[ 2038 ] فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أبى هريرة فى خروج النبى صلى الله عليه و سلم وصاحبيه من الجوع وذهابهم إلى بيت الأنصارى وادخال امرأته إباهم ومجىء الأنصارى وفرحه بهم واكرامه لهم وهذا الأنصارى هو أبو الهيثم بن التيهان واسم أبى الهيثم مالك هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها قوله ( خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم أو ليلة فاذا هو بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما فقال ما أخرجكما من بيوتكما قالا الجوع يا رسول الله قال فانا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما قوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار إلى آخره ) هذا فيه ما كان عليه النبى صلى الله
(13/210)
عليه وسلم وكبار أصحابه رضى الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش فى أوقات وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم وهذا زعم باطل فان راوى الحديث أبو هريرة ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر فان قيل لايلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية فلعله سمعها من النبى صلى الله عليه و سلم أو غيره فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ولاضرورة إليه بل الصواب خلافه وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يتقلب فى اليسار والقلة حتى توفى صلى الله عليه و سلم فتارة يوسر وتارة ينفد ما عنده كما ثبت فى الصحيح عن أبى هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وعن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض وتوفى صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله وغير ذلك مما هو معروف فكان النبى صلى الله عليه و سلم فى وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده لاخراجه فى طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك وهكذا كان خلق صاحبيه رضى الله عنهما بل اكثر أصحابه وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضى الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه و سلم وإكرامهم إياه واتحافه بالطرف وغيرهما ربما لم يعرفوا حاجته فى بعض الأحيان لكونهم لايعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال فى ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه ولايعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبى صلى الله عليه و سلم وهو متمكن من إزالتها الا بادر إلى إزالتها لكن كان صلى الله عليه و سلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق وحملا عنهم وقد بادر أبو طلحة حين قال سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا ان شاء الله تعالى وكذا حديث أبى شعيب الأنصارى الذى سبق فى الباب قبله أنه عرف فى وجهه صلى الله عليه و سلم الجوع فبادر بصنيع الطعام وأشباه هذا كثيرة فى الصحيح مشهورة وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولايعلم أحد منهم ضرورة صاحبه الاسعى فى إزالتها وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بذلك فقال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة وقال تعالى رحماء
(13/211)
بينهم وأما قولهما رضى الله عنهما ( أخرجنا الجوع ) وقوله صلى الله عليه و سلم ( وأنا والذى نفسى بيده لأخرجني الذى أخرجكما ) فمعناه أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به فعرض لهما هذا الجوع الذى يزعجهما ويقلقهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها سعيا فى إزالته بالخروج فى طلب سبب مباح يدفعانه به وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات وقد نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين وبحضرة طعام تتوق النفس إليه وفى ثوب له أعلام وبحضرة المتحدثين وغير ذلك مما يشغل قلبه ونهى القاضي عن القضاء فى حال غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال الفكر والله أعلم وقوله ( بيوتكما ) هو بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما فى السبع وقوله صلى الله عليه و سلم وأنا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما فيه جواز ذكر الانسان ما يناله من ألم ونحوه لاعلى سبيل التشكى وعدم الرضا بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه و سلم هنا