اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الثلاثاء 15 شوال 1445 هجرية
??? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ??????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ???????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

ما دام

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثالث عشر
كتــــاب الفرقان بين الحق والباطل
فَصْـــل فيمن خالف ما جاء به النبي النبي صلى الله عليه وسلم
فَصْـــل فيمن خالف ما جاء به النبي النبي صلى الله عليه وسلم ـ تتمة ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

والجن مكلفون كتكليف الإنس، ومحمد صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الثقلين الجن والإنس، وكفار الجن يدخلون النار بالنصوص وإجماع المسلمين‏.‏
وأما مؤمنوهم، ففيهم قولان، وأكثر العلماء على أنهم يثابون ـ أيضًا ـ ويدخلون الجنة، وقد روى أنهم يكونون في ربضها يراهم الإنس من حيث لا يرون الإنس عكس الحال في الدنيا، وهو حديث رواه الطبراني في معجمه الصغير يحتاج إلى النظر في إسناده‏.‏
وقد احتج ابن أبي ليلى وأبو يوسف على ذلك بقوله تعالى‏:‏‏{‏وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏132‏]‏، وقد ذكر الجن والإنس‏:‏ الأبرار والفجار في الأحقاف والأنعام‏.‏ واحتج الأوزاعي وغيره بقوله تعالى‏:‏‏{‏لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏74‏]‏، وقد قال تعالى في الأحقاف‏:‏‏{‏أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا‏}‏ ‏[‏ الآيتان‏:‏ 18،19‏]‏،وقد تقدم قبل هذا ذكر أهل الجنة، وقوله‏:‏ ‏{‏أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏16‏]‏، ثم قال‏:‏‏{‏وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏‏.‏قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ درجات أهل الجنة تذهب علوًا ودرجات أهل النار تذهب سفلا، وقد قال تعالى عن قول الجن‏:‏‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا‏}‏ ‏[‏ الجـن‏:‏ 11‏]‏، وقـالوا‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا‏}‏‏[‏الجن‏:‏14، 15‏]‏، ففيهم الكفار والفساق والعصاة، وفيهم من فيه عبادة ودين بنوع من قلة العلم كما في الإنس، وكل نوع من الجن يميل إلى نظيره من الإنس، فاليهود مع اليهود، والنصارى مع النصارى، والمسلمون مع المسلمين، والفساق مع الفساق، وأهل الجهل والبدع مع أهل الجهل والبدع‏.‏
واستخدام الإنس لهم مثل استخدام الإنس للإنس بشيء، منهم من يستخدمهم في المحرمات من الفواحش، والظلم، والشرك، والقول على اللّه بلا علم، وقد يظنون ذلك من كرامات الصالحين، وإنما هو من أفعال الشياطين‏.‏
ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة،إما إحضار ماله،أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم،أو دفع من يؤذيه ونحو ذلك،فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك‏.‏
والنوع الثالث‏:‏ أن يستعملهم في طاعة اللّه ورسوله، كما يستعمل الإنس في مثل ذلك، فيأمرهم بما أمر اللّه به ورسوله، وينهاهم عما نهاهم اللّه عنه ورسوله كما يأمر الإنس وينهاهم، وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم وحال من اتبعه واقتدى به من أمته، وهم أفضل الخلق، فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم اللّه به ورسوله، وينهون الإنس والجن عما نهاهم اللّه عنه ورسوله؛ إذ كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثًا بذلك إلى الثقلين الإنس والجن، وقد قال اللّه له‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏108‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏31‏]‏‏.‏
