الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين أما بعد:ـ
قال تعالى :ـ
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا
قال بن كثير رحمه الله في تفسيره :ـ
وقوله: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه.
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمْران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جُبَير، عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، أنه قال لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمتُ على رسول الله صلى عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: "يا عمرو صَلَّيت بأصحابك وأنت جُنُبٌ!" قال: قلت يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلكَ، فذكرت قول الله عز وجل ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا.
وهكذا رواه أبو داود من حديث يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به. ورواه أيضا عن محمد بن أبي سلمة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمر بن الحارث، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عنه، فذكر نحوه. وهذا، والله أعلم، أشبه بالصواب .
وقال أبو بكر بن مَرْدُوَيه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد البَلْخِي، حدثنا محمد بن صالح بن سهل البلخي، حدثنا عُبَيد عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا يوسف بن خالد، حدثنا زياد بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جُنُب، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فدعاه فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله، خفْتُ أن يقتلني البرد، وقد قال الله تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) قال: فسكت عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
ثم أورد ابن مَرْدُويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَل نَفْسَه بِحَدِيدَةٍ فحديدته في يَدِهِ، يَجَأ بها بَطْنه يوم القيامة في نار جَهَنَّمَ خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مُتَرد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وكذلك رواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وعن أبي قِلابة، عن ثابت بن الضحاك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة" . وقد أخرجه الجماعَةُ في كُتُبهم من طريق أبي قلابة وفي الصحيحين من حديث الحسن، عن جُنْدب بن عبد الله البَجَلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان رَجُلٌ ممن كان قبلكم وكان به جُرْح، فأخذ سكينًا نَحَر بهَا يَدَهُ، فما رَقأ الدَّمُ حتى ماتَ، قال الله عز وجل: عَبْدِي بادرنِي بِنَفْسه، حرَّمت عليه الْجَنَّة" .
ولهذا قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا ) أي: ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالما في تعاطيه، أي: عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه ( فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، فَلْيحذَرْ منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.
انتهى قول العلامة بن كثير رحمه الله
و بناءا على هذه الأية الكريمة و الأحاديث الشريفة يتضح جليا لكل عاقل لبيب أن الإنتحار بأيما وسيلة لا يجوز و أن نصرة دين الله لا تكون بالمحرم الذي يضر المقبل عليه في دنياه و اخراه ثم هو افساد في ارض الله و لقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة و السلام فقال :ـ
لا يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما
و ان قتل الأبرياء في بلداننا المسلمة أمر لا يقبله عقل و لا دين و فيه مضرة جسيمة و ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرض في يوم من الأيام على أشرف الخلق تصفية المنافقين فقال الرحمة المهداة :ـ
لا ياعمر لكي لا يقول الناس ان محمدا يقتل أصحابه
و في هذا الهدي النبوي توبيخ لبعض الناس هداهم الله فان اعداء الله قد يستغلون على أقل تقدير تلك التفجيرات و يقومون بها في بعض الأحيان ثم ينسبونها الى تلك الجامعات التي نسأل الله لهم الهداية و التوسط في الأمور دون غلو او تفريط
ثم ان استهداف المجتمعات المدنية بشكل عام يؤدي الى قتل النفوس البرية التي يقول عنها ربنا في محكم تنزيله :ـ
و إذا المــوؤدة سئُلت ... بأي ذنب قتلت
فما ذنب الشيخ الذي لا هم له في الحياة الا شأن نفسه بينه و بين ربه يقع ضحية الغلو و التنطع و يموت صريعا و هو يشهد لله بالوحدانية بجرم من يدعي نصرة الإسلام أو عدو محارب لله و رسوله يصد عن دين الله و ينسب افساده في الأرض للإسلام و المسلمين و دين الله بريء مما ينسب اليه من افساد
و ما ذنب تلك الأمة العفيفة و ذاك الرضيع الطاهر من ذاك الظلم و العدوان
يقول الله تعالى :ـ
و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما
و يقول عليه الصلاة و السلام:ـ
يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل و المقتول فيما قتل
و يقول عليه الصلاة و السلام :ـ
لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج
و الهرج هو كثرة القتل
و أسأل الله أن يعصمنا من هذه الفتن ما ظهر منها و ما بطن
كتبه الزاهد الورع
25539
370
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 27/05/2007 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 27/05/2007