ولا لتماس دعاء أو مساعدة على التسبب فى إزالة ذلك العارض فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكيا وتسخطا وتجزعا وقوله صلى الله عليه و سلم ( فأنا ) هكذا هو فى بعض النسخ فأنا بالفاء وفى بعضها بالواو وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد تقدم قريبا بسط الكلام فيه وتقدم بيانه مرات وقوله صلى الله عليه و سلم ( قوموا فقاموا ) هكذا هو فى الأصول بضمير الجمع وهو جائز بلاخلاف لكن الجمهور يقولون اطلاقة على الاثنين مجاز وآخرون يقولون حقيقة وقوله ( فأتى رجلا من الأنصار ) هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت مع كسرها وفيه جواز الادلال على الصاحب الذى يوثق به كما ترجمنا له واستتباع جماعة إلى بيته وفيه منقبة لأبى الهيثم اذ جعله النبى صلى الله عليه و سلم أهلا لذلك وكفى به شرفا ذلك وقوله ( فقالت مرحبا وأهلا ) كلمتان معروفتان للعرب ومعناه صادفت رحبا وسعة وأهلا تأنس بهم وفيه استحباب اكرام الضيف بهذا القول وشبهه واظهار السرور بقدومه وجعله أهلا لذلك كل هذا وشبهه اكرام للضيف وقد قال صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة وجواز إذن المرأة فى دخول منزل زوجها
(13/212)
لمن علمت علما محققا أنه لايكرهه بحيث لايخلو بها الخلوة المحرمة وقولها ( ذهب يستعذب لنا الماء ) أى يأتينا بماء عذب وهو الطيب وفيه جوازاستعذابه وتطييبه قوله ( الحمد لله ما أحد اليوم أكرم ضيفا منى ) فيه فوائد منها استحباب حمدالله تعالى عند حصول نعمة ظاهرة وكذا يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة وفى غير ذلك من الأحوال وقد جمعت فى ذلك قطعة صالحة فى كتاب الأذكار ومنها استحباب اظهار البشر والفرح بالضيف فى وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه ان لم يخف عليه فتنة فان خاف لم يثن عليه فى وجهه وهذا طريق الجمع بين الأحاديث الواردة بجواز ذلك ومنعه وقد جمعتها مع بسط الكلام فيها فى كتاب الأذكار وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصارى وبلاغته وعظيم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع فى الحسن فى هذا الموطن رضى الله عنه قوله ( فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذه ) العذق هنا بكسر العين وهى الكباسة وهى الغصن من النخل وانما أتى بهذا العذق الملون ليكون أطرف وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر واكرامه بعده بطعام يصنعه له لاسيما ان غلب على ظنه حاجته فى الحال إلى الطعام وقد يكون شديد الحاجة إلى التعجيل وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الاخلاص وكمال السرور بالضيف وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف وقد يحضر شيئا يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه وأنه يتكلفه له فيتأذى الضيف لشفقته عليه وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه لأن أكمل اكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به وأما فعل
(13/213)
الأنصارى وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه بل لو ذبح أغناما بل جمالا وأنفق أموالا فى ضيافة رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه رضى الله عنهما كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه والله أعلم قوله ( وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم اياك والحلوب ) المدية بضم الميم وكسرها هي السكين وتقدم بيانها مرات والحلوب ذات اللبن فعول بمعنى مفعول كركوب ونظائره قوله ( فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما والذى نفسى بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ) فيه دليل على جواز الشبع وما جاء فى كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسى القلب وينسى أمر المحتاجين وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض المراد السؤال عن القيام بحق شكره والذى نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة باسباغها لاسؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم قوله فى إسناد الطريق الثانى ( وحدثنى إسحاق بن منصور أنبأنا أبو هشام يعنى المغيرة بن سلمة أنبأنا يزيد أنبأنا أبو حازم قال سمعت أبا هريرة يقول ) هكذا وقع هذا الاسناد فى النسخ ببلادنا وحكى القاضي عياض أنه وقع هكذا فى رواية بن ماهان وفى رواية الرازى من طريق الجلودى وأنه وقع من رواية السنجرى عن الجلودى بزيادة رجل بين المغيرة بن سلمة ويزيد بن كيسان هو عبد الواحد بن زياد قال أبو على الجيانى ولابد من إثبات عبد الواحد ولايتصل الحديث
