اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 17 شوال 1445 هجرية
???? ???????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????????????????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

خيركم

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثالث عشر
كتــــاب الفرقان بين الحق والباطل
فَصْــــل في الفرقان بين الحق والباطل
فَصْـــل إذا عرف تفسير القرآن والحديث من جهة النبي فلا يحتاج إلى أقوال أهل اللغة ـ ب ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

وذلك أن أصل أهل السنة‏:‏ أن الإيمان يتفاضل من وجهين‏:‏ من جهة أمر الرب، ومن جهة فعل العبد‏.‏
أما الأول‏:‏ فإنه ليس الإيمان الذي أمر به شخص من المؤمنين هو الإيمان الذي أمر به كل شخص، فإن المسلمين في أول الأمر كانوا مأمورين بمقدار من الإيمان، ثم بعد ذلك أمروا بغير ذلك، وأمروا بترك ما كانوا مأمورين به كالقبلة، فكان من الإيمان في أول الأمر الإيمان بوجوب استقبال بيت المقدس، ثم صار من الإيمان تحريم استقباله ووجوب استقبال الكعبة، فقد تنوع الإيمان في الشريعة الواحدة‏.‏
وأيضًا، فمن وجب عليه الحج والزكاة أو الجهاد يجب عليه من الإيمان أن يعلم ما أمر به ويؤمن بأن اللّه أوجب عليه ما لا يجب على غيره إلا مجملاً، وهذا يجب عليه فيه الإيمان المفصل، وكذلك الرجل أول ما يسلم إنما يجب عليه الإقرار المجمل، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها ويؤديها، فلم يتساو الناس فيما أمروا به من الإيمان، وهذا من أصول غلط المرجئة؛ فإنهم ظنوا أنه شيء واحد وأنه يستوى فيه جميع المكلفين، فقالوا‏:‏ إيمان الملائكة والأنبياء وأفسق الناس سواء؛ كما أنه إذا تلفظ الفاسق بالشهادتين أو قرأ فاتحة الكتاب كان لفظه كلفظ غيره من الناس‏.‏
فيقال لهم‏:‏ قد تبين أن الإيمان الذي أوجبه اللّه على عباده يتنوع ويتفاضل ويتباينون فيه تباينًا عظيمًا، فيجب على الملائكة من الإيمان ما لا يجب على البشر، ويجب على الأنبياء من الإيمان ما لا يجب على غيرهم،ويجب على العلماء ما لا يجب على غيرهم، ويجب على الأمراء ما لا يجب على غيرهم، وليس المراد أنه يجب عليهم من العمل فقط، بل ومن التصديق والإقرار‏.‏
فإن الناس ـ وإن كان يجب عليهم الإقرار المجمل بكل ما جاء به الرسول ـ فأكثرهم لا يعرفون تفصيل كل ما أخبر به، وما لم يعلموه كيف يؤمرون بالإقرار به مفصلاً، وما لم يؤمر به العبد من الأعمال لا يجب عليه معرفته ومعرفة الأمر به، فمن أمر بحج وجب عليه معرفة ما أمر به من أعمال الحج والإيمان بها، فيجب عليه من الإيمان والعمل ما لا يجب على غيره، وكذلك من أمر بالزكاة يجب عليه معرفة ما أمر اللّه به من الزكاة، ومن الإيمان بذلك والعمل به ما لا يجب على غيره، فيجب عليه من العلم والإيمان والعمل مالا يجب على غيره إذا جعل العلم والعمل ليسا من الإيمان،وإن جعل جميع ذلك داخلا في مسمى الإيمان كان أبلغ، فبكل حال قد وجب عليه من الإيمان ما لا يجب على غيره‏.‏
ولهذا كان من الناس من قد يؤمن بالرسول مجملاً، فإذا جاءت أمور أخرى لم يؤمن بها فيصير منافقًا مثل طائفة نافقت لما حولت القبلة إلى الكعبة، وطائفة نافقت لما انهزم المسلمون يوم أحد، ونحو ذلك‏.‏
ولهذا وصف اللّه المنافقين في القرآن بأنهم آمنوا ثم كفروا، كما ذكر ذلك في سورة المنافقين، وذكر مثل ذلك في سورة البقرة، فقال‏:‏‏{‏مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏17، 18‏]‏، وقال طائفة من السلف عرفوا ثم أنكروا وأبصروا ثم عموا‏.‏
فمن هؤلاء من كان يؤمن أولاً إيمانًا مجملاً، ثم يأتي أمورًا لا يؤمن بها فينافق في الباطن، وما يمكنه إظهار الردة بل يتكلم بالنفاق مع خاصته، وهذا كما ذكر اللّه عنهم في الجهاد فقال‏:‏‏{‏فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏20، 21‏]‏‏.‏
