اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 17 شوال 1445 هجرية
????? ??????????????????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

أعوذ

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثاني عشر
كتــــاب القرآن كلام الله حقيقة
فصــل مسألة اللفظ بالقرآن
فصــل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ب ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية
فصــل
والطائفة الذين يقولون‏:‏ إن التلاوة مخلوقة، والقرآن المنزل الذي نزل به جبريل مخلوق، وإن الله لم يتكلم بحروف القرآن، يقولون‏:‏ إن هذا قول أحمد، وأنهم موافقوه، كما فعل ذلك أبو الحسن الأشعري، فيما ذكره عن أحمد، وفسر به كلامه، وذكر أنه موافقه، وكما ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في تنزيه أصحابه من مخالفة السنة وأئمتها كالإمام أحمد، وكما فعله أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المعروف في ذلك، وكما فعله أبو ذر الهروي، والقاضي عبد الوهاب المالكي، وكما فعله أبو بكر البيهقي في الاعتقاد في مناقب الإمام أحمد‏.‏ وروي عنه أنه قال‏:‏ لفظي بالقرآن مخلوق، وتأول ما استفاض عنه من الإنكار على من قال‏:‏ لفظي بالقرآن غير مخلوق، على أنه أراد الجهمي المحض الذي يزعم أن القرآن الذي لم ينزل مخلوق‏.‏
وكذلك ـ أيضًا ـ افترى بعض الناس على البخاري الإمام صاحب ‏[‏الصحيح‏]‏، أنه كان يقول‏:‏ لفظي بالقرآن مخلوق، وجعلوه من ‏[‏اللفظية‏]‏، حتى وقع بينه وبين أصحابه، مثل محمد بن يحيى الذهلي، / وأبي زُرْعَة، وأبي حاتم، وغيرهم بسبب ذلك، وكان في القضية أهواء وظنون، حتى صنف ‏[‏كتاب خلق الأفعال‏]‏، وذكر فيه ما رواه عن أبي قدامة، عن يحيى بن سعيد القَطّان أنه قال‏:‏ ما زلت أسمع أصحابنا يقولون‏:‏ أفعال العباد مخلوقة‏.‏ وذكر فيه ما يوافق ما ذكره في آخر كتابه ‏[‏الصحيح‏]‏ من أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يتكلم بصوت، وينادي بصوت، وساق في ذلك من الأحاديث الصحيحة والآثار ما ليس هذا موضع بسطه، وبين الفرق بين الصوت الذي ينادي الله به وبين الصوت الذي يسمع من العباد، وأن الصوت الذي تكلم الله به ليس هو الصوت المسموع من القارئ، وبين دلائل ذلك، وأن أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة، والله ـ تعالى ـ بفعله وكلامه غير مخلوق‏.‏
وقال في قوله‏:‏‏{‏مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏2‏]‏، إن حدثه ليس كحدث المخلوقين، وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألا تَكَلَّمُوا في الصلاة‏)‏ وذكر عن علماء السلف‏:‏ أن خلق الرب للعالم ليس هو المخلوق، بل فعله القائم به غير مخلوق، وذكر عن نعيم بن حماد الخزاعي‏:‏ أن الفعل من لوازم الحياة، وأن الحي لا يكون إلا فعالا، إلى غير ذلك من المعاني التي تدل على علمه وعلم السلف بالحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول‏.‏
/وذكر أن كل واحدة من طائفتي ‏[‏اللفظية المثبتة والنافية‏]‏ تنتحل أبا عبد الله، وأن أحمد بن حنبل كثير مما ينقل عنه كذب، وأنهم لم يفهموا بعض كلامه لدقته وغموضه، وأن الذي قاله وقاله الإمام أحمد هو قول الأئمة والعلماء، وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة‏.‏