(13/214)
إلا به قال وكذلك خرجه أبومسعود الدمشقى فى الأطراف عن مسلم عن إسحاق عن مغيرة عن عبد الواحد عن يزيد بن أبى كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال الجيانى وما وقع فى رواية بن ماهان وغيره من إسقاطه خطأ بين قلت ونقله خلف الواسطى فى الأطراف باسقاط عبد الواحد والظاهر الذى يقتضيه حال مغيرة ويزيد أنه لابد من إثبات عبد الواحد كما قاله الجيانى والله أعلم هذا ما يتعلق بالحديث الأول أما الحديث الثانى وهو حديث طعام جابر ففيه أنواع من الفوائد وجمل من القواعد منها الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر وحصل العلم القطعى بالمعنى الذى اشتركت فيه هذه الأحاد وهو انخراق العادة بما أتى به صلى الله عليه و سلم من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة ونبع الماء وتكثيره وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة كالدلائل للقفال الشاشى وصاحبه أبى عبد الله الحليمىوأبى بكر البيهقى الامام الحافظ وغيرهم بما هو مشهور وأحسنها كتاب البيهقى فلل ه الحمد على ماأنعم به على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وعلينا باكرامه صلى الله عليه و سلم وبالله التوفيق [ 2039 ] قوله ( حدثنا سعيد بن ميناء ) هو بالمد والقصر وقد تقدم بيانه مرات قوله ( رأيت النبى صلى الله عليه و سلم خمصا ) هو بفتح الخاء والميم أى رأيته ضامر البطن من الجوع قوله ( فانكفأت إلى امرأتى ) أى انقلبت ورجعت ووقع فى نسخ فانكفيت وهو خلاف المعروف فى اللغة بل الصواب انكفأت بالهمز
(13/215)
قوله ( فأخرجت لى جرابا ) وهو وعاء من جلد معروف بكسر الجيم وفتحها الكسر أشهر وقد سبق بيانه قوله ( ولنا بهيمة داجن ) هي بضم الياء تصغير بهيمة وهى الصغيرة من أولاد الضأن قال الجوهرى وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز وقد سبق قريبا أن الداجن ما ألف البيوت قوله ( فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ) فيه جواز المساررة بالحاجة بحضرة الجماعة وانما نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث كما سنوضحه فى موضعه إن شاء الله تعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( ان جابرا قد صنع لكم سورا فحى هلابكم ) أما السور فبضم السين وإسكان الواو غير مهموز وهو الطعام الذى يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا وهى لفظة فارسية وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم تكلم بألفاظ غير العربية فيدل على جوازه وأما حى هلا بتنوين هلا وقيل بلا تنوين على وزن علا ويقال حى هل فمعناه عليك بكذا إو ادع بكذا قاله أبوعبيد وغيره وقيل معناه اعجل به وقال الهروى معناه هات وعجل به قوله ( وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم الناس ) انما فعل هذا لأنه صلى الله عليه و سلم دعاهم فجاؤا تبعا له كصاحب الطعام اذا دعا طائفة يمشى قدامهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير هذا الحال لا يتقدمهم ولا يمكنهم من وطء
(13/216)
عقبيه وفعله هنا لهذه المصلحة قوله ( حتى جئت امرأتى فقالت بك وبك ) أى ذمته ودعت عليه وقيل معناه بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الذم وقيل معناه جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك قوله ( قد فعلت الذى قلت لى ) معناه أنى أخبرت النبى صلى الله عليه و سلم بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة قوله ( ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادعى خابزة فلتخبز معك ) هذه اللفظة وهى ادعى وقعت فى بعض الأصول هكذا ادعى بعين ثم ياء وهو الصحيح الظاهر لأنه خطاب للمرأة ولهذا قال فلتخبز معك وفى بعضها اذعونى بواو ونون وفى بعضها ادعنى وهما أيضا صحيحان وتقديره اطلبوا واطلب لى خابزة وقوله عمد بفتح الميم وقوله بصق هكذا هو فى أكثر الأصول وفى بعضها بسق وهى لغة قليلة والمشهور بصق وبزق وحكى جماعة من أهل اللغة بسق لكنها قليلة كما ذكرنا قوله صلى الله عليه و سلم ( واقدحي من برمتكم ) أى اغرفى والقدح المغرفة يقال قدحت المرق أقدحه بفتح الدال غرفته قوله ( وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وإن عجينتنا لتخبز كما هو ) قوله تركوه وانحرفوا أى شبعوا وانصرفوا وقوله تغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أى تغلى ويسمع غليانها وقوله كما هو يعود إلى العجين وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام القليل والثانى علمه صلى الله عليه و سلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفا وزيادة فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة والله أعلم وأما الحديث الثالث وهو حديث أنس فى طعام أبى طلحة ففيه أيضا هذان العلمان من أعلام النبوة وهما تكثير القليل وعلمه