وبالجملة، فلا يمكن المنازعة أن الإيمان الذي أوجبه الله يتباين فيه أحوال الناس، ويتفاضلون في إيمانهم ودينهم بحسب ذلك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء‏:‏ ‏(‏ناقصات عقل ودين‏)‏ وقال في نقصان دينهن‏:‏‏(‏إنها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي‏)‏، وهذا مما أمر الله به، فليس هذا النقص دينا لها تعاقب عليه، لكن هو نقص، حيث لم تؤمر بالعبادة في هذا الحال، والرجل كامل حيث أمر بالعبادة في كل حال، فدل ذلك على أن من أمر بطاعة يفعلها كان أفضل ممن لم يؤمر بها وإن لم يكن عاصيًا، فهذا أفضل دينًا وإيمانًا، وهذا المفضول ليس بمعاقب ومذموم، فهذه زيادة كزيادة الإيمان بالتطوعات، لكن هذه زيادة بواجب في حق شخص، وليس بواجب في حق شخص غيره، فهذه الزيادة لو تركها بهذا لا يستحق العقاب بتركها، وذاك لا يستحق العقاب بتركها، ولكن إيمان ذلك أكمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‏)‏‏.‏
فهذا يبين تفاضل الإيمان في نفس الأمر به، وفي نفس الأخبار التي يجب التصديق بها‏.‏
والنوع الثاني‏:‏ هو تفاضل الناس في الإتيان به مع استوائهم في الواجب، وهذا هو الذي يظن أنه محل النزاع وكلاهما محل النزاع‏.‏ وهذا أيضًا يتفاضلون فيه، فليس إيمان السارق والزاني والشارب كإيمان غيرهم، ولا إيمان من أدى الواجبات كإيمان من أخل ببعضها، كما أنه ليس دين هذا وبره وتقواه مثل دين هذا وبره وتقواه، بل هذا أفضل دينًا وبرًا وتقوى، فهو كذلك أفضل إيمانًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‏)‏، وقد يجتمع في العبد إيمان ونفاق، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أربع من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلَة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعَها‏:‏ إذا حَدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر‏)‏‏.‏
وأصل هؤلاء‏:‏ أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل، بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع العباد فيما أوجبه الرب من الإيمان، وفيما يفعله العبد من الأعمال، فغلطوا في هذا وهذا ثم تفرقوا، كما تقدم‏.‏
وصارت المرجئة على ثلاثة أقوال‏:‏ فعلماؤهم وأئمتهم أحسنهم قولا؛ وهو أن قالوا‏:‏ الإيمان تصديق القلب وقول اللسان‏.‏
وقالت الجهمية‏:‏ هو تصديق القلب فقط‏.‏
وقالت الكرامية‏:‏هو القول فقط، فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقرًا بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذبًا بقلبه كان منافقًا مؤمنا من أهل النار‏.‏ وهذا القول هو الذي اختصت به الكرامية وابتدعته، ولم يسبقها أحد إلى هذا القول، وهو آخر ما أحدث من الأقوال في الإيمان‏.‏ وبعض الناس يحكي عنهم أن من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون‏:‏ إنه مؤمن كامل الإيمان، وأنه من أهل النار، فيلزمهم أن يكون المؤمن الكامل الإيمان معذبًا في النار، بل يكون مخلدًا فيها‏.‏ وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‏:‏ ‏(‏يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان‏)‏‏.‏
وإن قالوا‏:‏ لا يخلد وهو منافق، لزمهم أن يكون المنافقون يخرجون من النار، والمنافقون قد قال اللّه فيهم‏:‏‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏145‏]‏،وقد نهى اللّه نبيه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم،وقال له‏:‏ ‏{‏اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏80‏]‏،وقال‏:‏‏{‏وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏84‏]‏، وقد أخبر أنهم كفروا باللّه ورسوله‏.‏
فإن قالوا‏:‏ هؤلاء قد كانوا يتكلمون بألسنتهم سرًا فكفروا بذلك، وإنما يكون مؤمنا إذا تكلم بلسانه ولم يتكلم بما ينقضه، فإن ذلك ردة عن الإيمان، قيل لهم‏:‏ ولو أضمروا النفاق ولم يتكلموا به كانوا منافقين، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏64‏]‏‏.‏