ورأيت بخط القاضي أبي يعلى ـ رحمه الله ـ على ظهر ‏[‏كتاب العدة‏]‏ بخطه، قال‏:‏ نقلت من آخر ‏[‏كتاب الرسالة‏]‏ للبخاري في أن القراءة غير المقروء، وقال ‏:‏ وقع عندي عن أحمد بن حنبل على اثنين وعشرين وجهًا كلها يخالف بعضها بعضًا، والصحيح عندي أنه قال‏:‏ ما سمعت عالما يقول‏:‏ لفظي بالقرآن غير مخلوق‏.‏ قال ‏:‏ وافترق أصحاب أحمد ابن حنبل على نحو من خمسين‏.‏ قال أبو عبد الله البخاري‏:‏ قال ابن حنبل‏:‏ ‏[‏اللفظي‏]‏ الذي يقول‏:‏ القرآن بألفاظنا مخلوق‏.‏
وكان ـ أيضًا ـ قد نبغ في أواخر عصر أبي عبد الله من الكلابية ونحوهم ـ أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيها نوع من البدعة ؛ لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية ـ نفاة الصفات والعلو ـ من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله / في هذا الباب، وإفساده لمذاهب نفاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيرًا وتخليصًا من شبههم لكثير من أولى الألباب، حتى صار قدوة وإماما لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها، وإن كانوا قد شركوهم في بعض أصولهم الفاسدة، التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول، ومخالفته لسنة الرسول‏.‏
وكان ممن اتبعه الحارث المحاسبي، وأبو العباس القلانسي، ثم أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسن بن مهدي الطبري، وأبو العباس الضبعي، وأبو سليمان الدمشقي،وأبو حاتم البستي، وغير هؤلاء المثبتين للصفات المنتسبين إلى السنة والحديث، المتلقبين بنظار أهل الحديث‏.‏
وسلك طريقة ابن كُلاب ـ في الفرق بين ‏[‏الصفات اللازمة‏]‏ كالحياة و ‏[‏الصفات الاختيارية‏]‏ وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني-كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل ـ التي ذكر أنها عقيدة أحمد ـ اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد‏.‏
وكذلك سلك طريقة ابن كلاب هذه أبو الحسن بن سالم وأتباعه / ‏[‏السالمية‏]‏، والقاضي أبو يعلى وأتباعه، كابن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني، وهي طريقة أبي المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم، لكنهم افترقوا في القرآن، وفي بعض المسائل على قولين ـ بعد اشتراكهم في الفرق الذي قرره ابن كلاب ـ كما قد بسط كلام هؤلاء في مواضع أخر‏.‏
والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب، ويحذرون عن أصحابه، وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية‏.‏
ولما ظهر هؤلاء ظهر حينئذ من المنتسبين إلى إثبات الصفات من يقول‏:‏ إن الله لم يتكلم بصوت، فأنكر أحمد ذلك، وجَهَّمَ من يقوله، وقال‏:‏ هؤلاء الزنادقة إنما يدورون على التعطيل، وروى الآثار في أن الله يتكلم بصوت، وكذلك أنكر على من يقول‏:‏ إن الحروف مخلوقة، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب ‏[‏السنة‏]‏ ‏:‏ قلت لأبي ‏:‏ إن هاهنا من يقول‏:‏ إن الله لا يتكلم بصوت، فقال‏:‏ يابني، هؤلاء جهمية زنادقة، إنما يدورون على التعطيل ‏.‏ وذكر الآثار في خلاف قولهم‏.‏
