الزاهد الورع
أخر تواجد :
13:43 -- 28/10/2013
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6475
|
قال الله تعالى :
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى : وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ووصى بها "، ووصى بهذه الكلمة. عنى ب " الكلمة " قوله أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، وهي" الإسلام " < 3-94 > الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم, وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله, وخضوع القلب والجوارح له.
ويعني بقوله: " و وصى بها إبراهيم بنيه "، عهد إليهم بذلك وأمرهم به.
وأما قوله: " ويعقوب "، فإنه يعني: ووصى بذلك أيضا يعقوبُ بنيه، كما:-
2086- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " و وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب "، يقول: و وصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم.
2087- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " ووصى بها إبراهيم بنيه "، وصاهم بالإسلام, ووصى يعقوب بمثل ذلك.
قال أبو جعفر: وقال بعضهم: قوله: (ووصى بها إبراهيم بنيه)، خبر منقض. وقوله: " ويعقوب " خبر مبتدأ. فإنه قال: " ووصى بها إبراهيم بنيه ". بأن يقولوا: أسلمنا لرب العالمين - ووصى يعقوب بنيه: أن: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
ولا معنى لقول من قال ذلك. لأن الذي أوصى به يعقوب بنيه، نظير الذي أوصى به إبراهيم بنيه: من الحث على طاعة الله، والخضوع له، والإسلام.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت: من أن معناه: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب: أن يَا بَنِيَّ - فما بال " أن " محذوفة من الكلام؟
قيل: لأن الوصية قول، فحملت على معناها. وذلك أن ذلك لو جاء بلفظ < 3-95 > القول، لم تحسن معه " أن ", وإنما كان يقال: وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب: يَا بَنِيَّ . فلما كانت الوصية قولا حملت على معناها دون لفظها، فحذفت " أن " التي تحسن معها, كما قال تعالى ذكره: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ [سورة النساء: 11]، وكما قال الشاعر:
إنــي ســأبدي لـك فيمـا أبـدي
لـــي شــجنان شــجن بنجــد
وشجن لي ببلاد السند
فحذفت " أن "، إذ كان الإبداء باللسان في المعنى قولا فحمله على معناه دون لفظه.
وقد قال بعض أهل العربية: إنما حذفت " أن " من قوله: " و وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب "، اكتفاء بالنداء - يعني بالنداء قوله: يَا بَنِيَّ وزعم أن علته في ذلك أن من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات عن " أن "، كقولهم: " ناديت هل قمت؟ - وناديت أين زيد؟". قال: وربما أدخلوها مع الأدوات. فقالوا: " ناديت، أن هل قمت؟".
< 3-96 > وقد قرأ جماعة من القرأة: " وأوصى بها إبراهيم "، بمعنى: عهد.
وأما من قرأ " ووصى " مشددة، فإنه يعني بذلك أنه عهد إليهم عهدا بعد عهد, وأوصى وصية بعد وصية.
القول في تأويل قوله تعالى : يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إن الله اصطفى لكم الدين "، إن الله اختار لكم هذا الدين الذي عهد إليكم فيه، واجتباه لكم.
وإنما أدخل " الألف واللام " في" الدين ", لأن الذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك، كانوا قد عرفوه بوصيتهما إياهم به، وعهدهما إليهم فيه, ثم قالا لهم -بعد أن عرفاهموه-: إن الله اصطفى لكم هذا الدين الذي قد عهد إليكم فيه, فاتقوا الله أن تموتوا إلا وأنتم عليه.
القول في تأويل قوله تعالى : فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: أوَ إلَى بني آدمَ الموتُ والحياةُ، فينهى أحدُهم أن يموت إلا على حالة دون حالة؟
قيل له: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ. وإنما معنى " فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، أي: فلا تفارقوا هذا الدين -وهو الإسلام- أيام حياتكم. وذلك أن أحدا لا يدري متى تأتيه منيتُه, فلذلك قالا لهم: " فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، لأنكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليل أو نهار, فلا تفارقوا الإسلام، فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم فتموتوا وربُّكم ساخط عليكم، فتهلكوا.
القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أم كنتم شهداء "، أكنتم. ولكنه استفهم ب " أم "، إذ كان استفهاما مستأنفا على كلام قد سبقه, كما قيل: الم * تَنْـزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [سورة السجدة: 1-3] وكذلك تفعل العرب في كل استفهام ابتدأته بعد كلام قد سبقه، تستفهم فيه ب " أم ".
" والشهداء " جمع " شهيد "، كما " الشركاء " جمع " شريك " و " الخصماء " جمع " خصيم ".
قال أبو جعفر وتأويل الكلام: أكنتم -يا معشر اليهود والنصارى، المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم, الجاحدين نبوته-, حضورَ يعقوبَ وشهودَه إذ حضره الموت, أي إنكم لم تحضروا ذلك، فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل, وتَنحلوهم اليهوديةَ والنصرانية, فإني ابتعثت خليلي إبراهيم -وولده إسحاق وإسماعيل وذريتهم- بالحنيفية المسلمة, وبذلك وصَّوْا بنيهم، وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم. فلو حضرتموهم فسمعتم منهم، علمتم أنهم على غير ما نحلتموهم من الأديان والملل من بعدهم .
وهذه آيات نـزلت، تكذيبا من الله تعالى لليهود والنصارى في دعواهم في إبراهيم وولده يعقوب: أنهم كانوا على ملتهم, فقال لهم في هذه الآية: " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت "، فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده؟ ثم أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
2088- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: " أم كنتم شهداء "، يعني أهل الكتاب.
القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إذ قال لبنيه "، إذ قال يعقوب لبنيه .
و " إذ " هذه مكررة إبدالا من " إذ " الأولى، بمعنى: أم كنتم شهداء يعقوب، إذ قال يعقوب لبنيه حين حضور موته.
ويعني بقوله: " ما تعبدون من بعدي" - أي شيء تعبدون،" من بعدي"؟ أي من بعد وفاتي؟ قالوا: " نعبد إلهك "، يعني به: قال بنوه له: نعبد معبودك الذي تعبده, ومعبود آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، " إِلَهًا وَاحِدًا " أي: نخلص له العبادة، ونوحد له الربوبية، فلا نشرك به شيئا، ولا نتخذ دونه ربا.
ويعني بقوله: " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"، ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة.
ويحتمل قوله: " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" ، أن تكون بمعنى الحال, كأنهم قالوا: نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه. ويحتمل أن يكون خبرا مستأنفا, فيكون بمعنى: نعبد إلهك بعدك, ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون.
وأحسن هذين الوجهين -في تأويل ذلك- أن يكون بمعنى الحال, وأن يكون بمعنى: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، مسلمين لعبادته.
وقيل: إنما قدم ذكر إسماعيل على إسحاق، لأن إسماعيل كان أسن من إسحاق.
ذكر من قال ذلك:
2089- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق " قال، يقال: بدأ بإسماعيل لأنه أكبر.
وقرأ بعض المتقدمين: " وإله أبيك إبراهيم "، ظنا منه أن إسماعيل، إذ كان عما ليعقوب, فلا يجوز أن يكون فيمن تُرجم به عن الآباء، وداخلا في عدادهم. وذلك من قارئه كذلك، قلة علم منه بمجاري كلام العرب. والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء, والأخوال بمعنى الأمهات. فلذلك دخل إسماعيل فيمن تُرجم به عن الآباء. وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ترجمةٌ عن الآباء في موضع جر, ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون .
< 3-100 > والصواب من القراءة عندنا في ذلك: " وإله آبائك "، لإجماع القراء على تصويب ذلك، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك.
ونصب قوله: " إِلَهًا " ، على الحال من قوله: " إلهك ".
التوقيع :
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
|