(13/217)
صلى الله عليه و سلم بأن هذا القليل سيكثره الله تعالى فيكفى هؤلاء الخلق الكثير فدعاهم له واعلم أن أنسا رضى الله عنه روى هنا حديثين الأول من طريق والثانى من طريق وهما قضيتان جرت فيهما هاتان المعجزتان وغيرهما من المعجزات ففى الحديث الأول أن أبا طلحة وأم سليم رضى الله عنهما أرسلا أنسا رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه و سلم بأقراص شعير قال أنس فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا فى المسجد ومعه أصحابه فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم فقال الطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلمى ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به صلى الله عليه و سلم ففت وعصرت عليه عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون قوله صلى الله
(13/218)
عليه وسلم [ 2040 ] ( أرسلك أبو طلحة فقلت نعم ) وقوله ( ألطعام فقلت نعم ) هذان علمان من أعلام النبوة وذهابه صلى الله عليه و سلم بهم علم ثالث كما سبق وتكثير الطعام علم رابع وفيه ما تقدم فى حديث أبى هريرة وحديث جابر من ابتلاء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه والاختبار بالجوع وغيره من المشاق ليصبروا فيعظم أجرهم ومنازلهم وفيه ما كانوا عليه من كتمان مابهم وفيه ما كانت الصحابة رضى الله عنهم عليه من الاعتناء بأحوال رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيه استحباب بعث الهدية وان كانت قليلة بالنسبة إلى مرتبة المبعوث إليه لأنها وان قلت فهي خير من العدم وفيه جلوس العالم لأصحابه يفيدهم ويؤدبهم واستحباب ذلك فى المساجد وفيه انطلاق صاحب الطعام بين يدى الضيفان وخروجه ليتلقاهم وفيه منقبة لأم سليم رضى الله عنها ودلالة على عظيم فقهها ورجحان عقلها لقولها الله ورسوله أعلم ومعناه أنه قد عرف الطعام فهو أعلم بالمصلحة فلو لم يعلمها فى مجئ الجمع العظيم لم يفعلها فلاتحزن من ذلك وفيه استحباب فت الطعام واختيار الثريد على الغمس باللقم وقوله ( عصرت عليه عكة ) هي بضم العين وتشديد الكاف وهى وعاء صغير من جلد للسمن خاصة وقوله ( فآدمته ) هو بالمد والقصر لغتان آدمته وأدمته أي جعلت فيه إداما وانما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التى فت فيها تلك الأقراص
(13/219)
لايتحلق عليها أكثر من عشرة الابضرر يلحقهم لبعدها عنهم والله أعلم وأما الحديث الآخر ففيه أن أنسا قال بعثنى أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأدعوه وقد جعل طعاما فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه و سلم مع الناس فنظر إلى فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا وذكر الحديث وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه وهذا الحديث قضية أخرى بلاشك
(13/220)
وفيها ما سبق فى الحديث الأول وزيادة هذا العلم الآخر من أعلام النبوة وهو اخراج ذلك الشئ من بين أصابعه الكريمات صلى الله عليه و سلم قوله ( وتركوا سؤرا ) هو بالهمزأى بقية قوله ( فقام أبو طلحة على الباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له يارسول الله إنما كان شئ يسير قال هلمه فان الله سيجعل فيه البركة ) أما قيام أبى طلحة فلانتظار اقبال النبى صلى الله عليه و سلم فلماأقبل تلقاه وقوله إنما كان شئ يسير هكذا هو فى الأصول وهو صحيح وكان هنا تامة لاتحتاج خبرا وقوله صلى الله عليه و سلم ( فإن الله سيجعل فيه البركة ) فيه علم ظاهر من
(13/221)
أعلام النبوة وقوله ( ثم أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكل أهل البيت ) فيه أن يستحب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان والله أعلم قوله ( يتقلب ظهرا لبطن ) وفي الرواية الأخرى وقد عصب بطنه بعصابة لا مخالفه بينهما وأحدهما يبين الآخر ويقال عصب وعصب بالتخفيف والتشديد قوله ( فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج
(13/222)
أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه ) فيه استعمال المجاز لقوله يا أبتاه وانما هو زوج أمه وقوله بنت ملحان هو بكسر الميم والله أعلم
(13/210)
عليه وسلم وكبار أصحابه رضى الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش فى أوقات وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم وهذا زعم باطل فان راوى الحديث أبو هريرة ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر فان قيل لايلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية فلعله سمعها من النبى صلى الله عليه و سلم أو غيره فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ولاضرورة إليه بل الصواب خلافه وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يتقلب فى اليسار والقلة حتى توفى صلى الله عليه و سلم فتارة يوسر وتارة ينفد ما عنده كما ثبت فى الصحيح عن أبى هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وعن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض وتوفى صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله وغير ذلك مما هو معروف فكان النبى صلى الله عليه و سلم فى وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده لاخراجه فى طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك وهكذا كان خلق صاحبيه رضى الله عنهما بل اكثر أصحابه وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضى الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه و سلم وإكرامهم إياه واتحافه بالطرف وغيرهما ربما لم يعرفوا حاجته فى بعض الأحيان لكونهم لايعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال فى ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه ولايعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبى صلى الله عليه و سلم وهو متمكن من إزالتها الا بادر إلى إزالتها لكن كان صلى الله عليه و سلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق وحملا عنهم وقد بادر أبو طلحة حين قال سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا ان شاء الله تعالى وكذا حديث أبى شعيب الأنصارى الذى سبق فى الباب قبله أنه عرف فى وجهه صلى الله عليه و سلم الجوع فبادر بصنيع الطعام وأشباه هذا كثيرة فى الصحيح مشهورة وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولايعلم أحد منهم ضرورة صاحبه الاسعى فى إزالتها وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بذلك فقال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة وقال تعالى رحماء
(13/211)
بينهم وأما قولهما رضى الله عنهما ( أخرجنا الجوع ) وقوله صلى الله عليه و سلم ( وأنا والذى نفسى بيده لأخرجني الذى أخرجكما ) فمعناه أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به فعرض لهما هذا الجوع الذى يزعجهما ويقلقهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها سعيا فى إزالته بالخروج فى طلب سبب مباح يدفعانه به وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات وقد نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين وبحضرة طعام تتوق النفس إليه وفى ثوب له أعلام وبحضرة المتحدثين وغير ذلك مما يشغل قلبه ونهى القاضي عن القضاء فى حال غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال الفكر والله أعلم وقوله ( بيوتكما ) هو بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما فى السبع وقوله صلى الله عليه و سلم وأنا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما فيه جواز ذكر الانسان ما يناله من ألم ونحوه لاعلى سبيل التشكى وعدم الرضا بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه و سلم هنا ولا لتماس دعاء أو مساعدة على التسبب فى إزالة ذلك العارض فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكيا وتسخطا وتجزعا وقوله صلى الله عليه و سلم ( فأنا ) هكذا هو فى بعض النسخ فأنا بالفاء وفى بعضها بالواو وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد تقدم قريبا بسط الكلام فيه وتقدم بيانه مرات وقوله صلى الله عليه و سلم ( قوموا فقاموا ) هكذا هو فى الأصول بضمير الجمع