وعمر ـ رضي اللّه عنه ـ لما نادى‏:‏ يا سارية، الجبل، قال‏:‏ إن للّه جنودًا يبلغون صوتي، وجنود اللّه هم من الملائكة ومن صالحي الجن، فجنود اللّه بلغوا صوت عمر إلى سارية، وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة، وهذا كالرجل يدعو آخر وهو بعيد عنه، فيقول‏:‏ يا فلان، فيعان على ذلك فيقول الواسطة بينهما‏:‏ يا فلان، وقد يقول لمن هو بعيد عنه‏:‏ يا فلان، احبس الماء، تعال إلينا، وهو لا يسمع صوته، فيناديه الواسطة بمثل ذلك‏:‏ يا فلان، احبس الماء، أرسل الماء، إما بمثل صوت الأول إن كان لا يقبل إلا صوته، وإلا فلا يضر بأي صوت كان، إذا عرف أن صاحبه قد ناداه‏.‏
وهذه حكاية‏:‏ كان عمر مرة قد أرسل جيشًا، فجاء شخص وأخبر أهل المدينة بانتصار الجيش وشاع الخبر، فقال عمر‏:‏ من أين لكم هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ شخص صفته كيت وكيت فأخبرنا، فقال عمر‏:‏ ذاك أبو الهيثم بريد الجن، وسيجىء بريد الإنسان بعد ذلك بأيام‏.‏
وقد يأمر الملك بعض الناس بأمر ويستكتمه إياه فيخرج فيرى الناس يتحدثون به، فإن الجن تسمعه وتخبر به الناس، والذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان، لكن أعطى ملكًا لا ينبغي لأحد بعده، وسخرت له الإنس والجن، وهذا لم يحصل لغيره‏.‏ والنبي صلى الله عليه وسلم لما تَفَلَّتَ عليه العفريت ليقطع عليه صلاته قال‏:‏ ‏(‏فأخذته، فَذَعَتُّه حتى سال لعابه على يدي، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، ثم ذكرت دعوة أخي سليمان فأرسلته‏)‏ ‏[‏ قوله‏:‏ ‏(‏فَذَعَتُّهُ‏)‏‏:‏ أي خنقته‏]‏‏.‏ فلم يستخدم الجن أصلا، لكن دعاهم إلى الإيمان باللّه، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس‏.‏
والذي أوتيه صلى الله عليه وسلم أعظم مما أوتيه سليمان؛ فإنه استعمل الجن والإنس في عبادة اللّه وحده، وسعادتهم في الدنيا والآخرة، لا لغرض يرجع إليه إلا ابتغاء وجه اللّه وطلب مرضاته، واختار أن يكون عبدًا رسولا على أن يكون نبيًا ملكا، فداود وسليمان ويوسف أنبياء ملوك، وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد رسل عبيد، فهو أفضل، كفضل السابقين المقربين على الأبرار أصحاب اليمين‏.‏ وكثير ممن يرى هذه العجائب الخارقة يعتقد أنها من كرامات الأولياء، وكثير من أهل الكلام والعلم لم يعرفوا الفرق بين الأنبياء والصالحين في الآيات الخارقة وما لأولياء الشيطان من ذلك ـ من السحرة والكهان والكفار من المشركين وأهل الكتاب، وأهل البدع والضلال من الداخلين في الإسلام ـ فجعلوا الخوارق جنسًا واحدًا، وقالوا‏:‏ كلها يمكن أن تكون معجزة إذا اقترنت بدعوى النبوة والاستدلال بها والتحدي بمثلها‏.‏
وإذا ادعى النبوة من ليس بنبي من الكفار والسحرة فلابد أن يسلبه اللّه ما كان معه من ذلك، وأن يقيض له من يعارضه، ولو عارض واحد من هؤلاء النبي لأعجزه اللّه، فخاصة المعجزات عندهم مجرد كون المرسل إليهم لا يأتون بمثل ما أتى به النبي مما لم يكن معتادًا للناس، قالوا‏:‏ إن عجز الناس عن المعارضة خرق عادة، فهذه هي المعجزات عندهم، وهم ضاهوا سلفهم من المعتزلة الذين قالوا‏:‏ المعجزات هي خرق العادة، لكن أنكروا كرامات الصالحين، وأنكروا أن يكون السحر والكهانة إلا من جنس الشعبذة والحيل، لم يعلموا أن الشياطين تعين على ذلك، وأولئك أثبتوا الكرامات ثم زعموا أن المسلمين أجمعوا على أن هذه لا تكون إلا لرجل صالح أو نبي، قالوا‏:‏ فإذا ظهرت على يد رجل كان صالحًا بهذا الإجماع‏.‏
وهؤلاء ـ أنفسهم ـ قد ذكروا أنه يكون للسحرة ما هو مثلها، وتناقضوا في ذلك، كما قد بسط في غير هذا الموضع‏.‏