/وكذلك البخاري صاحب ‏[‏الصحيح‏]‏ وسائر الأئمة، أنكروا ذلك أيضًا، وروى البخاري في آخر ‏[‏الصحيح‏]‏، وفي كتاب ‏[‏خلق الأفعال‏]‏ ما جاء في ذلك من الآثار، وبين الفرق بين صوت الله الذي يتكلم به وبين أصوات العباد بالقرآن؛ موافقة منه للإمام أحمد وغيره من الأئمة، حيث بين أن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الآثار، وأن ذلك ليس صوت العبد بالقراءة، بل ذلك هو صوت العبد، كما قد نص على ذلك كله في مواضع، وعامة أئمة السنة والحديث على هذا الإثبات والتفريق، لا يوافقون قول من يزعم أن الكلام ليس فيه حرف ولا صوت، ولا يوافقون قول من يزعم أن الصوت المسموع من القراء وألفاظهم قديمة، ولا يقولون‏:‏ إن القرآن ليس إلا الحروف والأصوات‏.‏
وقد كتبت كلام الإمام أحمد ونصوصه، وكلام الأئمة قبله وبعده في غير هذا الموضع، فإن جواب هذه ‏[‏المسألة‏]‏ لا يحتمل البسط الكثير، ولم يكن في كلام الإمام أحمد ولا الأئمة أن الصوت الذي تكلم الله به قديم، بل يقولون‏:‏ لم يزل الله متكلمًا، وقد يقولون‏:‏ لم يزل الله متكلما إذا شاء بما شاء، كما يقول ذلك الإمام أحمد، وابن المبارك، وغيرهما‏.‏
وكذلك قد تنازع الناس في زمنهم وبعده- من أصحابهم وغيرهم ـ في معنى كون القرآن غير مخلوق، هل المراد به أن نفس الكلام قديم / أزلي كالعلم ‏؟‏ أو أن الله لم يزل موصوفًا بأنه متكلم يتكلم إذا شاء ‏؟‏ على قولين‏.‏ ذكرهما الحارث المحاسبي عن أهل السنة، وأبو بكر عبد العزيز في ‏[‏كتاب الشافي‏]‏ عن أصحاب الإمام أحمد، وذكرهما أبو عبد الله بن حامد في كتابه ‏[‏أصول الدين‏]‏‏.‏ والنزاع في ذلك بين سائر طوائف السنة والحديث، هذا مبنى على أصل ‏[‏الصفات الفعلية الاختيارية‏]‏، والنزاع فيه بين جميع الطوائف من أهل الحديث والسنة والفقه والتصوف ومن دخل معهم من أهل المذاهب الأربعة وبين سائر الفرق، حتى بين الفلاسفة أيضًا، وقد حققت ذلك في غير هذا الموضع‏.‏
وهذا منشأ نزاع الذين وافقوا السلف على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فإن هؤلاء تنازعوا في أن الرب هل يتكلم بمشيئته وقدرته‏؟‏ على قولين ‏.‏ فالذين وافقوا ابن كلاب قالوا‏:‏ إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل كلامه لازم لذاته كحياته، ثم من هؤلاء من عرف أن الحروف والأصوات لا تكون قديمة العين فلم يمكنه أن يقول ‏:‏ القديم هو الحروف والأصوات؛ لأنها لا تكون إلا متعاقبة، والصوت لا يبقى زمانين، فضلا عن أن يكون قديمًا، فقال‏:‏القديم هو معنى واحد، لامتناع معاني لا نهاية لها، وامتناع التخصيص بعدد دون عدد‏.‏ فقالوا‏:‏ هو معنى واحد، وقالوا‏:‏ إن الله لا يتكلم بالكلام العربي والعبري،وقالوا ‏:‏إن معنى التوراة والإنجيل والقرآن وسائر كلام الله معنى واحد، /ومعنى آية الكرسي وآية الدَّيْن معنى و احد‏.‏ إلى غير ذلك من اللوازم التي يقول جمهور العقلاء‏:‏إنها معلومة الفساد بضرورة العقل‏.‏ ومن هؤلاء من عرف أن الله تكلم بالقرآن العربي والتوراة العبرية، وأنه نادى موسى بصوت وينادي عباده بصوت، وأن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه؛ لكن اعتقدوا مع ذلك أنه قديم العين، وأن الله لم يتكلم بمشيئته وقدرته‏.‏ فالتزموا أنه حروف وأصوات قديمة الأعيان لم تزل ولا تزال، وقالوا‏:‏إن الباء لم تسبق السين، والسين لم تسبق الميم، وإن جميع الحروف مقترنة بعضها ببعض اقترانًا قديمًا أزليًا لم يزل ولا يزال، وقالوا‏:‏ هي مترتبة في حقيقتها وماهيتها غير مترتبة في وجودها‏.‏ وقال كثير منهم ‏:‏ إنها مع ذلك شيء واحد، إلى غيرذلك من اللوازم التي يقول جمهور العقلاء‏:‏ إنها معلومة الفساد بضرورة العقل‏.‏