وهو جائز بلاخلاف لكن الجمهور يقولون اطلاقة على الاثنين مجاز وآخرون يقولون حقيقة وقوله ( فأتى رجلا من الأنصار ) هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت مع كسرها وفيه جواز الادلال على الصاحب الذى يوثق به كما ترجمنا له واستتباع جماعة إلى بيته وفيه منقبة لأبى الهيثم اذ جعله النبى صلى الله عليه و سلم أهلا لذلك وكفى به شرفا ذلك وقوله ( فقالت مرحبا وأهلا ) كلمتان معروفتان للعرب ومعناه صادفت رحبا وسعة وأهلا تأنس بهم وفيه استحباب اكرام الضيف بهذا القول وشبهه واظهار السرور بقدومه وجعله أهلا لذلك كل هذا وشبهه اكرام للضيف وقد قال صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة وجواز إذن المرأة فى دخول منزل زوجها
(13/212)
لمن علمت علما محققا أنه لايكرهه بحيث لايخلو بها الخلوة المحرمة وقولها ( ذهب يستعذب لنا الماء ) أى يأتينا بماء عذب وهو الطيب وفيه جوازاستعذابه وتطييبه قوله ( الحمد لله ما أحد اليوم أكرم ضيفا منى ) فيه فوائد منها استحباب حمدالله تعالى عند حصول نعمة ظاهرة وكذا يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة وفى غير ذلك من الأحوال وقد جمعت فى ذلك قطعة صالحة فى كتاب الأذكار ومنها استحباب اظهار البشر والفرح بالضيف فى وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه ان لم يخف عليه فتنة فان خاف لم يثن عليه فى وجهه وهذا طريق الجمع بين الأحاديث الواردة بجواز ذلك ومنعه وقد جمعتها مع بسط الكلام فيها فى كتاب الأذكار وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصارى وبلاغته وعظيم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع فى الحسن فى هذا الموطن رضى الله عنه قوله ( فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذه ) العذق هنا بكسر العين وهى الكباسة وهى الغصن من النخل وانما أتى بهذا العذق الملون ليكون أطرف وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر واكرامه بعده بطعام يصنعه له لاسيما ان غلب على ظنه حاجته فى الحال إلى الطعام وقد يكون شديد الحاجة إلى التعجيل وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الاخلاص وكمال السرور بالضيف وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف وقد يحضر شيئا يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه وأنه يتكلفه له فيتأذى الضيف لشفقته عليه وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه لأن أكمل اكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به وأما فعل
(13/213)
الأنصارى وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه بل لو ذبح أغناما بل جمالا وأنفق أموالا فى ضيافة رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه رضى الله عنهما كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه والله أعلم قوله ( وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم اياك والحلوب ) المدية بضم الميم وكسرها هي السكين وتقدم بيانها مرات والحلوب ذات اللبن فعول بمعنى مفعول كركوب ونظائره قوله ( فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما والذى نفسى بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ) فيه دليل على جواز الشبع وما جاء فى كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسى القلب وينسى أمر المحتاجين وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض المراد السؤال عن القيام بحق شكره والذى نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة باسباغها لاسؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم قوله فى إسناد الطريق الثانى ( وحدثنى إسحاق بن منصور أنبأنا أبو هشام يعنى المغيرة بن سلمة أنبأنا يزيد أنبأنا أبو حازم قال سمعت أبا هريرة يقول ) هكذا وقع هذا الاسناد فى النسخ ببلادنا وحكى القاضي عياض أنه وقع هكذا فى رواية بن ماهان وفى رواية الرازى من طريق الجلودى وأنه وقع من رواية السنجرى عن الجلودى بزيادة رجل بين المغيرة بن سلمة ويزيد بن كيسان هو عبد الواحد بن زياد قال أبو على الجيانى ولابد من إثبات عبد الواحد ولايتصل الحديث
(13/214)
