حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلاَّ الْعَرَايَا"
2190- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ نَعَمْ"
[الحديث 2190- طرفه في: 2384]
2191- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرًا قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا قَالَ هُوَ سَوَاءٌ قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ لِيَحْيَى وَأَنَا غُلاَمٌ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَقَالَ وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ قُلْتُ إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ فَسَكَتَ قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قِيلَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ فِيهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ قَالَ لاَ"
[الحديث 2191- طرفه في: 2384]
قوله: "باب بيع الثمر" بفتح المثلثة والميم "على رءوس النخل" أي بعد أن يطيب. وقوله: "بالذهب أو الفضة" اتبع فيه ظاهر الحديث وسيأتي البحث فيه. قوله: "عن عطاء" هو ابن أبي رباح، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم، كذا جمع بينهما ابن وهب، وتابعه أبو عاصم عند مسلم ويحيى بن أيوب عند الطحاوي، وكلاهما عن ابن جريج، ورواه ابن عيينة عند مسلم عن ابن جريج عن عطاء وحده، ووقع في روايته عن ابن جريج "أخبرني عطاء". قوله: "عن جابر" في رواية أبي عاصم المذكورة "أنهما سمعا جابر بن عبد الله". قوله: "عن بيع الثمر" بفتح المثلثة أي الرطب. قوله: "حتى يطيب" في رواية ابن عيينة "حتى يبدو صلاحه" وسيأتي تفسيره بعد باب. قوله: "ولا يباع شيء منه إلا بالدينار والدرهم" قال ابن بطال: إنما اقتصر على الذهب والفضة لأنهما جل ما يتعامل به الناس، وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض يعني بشرطه. قوله: "إلا العرايا" زاد
(4/387)
يحيى بن أيوب في روايته: "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها" أي فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من الثمر كما سيأتي البحث فيه، قال ابن المنذر: ادعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لأن الذي روى النهي عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا فأثبت النهي والرخصة معا. قلت: ورواية سالم الماضية في الباب الذي قبله تدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر، ولفظه عن ابن عمر مرفوعا: "ولا تبيعوا الثمر بالتمر" قال: وعن زيد بن ثابت "أنه صلى الله عليه وسلم رخص بعد ذلك في بيع العرية" وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع، وكذلك بقية الأحاديث التي وقع فيها استثناء العرايا بعد ذكر بيع الثمر بالتمر، وقد قدمت إيضاح ذلك. قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب" هو الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة، بصري مشهور. قوله: "حدثنا مالكا الخ" فيه إطلاق السماع على ما قرئ على الشيخ فأقر به، وقد استقر الاصطلاح على أن السماع مخصوص بما حدث به الشيخ لفظا. قوله: "وسأله عبيد الله" هو بالتصغير، والربيع أبوه هو حاجب المنصور وهو والد الفضل وزير الرشيد. قوله: "رخص" كذا للأكثر بالتشديد وللكشميهني: "أرخص". قوله: "في بيع العرايا" أي في بيع ثمر العرايا لأن العرية هي النخلة والعرايا جمع عرية كما تقدم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قوله: "في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق" شك من الراوي، بين مسلم في روايته أن الشك فيه من داود بن الحصين، وللمصنف في آخر الشرب من وجه آخر عن مالك مثله، وذكر ابن التين تبعا لغيره أن داود تفرد بهذا الإسناد قال: وما رواه عنه إلا مالك بن أنس. والوسق ستون صاعا، وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة، وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه، واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر، فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز ويلغي ما وقع فيه الشك. وسبب الخلاف أن النهي عن بيع المزابنة هل ورد متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في بيع العرايا؟ فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم، ويرجح الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله. واحتج بعض المالكية بأن لفظة "دون" صالحة لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة، وتعقب بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما تصدق عليه وهو المفتى به في مذهب الشافعي، وقد روى الترمذي حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ: "أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق" ولم يتردد في ذلك، وزعم المازري أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة، قال: وألزم المزني الشافعي القول به ا ه، وفيما نقله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء من كتبه ما نقله عنه وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز وإنما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزني أن يقول به الشافعي كما هو بين من كلامه، وقد حكى ابن عبد البر هذا القول عن قوم قال: واحتجوا بحديث جابر، ثم قال: ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق مما لم يبلغ خمسة أوسق ولم يثبت عندهم حديث جابر. قلت: حديث
