فصـــل
ثم قال: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5].
هو ـ سبحانه ـ لما ذكر قوله: {قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3]، دخل في ذلك ما قدره من أرزاق العباد والبهائم وهداهم إليها، فهدى من يأتى بها إليهم. وذلك من تمام إنعامه على عباده، كما جاء في الأثر؛ إن الله يقول : / ( إني والجن والإنس لفي نبأ عظيم؛ أخلق ويعبدون غيري، وأرزق ويشكرون سواي).
وهذا المعنى قد روى في قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82]، أي: تجعلون شكركم وشكر ربكم التكذيب بإنعام الله، وإضافة الرزق إلى غيره كالأنواء، كما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: مُطِرَ الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)، قال: فنزلت هذه الآية {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75 - 82].
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين؛ ينزل الله الغيث فيقولون: الكوكب كذا وكذا ) . وفي رواية: (بكوكب كذا وكذا).
وروى ابن المنذر في تفسيره: ثنا محمد بن على ـ يعني الصائغ ـ ثنا سعيد ـ هو ابن منصور ـ ثنا هُشَيْم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون) ، / يعني: الأنواء. وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا، وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:28].
وروى ابن أبي حاتم، عن عطاء الخُرَاسَانى، عن عِكْرمة، في قول الله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، قال: تجعلون رزقكم من عند غير الله تكذيبًا، وشكرًا لغيره.
لكن قوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى:4]، خص به إخراج المرعى، وهو ما ترعاه الدواب، وذكر أنه جعله غثاء أحوى، وهذا فيه ذكر أقوات البهائم، لكن أقوات الآدميين أجل من ذلك، وقد دخلت هي وأقوات البهائم في قوله: {قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3].
وأيضًا، فالذي يصير غثاء أحوى لم تقتت به البهائم، وإنما تقتات به قبل ذلك. فهو ـ والله أعلم ـ خص هذا بالذكر لأنه مثل الحياة الدنيا.
إذ كانت هذه السورة تضمنت أصول الإيمان؛ الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالرسل والكتب التي جاؤوا بها، وذلك يتضمن الإيمان بالملائكة. وفيها العمل الصالح الذي ينفع في الآخرة، والفاسد الذي يضر فيها.
/ فذكر ـ سبحانه ـ المرعى ما ذكره من الخلق والهدى ليبين مآل بعض المخلوقات، وأن الدنيا، هذا مثلها.
وقد ذكر الله ذلك في الكهف، ويونس، والحديد. قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45].
وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 24، 25].
وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
وقد جعل إهلاك المهلكين حصادًا لهم، فقال: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100].
وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6].
فقوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5]، هو مثل للحياة الدنيا، وعاقبة الكفار، ومن اغتر بالدنيا، فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة، ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة، كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى.
ثم قال: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5].
هو ـ سبحانه ـ لما ذكر قوله: {قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3]، دخل في ذلك ما قدره من أرزاق العباد والبهائم وهداهم إليها، فهدى من يأتى بها إليهم. وذلك من تمام إنعامه على عباده، كما جاء في الأثر؛ إن الله يقول : / ( إني والجن والإنس لفي نبأ عظيم؛ أخلق ويعبدون غيري، وأرزق ويشكرون سواي).
وهذا المعنى قد روى في قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82]، أي: تجعلون شكركم وشكر ربكم التكذيب بإنعام الله، وإضافة الرزق إلى غيره كالأنواء، كما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: مُطِرَ الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)، قال: فنزلت هذه الآية {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75 - 82].
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين؛ ينزل الله الغيث فيقولون: الكوكب كذا وكذا ) . وفي رواية: (بكوكب كذا وكذا).
وروى ابن المنذر في تفسيره: ثنا محمد بن على ـ يعني الصائغ ـ ثنا سعيد ـ هو ابن منصور ـ ثنا هُشَيْم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون) ، / يعني: الأنواء. وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا، وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:28].
وروى ابن أبي حاتم، عن عطاء الخُرَاسَانى، عن عِكْرمة، في قول الله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، قال: تجعلون رزقكم من عند غير الله تكذيبًا، وشكرًا لغيره.
لكن قوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى:4]، خص به إخراج المرعى، وهو ما ترعاه الدواب، وذكر أنه جعله غثاء أحوى، وهذا فيه ذكر أقوات البهائم، لكن أقوات الآدميين أجل من ذلك، وقد دخلت هي وأقوات البهائم في قوله: {قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3].
وأيضًا، فالذي يصير غثاء أحوى لم تقتت به البهائم، وإنما تقتات به قبل ذلك. فهو ـ والله أعلم ـ خص هذا بالذكر لأنه مثل الحياة الدنيا.
إذ كانت هذه السورة تضمنت أصول الإيمان؛ الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالرسل والكتب التي جاؤوا بها، وذلك يتضمن الإيمان بالملائكة. وفيها العمل الصالح الذي ينفع في الآخرة، والفاسد الذي يضر فيها.
/ فذكر ـ سبحانه ـ المرعى ما ذكره من الخلق والهدى ليبين مآل بعض المخلوقات، وأن الدنيا، هذا مثلها.
وقد ذكر الله ذلك في الكهف، ويونس، والحديد. قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45].
وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 24، 25].
وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
وقد جعل إهلاك المهلكين حصادًا لهم، فقال: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100].
وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6].
فقوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5]، هو مثل للحياة الدنيا، وعاقبة الكفار، ومن اغتر بالدنيا، فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة، ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة، كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى.
عدد المشاهدات *:
490665
490665
عدد مرات التنزيل *:
265921
265921
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013