إلا به قال وكذلك خرجه أبومسعود الدمشقى فى الأطراف عن مسلم عن إسحاق عن مغيرة عن عبد الواحد عن يزيد بن أبى كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال الجيانى وما وقع فى رواية بن ماهان وغيره من إسقاطه خطأ بين قلت ونقله خلف الواسطى فى الأطراف باسقاط عبد الواحد والظاهر الذى يقتضيه حال مغيرة ويزيد أنه لابد من إثبات عبد الواحد كما قاله الجيانى والله أعلم هذا ما يتعلق بالحديث الأول أما الحديث الثانى وهو حديث طعام جابر ففيه أنواع من الفوائد وجمل من القواعد منها الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر وحصل العلم القطعى بالمعنى الذى اشتركت فيه هذه الأحاد وهو انخراق العادة بما أتى به صلى الله عليه و سلم من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة ونبع الماء وتكثيره وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة كالدلائل للقفال الشاشى وصاحبه أبى عبد الله الحليمىوأبى بكر البيهقى الامام الحافظ وغيرهم بما هو مشهور وأحسنها كتاب البيهقى فلل ه الحمد على ماأنعم به على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وعلينا باكرامه صلى الله عليه و سلم وبالله التوفيق [ 2039 ] قوله ( حدثنا سعيد بن ميناء ) هو بالمد والقصر وقد تقدم بيانه مرات قوله ( رأيت النبى صلى الله عليه و سلم خمصا ) هو بفتح الخاء والميم أى رأيته ضامر البطن من الجوع قوله ( فانكفأت إلى امرأتى ) أى انقلبت ورجعت ووقع فى نسخ فانكفيت وهو خلاف المعروف فى اللغة بل الصواب انكفأت بالهمز
(13/215)
قوله ( فأخرجت لى جرابا ) وهو وعاء من جلد معروف بكسر الجيم وفتحها الكسر أشهر وقد سبق بيانه قوله ( ولنا بهيمة داجن ) هي بضم الياء تصغير بهيمة وهى الصغيرة من أولاد الضأن قال الجوهرى وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز وقد سبق قريبا أن الداجن ما ألف البيوت قوله ( فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ) فيه جواز المساررة بالحاجة بحضرة الجماعة وانما نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث كما سنوضحه فى موضعه إن شاء الله تعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( ان جابرا قد صنع لكم سورا فحى هلابكم ) أما السور فبضم السين وإسكان الواو غير مهموز وهو الطعام الذى يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا وهى لفظة فارسية وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم تكلم بألفاظ غير العربية فيدل على جوازه وأما حى هلا بتنوين هلا وقيل بلا تنوين على وزن علا ويقال حى هل فمعناه عليك بكذا إو ادع بكذا قاله أبوعبيد وغيره وقيل معناه اعجل به وقال الهروى معناه هات وعجل به قوله ( وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم الناس ) انما فعل هذا لأنه صلى الله عليه و سلم دعاهم فجاؤا تبعا له كصاحب الطعام اذا دعا طائفة يمشى قدامهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير هذا الحال لا يتقدمهم ولا يمكنهم من وطء
(13/216)
عقبيه وفعله هنا لهذه المصلحة قوله ( حتى جئت امرأتى فقالت بك وبك ) أى ذمته ودعت عليه وقيل معناه بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الذم وقيل معناه جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك قوله ( قد فعلت الذى قلت لى ) معناه أنى أخبرت النبى صلى الله عليه و سلم بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة قوله ( ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادعى خابزة فلتخبز معك ) هذه اللفظة وهى ادعى وقعت فى بعض الأصول هكذا ادعى بعين ثم ياء وهو الصحيح الظاهر لأنه خطاب للمرأة ولهذا قال فلتخبز معك وفى بعضها اذعونى بواو ونون وفى بعضها ادعنى وهما أيضا صحيحان وتقديره اطلبوا واطلب لى خابزة وقوله عمد بفتح الميم وقوله بصق هكذا هو فى أكثر الأصول وفى بعضها بسق وهى لغة قليلة والمشهور بصق وبزق وحكى جماعة من أهل اللغة بسق لكنها قليلة كما ذكرنا قوله صلى الله عليه و سلم ( واقدحي من برمتكم ) أى اغرفى والقدح المغرفة يقال قدحت المرق أقدحه بفتح الدال غرفته قوله ( وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وإن عجينتنا لتخبز كما هو ) قوله تركوه وانحرفوا أى شبعوا وانصرفوا وقوله تغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أى تغلى ويسمع غليانها وقوله كما هو يعود إلى العجين وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام القليل والثانى علمه صلى الله عليه و سلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفا وزيادة فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة والله أعلم وأما الحديث الثالث وهو حديث أنس فى طعام أبى طلحة ففيه أيضا هذان العلمان من أعلام النبوة وهما تكثير القليل وعلمه