فصار كثير من الناس لا يعلمون ما للسحرة والكهان، وما يفعله الشياطين من العجائب، وظنوا أنها لا تكون إلا لرجل صالح، فصار من ظهرت هذه له يظن أنها كرامة، فيقوى قلبه بأن طريقته هي طريقة الأولياء، وكذلك غيرهم يظن فيه ذلك، ثم يقولون‏:‏ الولي إذا تولى لا يعترض عليه، فمنهم من يراه مخالفًا لما علم بالاضطرار من دين الرسول مثل‏:‏ ترك الصلاة المفروضة،وأكل الخبائث كالخمر،والحشيشة، والميتة،وغير ذلك، وفعل الفواحش، والفحش والتفحش في المنطق، وظلم الناس، وقتل النفس بغير حق، والشرك باللّه، وهو مع ذلك يظن فيه أنه ولي من أولياء اللّه قد وهبه هذه الكرامات بلا عمل، فضلا من اللّه تعالى، ولا يعلمون أن هذه من أعمال الشياطين، وأن هذه من أولياء الشياطين تضل بها الناس وتغويهم‏.‏
ودخلت الشياطين في أنواع من ذلك، فتارة يأتون الشخص في النوم، يقول أحدهم‏:‏ أنا أبو بكر الصديق، وأنا أتوِّبك لي، وأصير شيخك، وأنت تتوب الناس لي، ويلبسه فيصبح وعلى رأسه ما ألبسه، فلا يشك أن الصديق هو الذي جاءه ولا يعلم أنه الشيطان، وقد جرى مثل هذا لعدة من المشايخ بالعراق والجزيرة والشام‏.‏ وتارة يقص شعره في النوم فيصبح فيجد شعره مقصوصًا‏.‏ وتارة يقول‏:‏ أنا الشيخ فلان، فلا يشك أن الشيخ نفسه جاءه وقص شعره‏.‏
وكثيرًا ما يستغيث الرجل بشيخه الحي أو الميت، فيأتونه في صورة ذلك الشيخ، وقد يخلصونه مما يكره فلا يشك أن الشيخ نفسه جاءه،أو أن ملكًا تصور بصورته وجاءه، ولا يعلم أن ذلك الذي تمثل إنما هو الشيطان لما أشرك باللّه أضلته الشياطين،والملائكة لا تجيب مشركًا‏.‏
وتارة يأتون إلى من هو خال في البرية، وقد يكون ملكًا أو أميرًا كبيرًا، ويكون كافرًا، وقد انقطع عن أصحابه وعطش وخاف الموت، فيأتيه في صورة إنسي ويسقيه ويدعوه إلى الإسلام ويتوبه، فيسلم على يديه ويتوبه ويطعمه، ويدله على الطريق، ويقول‏:‏ من أنت‏؟‏ فيقول‏:‏ أنا فلان ويكون ‏[‏ من مؤمني الجن‏]‏‏.‏
كما جرى مثل هذا لي‏.‏ كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص‏:‏ أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين، وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولاً وكنت في الحبس، فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيًا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم؛ لما جاؤوا إلى دمشق‏:‏ كنت أدعوهم إلى الإسلام، فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك‏.‏
قال لي طائفة من الناس‏:‏ فلم لا يجوز أن يكون ملكًا‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ إن الملك لا يكذب، وهذا قد قال‏:‏ أنا ابن تيمية، وهو يعلم أنه كاذب في ذلك‏.‏
وكثير من الناس رأى من قال‏:‏ إني أنا الخضر، وإنما كان جنيًا‏.‏
ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكارًا لموت الخضر، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر، وكلا الطائفتين مخطئ، فإن الذين رأوا من قال‏:‏ إني أنا الخضر، هم كثيرون صادقون، والحكايات متواترات، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر، وإنما كان جنيًا؛ ولهذا يجري مثل هذا لليهود والنصارى، فكثيرًا ما يأتيهم في كنائسهم من يقول‏:‏ إنه الخضر، وكذلك اليهود يأتيهم في كنائسهم من يقول‏:‏ إنه الخضر، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما يضيق عنه هذا الموضع، يبين صدق من رأى شخصًا وظن أنه الخضر، وأنه غلط في ظنه أنه الخضر، وإنما كان جنيًا، وقد يقول‏:‏ أنا المسيح، أو موسى، أو محمد، أو أبو بكر، أو عمر، أو الشيخ فلان، فكل هذا قد وقع، والنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏من رآني في المنام فقد رآني حقا،فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي‏)‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ في صورته التي كان عليها في حياته‏.‏ وهذه رؤية في المنام، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحدًا من الموتى يجىء بنفسه للناس عيانًا قبل يوم القيامة، فمن جهله أتي‏.‏