ومن هؤلاء من يقول‏:‏ هو قديم، ولا يفهم معنى القديم‏.‏ فإذا سئل عن ذلك قال‏:‏ هي قديمة في العلم، ولا يعلم أن المخلوقات كالسماء والأرض بهذه المثابة مع أنها مخلوقة، ومنهم من يقول ‏:‏ قديم بمعنى أنه متقدم على غيره، ولا يعرف أن الذين قالوا‏:‏ إنه مخلوق لا ينازعون في أنه قديم بهذا المعنى، ومنهم من يقول‏:‏ إن مرادنا بأنه قديم أنه غير مخلوق، ولا يفهم أنه مع ذلك يكون أزليا لم يزل، وهؤلاء سمعوا / ممن يوافقهم على أنه غير مخلوق، قالوا‏:‏ هو قديم، فوافقوا على أنه قديم، ولم يتصوروا ما يقولونه‏.‏
كما أن من الناس من قال‏:‏ هو غير مخلوق، وأراد بذلك أنه غير مكذوب، وهذا مما لم يتنازع فيه الناس، كما لم يتنازعوا في أنه قديم بمعنى أنه متقدم على غيره‏.‏
والقول الثاني‏:‏ قول من يقول‏:‏ إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته مع أن كلامه غير مخلوق‏.‏ وهذا قول جماهير أهل السنة والنظر، وأئمة السنة والحديث، لكن من هؤلاء من اعتقد أن الله لم يكن يمكنه أن يتكلم في الأزل بمشيئته، كما لم يكن يمكنه عندهم أن يفعل في الأزل شيئًا، فالتزموا أنه تكلم بمشيئته بعد أن لم يكن متكلمًا، كما أنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا، وهذا قول كثير من أهل الكلام والحديث والسنة‏.‏
وأما السلف والأئمة فقالوا‏:‏ إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن كان مع ذلك قديم النوع ـ بمعنى أنه لم يزل متكلما إذا شاء؛ فإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يكون متكلمًا بمشيئته وقدرته، ومن لا يزال متكلما بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلام ممكنا له بعد أن يكون ممتنعًا منه، أو قدر أن ذلك ممكن، فكيف إذا / كان ممتنعًا‏؟‏ لامتناع أن يصير الرب قادرًا بعد أن لم يكن، وأن يكون التكلم والفعل ممكنا بعد أن كان غير ممكن ‏؟‏ كما قد بسط هذا في مواضع أخر‏.‏
وكانت ‏[‏اللفظية الخلقية‏]‏ من أهل الحديث يقولون‏:‏ نقول‏:‏ إن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإن التلاوة غير المتلو‏.‏ والقراءة غير المقروء‏.‏ و ‏[‏اللفظية المثبتة‏]‏ يقولون‏:‏ نقول‏:‏ إن ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة، والتلاوة هي المتلو، والقراءة هي المقروء‏.‏
وأما المنصوص الصريح عن الإمام أحمد، وأعيان أصحابه، وسائر أئمة السنة والحديث، فلا يقولون‏:‏ مخلوقة ولا غير مخلوقة، ولا يقولون‏:‏ التلاوة هي المتلو مطلقًا، ولا غير المتلو مطلقًا كما لا يقولون‏:‏ الاسم هو المسمى، ولا غير المسمى‏.‏
