مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا
سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى
وَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صالح قد
ذكد ذَكَرْنَاهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ حَسَنٌ جَدًا صَحِيحٌ ثَابِتٌ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ
مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((وَتَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِرُوحِ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا
لَهُ هَلْ عَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَذْكُرُ أَنِّي عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ فَقِيلَ لَهُ
اذْكُرْ فَقَالَ مَا أَذْكُرُ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا أُدَايِنُ النَّاسَ فَكُنْتُ آمر فتياني أن ينظروا
المعسر ويتجاوزوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ((تَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ
بِالتَّجَاوُزِ))
قَالَ مَالِكٌ فِي الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البر أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ
جِزَافًا إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كُرِهَ الْجِزَافُ فِي الْمَعْدُودَاتِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ الْغَرَرِ الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ
كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ
وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ بَيِّنٌ إِذَا تَرَكَ عَدَّهُ وَقَدْ أَمْكَنَ تَأَوُّلُهُ وَتَقْلِيبُهُ
وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَ أَشَدَّ فَسَادًا
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ
غَرَرٌ بَيِّنٌ
وَقَدِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ
وَالْبَيْضِ عَدًّا وَصَغِيرُ ذَلِكَ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الرُّمَّانُ وَالْبَيْضُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَصَفٌ
فَإِنْ ضُبِطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ جَازَ فِيهِ السَّلَمُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ ولا في الْبَيْضِ وَلَا فِي الرُّمَّانِ إِلَّا أَنْ
يُضْبَطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إِذَا سَمَّى جِنْسًا مِنَ الْحِيتَانِ وَيُشْتَرَطُ
الطُّولُ أَوْ يَكُونُ وَزْنًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ وَزْنًا وَيَصِفُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْأَشْهُرُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ
وَزْنًا مَعْلُومًا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543
وَرَوَى أَصْحَابُ ((الْإِمْلَاءِ)) عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ
فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَلَا الْمَالِحِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ وَالصِّغَارِ الَّتِي تُكَالُ
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَدَدِ والجزاف صفقة واحدة
فروى أصبغ عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَيْلَ وَلَا
وَزْنَ وَلَا عَرَضَ وَلَا غَيْرَهُ
وَقَالَ أَصْبَغُ وَأَجَازَهُ لَنَا أشهب
وذكر بن حبيب أن بن القاسم كان يجيز ذلك
قال بن حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَعَ الْجِزَافِ عَدَدٌ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ
مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ بَيْعَ كُلِّ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى
مَبْلَغِهِ جِزَافًا كَانَ أَوْ عَدَدًا وَلَا يَضُرُّ الْجِزَافُ الْجَائِزُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَنْضَافَ إِلَيْهِ مَا
يَجُوزُ بَيْعُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ
إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ
وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا
مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ
بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ
بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِيرٍ) يُوسُفَ 72
وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ جَوَازِ الْجُعْلِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْآبَاقِ وَالضَّوَالِّ
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ إِنْ بِعْتَ لِي سِلْعَتِي هَذِهِ بِكَذَا فَلَكَ كَذَا أَوْ إِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ لِأَنَّ
عَمَلَهُ وَنَصَبَهُ وَتَعَبَهُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي سِلْعَةٍ كَنَصَبِهِ في طلب
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544
الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ فَإِنْ وَجَدَهُ حَصَلَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا
قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ
لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ
حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهُ لَكَ مَنْ كُلِّ
دِينَارٍ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا وَلَا يَدْرِي كَمْ مَبْلَغُ الدَّنَانِيرِ مَنْ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةَ فَتِلْكَ أُجْرَةٌ
مَجْهُولَةٌ وَجُعْلٌ مَجْهُولٌ
وَمَنْ جَعَلَ الْإِجَارَةَ بَيْعًا مِنَ الْبُيُوعِ وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ لَمْ يُجِزْ فِيهَا الْبَدَلَ الْمَجْهُولَ
كَمَا لَا يُجِيزُهُ الْجَمِيعُ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ
وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى جَوَازِ الْمَجْهُولَاتِ فِي الْإِجَارَاتِ مِنَ الْبَدَلِ
فَأَجَازُوا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْتَقِي عليه الماء وينتقل ويعمل بنصف ما
يهيىء اللَّهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ وَسَعْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ
وَكَذَلِكَ الْحَمَامُ يُعْطِيهِ لِمَنْ يُنْظَرُ لَهُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ بِيَدَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ قياسا
منه كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ
وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ يُجِيزُونَ إِجَارَتَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَكَذَلِكَ لَفْظُ الزَّيْتُونِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَجْمَعُ مِنْهُ فِي يَوْمِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا يَطُولُ
ذِكْرُهُ
وَاعْتَلُّوا بِالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَبِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ إِجَارَةَ الْمُرْضِعِ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ
لَبَنَ الظِّئْرِ وَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الصَّبِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الصِّبْيَانِ فِي
الرِّضَاعِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ ذَلِكَ
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ يَطُولُ وَفِيمَا جِئْنَا بِهِ مِنْهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى
وَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صالح قد
ذكد ذَكَرْنَاهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ حَسَنٌ جَدًا صَحِيحٌ ثَابِتٌ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ
مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((وَتَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِرُوحِ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا
لَهُ هَلْ عَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَذْكُرُ أَنِّي عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ فَقِيلَ لَهُ
اذْكُرْ فَقَالَ مَا أَذْكُرُ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا أُدَايِنُ النَّاسَ فَكُنْتُ آمر فتياني أن ينظروا
المعسر ويتجاوزوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ((تَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ
بِالتَّجَاوُزِ))
قَالَ مَالِكٌ فِي الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البر أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ
جِزَافًا إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كُرِهَ الْجِزَافُ فِي الْمَعْدُودَاتِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ الْغَرَرِ الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ
كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ
وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ بَيِّنٌ إِذَا تَرَكَ عَدَّهُ وَقَدْ أَمْكَنَ تَأَوُّلُهُ وَتَقْلِيبُهُ
وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَ أَشَدَّ فَسَادًا
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ
غَرَرٌ بَيِّنٌ
وَقَدِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ
وَالْبَيْضِ عَدًّا وَصَغِيرُ ذَلِكَ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الرُّمَّانُ وَالْبَيْضُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَصَفٌ
فَإِنْ ضُبِطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ جَازَ فِيهِ السَّلَمُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ ولا في الْبَيْضِ وَلَا فِي الرُّمَّانِ إِلَّا أَنْ
يُضْبَطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إِذَا سَمَّى جِنْسًا مِنَ الْحِيتَانِ وَيُشْتَرَطُ
الطُّولُ أَوْ يَكُونُ وَزْنًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ وَزْنًا وَيَصِفُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْأَشْهُرُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ
وَزْنًا مَعْلُومًا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543
وَرَوَى أَصْحَابُ ((الْإِمْلَاءِ)) عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ
فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَلَا الْمَالِحِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ وَالصِّغَارِ الَّتِي تُكَالُ
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَدَدِ والجزاف صفقة واحدة
فروى أصبغ عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَيْلَ وَلَا
وَزْنَ وَلَا عَرَضَ وَلَا غَيْرَهُ
وَقَالَ أَصْبَغُ وَأَجَازَهُ لَنَا أشهب
وذكر بن حبيب أن بن القاسم كان يجيز ذلك
قال بن حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَعَ الْجِزَافِ عَدَدٌ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ
مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ بَيْعَ كُلِّ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى
مَبْلَغِهِ جِزَافًا كَانَ أَوْ عَدَدًا وَلَا يَضُرُّ الْجِزَافُ الْجَائِزُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَنْضَافَ إِلَيْهِ مَا
يَجُوزُ بَيْعُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ
إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ
وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا
مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ
بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ
بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِيرٍ) يُوسُفَ 72
وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ جَوَازِ الْجُعْلِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْآبَاقِ وَالضَّوَالِّ
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ إِنْ بِعْتَ لِي سِلْعَتِي هَذِهِ بِكَذَا فَلَكَ كَذَا أَوْ إِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ لِأَنَّ
عَمَلَهُ وَنَصَبَهُ وَتَعَبَهُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي سِلْعَةٍ كَنَصَبِهِ في طلب
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544
الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ فَإِنْ وَجَدَهُ حَصَلَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا
قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ
لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ
حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهُ لَكَ مَنْ كُلِّ
دِينَارٍ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا وَلَا يَدْرِي كَمْ مَبْلَغُ الدَّنَانِيرِ مَنْ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةَ فَتِلْكَ أُجْرَةٌ
مَجْهُولَةٌ وَجُعْلٌ مَجْهُولٌ
وَمَنْ جَعَلَ الْإِجَارَةَ بَيْعًا مِنَ الْبُيُوعِ وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ لَمْ يُجِزْ فِيهَا الْبَدَلَ الْمَجْهُولَ
كَمَا لَا يُجِيزُهُ الْجَمِيعُ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ
وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى جَوَازِ الْمَجْهُولَاتِ فِي الْإِجَارَاتِ مِنَ الْبَدَلِ
فَأَجَازُوا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْتَقِي عليه الماء وينتقل ويعمل بنصف ما
يهيىء اللَّهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ وَسَعْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ
وَكَذَلِكَ الْحَمَامُ يُعْطِيهِ لِمَنْ يُنْظَرُ لَهُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ بِيَدَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ قياسا
منه كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ
وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ يُجِيزُونَ إِجَارَتَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَكَذَلِكَ لَفْظُ الزَّيْتُونِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَجْمَعُ مِنْهُ فِي يَوْمِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا يَطُولُ
ذِكْرُهُ
وَاعْتَلُّوا بِالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَبِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ إِجَارَةَ الْمُرْضِعِ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ
لَبَنَ الظِّئْرِ وَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الصَّبِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الصِّبْيَانِ فِي
الرِّضَاعِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ ذَلِكَ
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ يَطُولُ وَفِيمَا جِئْنَا بِهِ مِنْهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
عدد المشاهدات *:
661876
661876
عدد مرات التنزيل *:
111851
111851
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018