ومن هنا ضلت النصارى؛ حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن صلب ـ كما يظنون ـ أنه أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم‏.‏ وهذا مذكور في أناجيلهم، وكلها تشهد بذلك، وذاك الذي جاء كان شيطانًا، قال‏:‏ أنا المسيح، ولم يكن هو المسيح نفسه، ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين، ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي يجب عليهم تبليغه، ولم يرفع حتى بلغ رسالات ربه، فلا حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء‏.‏
وأصحاب الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول‏:‏ أنا الحلاج، فيرونه في صورته عيانًا، وكذلك شيخ بمصر يقال له‏:‏ الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة، وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله، فرأيته بخط الجن ـ وقد رأيت خط الجن غير مرة ـ وفيه كلام من كلام الجن، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي، وكان يقول‏:‏ انتقل ثم مات‏.‏ وكذلك شيخ آخر كان بالمشرق وكان له خوارق من الجن‏.‏ وقيل‏:‏ كان بعد هذا يأتي خواص أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو، وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء على أو بقاء محمد ابن الحنفية، قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته، وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم أحيانًا ويكون المرئي جنيًا‏.‏
فهذا باب واسع واقع كثيرًا، وكلما كان القوم أجهل كان عندهم أكثر، ففي المشركين أكثر مما في النصارى، وهو في النصارى كما هو في الداخلين في الإسلام، وهذه الأمور يسلم بسببها ناس، ويتوب بسببها ناس يكونون أضل من أصحابها، فينتقلون بسببها إلى ما هو خير مما كان عليه، كالشيخ الذي فيه كذب وفجور من الإنس، قد يأتيه قوم كفار فيدعوهم إلى الإسلام فيسلمون ويصيرون خيرًا مما كانوا، وإن كان قصد ذلك الرجل فاسدًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم‏)‏‏.‏
وهذا كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير من أهل الكلام والرأي؛ فإنه ينقطع بها كثير من أهل الباطل، ويقوى بها قلوب كثير من أهل الحق، وإن كانت في نفسها باطلة فغيرها أبطل منها، والخير والشر درجات، فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه‏.‏
وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين ـ من الرافضة والجهمية وغيرهم ـ إلى بلاد الكفار، فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا، وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزوًا يظلم فيه المسلمين والكفار، ويكون آثمًا بذلك، ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارًا فصاروا مسلمين، وذاك كان شرًا بالنسبة إلى القائم بالواجب، وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير‏.‏
وكذلك كثير من الأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب والفضائل والأحكام والقصص، قد يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى خير مما كانوا عليه، وإن كانت كذبًا، وهذا كالرجل يسلم رغبة في الدنيا ورهبة من السيف، ثم إذا أسلم وطال مكثه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبه، فنفس ذل الكفر الذي كان عليه وانقهاره ودخوله في حكم المسلمين خير من أن يبقى كافرًا، فانتقل إلى خير مما كان عليه، وخف الشر الذي كان فيه، ثم إذا أراد اللّه هدايته أدخل الإيمان في قلبه‏.‏
والله ـ تعالى ـ بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا الخلق بغاية الإمكان،ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان،‏{‏وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏19‏]‏‏.‏وأكثر المتكلمين يردون باطلاً بباطل، وبدعة ببدعة، لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين، فيصير الكافر مسلمًا مبتدعًا، وأخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة ـ كبدعة الرافضة ـ ببدعة أخف منها ـ وهي بدعة أهل السنة- وقد ذكرنا فيما تقدم أصناف البدع‏.‏
ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة ومن الخوارج؛ فإن المعتزلة تقر بخلافة الخلفاء الأربعة، وكلهم يتولون أبا بكر وعمر وعثمان، وكذلك المعروف عنهم أنهم يتولون عليًـا، ومنهم من يفضله على أبي بكر وعمر، ولكن حكى عن بعض متقدميهم أنه قال‏:‏ فسق يوم الجمل إحدى الطائفتين، ولا أعلم عينها‏.‏ وقالوا‏:‏ إنه قال‏:‏ لو شهد علي والزبير لم أقبل شهادتهما لفسق أحدهما لا بعينه، ولو شهد على مع آخر ففي قبول شهادته قولان، وهذا القول شاذ فيهم، والذي عليه عامتهم تعظيم على‏.‏
ومن المشهور عندهم ذم معاوية وأبي موسى وعمرو بن العاص لأجل علي، ومنهم من يكفر هؤلاء ويفسقهم، بخلاف طلحة والزبير وعائشة، فإنهم يقولون‏:‏ إن هؤلاء تابوا من قتاله، وكلهم يتولى عثمان ويعظمون أبا بكر وعمر، ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج، لا يختلقون الكذب كالرافضة، ولا يرون أيضًا اتخاذ دار غير دار الإسلام كالخوارج، ولهم كتب في تفسير القرآن ونصر الرسول، ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض، وهم قصدهم إثبات توحيد اللّه ورحمته، وحكمته وصدقه، وطاعته‏.‏ وأصولهم الخمس عن هذه الصفات الخمس، لكنهم غلطوا في بعض ما قالوه في كل واحد من أصولهم الخمس، فجعلوا من ‏[‏التوحيد‏]‏ نفي الصفات وإنكار الرؤية، والقول بأن القرآن مخلوق، فوافقوا في ذلك الجهمية‏.‏ وجعلوا من ‏[‏العدل‏]‏ أنه لا يشاء ما يكون، ويكون ما لا يشاء، وأنه لم يخلق أفعال العباد، فنفوا قدرته ومشيئته وخلقه لإثبات العدل‏.‏وجعلوا من الرحمة نفي أمور خلقها لم يعرفوا ما فيها من الحكمة‏.‏
وكذلك هم والخوارج قالوا بـ ‏[‏إنفاذ الوعيد‏]‏ ليثبتوا أن الرب صادق لا يكذب؛ إذ كان عندهم قد أخبر بالوعيد العام، فمتى لم يقل بذلك لزم كذبه، وغلطوا في فهم الوعيد‏.‏ وكذلك ‏[‏الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف‏]‏ قصدوا به طاعة اللّه ورسوله، كما يقصده الخوارج والزيدية، فغلطوا في ذلك‏.‏
وكذلك إنكارهم للخوارق غير المعجزات، قصدوا به إثبات النبوة ونصرها،وغلطوا فيما سلكوه؛ فإن النصر لا يكون بتكذيب الحق،وذلك لكونهم لم يحققوا خاصة آيات الأنبياء‏.‏
والأشعرية ما ردوه من بدع المعتزلة والرافضة والجهمية، وغيرهم، وبينوا ما بينوه من تناقضهم، وعظموا الحديث والسنة ومذهب الجماعة، فحصل بما قالوه من بيان تناقض أصحاب البدع الكبار وردهم ما انتفع به خلق كثير‏.‏
فإن الأشعري كان من المعتزلة، وبقى على مذهبهم أربعين سنة يقرأ على أبي علي الجبائي ‏[‏هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حُمْران بن أبان الجبائي، أحد أئمة المعتزلة، وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة كانت ولادته في سنة خمس وثلاثين ومائتين، وتوفى في سنة ثلاث وثلاثمائة‏]‏، فلما انتقل عن مذهبهم كان خبيرًا بأصولهم وبالرد عليهم، وبيان تناقضهم، وأما ما بقى عليه من السنة فليس هو من خصائص المعتزلة، بل هو من القدر المشترك بينهم وبين الجهمية، وأما خصائص المعتزلة فلم يوالهم الأشعري في شىء منها؛ بل ناقضهم في جميع أصولهم، ومال في ‏[‏مسائل العدل، والأسماء والأحكام‏]‏ إلى مذهب جَهْم ونحوه‏.‏