(4/388)
جابر الذي أشار إليه أخرجه الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة ابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع ابن حبان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول: الوسق والوسقين والثلاثة والأربع" لفظ أحمد، وترجم عليه ابن حبان: "الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق" وهل الذي قاله يتعين المصير إليه، وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح، واحتج بعضهم لمالك بقول سهل بن أبي حثمة "إن العرية تكون ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة" وسيأتي ذكره في الباب الذي يليه، ولا حجة فيه لأنه موقوف. ومن فروع هذه المسألة ما لو زاد في صفقة على خمسة أوسق فإن البيع يبطل في الجميع. وخرج بعض الشافعية من جواز تفريق الصفقة أنه يجوز، وهو بعيد لوضوح الفرق، ولو باع ما دون خمسة أوسق في صفقة ثم باع مثلها البائع بعينه للمشتري بعينه في صفقة أخرى جاز عند الشافعية على الأصح، ومنعه أحمد وأهل الظاهر، والله أعلم. قوله: "قال نعم" القائل هو مالك، وكذلك أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى قال: "قلت لمالك أحدثك داود" فذكره وقال في آخره: "نعم" وهذا التحمل يسمى عرض السماع، وكان مالك يختاره على التحديث من لفظه. واختلف أهل الحديث هل يشترط أن يقول الشيخ "نعم" أم "لا" والصحيح أن سكوته ينزل منزلة إقراره إذا كان عارفا ولم يمنعه مانع، وإذا قال نعم فهو أولى بلا نزاع. قوله: "سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "قال يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وسيأتي في آخر الباب ما يدل على أن سفيان صرح بتحديث يحيى بن سعيد له به وهو السر في إيراد الحكاية المذكورة. قوله: "سمعت بشيرا" بالموحدة والمعجمة مصغرا، وهو ابن يسار بالتحتانية ثم المهملة مخففا الأنصاري. قوله: "سمعت سهل بن أبي حثمة" زاد الوليد بن كثير عند مسلم عن بشير بن يسار أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه، ولمسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سهل بن أبي حثمة. قوله: "أن تباع بخرصها" هو بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها، وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر، قال: ومعناه تقدير ما فيها: إذا صار تمرا، فمن فتح قال هو اسم الفعل، ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص اه. والخرص هو التخمين والحدس، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه في تفسير العرايا. قوله: "وقال سفيان مرة أخرى الخ" هو كلام علي بن عبد الله، والغرض أن ابن عيينة حدثهم به مرتين على لفظين والمعنى واحد، وإليه الإشارة بقوله: "هو سواء" أي المعنى واحد. قوله: "قال سفيان" أي بالإسناد المذكور "فقلت ليحيى" أي ابن سعيد لما حدثه به. قوله: "وأنا غلام" جملة حالية، والغرض الإشارة إلى قدم طلبه وتقدم فطنته وأنه كان في سن الصبا يناظر شيوخه ويباحثهم. قوله: "رخص لهم في بيع العرايا" محل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل مكة أن يحيى ابن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالجرس وأن يأكلها أهلها رطبا. وأما ابن عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشيء مما ذكر. قوله: "قلت إنهم يروونه عن جابر" في رواية أحمد في مسنده عن سفيان" قلت أخبرهم عطاء أنه سمع من جابر". قلت: ورواية ابن عيينة كذلك عن ابن جريج عن عطاء عن جابر تقدمت الإشارة إليها وأنها تأتي في كتاب الشرب، وهي على الإطلاق كما في روايته التي في أول الباب. قوله: "قال سفيان" أي بالإسناد المذكور "إنما أردت" أي الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد "إنهم يروونه عن جابر" "أن جابرا من أهل المدينة" فيرجع
(4/389)
الحديث إلى أهل المدينة، وكان ليحيى ابن سعيد أن يقول له: وأهل المدينة رووا أيضا فيه التقييد فيحمل المطلق على المقيد حتى يقوم الدليل على العمل بالإطلاق، والتقييد بالجرس زيادة حافظ فتعين المصير إليها. وأما التقييد بالأكل كالذي يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد، وسيأتي عن أبي عبيد أنه شرطه والله أعلم. قوله: "قيل لسفيان" لم أقف على تسمية القائل. قوله: "أليس فيه" أي في الحديث المذكور "نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه؟ قال لا" أي ليس هو في حديث سهل بن أبي حثمة، وإن كان هو صحيحا من رواية غيره، وسيأتي بعد باب. وقد حدث به عبد الجبار بن العلاء عن سفيان في حديث الباب بهذا اللفظ الذي نفاه سفيان، وحكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أنه أشار إلى أنه وهم فيه. قلت. قد أخرجه النسائي عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان كذلك، فظهر أن عبد الجبار لم ينفرد بذلك.
