اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 19 رمضان 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ??????????????????????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????????? ??????????? ???????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

يفقهه

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد السابع والعشرون
كتاب الزيارة وشد الرحال إليها
فصل في النهي عن اتخاذ القبور مساجد
تنازع المسلمون في زيارة القبور
مجموع فتاوى ابن تيمية
/وتنازع المسلمون في زيارة القبور، فقال طائفة من السلف‏:‏ إن ذلك كله منهي عنه لم ينسخ، فإن أحاديث النسخ لم يروها البخاري، ولم تشتهر‏.‏ ولما ذكر البخاري زيارة القبور احتج بحديث المرأة التي بَكَتْ عند القبر‏.‏ ونقل ابن بطال عن الشعبي أنه قال‏:‏ لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن زيارة القبور لزرت قبر ابني‏.‏ وقال النخعي‏:‏ كانوا يكرهون زيارة القبور، وعن ابن سيرين مثله‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ وقد سئل مالك عن زيارة القبور فقال‏:‏ قد كان نهي عنها ـ عليه السلام ـ ثم أذن فيها، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أر بذلك بأسًا، وليس من عمل الناس‏.‏ وروي عنه أنه كان يضعف زيارتها‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهي أولاً عن زيارة القبور باتفاق العلماء‏.‏ فقيل‏:‏ لأن ذلك يفضي إلى الشرك‏.‏ وقيل‏:‏ لأجل النياحة عندها‏.‏ وقيل‏:‏ لأنهم كانوا يتفاخرون بها‏.‏ وقد ذكر طائفة من العلماء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ‏}‏ ‏[‏التكاثر‏:‏ 1، 2‏]‏، أنهم كانوا يتكاثرون بقبور الموتي‏.‏ وممن ذكره ابن عطية في تفسيره، قال‏:‏ وهذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور‏.‏ أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة لكم عن العبادة والعلم زيارة القبور تكثرًا بمن سلف، وإشادة بذكره‏.‏ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ كنت نهيتكم عن زيارة /القبور فزوروها ولا تقولوا هَجْرًا ‏)‏، فكان نهيه فـي معني الآية‏.‏ ثـم أباح الزيارة بَعْدُ لمعني الاتعاظ لا لمعني المباهاة والتفاخر وتسنيمها بالحجارة الرخام، وتلوينها سرفًا، وبنيان النواويس عليها، هذا لفظ ابن عطية‏.‏
والمقصود أن العلماء متفقون على أنه كان نهي عن زيارة القبور‏.‏ ونهي عن الانتباذ في الدُّبَّاء والحَنْتَم والمُزَفَّت والمقير‏.‏
واختلفوا هل نسخ ذلك‏؟‏ فقالت طائفة‏:‏ لم ينسخ ذلك؛ لأن أحاديث النسخ ليست مشهورة‏.‏ ولهذا لم يخرج أبو عبد الله البخاري ما فيه نسخ عام‏.‏ وقال الآخرون‏:‏ بل نسخ ذلك‏.‏ ثم قالت طائفة منهم‏:‏ إنما نسخ إلى الإباحة، فزيارة القبور مباحة لا مستحبة‏.‏ وهذا قول في مذهب مالك وأحمد‏.‏ قالوا‏:‏ لأن صيغة افعل بعد الحظر إنما تفيد الإباحة‏.‏ كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ولا تشربوا مسكرًا‏)‏‏.‏ وروي ‏(‏فزوروها، ولا تقولوا هجرًا‏)‏‏.‏ وهذا يدل على أن النهي كان لما كان يقال عندها من الأقوال المنكرة سدًا للذريعة، كالنهي عن الانتباذ في الأوعية أولاً؛ لأن الشدة المطربة تدب فيها ولا يدري بذلك، فيشرب الشارب الخمر وهو لا يدري‏.‏
وقال الأكثرون‏:‏ زيارة قبور المؤمنين مستحبة للدعاء للموتي مع /السلام عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيدعو لهم‏.‏ وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه خرج إلى شهداء أُحد فصلى عليهم صلاته على الموتي كالمودع للأحياء والأموات‏.‏وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا‏:‏ ‏(‏السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين‏.‏ وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية‏.‏ اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم‏)‏‏.‏ وهذا في زيارة قبور المؤمنين‏.‏
وأما زيارة قبر الكافر فرخص فيها لأجل تذكار الآخرة، ولا يجوز الاستغفار لهم‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه فبكي وأبكي من حوله‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة‏)‏‏.‏
والعلماء المتنازعون كل منهم يحتج بدليل شرعي، ويكون عند بعضهم من العلم ما ليس عند الآخر ـ فإن العلماء ورثة الأنبياء ـ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78، 79‏]‏‏.‏