وذلك أن ‏[‏التلاوة والقراءة‏]‏ كاللفظ قد يراد به مصدر تلى يتلو تلاوة، وقرأ يقرأ قراءة، ولفظ يلفظ لفظًا، ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته، وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة‏.‏ واللفظ مخلوق، وليس ذلك هو القول المسموع الذي هو المتلو‏.‏ وقد يراد باللفظ الملفوظ، وبالتلاوة المتلو، وبالقراءة المقروء، وهو القول المسموع، وذلك هو المتلو، ومعلوم أن القرآن المتلو الذي يتلوه العبد، ويلفظ / به غير مخلوق، وقد يراد بذلك مجموع الأمرين، فلا يجوز إطلاق الخلق على الجميع ولا نفي الخلق عن الجميع‏.‏
وصار ابن كلاب يريد بالتلاوة القرآن العربي، وبالمتلو المعنى القائم بالذات، وهؤلاء إذا قالوا‏:‏ التلاوة غير المتلو، وهي مخلوقة، كان مرادهم أن الله لم يتكلم بالقرآن العربي، بل عندهم أن القرآن العربي مخلوق‏.‏ وهذا لم يقله أحد من أئمة السنة والحديث‏.‏ ويظن هؤلاء أنهم يوافقون البخاري أو غيره ممن قد يفرق بين التلاوة والمتلو، وليس الأمر كذلك‏.‏
ومن الآخرين من يقول‏:‏ ‏[‏التلاوة‏]‏ هي المتلو، ويريد بذلك أن نفس ما تكلم الله به من الحروف والأصوات هو الأصوات المسموعة من القراء، حتى يجعل الصوت المسموع من العبد هو صوت الرب، و هؤلاء يقولون‏:‏ نفس صوت المخلوق وصفته هي عين صفة الخالق، وهؤلاء ‏[‏اتحادية، حلولية في الصفات‏]‏ يشبهون النصارى من بعض الوجوه، وهذا لم يقله أحد من أئمة السنة‏.‏
ويظن هؤلاء أنهم يوافقون أحمد وإسحاق وغيرهما، ممن ينكر على ‏[‏اللفظية‏]‏، وليس الأمر كذلك ؛ فلهذا كان المنصوص عن الإمام أحمد وأئمة السنة والحديث أنه لا يقال‏:‏ ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، ولا غير / مخلوقة، ولا أن التلاوة هي المتلو مطلقًا، ولا غير المتلو مطلقًا ؛ فإن اسم القول والكلام قد يتناول هذا وهذا؛ ولهذا يجعل الكلام قسيما للعمل ليس قسمًا منه في مثل قوله تعالى‏:‏‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏10‏]‏، وقد يجعل قسما منه كما في قوله‏:‏ ‏{‏فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏92، 93‏]‏،
قال طائفة من السلف‏:‏ عن قول لا إله إلا الله، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏لاحسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فقال رجل‏:‏ لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏؛ ولهذا تنازع أصحاب أحمد فيمن حلف ‏:‏لا يعمل اليوم عملا، هل يحنث بالكلام‏؟‏ على قولين‏.‏ ذكرهما القاضي أبو يعلى وغيره‏.‏
ولم تكن ‏[‏اللفظية الخلقية‏]‏ ينكرون كون القرآن كلام الله، حروفه ومعانيه، وأن الله يتكلم بصوت، بل قد يقولون‏:‏ القرآن كله كلام الله، حروفه ومعانيه؛ فإن الله يتكلم بصوت، كما نص عليه أحمد والبخاري وغيرهما من الأئمة، وكما جاءت به الآثار، ولكن يقولون‏:‏ المنزل إلى الأرض من الحروف والمعاني ليس هو نفس كلام الله الذي ليس بمخلوق، بل ربما سموها حكاية عن كلام الله، كما يقوله ابن كلاب، أو عبارة عن كلام الله كما يقوله الأشعري، وربما سموها كلام الله؛ لأن المعنى مفهوم عندهم‏.‏
/ ولكن لما حدث أبو محمد بن كلاب وناظر المعتزلة بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولا ـ هم واضعوها؛ من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام ‏[‏الصفات الاختيارية‏]‏ بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك؛ لأن ذلك يستلزم أنه لم يخل من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث، فهو حادث ـ اضطره ذلك إلى أن يقول‏:‏ ليس كلام الله إلا مجرد المعنى، وأن الحروف ليست من كلام الله، وتابعه على ذلك أبو الحسن الأشعري؛ وإن تنازعا في أن الرب كان في الأزل آمرًا ناهيا، أو صار آمرًا ناهيا بعد أن لم يكن، وفي أن ‏[‏الكلام‏]‏ هل هو صفة واحدة كما يقوله الأشعري، أو خمس صفات كما يقوله ابن كلاب‏.‏