(4/390)
2190- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ نَعَمْ"
[الحديث 2190- طرفه في: 2384]
2191- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرًا قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا قَالَ هُوَ سَوَاءٌ قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ لِيَحْيَى وَأَنَا غُلاَمٌ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَقَالَ وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ قُلْتُ إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ فَسَكَتَ قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قِيلَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ فِيهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ قَالَ لاَ"
[الحديث 2191- طرفه في: 2384]
قوله: "باب بيع الثمر" بفتح المثلثة والميم "على رءوس النخل" أي بعد أن يطيب. وقوله: "بالذهب أو الفضة" اتبع فيه ظاهر الحديث وسيأتي البحث فيه. قوله: "عن عطاء" هو ابن أبي رباح، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم، كذا جمع بينهما ابن وهب، وتابعه أبو عاصم عند مسلم ويحيى بن أيوب عند الطحاوي، وكلاهما عن ابن جريج، ورواه ابن عيينة عند مسلم عن ابن جريج عن عطاء وحده، ووقع في روايته عن ابن جريج "أخبرني عطاء". قوله: "عن جابر" في رواية أبي عاصم المذكورة "أنهما سمعا جابر بن عبد الله". قوله: "عن بيع الثمر" بفتح المثلثة أي الرطب. قوله: "حتى يطيب" في رواية ابن عيينة "حتى يبدو صلاحه" وسيأتي تفسيره بعد باب. قوله: "ولا يباع شيء منه إلا بالدينار والدرهم" قال ابن بطال: إنما اقتصر على الذهب والفضة لأنهما جل ما يتعامل به الناس، وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض يعني بشرطه. قوله: "إلا العرايا" زاد
(4/387)
يحيى بن أيوب في روايته: "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها" أي فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من الثمر كما سيأتي البحث فيه، قال ابن المنذر: ادعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لأن الذي روى النهي عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا فأثبت النهي والرخصة معا. قلت: ورواية سالم الماضية في الباب الذي قبله تدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر، ولفظه عن ابن عمر مرفوعا: "ولا تبيعوا الثمر بالتمر" قال: وعن زيد بن ثابت "أنه صلى الله عليه وسلم رخص بعد ذلك في بيع العرية" وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع، وكذلك بقية الأحاديث التي وقع فيها استثناء العرايا بعد ذكر بيع الثمر بالتمر، وقد قدمت إيضاح ذلك. قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب" هو الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة، بصري مشهور. قوله: "حدثنا مالكا الخ" فيه إطلاق السماع على ما قرئ على الشيخ فأقر به، وقد استقر الاصطلاح على أن السماع مخصوص بما حدث به الشيخ لفظا. قوله: "وسأله عبيد الله" هو بالتصغير، والربيع أبوه هو حاجب المنصور وهو والد الفضل وزير الرشيد. قوله: "رخص" كذا للأكثر بالتشديد وللكشميهني: "أرخص". قوله: "في بيع العرايا" أي في بيع ثمر العرايا لأن العرية هي النخلة والعرايا جمع عرية كما تقدم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قوله: "في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق" شك من الراوي، بين مسلم في روايته أن الشك فيه من داود بن الحصين، وللمصنف في آخر الشرب من وجه آخر عن مالك مثله، وذكر ابن التين تبعا لغيره أن داود تفرد بهذا الإسناد قال: وما رواه عنه إلا مالك بن أنس. والوسق ستون صاعا، وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة، وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه، واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر، فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز ويلغي ما وقع فيه الشك. وسبب الخلاف أن النهي عن بيع المزابنة هل ورد متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في بيع العرايا؟ فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم، ويرجح الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله. واحتج بعض المالكية بأن لفظة "دون" صالحة لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة، وتعقب بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما تصدق عليه وهو المفتى به في مذهب الشافعي، وقد روى الترمذي حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ: "أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق" ولم يتردد في ذلك، وزعم المازري أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة، قال: وألزم المزني الشافعي القول به ا ه، وفيما نقله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء من كتبه ما نقله عنه وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز وإنما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزني أن يقول به الشافعي كما هو بين من كلامه، وقد حكى ابن عبد البر هذا القول عن قوم قال: واحتجوا بحديث جابر، ثم قال: ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق مما لم يبلغ خمسة أوسق ولم يثبت عندهم حديث جابر. قلت: حديث
(4/388)
جابر الذي أشار إليه أخرجه الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة ابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع ابن حبان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول: الوسق والوسقين والثلاثة والأربع" لفظ أحمد، وترجم عليه ابن حبان: "الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق" وهل الذي قاله يتعين المصير إليه، وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح، واحتج بعضهم لمالك بقول سهل بن أبي حثمة "إن العرية تكون ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة" وسيأتي ذكره في الباب الذي يليه، ولا حجة فيه لأنه موقوف. ومن فروع هذه المسألة ما لو زاد في صفقة على خمسة أوسق فإن البيع يبطل في الجميع. وخرج بعض الشافعية من جواز تفريق الصفقة أنه يجوز، وهو بعيد لوضوح الفرق، ولو باع ما دون خمسة أوسق في صفقة ثم باع مثلها البائع بعينه للمشتري بعينه في صفقة أخرى جاز عند الشافعية على الأصح، ومنعه أحمد وأهل الظاهر، والله أعلم. قوله: "قال نعم" القائل هو مالك، وكذلك أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى قال: "قلت لمالك أحدثك داود" فذكره وقال في آخره: "نعم" وهذا التحمل يسمى عرض السماع، وكان مالك يختاره على التحديث من لفظه. واختلف أهل الحديث هل يشترط أن يقول الشيخ "نعم" أم "لا" والصحيح أن سكوته ينزل منزلة إقراره إذا كان عارفا ولم يمنعه مانع، وإذا قال نعم فهو أولى بلا نزاع. قوله: "سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "قال يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وسيأتي في آخر الباب ما يدل على أن سفيان صرح بتحديث يحيى بن سعيد له به وهو السر في إيراد الحكاية المذكورة. قوله: "سمعت بشيرا" بالموحدة والمعجمة مصغرا، وهو ابن يسار بالتحتانية ثم المهملة مخففا الأنصاري. قوله: "سمعت سهل بن أبي حثمة" زاد الوليد بن كثير عند مسلم عن بشير بن يسار أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه، ولمسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سهل بن أبي حثمة. قوله: "أن تباع بخرصها" هو بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها، وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر، قال: ومعناه تقدير ما فيها: إذا صار تمرا، فمن فتح قال هو اسم الفعل، ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص اه. والخرص هو التخمين والحدس، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه في تفسير العرايا. قوله: "وقال سفيان مرة أخرى الخ" هو كلام علي بن عبد الله، والغرض أن ابن عيينة حدثهم به مرتين على لفظين والمعنى واحد، وإليه الإشارة بقوله: "هو سواء" أي المعنى واحد. قوله: "قال سفيان" أي بالإسناد المذكور "فقلت ليحيى" أي ابن سعيد لما حدثه به. قوله: "وأنا غلام" جملة حالية، والغرض الإشارة إلى قدم طلبه وتقدم فطنته وأنه كان في سن الصبا يناظر شيوخه ويباحثهم. قوله: "رخص لهم في بيع العرايا" محل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل مكة أن يحيى ابن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالجرس وأن يأكلها أهلها رطبا. وأما ابن عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشيء مما ذكر. قوله: "قلت إنهم يروونه عن جابر" في رواية أحمد في مسنده عن سفيان" قلت أخبرهم عطاء أنه سمع من جابر". قلت: ورواية ابن عيينة كذلك عن ابن جريج عن عطاء عن جابر تقدمت الإشارة إليها وأنها تأتي في كتاب الشرب، وهي على الإطلاق كما في روايته التي في أول الباب. قوله: "قال سفيان" أي بالإسناد المذكور "إنما أردت" أي الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد "إنهم يروونه عن جابر" "أن جابرا من أهل المدينة" فيرجع
(4/389)
الحديث إلى أهل المدينة، وكان ليحيى ابن سعيد أن يقول له: وأهل المدينة رووا أيضا فيه التقييد فيحمل المطلق على المقيد حتى يقوم الدليل على العمل بالإطلاق، والتقييد بالجرس زيادة حافظ فتعين المصير إليها. وأما التقييد بالأكل كالذي يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد، وسيأتي عن أبي عبيد أنه شرطه والله أعلم. قوله: "قيل لسفيان" لم أقف على تسمية القائل. قوله: "أليس فيه" أي في الحديث المذكور "نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه؟ قال لا" أي ليس هو في حديث سهل بن أبي حثمة، وإن كان هو صحيحا من رواية غيره، وسيأتي بعد باب. وقد حدث به عبد الجبار بن العلاء عن سفيان في حديث الباب بهذا اللفظ الذي نفاه سفيان، وحكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أنه أشار إلى أنه وهم فيه. قلت. قد أخرجه النسائي عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان كذلك، فظهر أن عبد الجبار لم ينفرد بذلك.
(4/390)
عدد المشاهدات *:
477148
477148
عدد مرات التنزيل *:
152014
152014
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 09/07/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 09/07/2013