(13/217)
صلى الله عليه و سلم بأن هذا القليل سيكثره الله تعالى فيكفى هؤلاء الخلق الكثير فدعاهم له واعلم أن أنسا رضى الله عنه روى هنا حديثين الأول من طريق والثانى من طريق وهما قضيتان جرت فيهما هاتان المعجزتان وغيرهما من المعجزات ففى الحديث الأول أن أبا طلحة وأم سليم رضى الله عنهما أرسلا أنسا رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه و سلم بأقراص شعير قال أنس فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا فى المسجد ومعه أصحابه فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم فقال الطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلمى ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به صلى الله عليه و سلم ففت وعصرت عليه عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون قوله صلى الله
(13/218)
عليه وسلم [ 2040 ] ( أرسلك أبو طلحة فقلت نعم ) وقوله ( ألطعام فقلت نعم ) هذان علمان من أعلام النبوة وذهابه صلى الله عليه و سلم بهم علم ثالث كما سبق وتكثير الطعام علم رابع وفيه ما تقدم فى حديث أبى هريرة وحديث جابر من ابتلاء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه والاختبار بالجوع وغيره من المشاق ليصبروا فيعظم أجرهم ومنازلهم وفيه ما كانوا عليه من كتمان مابهم وفيه ما كانت الصحابة رضى الله عنهم عليه من الاعتناء بأحوال رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيه استحباب بعث الهدية وان كانت قليلة بالنسبة إلى مرتبة المبعوث إليه لأنها وان قلت فهي خير من العدم وفيه جلوس العالم لأصحابه يفيدهم ويؤدبهم واستحباب ذلك فى المساجد وفيه انطلاق صاحب الطعام بين يدى الضيفان وخروجه ليتلقاهم وفيه منقبة لأم سليم رضى الله عنها ودلالة على عظيم فقهها ورجحان عقلها لقولها الله ورسوله أعلم ومعناه أنه قد عرف الطعام فهو أعلم بالمصلحة فلو لم يعلمها فى مجئ الجمع العظيم لم يفعلها فلاتحزن من ذلك وفيه استحباب فت الطعام واختيار الثريد على الغمس باللقم وقوله ( عصرت عليه عكة ) هي بضم العين وتشديد الكاف وهى وعاء صغير من جلد للسمن خاصة وقوله ( فآدمته ) هو بالمد والقصر لغتان آدمته وأدمته أي جعلت فيه إداما وانما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التى فت فيها تلك الأقراص
(13/219)
لايتحلق عليها أكثر من عشرة الابضرر يلحقهم لبعدها عنهم والله أعلم وأما الحديث الآخر ففيه أن أنسا قال بعثنى أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأدعوه وقد جعل طعاما فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه و سلم مع الناس فنظر إلى فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا وذكر الحديث وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه وهذا الحديث قضية أخرى بلاشك
(13/220)
وفيها ما سبق فى الحديث الأول وزيادة هذا العلم الآخر من أعلام النبوة وهو اخراج ذلك الشئ من بين أصابعه الكريمات صلى الله عليه و سلم قوله ( وتركوا سؤرا ) هو بالهمزأى بقية قوله ( فقام أبو طلحة على الباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له يارسول الله إنما كان شئ يسير قال هلمه فان الله سيجعل فيه البركة ) أما قيام أبى طلحة فلانتظار اقبال النبى صلى الله عليه و سلم فلماأقبل تلقاه وقوله إنما كان شئ يسير هكذا هو فى الأصول وهو صحيح وكان هنا تامة لاتحتاج خبرا وقوله صلى الله عليه و سلم ( فإن الله سيجعل فيه البركة ) فيه علم ظاهر من
(13/221)
أعلام النبوة وقوله ( ثم أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكل أهل البيت ) فيه أن يستحب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان والله أعلم قوله ( يتقلب ظهرا لبطن ) وفي الرواية الأخرى وقد عصب بطنه بعصابة لا مخالفه بينهما وأحدهما يبين الآخر ويقال عصب وعصب بالتخفيف والتشديد قوله ( فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج
(13/222)
أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه ) فيه استعمال المجاز لقوله يا أبتاه وانما هو زوج أمه وقوله بنت ملحان هو بكسر الميم والله أعلم
عدد المشاهدات *:
427195
427195
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 28/03/2015