وأيضًا، قد أخبر اللّه عنهم أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وأنهم كاذبون، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏8‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏1‏]‏‏.‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإسلام علانية، والإيمان في القلب‏)‏، وقد قال اللّه تعالى‏:‏‏{‏ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏14‏]‏، وفي الصحيحين عن سعد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه، أعطيت فلانًا وفلانًا، وتركت فلانًا وهو مؤمن‏؟‏ فقال‏:‏‏(‏أو مسلم‏)‏ مرتين أو ثلاثًا‏.‏ وبسط الكلام في هذا له مواضع أخر، وقد صنفت في ذلك مجلدًا غير ما صنفت فيه غير ذلك‏.‏
وكلام الناس في هذا الاسم ومسماه كثير؛ لأنه قطب الدين الذي يدور عليه، وليس في القول اسم علق به السعادة والشقاء، والمدح والذم، والثواب والعقاب، أعظم من اسم الإيمان والكفر؛ ولهذا سمى هذا الأصل‏:‏‏(‏مسائل الأسماء والأحكام‏)‏، وقد رأيت لابن الهيصم فيه مصنفًا في أنه قول اللسان فقط، ورأيت لابن الباقلاني فيه مصنفًا أنه تصديق القلب فقط، وكلاهما في عصر واحد، وكلاهما يرد على المعتزلة والرافضة‏.‏
والمقصود هنا أن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان‏.‏ فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف صار أهل التفرق والاختلاف شيعًا‏.‏ صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه؛ فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى؛ إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن؛ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها‏.‏
ولهـذا قـال كثير منهم ـ كأبي الحسين البصري ومـن تبعه كالرازي والآمـدي وابـن الحاجب ـ‏:‏ إن الأمة إذا اختلفت في تأويل الآية على قولين، جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين‏.‏ فجوزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث، وأن يكون اللّه أنزل الآية وأراد بها معنىً لم يفهمه الصحابة والتابعون، ولكن قالوا‏:‏ إن اللّه أراد معنى آخر، وهم لو تصوروا هذه المقالة لم يقولوا هذا؛ فإن أصلهم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يقولون قولين كلاهما خطأ والصواب قول ثالث لم يقولوه، لكن قد اعتادوا أن يتأولوا ما خالفهم، والتأويل عندهم مقصوده بيان احتمال في لفظ الآية بجواز أن يراد ذلك المعنى بذلك اللفظ، ولم يستشعروا أن المتأول هو مبين لمراد الآية، مخبر عن اللّه تعالى أنه أراد هذا المعنى إذا حملها على معنى‏.‏
وكذلك إذا قالوا‏:‏ يجوز أن يراد بها هذا المعنى، والأمة قبلهم لم يقولوا‏:‏ أريد بها إلا هذا أو هذا، فقد جوزوا أن يكون ما أراده اللّه لم يخبر به الأمة، وأخبرت أن مراده غير ما أراده، لكن الذي قاله هؤلاء يتمشى إذا كان التأويل أنه يجوز أن يراد هذا المعنى مـن غير حكم بأنه مراد، وتكون الأمة قبلهم كلها كانت جاهلة بمراد اللّه، ضالة عن معرفته، وانقرض عصر الصحابة والتابعين وهم لم يعلموا معنى الآية، ولكن طائفة قالت‏:‏ يجوز أن يريد هذا المعنى، وطائفة قالت‏:‏ يجوز أن يريد هذا المعنى، وليس فيهم من علم المراد‏.‏ فجاء الثالث وقال‏:‏ هاهنا معنى يجوز أن يكون هو المراد‏.‏ فإذا كانت الأمة من الجهل بمعاني القرآن والضلال عن مراد الرب بهذه الحال توجه ما قالوه، وبسط هذا له موضع آخر‏.‏
والمقصود أن كثيرًا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم لا على القرآن، ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول، بخلاف السلف؛ فلهذا كان السلف أكمل علمًا وإيمانًا، وخطؤهم أخف، وصوابهم أكثر كما قدمناه‏.‏
وكان الأصل الذي أسسوه هو ما أمرهم اللّه به في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏[‏الحجرات‏:‏1‏]‏، فإن هذا أمر للمؤمنين بما وصف به الملائكة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏26 ـ 29‏]‏، فوصفهم ـ سبحانه ـ بأنهم لا يسبقونه بالقول، وأنهم بأمره يعملون،فلا يخبرون عن شىء من صفاته ولا غير صفاته إلا بعد أن يخبر ـ سبحانه ـ بما يخبر به؛ فيكون خبرهم وقولهم تبعًا لخبره وقوله،كما قال‏:‏ ‏{‏لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ‏}‏ وأعمالهم تابعة لأمره، فلا يعملون إلا مـا أمرهـم هـو أن يعملوا به، فهم مطيعون لأمـره ـ سبحانه ـ‏.‏