وكثير من الطوائف ـ ‏[‏كالنجارية‏]‏ أتباع حسين النجار، و‏[‏الضرارية‏]‏ أتباع ضرار بن عمرو ـ يخالفون المعتزلة في القدر والأسماء والأحكام، وإنفاذ الوعيد‏.‏ والمعتزلة من أبعد الناس عن طريق أهل الكشف والخوارق، والصوفية يذمونها ويعيبونها‏.‏
وكذلك يبالغون في ذم النصارى أكثر مما يبالغون في ذم اليهود، وهم إلى اليهود أقرب، كما أن الصوفية ونحوهم إلى النصارى أقرب؛ فإن النصارى عندهم عبادة وزهد وأخلاق بلا معرفة ولا بصيرة فهم ضالون، واليهود عندهم علم ونظر بلا قصد صالح ولا عبادة ولا زهد ولا أخلاق كريمة، فهم مغضوب عليهم، والنصارى ضالون‏.‏
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ ولا أعلم في هذا الحرف اختلافًا بين المفسرين، وروى بإسناده عن أبي رَوْق، عن ابن عباس‏:‏ وغير طريق الضالين وهم النصارى الذين أضلهم اللّه بفريتهم عليه، يقول‏:‏ فألهمنا دينك الحق ـ وهو لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ـ حتى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود، ولا تضلنا كما أضللت النصارى فتعذبنا كما تعذبهم، يقول‏:‏ امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك ورأفتك وقدرتك‏.‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ ولا أعلم في هذا الحرف اختلافًا بين المفسرين، وقد قال سفيان بن عيينة‏:‏ كانوا يقولون‏:‏ من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى‏.‏
فأهل الكلام أصل أمرهم هو النظر في العلم ودليله، فيعظمون العلم وطريقه، وهو الدليل، والسلوك في طريقه، وهو النظر‏.‏
وأهل الزهد يعظمون الإرادة والمريد، وطريق أهل الإرادة‏.‏ فهؤلاء يبنون أمرهم على الإرادة، وأولئك يبنون أمرهم على النظر، وهذه هي القوة العلمية، ولابد لأهل الصراط المستقيم من هذا وهذا، ولابد أن يكون هذا وهذا موافقًا لما جاء به الرسول‏.‏
فالإيمان قول وعمل وموافقة السنة، وأولئك عظموا النظر وأعرضوا عن الإرادة، وعظموا جنس النظر ولم يلتزموا النظر الشرعي، فغلطوا من جهة كون جانب الإرادة لم يعظموه، وإن كانوا يوجبون الأعمال الظاهرة، فهم لا يعرفون أعمال القلوب وحقائقها، ومن جهة أن النظر لم يميزوا فيه بين النظر الشرعي الحق الذي أمر به الشارع وأخبر به، وبين النظر البدعي الباطل المنهي عنه‏.‏
وكذلك الصوفية، عظموا جنس الإرادة إرادة القلب، وذموا الهوى وبالغوا في الباب، ولم يميز كثير منهم بين الإرادة الشرعية الموافقة لأمر اللّه ورسوله، وبين الإرادة البدعية، بل أقبلوا على طريق الإرادة دون طريقة النظر، وأعرض كثير منهم فدخل عليهم الداخل من هاتين الجهتين؛ ولهذا صار هؤلاء يميل إليهم النصارى ويميلون إليهم، وأولئك يميل إليهم اليهود ويميلون إليهم، وبين اليهود والنصارى غاية التنافر والتباغض‏.‏
وكذلك بين أهل الكلام والرأي، وبين أهل التصوف والزهد تنافر وتباغض، وهذا وهذا من الخروج عن الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا‏.‏
نسأل اللّه العظيم أن يهدينا وسائر إخواننا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم اللّه عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين‏.‏

عدد المشاهدات *:
359238
عدد مرات التنزيل *:
250448
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : فَصْـــل فيمن خالف ما جاء به النبي النبي صلى الله عليه وسلم ـ تتمة ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  فَصْـــل فيمن خالف ما جاء به النبي النبي صلى الله عليه وسلم ـ تتمة ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فَصْـــل فيمن خالف ما جاء به النبي النبي صلى الله عليه وسلم ـ تتمة ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1