/والأقوال الثلاثة صحيحة باعتبار؛ فإن الزيارة إذا تضمنت أمرًا محرمًا، من شرك، أو كذب، أو ندب، أو نياحة وقول هجر، فهي محرمة بالإجماع، كزيارة المشركين بالله والساخطين لحكم الله، فإن هؤلاء زيارتهم محرمة، فإنه لا يقبل دين إلا دين الإسلام‏.‏ وهو الاستسلام لخلقه وأمره‏.‏ فيسلم لما قدره وقضاه، ويسلم لما يأمر به ويحبه‏.‏ وهذا نفعله وندعو إليه، وذاكم نسلمه ونتوكل فيه عليه‏.‏ فنرضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا‏.‏ ونقول في صلاتنا‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]‏، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 123‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 153‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏114، 115‏]‏‏.‏
والنوع الثاني‏:‏ زيارة القبور لمجرد الحزن على الميت، لقرابته أو صداقته، فهذه مباحة كما يباح البكاء على الميت بلا ندب ولا نياحة‏.‏ كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكي وأبكي من حوله، وقال‏:‏ ‏(‏زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة‏)‏‏.‏ فهذه الزيارة كان نهي عنها لما كانوا يفعلون من المنكر، فلما عرفوا الإسلام أذن فيها، لأن فيها مصلحة، وهو تذكر الموت‏.‏ فكثير من الناس إذا رأي قريبه وهو /مقبور ذكر الموت واستعد للآخرة، وقد يحصل منه جزع، فيتعارض الأمران‏.‏ ونفس الحزن مباح، إن قصد به طاعة كان طاعة، وإن عمل معصية كان معصية‏.‏
والنوع الثالث‏:‏ فهو زيارتها للدعاء لها كالصلاة على الجنازة، فهذا هو المستحب الذي دلت السنة على استحبابه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكان يعلم أصحابه ما يقولون إذا زاروا القبور‏.‏
وأما زيارة قباء، فيستحب لمن أتي المدينة أن يأتي قباء فيصلى في مسجدها‏.‏ وكذلك يستحب له عند الجمهور أن يأتي البقيع وشهداء أحد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فزيارة القبور للدعاء للميت من جنس الصلاة على الجنائز يقصد فيها الدعاء لهم، لا يقصد فيها أن يدعو مخلوقًا من دون الله، ولا يجوز أن تتخذ مساجد، ولا تقصد لكون الدعاء عندها أو بها أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت‏.‏ والصلاة على الجنائز أفضل باتفاق المسلمين من الدعاء للموتي عند قبورهم‏.‏ وهذا مشروع بل فرض على الكفاية متواتر متفق عليه بين المسلمين‏.‏ ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به، كان هذا شركًا محرمًا بإجماع المسلمين‏.‏ ولو ندبه وناح لكان ـ أيضًا ـ محرمًا، وهو دون الأول‏.‏
فمن احتج بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع ولأهل / أحد على الزيارة التي يفعلها أهل الشرك وأهل النياحة فهو أعظم ضلالا ممن يحتج بصلاتهم على الجنازة، على أنه يجوز أن يشرك بالميت، ويدعي من دون الله، ويندب ويناح عليه، كما يفعل ذلك بعض الناس يستدل بهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وهو عبادة لله وطاعة له يثاب عليه الفاعل وينتفع به المدعو له ويرضي به الرب عز وجل ـ على أنه يجوز أن يفعل ما هو شرك بالله وإيذاء للميت وظلم من العبد لنفسه، كزيارة المشركين وأهل الجزع الذين لا يخلصون لله الدين، ولا يسلمون لما حكم به ـ سبحانه وتعالى‏.‏ فكل زيارة تتضمن فعل ما نهي عنه وترك ما أمر به ـ كالتي تتضمن الجزع وقول الهجر وترك الصبر، أو تتضمن الشرك ودعاء غير الله وترك إخلاص الدين لله ـ فهي منهي عنها‏.‏ وهذه الثانية أعظم إثمًا من الأولي‏.‏ ولا يجوز أن يصلى إليها، بل ولا عندها، بل ذلك مما نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها‏)‏‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏
فزيارة القبور على وجهين‏:‏ وجه نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق العلماء على أنه غير مشروع، وهو أن نتخذها مساجد ونتخذها وثنًا ونتخذها عيدًا، فلا يجوز أن تقصد للصلاة الشرعية، ولا أن تعبد كما تعبد الأوثان، ولا أن تتخذ عيدًا يجتمع إليها في وقت / معين كما يجتمع المسلمون في عرفة ومني‏.‏ وأما ‏[‏الزيارة الشرعية‏]‏ فهي مستحبة عند الأكثرين‏.‏ وقيل‏:‏ مباحة‏.‏ وقيل‏:‏ كلها منهي عنها كما تقدم‏.‏ والذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن نحمل المطلق من كلام العلماء على المقيد، ونفصل الزيارة إلى ثلاثة أنواع‏:‏ منهي عنه، ومباح، ومستحب وهو الصواب‏.‏ قال مالك وغيره‏:‏ لا نأتي إلا هذه الآثار‏:‏ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، وأهل البقيع، وأحد‏.‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد إلا هذين المسجدين وهاتين المقبرتين، كان يصلى يوم الجمعة في مسجده، ويوم السبت يذهب إلى قباء، كما في الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا فيصلى فيه ركعتين‏.‏
