَلَاتُهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ وَكُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَزْكَى وَأَطْيَبَ
وَهِيَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ فِي الْقُوَّةِ وَالثُّبُوتِ وَالصِّحَّةِ كَآثَارِ هَذَا الْبَابِ
وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الْفَضَائِلَ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهَا بِمَا صَحَّ التَّوْقِيفُ
بِهِ وَاللَّهُ يَتَفَضَّلُ بِمَا شَاءَ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْفَذِّ وَحْدَهُ
وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلَ
وَإِذَا جَازَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ وَحْدَهُ بَطُلَ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمْ تُجْزِ لِلْفَذِّ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لَهَا
كَمَا أَنَّ الْفَذَّ لَا يُجْزِئُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْإِمَامِ ظُهْرًا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ
عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
قَدِ احْتَجَّ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ
كُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ حُضُورَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَضِيلَةٌ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا
وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا فَرْضٌ على الكفاية
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شُهُودُهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا وَمَنْ تَخَلَّفَ
عَنْهَا وَأَتَى بِهَا فِي بَيْتِهِ جَزَتْ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْهُ
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ دَلَائِلُ يَطُولُ ذِكْرُهَا
وَقَالَ دَاوُدُ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ حُضُورُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ
مِنَ الرِّجَالِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا كَالْجُمُعَةِ
وَقَالُوا لَا تُجْزِئُ الْفَذَّ صَلَاتُهُ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ النَّاسِ وَبَعْدَ أَلَّا يَجِدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ
مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ
وَاحْتَجُّوا فِي إِيجَابِ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْرَاقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَهُ
وَقَالُوا لَا يَحْرِقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ
رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِظَوَاهِرِ آثَارٍ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَلِابْنِ
أُمِّ مَكْتُومٍ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ
قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ
وَقَوْلُهُ فَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلَمْ يَجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ
لَا عَلَى شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا
وَكَذَلِكَ قوله لعتبان بن مالك وبن أُمِّ مَكْتُومٍ
هَذَا لَوْ صَحَّ الْأَثَرُ بِمَا ذَكَرُوا فَكَيْفَ وَهِيَ آثَارٌ فِيهَا عِلَلٌ وَهِيَ محتملة للتأويل
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا وَلَوْ صَحَّ كَانَ
مَعْنَاهُ الْكَمَالَ كَمَا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ
مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ
أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ من غير عُذْرٍ
أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ
صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ
فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ
فِي بَيْتِهِ
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ كُتِبُ
لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنْ عَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ مَرَضٌ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ
كُتِبَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ الْعَمَلِ مَا دَامَ فِي وِثَاقِ مَرَضِهِ
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
عَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عُذْرٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ
وَإِذَا بَطُلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُوَ الْمُتَخَلِّفُ عَمَّا نُدِبَ إِلَيْهِ وَجَبَ
وُجُوبَ سُنَّةٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ
وَعَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَاضِلْ بَيْنَهُمَا إِلَّا وَهُمَا جَائِزَانِ إِلَّا أَنَّ
أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ
وَعِشْرِينَ جُزْءًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُزْءًا وفي حديث بن عُمَرَ دَرَجَةً وَفِي
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مَعْنًى وَاحِدًا كُلَّهُ
يُرِيدُ تَضْعِيفَ ثَوَابِ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ عَلَى ثَوَابِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَضْلَ أَجْرِ مَنْ
صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ عَلَى أَجْرِ الْمُنْفَرِدِ فِي صَلَاتِهِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ
وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَالَ فِيهِ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ
خَمْسُونَ الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا
الْحَوْطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
قَالَ الْحَوْطِيُّ حَدَّثْتُ بِهِ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي الْمَنَامِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ صَدَقَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْأَفْضَلِ لِكَثِيرِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلِيلِهَا
وَبِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا أَلَّا يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ
أُخْرَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا
وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِعَادَةَ الْفَذِّ لِمَا صَلَّى وَحْدَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى
الِانْفِرَادِ
فَإِذَا لَمْ يُعِدْ مَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ
وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ مَرْفُوعَةٌ مِنْهَا
حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ
وَصَلَاتُهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ وَكُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَزْكَى وَأَطْيَبَ
وَهِيَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ فِي الْقُوَّةِ وَالثُّبُوتِ وَالصِّحَّةِ كَآثَارِ هَذَا الْبَابِ
وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ الْفَضَائِلَ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهَا بِمَا صَحَّ التَّوْقِيفُ
بِهِ وَاللَّهُ يَتَفَضَّلُ بِمَا شَاءَ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْفَذِّ وَحْدَهُ
وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلَ
وَإِذَا جَازَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ وَحْدَهُ بَطُلَ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمْ تُجْزِ لِلْفَذِّ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لَهَا
كَمَا أَنَّ الْفَذَّ لَا يُجْزِئُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْإِمَامِ ظُهْرًا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ
عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
قَدِ احْتَجَّ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ
كُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ حُضُورَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَضِيلَةٌ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا
وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا فَرْضٌ على الكفاية
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شُهُودُهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا وَمَنْ تَخَلَّفَ
عَنْهَا وَأَتَى بِهَا فِي بَيْتِهِ جَزَتْ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْهُ
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ دَلَائِلُ يَطُولُ ذِكْرُهَا
وَقَالَ دَاوُدُ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ حُضُورُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ
مِنَ الرِّجَالِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا كَالْجُمُعَةِ
وَقَالُوا لَا تُجْزِئُ الْفَذَّ صَلَاتُهُ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ النَّاسِ وَبَعْدَ أَلَّا يَجِدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ
مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ
وَاحْتَجُّوا فِي إِيجَابِ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فَرْضًا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْرَاقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَهُ
وَقَالُوا لَا يَحْرِقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ
رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِظَوَاهِرِ آثَارٍ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَلِابْنِ
أُمِّ مَكْتُومٍ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ
قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ
وَقَوْلُهُ فَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلَمْ يَجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ
لَا عَلَى شُهُودِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا
وَكَذَلِكَ قوله لعتبان بن مالك وبن أُمِّ مَكْتُومٍ
هَذَا لَوْ صَحَّ الْأَثَرُ بِمَا ذَكَرُوا فَكَيْفَ وَهِيَ آثَارٌ فِيهَا عِلَلٌ وَهِيَ محتملة للتأويل
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا وَلَوْ صَحَّ كَانَ
مَعْنَاهُ الْكَمَالَ كَمَا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّمْهِيدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ
مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ
أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ من غير عُذْرٍ
أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ
صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ
فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ
فِي بَيْتِهِ
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ كُتِبُ
لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنْ عَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ مَرَضٌ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ
كُتِبَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ الْعَمَلِ مَا دَامَ فِي وِثَاقِ مَرَضِهِ
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
عَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عُذْرٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ
وَإِذَا بَطُلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُوَ الْمُتَخَلِّفُ عَمَّا نُدِبَ إِلَيْهِ وَجَبَ
وُجُوبَ سُنَّةٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ
وَعَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَاضِلْ بَيْنَهُمَا إِلَّا وَهُمَا جَائِزَانِ إِلَّا أَنَّ
أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ
الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138
عدد المشاهدات *:
470861
470861
عدد مرات التنزيل *:
94753
94753
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/01/2018