وقد وصف - سبحانه- بذلك ملائكة النار، فقال‏:‏ ‏{‏قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏6‏]‏، وقد ظن بعضهم أن هذا توكيل، وقال بعضهم‏:‏ بل لا يعصونه في الماضي، ويفعلون ما أمروا به في المستقبل‏.‏ وأحسن من هذا وهذا أن العاصي هو الممتنع من طاعة الأمر مع قدرته على الامتثال، فلو لم يفعل ما أمر به لعجزه لم يكن عاصيًا، فإذا قال‏:‏ ‏{‏لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ‏}‏ لم يكن في هذا بيان أنهم يفعلون ما يؤمرون، فإن العاجز ليس بِعاصٍ ولا فاعل لما أمر به، وقال‏:‏ ‏{‏وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ ليبين أنهم قادرون على فعل ما أمروا به، فهم لا يتركونه لا عجزًا ولا معصية‏.‏ والمأمور إنما يترك ما أمر به لأحد هذين، إما ألا يكون قادرًا، وإما أن يكون عاصيًا لا يريد الطاعة، فإذا كان مطيعًا يريد طاعة الآمر وهو قادر، وجب وجود فعل ما أمر به، فكذلك الملائكة المذكورون لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‏.‏
وقد وصف الملائكة بأنهم ‏{‏عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏
فالملائكة مصدقون بخبر ربهم، مطيعون لأمره، ولا يخبرون حتي يخبر، ولا يعملون حتى يأمـر، كمـا قـال تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ‏}‏، وقد أمر اللّه المؤمنين أن يكونوا مع اللّه ورسوله كذلك، فإن البشر لم يسمعوا كلام الله منه، بل بينهم وبينه رسول من البشر، فعليهم ألا يقولوا حتى يقول الرسول ما بلغهم عن اللّّه، ولا يعملون إلا بما أمرهم به، كما قال تعالى‏:‏‏{‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏1‏]‏‏.‏
قال مجاهد‏:‏ لا تفتاتوا عليه بشيء حتى يقضيه اللّه على لسانه،‏{‏تُقَدِّمُوا‏}‏ معناه‏:‏ تتقدموا، وهو فعل لازم، وقد قرئ ‏{‏تُقَدِّمُوا‏}‏، يقال‏:‏ قدم وتقدم، كما يقال‏:‏ بين وتبين، وقد يستعمل قدم متعديًا، أي قدم غيره، لكن هنا هو فعل لازم، فلا تقدموا معناه‏:‏ لا تتقدموا بين يدي اللّه ورسوله‏.‏
فعلى كل مؤمن ألا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعًا لما جاء به الرسول، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعًا لقوله، وعلمه تبعًا لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينًا غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شىء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله اللّه والرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة‏.‏ وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على ما رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضًا أو حرفوها تأويلا‏.‏
فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة، وأهل النفاق والبدعة، وإن كان هؤلاء لهم من الإيمان نصيب وافر من اتباع السنة، لكن فيهم من النفاق والبدعة بحسب ما تقدموا فيه بين يدي اللّه ورسوله، وخالفوا اللّه ورسوله، ثم إن لم يعلموا أن ذلك يخالف الرسول، ولو علموا لما قالوه لم يكونوا منافقين، بل ناقصى الإيمان مبتدعين، وخطؤهم مغفور لهم لا يعاقبون عليه وإن نقصوا به‏.

عدد المشاهدات *:
361190
عدد مرات التنزيل *:
250736
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : فَصْـــل إذا عرف تفسير القرآن والحديث من جهة النبي فلا يحتاج إلى أقوال أهل اللغة ـ ب ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  فَصْـــل إذا عرف تفسير القرآن والحديث من جهة النبي فلا يحتاج إلى أقوال أهل اللغة ـ ب ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فَصْـــل إذا عرف تفسير القرآن والحديث من جهة النبي فلا يحتاج إلى أقوال أهل اللغة ـ ب ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1