بسم الله الرحمن الرحيم
الطفيل بن عمرو
أما العلم والبطل الثاني فهو الطفيل بن عمرو الدوسي : وهو من دوس زهران ، من السراة سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ، فركب جمله ، وأخذ متاعه ، ولبس ثيابهوكان الطفيل شاعرا مجيدا ، وخطيبا فصيحا ، يعرف جزل الكلام من ضعيفه
وصل إلى مكة ، ولكن الدعايات المغرضة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم تتحرك من المشركين لتشويه سمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقول المريض ، والتعليقات المرة
دخل مكة ، فلقيه كفار قريش
فقالوا : إلى أين يا طفيل ؟ قال : أريد هذا الذي يزعم انه نبي قالوا : ما أشبه ذلك تريد ؟ قال : أريد أن اسمع كلامه ، إن كان حقا اتبعته ، وإن كان باطلا تركته
قالوا : إياك وإياه ، إنه ساحر ، انه شاعر ، انه كاهن ، انه مجنون ، أحذر لا تسمع كلامه
قال الطفيل : فوالله ، ما زالوا بي يخوفونني حتى أخذت القطن فوضعته في اذني
لكن الحق أقوى من القطن ، والقران ينفذ من خلال القطن إلى القلب
قال : ودخلت الحرم يوما ، والقطن في أذني لا اسمع شيئا
لكن أراد الله عز وجل أن يفتح أذنيه ؛ لأن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب ، لكن كما قال سبحانه : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ـ لأعراف:179 ـ أتى فرأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : فلما رأيت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب
لو لم تكن فيه آيات مبينة *** لكن منظره ينبئك بالخير
وجه الكذاب تعرفه ، ووجه الخمار تعرفه ، ووجه تارك الصلاة تعرفه ، وهكذا وجه المصلي والصادق تعرفه ، وأصدق الصادقين وخير الناس أجمعين : محمد صلى الله عليه وسلم
قال الطفيل : فسمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ ، لكن لا اسمع ؛ لأن في أذني القطن ، فقلت لنفسي : عجبا لي ، أنا رجل شاعر فصيح ، اعرف حسن الكلام من قبيحه ، لماذا لا أضع القطن ، فإن سمعت الكلام طيبا وإلا تركته ؟! فوضع القطن ، وهذه هي الخطوة الأولى
وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات القرآن
فلما سمع الكلام وقع في قلبه
هل يستطيع ملحد ، إن كان عنده عقل أن يسمع طه ـ طـه:1 ـ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ـ طـه:2 ـ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ـ طـه:3 ـ ولا يؤمن ؟ من يستطع أن يسمع ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ـ قّ:1 ـ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ـ قّ:2 ـ ولا يسلم ؟ قال : فلما سمعت الكلام ، تقدمت ، وقلت : عم صباحا ، يا أخا العرب
هذه تحية جاهلية ، وهي ملغاة عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل
وقد كانت تقال في الجاهلية : عم صباحا ، ولذلك يقول امرؤ القيس : ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في الأعصر الخالي فقال صلى الله عليه وسلم :
أبدلني الله بتحية خير من تحيتك
قال : وما هي ؟ قال :
أبدلني الله بتحية خير من تحيتك
قال : وما هي ؟ قال :
السلام عليكم ورحمة الله
ما أحسن الكلام ! فقال : السلام عليكم
فرد عليه
قال : من أنت ؟ قال :
أنا رسول الله
قال : من أرسلك ؟ قال :
الله
فقال الطفيل : إلى ماذا تدعو ؟ فأخبره وقرا عليه شيئا من القرآن
قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ـ 8 ـ
ثم قال : يا رسول الله ، أنا من دوس ـ هو سيد قبيلة دوس ـ
فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعود داعية إليهم
فعاد داعية إلى دوس ؛ فلما وصل إليهم قال : هدمي من هدمكم حرام ، ودمي من دمكم حرام ، حتى تؤمنوا بالله ، فكفروا ، وأعرضوا ، وغلبهم الزنا
فأتى مرة ثانية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، غلب على دوس الزنا ، وكفروا بالله ، فادع الله عليهم ، يا رسول الله
أي : أن يسحقهم ويحطمهم ، ويجعلهم شذر مذر
لكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان كما قال الله : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ـ القلم:4 ـ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ـ آل عمران: من الآية 159 ـ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ـ التوبة:128 ـ فرفع يديه صلى الله عليه وسلم ، يريد أن يدعو لهم ، فظن الطفيل انه يدعو عليهم
فقال الطفيل : هلكت دوس
فقال صلى الله عليه وسلم :
اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ـ 9 ـ
ثم قال : يا طفيل ، اذهب إلى دوس ، فادعهم إلى الإسلام ، ومن ألم معك ، فقاتل به من كفر ، فذهب ، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية
فسال له فوقع نور في جبهته يضيء له في الليل
أضاءت لهم أحابهم ووجوههم *** من الليل حتى نظم الجذع ثاقبه
قال : يا رسول الله ، أخشى أن يقولوا : في مثلة ـ أي : مرض ـ فادع الله أن يحول عني هذا النور ، فحوله إلى العصاء ، فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران
فلما وصلهم ، كانوا قد تهيؤوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال:
أدعوكم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم أراهم الآية
فاسلموا جميعا ودخلوا في دين الله أفواجا ، فسبحان من يهدي
وأتى بهم ، رضي الله عنه وأرضاه ، في موكب عظيم ، ود ودخل بهم بعد الهجرة إلى المدينة في جيش عرمرم ، حتى ثار الغبار من رؤوسهم ، وكلهم ف يميزان الطفيل
وكان من حسناته : أبو هريرة ،صاحب الحديث ، وأستاذ المحدثين في الإسلام ، وابر حافظ في الأمة المحمدية ، والراوية العملاق ، رضي الله عنه و أرضاه
واستمر الطفيل يدعو ، ويجاهد ، وكان قد باع نفه من الله ، حتى قتل في اليمامة شهيدا يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ـ الفجر:27 ـ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ـ الفجر:28 ـ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ـ الفجر:29 ـ وَادْخُلِي جَنَّتِي ـ الفجر:30 ـ وفي قصة إسلام الطفيل دروس : أولها : أن تحية أهل الإسلام :
السلام عليكم ولا تستبدل بغيرها
الثاني : أن على الداعية أن يعرض القرآن ، ولا يستبدل به في دعوته كلاما آخر
الثالث : أن على الداعية ألا يستعجل ، وان يكون حليما صبورا ، واسع الصدر ، لعل الله أن يهدي به
الرابع : أن الله أيد رسوله صلى الله عليه وسلم بمعجزات
الخامس : إثبات أهل السنة للكرامات التي للأولياء ، فإن من كرامات الأولياء : ما وقع للطفيل
السادس : أن من دعا إلى خير ، والى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، وبالعكس : من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة السابع : أن الله تعالى يكرم عباده بالشهادة ، وقد أكرم الطفيل بذلك
1- عمير بن وهب المفاجأة الكبرى
2- الطفيل بن عمرو الدوسي الداعية العملاق
5- ضمام بن ثعلبة صاحب المسائل العقدية
6- عبد الله بن سلام شاهد من بني إسرائيل
7- عكرمة بن أبي جهل الراكب المهاجر
سيماهم في وجوهم للدكتورعائض بن عبد الله القرني
470841
94751
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 17/05/2007 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 17/05/2007