وأما أحاديث النهي فكثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرهما، كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لعن الله إليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏ قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا‏.‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏ وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس‏:‏ ‏(‏إن مـن كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏ وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس / ـ رضي الله عنهم ـ قالوا‏:‏ لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك‏:‏ ‏(‏لعنة الله على إليهود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏، يحذر ما صنعوا‏.‏ وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏قاتل الله إليهود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لعن الله إليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏
وفي الصحيحين عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة‏)‏‏.‏ وعائشة ـ رضي الله عنها ـ أم المؤمنين صاحبة الحجرة النبوية ـ قد روت أحاديث هذا الباب مع مشاركة غيرها من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وجندب وابن مسعود وغيرهم‏.‏ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود‏:‏ ‏(‏إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد‏)‏‏.‏ رواه أبو حاتم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده‏.‏ وفي سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تتخذوا قبري عيدًا، وصلوا على حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني‏)‏‏.‏ وفي موطأ مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد / غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏
وفي سنن سعيد بن منصور‏:‏ أن عبد الله بن حسن بن حسين بن على بن أبي طالب ـ أحد الأشراف الحسنيين بل أجلهم قدرًا في عصر تابعي التابعين في خلافة المنصور وغيره ـ رأي رجلا يكثر الاختلاف إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تتخذوا قبري عيدًا، وصلوا على حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني‏)‏‏.‏ فما أنت ورجل بالأندلس إلا سواء‏.‏
فلما أراد الأئمة اتباع سنته في زيارة قبره المكرم والسلام عليه طلبوا ما يعتمدون عليه من سـنته‏.‏فاعتمد الإمام أحمد على الحديث الذي في السنن عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام‏)‏‏.‏ وعن أحمد أخذ ذلك أبو داود، فلم يذكر في زيارة قبره المكرم غير هذا الحديث، وترجم عليه ‏[‏باب زيارة القبر‏]‏‏.‏ مع أن دلالة الحديث على المقصود فيها نزاع وتفصيل، فإنه لا يدل على كل ما تسميه الناس ‏[‏زيارة‏]‏ باتفاق المسلمين‏.‏
ويبقي الكلام المذكور فيه‏:‏ هل هو السلام عند القبر كما كان من دخل على عائشة ـ رضي الله عنها ـ يسلم عليه‏؟‏ أو يتناول هذا والسلام عليه من خارج الحجرة‏.‏ فالذين استدلوا به جعلوه متناولا لهذا وهذا، /وهو غاية ما كان عندهم في هذا الباب عنه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهو صلى الله عليه وسلم يسمع السلام من القريب، وتبلغه الملائكة الصلاة والسلام عليه من البعيد، كما في النسائي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتى السلام‏)‏‏.‏ وفي السنن عن أوس بن أوس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة على‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء‏)‏‏.‏ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا‏.‏ وذكر مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر كان يأتي فيقول‏:‏ السـلام عليك يا رسـول الله، السـلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت‏.‏ ثم ينصرف‏.‏ وفي رواية‏:‏ كان إذا قدم من سفر‏.‏ رواه معمر عن نافع عنه‏.‏ وعلى هذا اعتمد مالك ـ رحمه الله ـ فيما يفعل عند الحجرة؛ إذ لم يكن عنده إلا أثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما‏.‏
وأما ما زاد على ذلك مثل الوقوف للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، مع كثرة الصلاة والسلام عليه، فقد كرهه مالك، وقال‏:‏ هو بدعة لم يفعلها السلف‏.‏ ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها‏.‏
وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجودًا في الإسلام في زمن مالك، وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة‏.‏ قرن /الصحابة والتابعين وتابعيهم‏.‏ فأما هذه القرون التي أثني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هذا ظاهرًا فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك‏.‏ ولهذا لما سأل سائل لمالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ إن كان أراد المسجد فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل، للحديث الذي جاء‏:‏ ‏(‏لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد‏)‏‏.‏ وكذلك من يزور قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم، أو يطلب منهم الدعاء، أو يقصد الدعاء عندهم لكونه أقرب إجابة في ظنه، فهذا لم يكن يعرف على عهد مالك، لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره‏.‏
وإذا كان مالك ـ رحمه الله ـ يكره أن يطيل الرجل الوقوف عنده صلى الله عليه وسلم للدعاء، فكيف بمن لا يقصد لا السلام عليه ولا الدعاء له، وإنما يقصد دعاءه وطلب حوائجه منه، ويرفع صوته عنده فيؤذي الرسول، ويشرك بالله، ويظلم نفسه‏؟‏‏!‏ ولم يعتمد الأئمة، لا الأربعة ولا غير الأربعة على شيء من الأحاديث التي يرويها بعض الناس في ذلك‏.‏ مثل ما يروون أنه قال‏:‏ ‏(‏من زارني في مماتي فكأنما زارني في حياتي‏)‏، ومن قوله‏:‏ ‏(‏من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة‏)‏ ونحو ذلك‏.‏ فإن هذا لم يروه أحد من أئمة المسلمين، ولم يعتمد عليها‏.‏ ولم يروها لا أهل الصحاح ولا أهل السنن التي يعتمد / عليها كأبي داود والنسائي؛ لأنها ضعيفة، بل موضوعة، كما قد بين العلماء الكلام عليها‏.‏ ومن زاره في حياته صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين إليه، والواحد بعدهم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏.‏ وهو إذا أتي بالفرائض لا يكون مثل الصحابة فيكف يكون مثلهم بالنوافل، أو بما ليس بقربة، أو بما هو منهي عنه هنا‏.‏
وكره مالك ـ رضي الله عنه ـ أن يقول القائل‏:‏ زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ كره هذا اللفظ؛ لأن السنة لم تأت به في قبره‏.‏ وقد ذكروا في تعليل ذلك وجوهًا‏.‏ ورخص غيره في هذا اللفظ للأحاديث العامة في زيارة القبور‏.‏ ومالك يستحب ما يستحبه سائر العلماء من السفر إلى المدينة والصلاة في مسجده، وكذلك السلام عليه وعلى صاحبيه عند قبورهم اتباعًا لابن عمر‏.‏ ومالك من أعلم الناس بهذا؛ لأنه قد رأي التابعين الذين رأوا الصحابة بالمدينة‏.‏ ولهذا كان يستحب اتباع السلف في ذلك‏.‏ ويكره أن يبتدع أحد هناك بدعة‏.‏ فكره أن يطيل الرجل القيام والدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ما كانوا يفعلون ذلك‏.‏ وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك‏.‏ قال مالك ـ رحمة الله عليه ـ‏:‏ ولن / يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون فيه خلف أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ فإن هؤلاء الأربعة صلوا أئمة في مسجده والمسلمون يصلون خلفهم كما كانوا يصلون خلفه، وهم يقولون في الصلاة‏:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته‏.‏ كما كانوا يقولون ذلك في حياته‏.‏ ثم إذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا‏.‏ ولم يكونوا يأتون القبر للسلام، لعلمهم بأن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل وهي المشروعة‏.‏
وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو الصلاة والدعاء، فإنه لم يشرعه لهم، بل نهاهم، وقال‏:‏ ‏(‏لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا على حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني‏)‏، فبين أن الصلاة تصل إليه من البعيد، وكذلك السلام‏.‏ ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا‏.‏ ومن سلم عليه مرة سلم الله عليه عشرا‏.‏ كما قد جاء في بعض الأحاديث‏.‏ وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيدا، وهو قد نهاهم عن ذلك، ونهاهم أن يتخذوا قبره أو قبر غيره مسجدا‏.‏ ولعن من فعل ذلك ليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصاب غيرهم من اللعنة‏.‏

عدد المشاهدات *:
345631
عدد مرات التنزيل *:
248683
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : تنازع المسلمون في زيارة القبور
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  تنازع المسلمون في زيارة القبور
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  تنازع المسلمون في زيارة القبور لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1