وصار هؤلاء مخالفين لأئمة السنة والحديث في شيئين‏:‏
أحدهما ‏:‏ أن نصف القرآن من كلام الله، والنصف الآخر ليس كلام الله عندهم، بل خلقه الله في الهواء، أو في اللوح المحفوظ، أو أحدثه جبريل، أو محمد صلى الله عليه وسلم ‏.‏ وهؤلاء في كونهم جعلوا نصف القرآن مخلوقًا موافقين لمن قال بخلقه، لكن هؤلاء يقولون‏:‏ إن هذا النصف المخلوق كلام الله، وأولئك يقولون‏:‏ هو مخلوق منفصل عن الله، وهو كلامه، لكن أولئك لا يجعلون لله كلامًا متصلا به قائمًا بنفسه، ولا معاني ولا حروفًا‏.‏ وهؤلاء يقولون‏:‏ لله كلام قائم به / متصل به هو معنى‏.‏ فصار أولئك أشد بدعة في نفيهم حقيقة الكلام عن الله، وفي جعلهم كلام الله مخلوقا‏.‏ وهؤلاء أشد بدعة في إخراجهم ما هو من كلام الله عن أن يكون من كلام الله، وصاروا في هذا موافقين الوحيد ‏[‏هو الوليد بن المغيرة، المقصود في قوله تعالى‏:‏‏{‏ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا‏}‏‏]‏ في بعض قوله لا في كله، وهو قولهم ‏:‏ إن نصف القرآن ليس قول الله، بل قول البشر‏.‏
وربما استدل بعضهم بأنه مضاف إلى الرسول فيكون هو أحدث حروفه،ولم يتأمل هذا القائل فيرى أنه أضافه تارة إلى رسول هو جبريل، وتارة إلى رسول هو محمد، بقوله في الآية الأولى‏:‏‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏19ـ 21‏]‏،
فهذا جبريل، وقال في الآية الأخرى‏:‏‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏40‏:‏ 42‏]‏ وهذا محمد، فلو كانت إضافته إليه لأنه ابتدأ
حروفه وأحدثها لم يصلح أن يضاف إلى كل منهما؛ لامتناع أن يكون كل منهما هو أحدث حروفه؛ ولأنه قال‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ‏}‏ وهذا إخبار عن القرآن الذي هو بالمعنى أحق عندهم وعند أهل السنة أيضًا، فلو كان الرسول ابتدأه لكان القرآن من عنده لا من عند الله، وإنما أضافه الله إلى الرسول لأنه بلغه وأداه وجاء به من عند الله ؛ ولهذا قال ‏:‏ ‏{‏لَقَوْلُ رَسُولٍ‏}‏ ولم يقل ‏:‏ لقول ملك ولا نبي، بل جاء باسم الرسول ليتبين / أنه واسطة فيه وسفير، والكلام كلام لمن اتصف به مبتدئا منشئًا، لا لمن تكلم به مبلغًا مؤديًا، كما يقال مثل ذلك في جميع كلام الناس فكيف بكلام الله ‏؟‏‏!‏ وهذا على القول المشهور في التفسير المطابق لظاهر القرآن ‏:‏ أن الرسول في أحد الموضعين محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الآخر جبريل ـ عليه السلام‏.‏
وأما على قول طائفة جعلته في الموضعين جبريل، فيكون الجواب هو الثاني، والإثبات في الحقيقة حجة لمن يقول‏:‏ إنما يتكلم بكلام الله ويقول قوله؛ لأنه جعل الرسول يقول قول الله الذي أرسله به، والمعنى يراد من هذا قطعًا، كما أريد منه اللفظ أيضًا‏.‏
