لا ينبغي للمؤمن ان ييأس من رحمة الله فلا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ، و اليأس لا يصدر من المؤمن لأنه يعلم ان الأمر كله بيد الله يفعل ما يشاء و هو غير ظالم ابدا ، هذا لأن الله يبتلي عباده ليعلم الصادقين من الكاذبين و ليميز الخبيث من الطيب كما اخبر بذلك جل جلاله عند قوله تعالى :
الم ، أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا امنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين.
بهذا ميز الله المؤمنين على غيرهم و هذا التمييز منبعه الإيمان أولا بالقضاء و القدر فما أصاب العبد لم يكن ليخطيئه و نحن نعلم ان القلم أول ما خلق الله من الخلائق و أمره ان يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة و لست تجد مؤمنا أصابته نعمة الرحمن إلا حمد الله و شكره ، و لا تجده اصابته ضراء إلا صبر و احتسب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم :
عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير و ليس ذلك إلا للمؤمن ان إصابته سراء حمد الله فكان خيرا له و ان إصابته ضراء صبر فكان خيرا له
ان الصبر مفتاح الفرج و قد قيل : من صبر ظفر و لا يتحقق هذا الصبر إلا عند القلوب المؤمنة التي حققت كمال الإيمان ، فالصابر ينتظر من الله الفرج بايمان و يقين لأن الله جعل الأيام دولا بين الناس، يوم لك و يوم عليك ، قال الله تعالى :
و تلك الأيام نداولها بين الناس ،
و لقد أحسن أبو الأسود الدؤولي في إحدى وصاياه قائلا :
يابني الدهر يومان ، يوم لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر و اذا كان عليك فاصطبر، ليس ينجو منهما الملك المتوج و لا اللئيم المعلهج، سلم ليومك حياك ربك .
و لقد أحسن الله الحديث عن هذا عند قوله تعالى :
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك من من تشاء ، و تعز من تشاء و تذل من تشاء ، بيدك الخير انك على كل شيء قدير ،تولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل و تخرج الحي من الميت و تخرج الميت من الحي و ترزق من تشاء بغير حساب.
فالايمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الذي لا يستقيم إيمان العبد إلا به و لذلك قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
ما أصبت بمصيبة إلا و نظرت ان الله أنعم علي فيها ثلاث نعم : أحدها ان الله تعالى هونها علي و لم يصبني بأكبر منها و هو قادر على ذلك ،ثانيها ان الله تعالى جعلها في دنياي و لم يجعلها في ديني و هو قادر على ذلك ، ثالثها ان الله تعالى ياجرني عليها يوم القيامة.
هذه التعاليم الإسلامية تدعو المؤمن إلى التفاؤل دوما و الرضا بما قضى الله و قدر هي التي يهتدي بها المؤمن في حياته فيستقيم على طاعة الله تعالى فلا يقع في الزلل فكم من إنسان قتل نفسه باليأس و القنوط فانتحر او أتى بجريرة لا ترضي الله و لا ترضي العباد ، هذه التعاليم تدلك على سنن الله في الكون و تجعلك تعتبر بغيرك كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
السعيد من وعظ بغيره
و لقول الله تعالى :
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديث يفترى.
فلابد إذن من الصبر على ما يكون في قضاء الله و قدره من المصائب و الشدائد التي لا تروق في الأنفس و قد مر النبي على امرأة تبكي على قريب لها قد توفي فقال لها :
اتقي الله و اصبري
فقالت له إليك عني و هي لا تعرفه فانصرف عنها فلما ذهب عنها الجزع و مرت ايام جاءت تعتذر فقال لها :
إنما الصبر عند الصدمة الأولى .
نعم صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما الصبر عند الصدمة الأولى فعندما يحل البلاء تعرف جواهر الرجال فيصدق فيهم قول الله تعالى :
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل الله الظالمين .
عندما يتلقى المؤمن الصدمة الأولى في معاينة البلاء يستسلم و يسلم أمره لله بنفس مطمئنة تدرك ان الذي نزل بها من محنة سيزول باذن الله فتجده يناجي ربه و يتضرع إليه ان يذهب الهم و يفرج الكربات مستقيما على نهج رسول الله صلى الله عليه و سلم مدركا لقوله صلى الله عليه و سلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الحديبية :
لن اخالف أمره ولن يضيعني .
فلو استشعر الناس هذا القول لكانت حياتهم سعيدة و لزال عنهم الريب و الشك الذي يدعوهم إلى مخالفة الحق عند كل ضائقة لأن دوام الحال من المحال و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لن يغلب عسر يسريين،
قال الله تعالى :
ان مع العسر يسرا ، ان مع العسر يسرا .
قال محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى : كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر ، و على هذا فإن الوقت جزء من العلاج و لعل ما أصابك من الأمور ينقلب إلى ضده فكم من إنسان بلي بالنعم فطغى و تجبر حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر و كم إنسان بلي بالضراء حين من الدهر فصبر حتى جاء وعد الله فانقلبت المحنة إلى منحة قال الله تعالى:
و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب