اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ??????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????????? ?????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

يفقهه

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الأحكام السلطانية والولايات الدينية
في قسم الفيء والغنيمة
الباب الثاني عشر : في قسم الفيء والغنيمة
الباب الثاني عشر في قسم الفيء والغنيمة
الأحكام السلطانية والولايات الدينية


وأموال الفيء والغنائم: ما وصل من المشركين أو كانوا سبب وصولها.
ويختلف المالان في حكمهما وهما مخالفان لأموال الصدقات من أربعة أوجه: أحدها أن الصدقات مأخوذة من المسلمين تطهيراً لهم، والفيء والغنيمة مأخوذان من الكفار انتقاماً منهم. والثاني أن مصرف الصدقات منصوص عليه ليس للأئمة اجتهاد فيه وفي أموال الفيء والغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد الأئمة. والثالث أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد أربابها بقسمتها في أهلها: ولا يجوز لأهل الفيء والغنيمة أن ينفردوا بوضعه في مستحقه حتى يتولاه أهل الاجتهاد من الولاة: والرابع اختلاف المصرفين على ما سنوضح.
أما الفيء والغنيمة فهما متفقان من وجهين ومختلفان من وجهين: فأما وجها اتفاقهما فأحدهما أن يأكل واحد من المالين واصل بالكفر، والثاني أن مصرف خمسهما واحد وأما وجهة افتراقهما فأحدهما أن مال الفيء مأخوذ عفواً ومال الغنيمة مأخوذ قهراً. والثاني أن مصرف أربعة أخماس الفيء مخالف الغنيمة لمصرف أربعة أخماس الغنيمة ما سنوضح إن شاء الله تعالى.
وسنبدأ بمال الفيء فنقول: إن كل مال وصل من المشركين عفواً من غير قتال ولا بإيجاف خيل ولا ركاب فهو كمال الهدنة والجزية وأعشار متاجرهم أو كان واصلاً بسبب من جهتهم كمال الخراج ففيه إذا أخذ منهم أداء الخمس لأهل الخمس مقسوماً على خمسة. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا خمس في الفيء ونص الكتاب في خمس الفيء يمنع من مخالفته، قال الله تعالى: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".
فيقسم الخمس على خمسة أسهم متساوية: سهم منها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ينفق منه على نفسه وأزواجه ويصرفه في مصالحه ومصالح المسلمين.
واختلف الناس فيه بعد موته، فذهب من يقول بميراث الأنبياء إلى أنه موروث عنه مصروف إلى ورثته. وقال أبو ثور: يكون ملكاً للإمام بعده لقيامه بأمور الأمة مقامه وقال أبو حنيفة: قد سقط بموته. وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن يكون مصروفاً في مصالح المسلمين كأرزاق الجيش وإعداد الكراع والسلاح وبناء الحصون والقناطر وأرزاق القضاة والأئمة وما جرى هذا المجرى من وجوه المصالح. والسهم الثاني سهم ذوي القربى زعم أبو حنيفة أنه قد سقط حقهم منه اليوم. وعند الشافعي أن حقهم فيه ثابت، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب ابنا عبد مناف خاصة لا حق فيه لمن سواهم من قريش كلها يسوي فيه بين صغارهم وكبارهم وأغنيائهم وفقرائهم، ويفضل فيه بين الرجال وللنساء للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهم أعطوه باسم القرابة ولا حق فيه لمواليهم ولا لأولاد بناتهم ومن مات منهم بعد حصول المال وقبل قسمه كان سهامه منه مستحقاً لورثته. والسهم الثالث لليتامى من ذوي الحاجات، واليتيم موت الأب مع الصغر، ويستوي فيه حكم الغلام والجارية، فإذا بلغا زال اسم اليتم عنهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد حلم".
والسهم الرابع للمساكين، وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم من أهل الفيء لا يجدون ما ينفقون، وسواء منهم من ابتدأ بالسفر وكان مجتازاً، فهذا حكم الخمس في قسمه وأما أربعة أخماسه فيه قولان: أحدهما أنه للجيش خاصة لا يشاركهم فيه غيرهم ليكون معداً لأرزاقهم والقول الثاني أنه مصروف في المصالح التي منها أرزاق الجيش ومالا غنى للمسلمين عنه، ولا يجوز أن يصرف الفيء في أهل الصدقات، ولا تصرف في الصدقات في أهل الفيء ويصرف كل واحد من المالين في أهله وأهل الصدقة من لا هجرة له وليس من المقاتلة عن المسلمين ولا من حماة البيضة. وأهل الفيء هم ذو الهجرة الذابون عن البيضة والمانعون عن الحريم والمجاهدون للعدو، وكان اسم الهجرة لا ينطلق إلى على من هاجر من وطنه إلى المدينة لطلب الإسلام، وكانت كل قبيلة أسلمت وهاجرت بأمرها تدعى البررة. وكل قبيلة هاجر بعضها تدعى الخبرة، فكان المهاجرون بررة وحيرة، ثم سقط حكم الهجرة بعد الفتح وصار المسلمون مهاجرين وأعراباً، فكان أهل الصدقة يسمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعراباً، ويسمى أهل الفيء مهاجرين وهو ظاهر في أشعارهم كما قال فيه بعضهم من السريع:

قد لفها الليل بعصلبـي
***
أروع خراج من الدوى
مهاجر ليس بأعرابـي
***


ولاختلاف الفريقين في حكم المالين ما ثمين وسوى أبو حنيفة بينهما وجود صرف كل واحد من المالين في كل واحد من الفريقين. وإذا أراد الإمام أن يصل قوماً لتعود صلاتهم بمصالح المسلمين كالرسل والمؤلفة جاز أن يصلهم من مال الفيء فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة يوم حنين فأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة بعير والأقرع بن حاس بن التميمي مائة بعير والعباس بن مرداس السلمي خمسين بعيراً فتسخطها وعتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من المتقارب:

كانت نهـابـاً تـلاقـيتـهـا
***
بكرى على المهر في الأجوع
وإيقاظي الـقـوم أن يرقـدوا
***
إذا هجع القوم لـم أهـجـع
فأصبح نهبي ونهب العـبـي
***
د بـين عـينة والأفـــرع
وقد كنت في الحرب ذا قدرة
***
فلم أعط شيئاً ولـم أمـنـع
وإلا أقـاتـل أعـطـيتـهـا
***
عديد قـوائهـا الأربـــع
فما كان حـصـن ولا حـاس
***
يفوقان مرداس في مجـمـع
ولا كنت دون امرئ منهـمـا
***
ومر تضع الـيوم لا يرفـع

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: "اذهب فاقطع عني لسانه".
فلما ذهب به قال أتريد أن تقطع لساني؟ قال: لا، ولكن أعطيك حتى ترضى فأعطاه فكان ذلك قطع لسانه. فأما إذا كانت صلة الإمام لا تعود بمصلحة على المسلمين وكان المقصود بها نفع المعطى خاصة كانت صلاتهم من ماله.
روي أن أعرابياً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من السريع:

يا عمر الخير جزيت الجنة
***
اكس بنياتي وأمـهـنـه
وكر لنا من الزمان جنـه
***
أقسم بالله لتفـعـلـنـه

فقال عمر رضي الله عنه: إن لم أفعل يكون ماذا? فقال: " إذا أبا حفص لأذهبنه " فقال: وإذا ذهبت يكون ماذا? فقال:



قال فبكى عمر رضي الله عنه حتى خضبت لحيته وقال يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لسعره، أنا والله لا أملك غيره، فجعل ما وصل به من ماله لا من مال المسلمين، لأن صلته لا تعد بنفع عل غيره فخرجت من المصالح العامة. ومثل هذا الأعرابي يكون من أهل الصدقة، غير أن عمر رضي الله عنه لم يعطه منها إما لأجل شعره الذي استنزله فيه؛ وإما لأن الصدقة مصروفة في جيرانها ولم يكن منهم. وكان مما نقمه الناس على عثمان رضي الله عنه أنه جعل كل الصلوات من مال الفيء ولم ير الفرق بين الأمرين.
ويجوز للإمام أن يعطي ذكور أولاه من مال الفيء لأنهم من أهله، فإن كانوا صغاراً كانوا في إعطاء الذراري من ذوي السابقة والتقدم، وإن كانوا كباراً ففي إعطاء المقاتلة من أمثالهم.
حكى ابن إسحاق أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما بلغ أتى أباه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأله أن يفرض له ففرض في ألفين، ثم جاء غلام من أبناء الأنصار قد بلغ فسأله أن يفرض ففرض له في ثلاثة آلاف فقال عبد الله يا أمير المؤمنين فرضت لي في ألفين وفرضت لهذا في ثلاثة آلاف ولم يشهد أبو هذا ما قد شهدت قال أجل لكني رأيت أبا أمك يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت أبا أم هذا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأم أكثر من الألف.
ولا يجوز للإمام أن يعطي إناث أولاده من مال الفيء لأنهم من جملة ذريته الداخلين في عطائه. وأما عبيده وعبيد غيره، فإن لم يكونوا مقاتلة فنفقاتهم في ماله ومال ساداتهم، وإن كانوا مقاتلة فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يفرض لهم في العطاء ولم يفرض لهم عمر رضي الله عنه. والشافعي رحمه الله يأخذ فيهم بقول عمر رضي الله عنه، فلا يفرض لهم في العطاء ولكن تزاد ساداتهم في العطاء لأجلهم لأن زيادة العطاء معتبرة بحال الذرية، فإن عتقوا جاز أن يفرض لهم في العطاء ويجوز أن يفرض لنقباء أهل الفيء في عطاياهم ولا يجوز أن يفرض لعمالهم لأن النقباء منهم والعمال يأخذون أجراً على عملهم. ويجوز أن يكون عامل الفيء من ذوي القربى من بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يجوز أن يكون عامل الصدقات منهما إذا أراد سهمه منها إلا أن يتطوع، لأن بني هاشم وبني عبد المطلب تحرم عليهم الصدقات ولا يحرم عليهم الفيء. ولا يجوز لعامل الفيء أن يقسم ما جباه إلا بإذن. ويجوز لعامل الصدقات أن يقسم ما جباه بغير إذن ما لم ينه عنه، لما قدمناه من صرف مال الفيء عن اجتهاد الإمام ومصرف الصدقة نص بالكتاب.
وصفة عامل الفيء مع وجود أمانته وشهامته تختلف بحسب اختلاف ولايته فيه: وهي تنقسم ثلاثة أقسام: القسم الأول: أحدها أن يتولى تقدير أموال الفيء وتقدير يضعها في الجهات المستحقة منها كوضع الخراج والجزية. فمن شروط ولاية هذا العامل أن يكون حراً مسلماً مجتهداً في أحكام الشريعة مضطلعاً بالحساب والمساحة.
والقسم الثاني: أن يكون عام الولاية على جباية ما استقر من أموال الفيء كلها. فالمعتبر في صحة ولايته شروط الإسلام والحرية والاضطلاع بالحساب والمساحة، ولا يعتبر أن يكون فقيهاً مجتهداً لأنه يتولى قبض ما استقر بوضع غيره.
والقسم الثالث: أن يكون خاص الولاية على نوع من أموال الفيء خاص فيعتبر ما وليه منها، فإن لم يستغن فيه عن استنابة اعتبر فيه الإسلام والحرية مع اضطلاعه بشروط ما ولي من مساحة أو حساب، ولم يجز أن يكون ذمياً ولا عبداً، لأن فيها ولاية وإن استغنى عن الاستنابة جاز أن يكون عبداً لأنه كالرسول المأمور. وأما كونه ذميا ًفينظر فيما رد إليه من مال الفيء، فإن كانت معاملته فيه مع أهل الذمة كالجزية وأخذ العشر من أموالهم جاز أن يكون ذمياً، وإن كانت معاملته فيه مع المسلمين كالخراج الموضوع على رقاب الأرضين إذا صارت في أيدي المسلمين ففي جواز كونه ذمياً وجهان. وإذا بطلت ولاية العامل فقبض مال الفيء مع فساد ولايته بريء الدافع مما عليه إذا لم ينهه عن القبض، لأن القابض منه مأذن له وإن فسدت ولايته وجرى في القبض مجرى الرسول، ويكون الفرق بين صحة ولايته وفسادها أن له الإجبار على الدفع مع صحة الولاية وله الإجبار مع فسادها، فإن نهل عن القبض مع فساد ولايته لم يكن له القبض ولا الإجبار ولم يبرأ الدافع بالدفع إليه إذا علم بنهيه. وفي براءته إذا لم يعلم بالنهي وجهان كالوكيل.
فأما الغنيمة فهي أكثر أقاسماً وأحكاماً لأنها أصل تفرع عنه الفيء فكان حكمها أعم.
وتشتمل على أقسام: أسرى. وسبي. وأرضين. وأموال.
فأما الأسرى فهم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء فقد اختلف الفقهاء في حكمهم؛ فذهب الشافعي رحمة الله إلى أن الإمام أو من استنابه الإمام عليهم في أمر الجهاد مخير فيهم إذا أقاموا على كفرهم في الأصلح من أحد أربعة أشياء: وإما القتل، وإما الاسترقاق، وإما الفداء بمال أو أسرى، وإما المن عليهم بغير فداء.
فإن أسلموا سقط القتل عنهم وكان على خياره في أحد الثلاثة، وقال مالك: يكون مخيراً بين ثلاثة أشياء: القتل أو الاسترقاق أو المفاداة بالرجال دون المال، وليس له المن، وقال أبو حنيفة: يكون مخيراً بين شيئين القتل أو الاسترقاق وليس له المن ولا المفاداة بالمال؛ وقد جاء القرآن بالمن والفداء، قال تعالى: "فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها".
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي عزة الجمحي يوم بدر وشرط عليه ألا يعود لقتاله فعاد لقتاله يوم أحد فأسر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فقال امنن علي فقال: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
ولما قتل النضر بن الحارث بالصفراء بعد انكفائه من بدر لما استوقفته ابنته قتيلة يوم فتح مكة وأنشدته قولها من الكامل:



فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو سمعت شعرها ما قتلته".
ولو لم يجز المن لما قال هذا لأن أقواله أحكام مشروعة.
وأما الفداء فقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر وفادى بعدهم رجلاً برجلين، فإذا ثبت خياره فيمن لم يسلم بين الأمور الأربعة تصفح أحوالهم واجتهد برأيه فيهم، فمن علم منه قوة بأس وشدة نكاية ويئس من إسلامه وعلم ما في قتله من وهن قومه قتلة صبراً من غير مثله، ومن رآه منهم ذا جلد وقوة على العمل وكان مأمون الخيانة والخباثة استرقه ليكون عوناً للمسلمين، وما رآه منهم مرجو الإسلام أو مطاعاً في قومه ورجا بالمن عليه إما إسلامه أو تألف قومه من عليه وأطلقه، ومن وجد منهم ذا مال وجدة وكان بالمسلمين خلة وحاجة فأداه على مال وجعله عدة للإسلام وقوة للمسلمين وإن كان في أسرى عشيرته أحد من المسلمين من رجال أو نساء فأداه على إطلاقهم فيكون خياره في الأربعة على وجه الأحوط الأصلح ويكون المال المأخوذ في الفداء غنيمة تضاف إلى الغنائم "ولا يخص بها من أسر من المسلمين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع فداء الأسرى من أهل بدر إلى من أسرهم قبل نزول قسم الغنيمة في الغانمين: ومن أباح الإمام دمه من المشركين لعظم نكايته وشدة أذيته ثم أسر جاز له المن عليه والعفو عنه. قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ستة عام الفتح ولو تعلقوا بأستار الكعبة: عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له اكتب غفور رحيم فيكتب عليم حكيم ثم ارتد فلحق بقريش وقال إني أصرف محمداً حيث شئت فنزل فيه قوله تعالى: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله".
وعبد الله بن خطل، كانت له قينتان تغنيان بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم: والحويرث بن نفل كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومقيس بن حبابة كان بعض الأنصار قتل أخاً له خطأ فأخذ ينه ثم اغتال القاتل فقتله وعاد إلى مكة مرتداً وأنشد يقول من الطويل:



وسارة مولاة لبعض بني المطلب كانت تسب وتؤذي. وعكرمة بن أبي جهل كان يكثر التأليب على النبي صلى الله عليه وسلم طلباً لثأر أبيه.
فأما عبد الله بن سعد أبي سرح فإن عثمان رضي الله عنه استأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ثم أعاد الاستئمان ثانية فلما ولي قال: "ما كان فيكم من يقتله حين أعرضت عنه، قالوا هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين" وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي. وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه. وأما الحويرث بن نفيل فقتله علي بن أبي طالب صبراً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "لا يقتل قرشي بعد هذا صبراً إلا بقود".
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها. وأما سارة فتغيبت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها ثم تغيبت من بعد حتى أوطأها رجل من المسلمين فرساً له في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالأبطح فقتلها، وأما عكرمة بن أبي جهل فإنه سار إلى ناحية البحر وقال لا أسكن مع رجل قتل أبا الحكم يعني أباه فلما ركب البحر قال له صاحب السفينة أخلص قال ولم؟ قال لا يصلح في البحر إلا الإخلاص فقال والله لئن كان لا يصلح في البحر إلا الإخلاص فإنه لا يصلح في البر غيره فرجع وكانت زوجته بنت الحارث قد أسلمت وهي أم حليم فأخذت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم أماناً، وقيل بل خرجت إليه بأمانه إلى البحر فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مرحباً بالراكب المهاجر فأسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني اليوم شيئاً إلا أعطيتك".
فقال إني أسألك أن تسأل الله أن يغفر لي كل نفقة أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله وكل موقف وقفته لأصد به عن سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أغفر له ما سأل".
فقال والله يا رسول الله لا أدع درهماً أنفقته في الشرك إلا أنفقت مكانه في الإسلام درهمين ولا موقفاً وقفته في الشرك إلا وقفت مكانه في الإسلام موقفين فقتل يوم اليرموك رضي الله عنه. وهذا الخبر يتعلق به في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أحكام فلذلك استوفيناه.
وأما قتل من أضعفه الهرم أو أعجزته الزمانة أو كان ممن تخلى من الرهبان وأصحاب الصوامع، فإن كانوا يمدون المقاتلة برأيهم ويحرضون على القتال جاز قتلهم عند الظفر بهم وكانوا في حكم المقاتلة بعد الأسر وإن لم يخالطوه في رأي ولا تحريض ففي إباحة قتلهم قولان.
وأما السبي فهم النساء والأطفال؛ فلا يجوز أن يقتلوا إذا كانوا أهل كتاب لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان ويكونوا سبياً مسترقاً يقسمون مع الغنائم وإن كان النساء من قوم ليس لهم كتاب كالدهرية وعبدة الأوثان وامتنعن من الإسلام، فعند الشافعي يقتلن، وعند أبي حنيفة يسترققن، ولا يفرق فيمن استرققن بين والدة وولدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توله والدة عن ولدها".
فإن فاد بالسبي على مال جاز لأن هذا الفداء بيع ويكون مال فدائهم مغنوماً مكانهم ولم يلزمه استطابة نفوس الغانمين عنهم من سهم المصالح، وإن أراد أن يفادي بهم عن أسرى من المسلمين في أيدي قومهم عوض الغانمين عنهم من سهم المصالح، وإن أراد المن عليهم لم يجز إلا باستطابة نفوس الغانمين عنهم إما بالعفو عن حقوقهم منهم وإما بمال يعوضهم عنهم. فإن كان المن عليهم لمصلحة عامة جاز أن يعوضهم من سهم المصالح، وإن كان لمر يخصه عارض عنهم من مال نفسه. ومن امتنع من الغانمين عن ترك حقه لم يستنزل عنه إجباراً حتى يرضى وخالف ذلك حكم الأسرى الذي لا يلزمه استطابة نفوس الغانمين في المن عليهم، لأن قتل الرجال مباح وقتل السبي محظور فصار السبي مالاً مغنوماً لا يستنزلون عنه إلا باستطابة النفوس.
وقد استعطفت هوازن النبي صلى الله عليه وسلم حين سباهم بحنين وأتاه وفودهم وقد فرق الأموال وقسم السبي فذكروه حرمة رضاعه فيهم من لبن حليمة وكانت من هوازن.
حكى ابن إسحاق أن هوازن لما سبيت وغنمت أموالهم بحنين قدمت وفودهم مسلمين على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقالوا يا رسول الله لنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء مالا يخفى عليك فامنن علينا من الله عليك ثم قام منهم أبو صرد زهير بن صرد فقال يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللائي كن يكفلنك ولو أنا ملكنا للحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزلنا بمثل المنزل الذي نزلنا رجونا عطفه وجائزته وأنت خير الكفيلين ثم أنشأ يقول من البسيط:

أمـنـن عـلـينا رسول الله فـي كريــم
***
فإنك الــمرء نـرجـوه وندخــــر
أمنن على بيضــة قـــد عـاقـهــا
***
قدر ممزق شملها في دهرها غبــــر
أمنن على نسوة قد كنت تـرضـعـهـــا
***
إذ فـوك يملؤه مـن محـضـهـا الدرر
الآن إذا كـنـت طـفلاً كـنت ترضعهــا
***
وإذ تـــريك مــا تـأتى ومـا تـذر
لا تـجـعـلـنـا كـمـن شالـت نعامـته
***
واسـتبق مـنا فـإنـا معـشر زهــر
إذ لـم تـداركـنـا نـعـمـاء تـنشرهـا
***
يا أرجـح الـناس حـلماً حـين يختبـر
إنـا لـنـشـكرك الـنـعمى وإن كـثرت
***
وعـنـدنـا بـعـد هـذا الـيوم نـدخر

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟" فقالوا خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا بل ترد علينا أبناءنا ونساءنا فهم أحب إلينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم".
وقالت قريش ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا؛ وقال العباس بن مرداس السلمي أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس لنبي سليم قد وهنتم بي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست قلائص فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم".
فردوا، وكان عيينة قد أخذ عجوزاً من عجائز هوازن وقال إني لا أرى لها في الحي نسباً فعسى أن يعظم فداؤها فامتنع من ردها بست قلائص، فقال أبو صرد خلها عنك، فوالله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواحد، ولا درها بماغد، فردها بست قلائص، ثم إن عيينة لقي الأقرع فشكا إليه فقال إنك ما أخذتها بيضاء غريرة ولا نصفاً وثيرة وكان ف السبي الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فلما انتهت إليه قالت له أنا أختك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما علامة ذلك؟ فقالت عضة عضضتنيها وأنا متوركتك فعرف العلامة وبسط لها رداءه وأجلسها عليه وخيرها بين المقام عنده مكرمة أو الرجوع إلى قومها ممتعة فاختارت أن يمتعها ويردها إلى قومها ففعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قبل ورود الوفد ورد السبي؛ فأعطاها غلاماً له يقال له مكحل وجارية فزوجت أحدهما بالآخر ففيهم من نسلهما بقية.
وفي هذا الخبر مع الأحكام المستفادة منه سيرة يجب أن يتبعها الولاة فلذلك استوفيناه.
وإذا كان في السبايا ذوات أزواج بطل نكاحهن بالسبي سواء سبي أزواجهن معهن أم لا. وقال أبو حنيفة إن سبين مع أزواجهن فهن على النكاح، وإن أسلمت منهن ذات زوج قبل حصولها على السبي فهي حرة ونكاحها باطل بانقضاء العدة. وإذا قسم السبايا في الغانمين حرم وطؤهن حتى يستبرين بحيضة إن كن من ذوات الأقراء أو بوضع الحمل إن كن حوامل. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسبي هوازن فقال: "ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض".
وما غلب عليه المشركون من أموال المسلمين وأحرزوه لم يملكوه وكان باقياً على ملك أربابه من المسلمين؛ فإن غنمة المسلمون رد على مالكه مهم بغير عوض وقال أبو حنيفة قد ملكه المشركون إذا غلبوا عليه، حتى لو كانت أمة ودخل سيدها المسلم دار الحرب حرم عليه وطؤها، ولو كانت أرضاً أسلم عنها المتغلب عليها كان أحق بها وإذا غنمه المسلمون كانوا أحق به من مالكه. وقال مالك إن أدركه مالكه قبل القسمة كان أحق به، وإن أدركه يعدها كان مالكه حق بثمنه وغانمه أحق بعينه، ويجوز شراء أولاد أهل الحرب منهم كما يجوز سبيهن، ويجوز شراء أولاد أهل العهد منهم ولا يجوز سبيهن، ولا يجوز شراء أولاد أهل الذمة منهم ولا يجوز سبيهم.
ويجري على ما غنمته الواحد والاثنان حكم الغنيمة في أخذ خمسه. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يؤخذ خمسة حتى يكونوا سرية. واختلفوا في السرية، فقال أبو حنيفة ومحمد: السرية أن يكونوا عدداً ممتنعاً، وقال أبو يوسف: السرية تسعة فصاعداً، لأن سرية عبد الله بن جحش كانت تسعة وهذا غير معتبر عند أكثر الفقهاء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان الهذلي سرية وحدة فقتله، وبعث عمرو بن أمية الضمري وآخر معه سرية.
وإذا أسلم الأبوان كان إسلاماً لصغار أولادهما من ذكور وإناث ولا يكون إسلاماً للبالغين منهم إلا أن يكون البالغ مجنوناً، وقال مالك: يكون إسلام الأب إسلاماً لهم ولا يكون إسلام الأم إسلاماً لهم، ولا يكون إسلام الأطفال بأنفسهم إسلاماً ولا ردتهم ردة. وقال أبو حنيفة إسلام الطفل إسلام وردته ردة إذا كان يعقل ويميز لكن لا يقتل حتى يبلغ. وقال أبو يوسف يكون إسلام الطفل إسلاماً ولا تكون ردته ردة. وقال مالك في رواية معن عنه إن عرف نفسه صح إسلامه وإن لم يعرفها لم يصح.
وأما الأرضون إذا استولى عليها المسلمون فتقسم ثلاثة أقسام:
أحدها ما ملكت عنوة وقهراً حتى فارقوها بقتل أو أسر أو إجلاء؛ فقد اختلف الفقهاء في حكمها بعد استيلاء المسلمين عليها. فذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنها تكون غنيمة كالأموال تقسم بين الغانمين إلا أن يطيبو نفساً بتركها فتوقف على مصالح المسلمين. وقال مالك: تصير وقفاً على المسلمين حين غنمت، ولا يجوز قسمها بين الغانمين. وقال أبو حنيفة: الإمام فيها بالخيار بين قسمتها بين الغانمين فتكون أرضاً عشرية أو يعيدها إلى أيدي المشركين بخراج يضربه عليها فتكون أرض خراج ويكون المشركون بها أهل ذمة أو يقفها على كافة المسلمين وتصير هذه الأرض دار إسلام سواء سكنها المسلمون أو أعيد إليها المشركون لملك المسلمين لها، ولا يجوز أن يستنزل عنها للمشركين لئلا تصير دار حرب.
والقسم الثاني منها ما ملك منهم عفواً لانجلائهم عنها خوفاً فتصير بالاستيلاء عليها وقيل بل لا تصير وقفاً حتى يقفها الإمام لفظاً ويضرب عليها خراجاً يكون أجره لرقابها تؤخذ ممن عومل عليها من مسلم أو معاهد، ويجمع فيها بين خراجها أعشار زروعها وثمارها إلا أن تكون الثمار من نخل كانت فيها وقت الاستيلاء عليها، فتكون تلك النخل وقفاً معها لا يجب في ثمرها عشر، ويكون الإمام فيها مخيراً بين وضع الخراج عليها أو المسافاة على ثمرتها، ويكون ما استؤلف غرسه من النخل معشوراً وأرضه خراجاً. وقال أبو حنيفة: لا يجتمع العشر والخراج، ويسقط العشر بالخراج وتصير هذه الأرض دار إسلام، ولا يجوز بيع هذه الأرض ولا رهنها، ويجوز بيع ما استحدث فيها من نخل أو شجر.
والقسم الثالث أن يستولي عليها صلحاً عل أن تقر في أيديهم بخراج يؤدونه عنها، فهذا على ضربين: أحدهما أن يصالحهم على أن ملك الأرض لنا فتصير بهذا الصلح وقفاً من دار الإسلام؛ ولا يجوز بيعها ولا رهنها ويكون الخراج أجرة لا يسقط عنهم بإسلامهم فيؤخذ خراجها إذا انتقلت إلى غيرهم من المسلمين، وقد صاروا بهذا الصلح أهل عهد فإن بذلوا الجزي على رقابهم جاز إقرارهم فيها على التأييد، وإن منعوا الجزية لم يجبروا عليها ولم يقروا فيها إلا المدة التي يقر فيها أهل العهد وذلك أربعة أشهر، ولا يجاوزون السنة. وفي إقرارهم فيها ما بين الأربعة أشهر والستة وجهان. والضرب الثاني أن يصالحوا على أن الأرضين لهم ويضرب عليها خراج يؤدونه عنها، وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم، ولا تصير أرضهم دار إسلام وتكون دار عهد، ولهم بيعها ورهنها. وإذا انتقلت إلى مسلم لم يؤخذ خراجها ويقرون فيها ما أقاموا على الصلح، ولا تؤخذ جزية رقابهم لأنهم في غير دار الإسلام، وقال أبو حنيفة قد صارت دارهم بالصلح بعد استقراره معهم فقد اختلف فيهم فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنها إن ملكت أرضهم عليهم فهي على حمها، وإن لم تملك صارت الدار حرباً. وقال أبو حنيفة إن كان في دارهم مسلم أو كان بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين فهي دار حرب. وقال أبو يوسف ومحمد قد صارت دار حرب في الأمرين كليهما.
وأما الأموال المنقولة فهي الغنائم المألوفة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها على رأيه، ولما تنازع فيها المهاجرون والأنصار يوم بدر جعلها الله عز وجل ملكاً لرسوله يضعها حيث شاء: وروى أبو أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال يعني عن قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم".
فقال عبادة بن الصامت فينا أصحاب بدر أنزلت حين اختلفنا في النفل فساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله سبحانه من أيدينا فجعله إلى رسوله فقسمه بين المسلمين على سواء واصطفى من غنيمة بدر سيفه ذا الفقار وكان سيف منبه بن الحجاج، وأخذ منها سهمه ولم يخمسها إلى أن أنزل الله عز وجل بعد بدر قوله تعالى: "واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".
فتولى الله سبحانه قسمة الغنائم كما تولى قسمة الصدقات، فكان أول غنيمة خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر غنيمة بني قنيقناع.
وإذا جمعت الغنائم لم تقسم مع قيام الحرب حتى تتجلى، ليعلم بانجلائها تحقق الظفر واستقرار الملك، ولئلا يتشاغل المقاتلة بها فيهزموا، فإذا انجلت الحرب كانت تعجيل قسمتها في دار الحرب وجواز تأخيرها إلى دار الإسلام بحسب ما يراه أمير الجيش من الصلاح، وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يقسمها في دار الحرب حتى تصير إلى دار الإسلام فيقسمها حينئذ فإذا أراد قسمتها بدأ بأسلاب القتلى فأعطى كل قاتل سلب قتيله سواء شرط الإمام له ذلك أو لم يشرطه. وقال أبو حنيفة ومالك إن شرط لهم ذلك استحقوه، وإن لم يشترطه لهم كان غنيمة فيشتركون فيها وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حيازة الغنائم: "من قتل قتيلاً فله سلبه".
والشرط ما تقدم الغنيمة لا ما تأخر عنها، وقد أعطي أبا قتادة أسلاب قتلاه وكانوا عشرين قتيلاً. والسلب ما كان على المقتول من لباس يقيه وما كان معه من سلاح يقاتل به وما كان تحته من فرس يقاتل عليه، ولا يكون ما في المعسكر من أمواله سلباً وهل يكون ما في وسطه من مال وما بين يديه من حقيبة سلباً؟ فيه قولان، ولا يخمس السلب، وقال مالك، يؤخذ خمسة لأهل الخمس، فإذا فرغ من إعطاء السلب فقد اختلف فيما يصنعه بعد مالك، يؤخذ خمسة لأهل الخمس، فإذا فرغ من إعطاء السلب فقد اختلف فيما يصنعه بعد ذلك، فالصحيح من القولين أنه يبدأ بعد السلب بإخراج الخمس من جميع الغنيمة فيقسمه بين أهل الخمر على خمسة أسهم كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك: يقسم الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل. وقال ابن عباس: رضي الله عنه: يقسم الخمس على ستة أسهم: سهم لله تعالى يصرف في مصالح الكعبة.
وأهل الخمس في الغنيمة هم أهل الخمس في الفيء فيكون سهم من الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويصرف بعده للمصالح، والسهم الثاني لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب، والسهم الثالث لليتامى، والسهم الرابع للمساكين، والسهم الخامس لبني السبيل، ثم يرضخ بعد الخمس لأهل الرضخ؛ وهم في القول الثاني مقدمون على الخمس، وأهل الرضخ من لا سهم له من حاضري الوقعة من العبيد والنساء والصبيان والزمنى، وأهل الذمة يرضخ لهم من الغنيمة بحسب عنائهم ولا يبلغ برضيخ أحد منهم سهم فارس ولا راحل. فلو زال نقص أهل الرضخ بعد حضور الوقعة بعتق العبد وبلوغ الصبي وإسلام الكافر. فإن كان لك قبل انقضاء الحرب أسهم لهم ولم يرضخ، وإن كان ذلك بعد انقضائها رضخ لهم ولم يسهم، ثم تقسم الغنيمة بعد إخراج الخمس والرضخ منها بين من شهد الوقعة من أهل الجهاد، وهم الرجال الأحرار المسلمون الأصحاء يشرك فيها من قاتل ومن لم يقاتل، لأن من لم يقاتل عون للقاتل ورده له عند الحاجة، وقد اختلف في قوله تعالى: "وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا".
على تأويلين: أحدهما أنه تكثير السواد وهذا قول السدي وابن جريج: والثاني أنه المرابطة على الخيل وهو قول ابن عون. وتقسم الغنيمة بينهم قسمة الاستحقاق لا يرجع فيها إلى خيار القاسم ووالي الجهاد، وقال مالك: مال الغنيمة موقوف عل رأي الإمام، إن شاء قسمه بين الغانمين تسوية وتفضيلاً وإن شاء أشرك معهم غيرهم ممن لم يشهد الوقعة وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الغنيمة لمنة شهد الوقعة".
ما يدفع هذا المذهب. وإذا اختص بها من شهد الوقعة وجب أن يفضل الفارس على الراجل لفضل عنائه، واختلف في قدر تفضيله، فقال أبو حنيفة: يعطى الفارس سهمين والرجل سهماً واحداً. وقال الشافعي: يعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهماً واحداً ولا يعطى سهم الفارس إلا لأصحاب الخيل خاصة، ويعطى ركاب البغال والحمير والجمال والفيلة سهام الرجالة، ولا فرق بين عتاق الخيل وهجانها، وقال سليمان ربيعة لا يسهم إلا للعتاق السوابق. وإذا شهد الوقعة بفرس أسهم له وإن لم يقاتل عليه. وإذا خلفه في العسكر لم يسهم له. وإذا حضر الوقعة بأفراس لم يسهم إلا لفرس واحد وبه قال أبو حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: يسهم لفرسين وبه قال الأوزاعي. وقال ابن عيينة يسهم لما يحتاج إليه ولا سهم لما لا يحتاج إليه. ومن مات فرسه بعد حضور الوقعة أسهم له، ولو مات قبلها لم يسهم له، وكذلك لو كان هو الميت: وقال أبو حنيفة: إن مات هو وأفراسه بعد دخول دار الحرب أسهم له. وإذا جاءهم مدد قبل انجلاء الحرب شاركوهم في الغنيمة، وإن جاءوا بعد انجلائها لم يشاركوهم: وقال أبو حنيفة: إن دخلوا دار الحرب قبل انجلائها شاركوهم: ويسوى في قسمة الغنائم بين مرتزقة الجيش وبين المتطوعة إذا شهد جميعهم الوقعة: وإذا غزا قوم بغير إذن الإمام كان ما غنموه مخموساً. وقال أبو حنيفة لا بخمس. وقال الحسن: لا يملك ما غنموه.
وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان أو كان مأسوراً معهم فأطلقوه وأمنوه لم يجز أن يغتالهم في نفس ولا مال وعليه أن يؤمنهم. وقال داود أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم إلا أن يستأمنوه كما أمنوه فيلزمه الموادعة ويحرم عليه الاغتيال. وإذا كان في المقاتلة من ظهر عناؤه وأثر بلاؤه لشجاعته وإقدامه أخذ سهمه من الغنيمة أسوة غيره وزيد من سهم المصالح بحسب عنائه فإن لذي السابقة والإقدام حقاً لا يضاع قد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أول راية عقدها في الإسلام بعد عمه حمزة بن عبد المطلب لعبيدة بن الحارث في شهر ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة وتوجه معه سعد بن أبي وقاص إلى أدنى ماء بالحجاز وكان أمير المشركين عكرمة بن أبي جهل فرمى سعد ونكى، كان أول من رمى سهماً في سبيل الله فقال من الوافر:

ألا هل أتى رسول الله أنـي
***
حميت صحابتي بصدور نبلي
أذود بـهـا أوائلـهـم ذياداً
***
بكل حزونة وبكل سـهــل
فما يعـتـد رام فـي عـدو
***
بسهم يا رسول الله قبـلــي
وذلك أن دينـك دين صـدق
***
وذو حق أتيت بـه وعــدل

فلما قدم اعتذر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سبق إليه وتقدم فيه.

عدد المشاهدات *:
8915
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21/02/2014 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 21/02/2014

الأحكام السلطانية والولايات الدينية

روابط تنزيل : الباب الثاني عشر في قسم الفيء والغنيمة
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  الباب الثاني عشر في قسم الفيء والغنيمة لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الأحكام السلطانية والولايات الدينية


@designer
1