وأيضًا، فإن هؤلاء جعلوا الكلام الذي يتصف الله به معنى واحدًا، وهو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وأنه إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن، وإن عبر عنه بالعبرية كان هو التوراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان هو الإنجيل، وهذا مما أجمع جمهور العقلاء على أن فساده معلوم بالضرورة‏.‏
والمعنى الثاني ـ الذي خالفوا فيه أهل السنة والجماعة ـ قولهم ‏:‏ إن القرآن المنزل إلى الأرض ليس هو كلام الله لا حروفه ولا معانيه، بل هو مخلوق عندهم‏.‏ ويقولون‏:‏ هو عبارة عن المعنى القائم بالنفس؛ لأن/ العبارة لا تشبه المعبر عنه،بخلاف الحكاية والمحكي، وهذا فيه من زيادة البدع ما لم يكن في قول ‏[‏اللفظية‏]‏ من أهل الحديث، الذين أنكر عليهم أئمة السنة وقالوا‏:‏ هم جهمية ؛ إذ جعلوا الحروف من إحداث الرسول، وليست مما تكلم الله به بحال، وقالوا ‏:‏ إنه ليس لله في الأرض كلام، ولم يكن ـ أيضًا ـ في ‏[‏اللفظية‏]‏ القدماء، الذين يقولون ‏:‏ لفظنا بالقرآن غير مخلوق، من يقول‏:‏ إن صوت العبد غير مخلوق،أو أن الصوت القديم يسمع من العبد، أو أن هذا الصوت صوت الله، أو يسمع معه صوت الله، وإنما أحدث هذا ـ أيضًا ـ المتطرفون منهم، كما أحدث المتطرفون من أولئك أن حروف القرآن ليست كلام الله، فإن هاتين البدعتين الشنيعتين لم تكونا بَعْدُ ظهرتا في أولئك المنحرفين، الذين أنكر الإمام أحمد وغيره قولهم من الطائفتين، وأن القرآن ليس إلا مجرد معنى قائم بالنفس، وذلك المعنى إليه يعود كلام الله من التوراة والإنجيل والقرآن‏.‏
والأخرى قد رأت حروف القرآن من كلام الله، وأن القرآن كلام الله، حروفه ومعانيه، وأن المعنى الواحد يمتنع أن يكون هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وأنه يمتنع أن يكون مدلول التوراة والإنجيل والقرآن واحدًا، وعلموا أنا إذا ترجمنا التوراة بالعربية لم يصر معناها معنى القرآن، وأن هذه الأقوال معلومة الفساد / بالضرورة، عارضها بعضها، لأن القرآن حرف وصوت، واعتقد بعضهم أنه ليس القرآن والكلام إلا مجرد الحروف والأصوات، وأولئك يقولون‏:‏ ليس الكلام إلا مجرد المعنى القائم بالنفس‏.‏
وكلا هذين السلبين الجحودين الحادثين خلاف ما كان عليه الأئمة، كالإمام أحمد وغيره من الأئمة، وأعيان العلماء من سائر الطوائف ‏.‏ فإن الكلام عندهم اسم للحروف والمعاني جميعًا، كما أن ‏[‏الإنسان‏]‏ الناطق المتكلم اسم للجسد والروح جميعًا، ومن قال‏:‏ إن الإنسان ليس إلا هذه الجملة المشاهدة فهو بمنزلة من قال‏:‏ ليس الكلام إلا الأصوات المقطعة، ومن قال‏:‏ إن الإنسان ليس إلا لطيفة وراء هذا الجسد، فهو بمنزلة من قال‏:‏ إن الكلام ليس إلا معنى وراء هذه الحروف والأصوات، وكلاهما جحد لبعض حقائق مسميات الأسماء، وإنكار لحدود ما أنزل الله على رسوله‏.

عدد المشاهدات *:
361125
عدد مرات التنزيل *:
250726
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : فصــل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ب ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  فصــل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ب ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصــل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ب ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1