هذان الحديثان في بيان فضل صلة الرحم ، والرحم سبق لنا أنهم هم الأقارب ، وصلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس ؛ لأنه لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنساها ولا مقدارها ؛ لأن النبي صلى عليه الله وسلم لم يقيده بشيء معين، فلم يقيده بأن يأكلوا معك أو يشربوا معك ، أو يكتسوا معك ؛ أو يسكنوا معك ، بل أطلق ، ولذلك يرجع فيها للعرف ، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة ، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة ، هذا هو الأصل .
فلو فرض أن االأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة ، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العرف ؛ لأن هذا العرف ليس عرفاً إسلامياً ، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلائم أسرها ، ولا يعرف بعضهم بعضاً ، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مثله مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً ؛ لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام ، ولا يعرفون حسن الجوار ، وكل أمورهم فوضى فاسدة ؛ لأن الكفر دمرهم تدميراً والعياذ بالله لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ ، فما عده الناس صلة فهو صلة ، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة .
وفي حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها ، وفي هذا الحديث حث وترغيب في صلة الرحم ، فإذا أردت أن يصلك الله ـ وكل إنساك يريد أن يصله ربه ـ فصل رحمك ، وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك ، جزاء وفاقاً ، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل ؛ كان الله له أوصل ، وكلما قصر جاءه من الثوب بقدر ما عمل ، لا يظلم الله أحداً .
وذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ قوله سبحانه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) فبين سبحانه وتعالى أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله أي : مطرودون ومبعدون عن رحمة الله ، وقد أصمهم الله أي : جعلهم لا يسمعون الحق ، ولو سمعوا ما انتفعوا به ، وأعمى أبصارهم ؛ فلا يرون الحق ، ولو رأوه لم ينتفعوا به ، فسد عنهم طرق الخير ؛ لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب ، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير ، والعياذ بالله .
وقد ذكر أهل العلم من جملة الصلة النفقة على الأقارب ، فقالوا : إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم ، فإنه يلزمه النفقة عليهم ؛ كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق ، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنياً ، وأخوه فقيراً عاجزاً عن التكسب ، فإن هذا من جملة الصلة.
وقالوا أيضاً : إن من جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه ؛ لأن إعفاف الإنسان من أشد الحاجات .
وعلى هذا فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه ، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب ، وجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوة ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه ، وأن يزوجه أيضاً إذا احتاج إلى النكاح ؛ لأن الإعفاف من أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم .
وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئاً أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [الأنبياء:7]
والحديث الثاني في بيان أحق الناس بحسن صحبة الإنسان ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بذلك الأم ، فأعيد عليه السؤال فقال : أمك مرة ثانية ، كرر ذلك ثلاث مرات ، ثم بعد ذلك الأب ؛ لأن الأم حصل عليها من العناء والمشقة للولد ما لم يحصل لغيرها ؛ حملته أمه وهنا على وهن ، حملته كرها ً ووضعته كرهاً ، وفي الليل تمهد وتهدئه حتى ينام ، وإذا أتاه ما يؤلمه لم تنم الليلة حتى ينام .ثم إنها تفديه بنفسها بالتدفئة عند البرد ، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقهما مضاعفاً ثلاث مرات على حق الأب.
ثم إنها أيضاً ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها ، فلهذا أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، وأوصى بالأب مرة واحدة ، وفي هذا الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضاً بقدر المستطاع . أعاننا الله والمسلمين على ذلك .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ووصلنا والمسلمين بفضله وإحسانه .
(135) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5987 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب صلة الرحم . . . ، رقم ( 2554 ) .
(136) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5988 ) .
(137) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بالصحبة ، رقم ( 5971 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . .، رقم (2548) .
(138) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . ، رقم ( 2548 ) [2] .
فلو فرض أن االأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة ، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العرف ؛ لأن هذا العرف ليس عرفاً إسلامياً ، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلائم أسرها ، ولا يعرف بعضهم بعضاً ، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مثله مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً ؛ لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام ، ولا يعرفون حسن الجوار ، وكل أمورهم فوضى فاسدة ؛ لأن الكفر دمرهم تدميراً والعياذ بالله لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ ، فما عده الناس صلة فهو صلة ، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة .
وفي حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها ، وفي هذا الحديث حث وترغيب في صلة الرحم ، فإذا أردت أن يصلك الله ـ وكل إنساك يريد أن يصله ربه ـ فصل رحمك ، وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك ، جزاء وفاقاً ، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل ؛ كان الله له أوصل ، وكلما قصر جاءه من الثوب بقدر ما عمل ، لا يظلم الله أحداً .
وذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ قوله سبحانه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) فبين سبحانه وتعالى أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله أي : مطرودون ومبعدون عن رحمة الله ، وقد أصمهم الله أي : جعلهم لا يسمعون الحق ، ولو سمعوا ما انتفعوا به ، وأعمى أبصارهم ؛ فلا يرون الحق ، ولو رأوه لم ينتفعوا به ، فسد عنهم طرق الخير ؛ لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب ، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير ، والعياذ بالله .
وقد ذكر أهل العلم من جملة الصلة النفقة على الأقارب ، فقالوا : إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم ، فإنه يلزمه النفقة عليهم ؛ كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق ، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنياً ، وأخوه فقيراً عاجزاً عن التكسب ، فإن هذا من جملة الصلة.
وقالوا أيضاً : إن من جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه ؛ لأن إعفاف الإنسان من أشد الحاجات .
وعلى هذا فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه ، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب ، وجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوة ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه ، وأن يزوجه أيضاً إذا احتاج إلى النكاح ؛ لأن الإعفاف من أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم .
وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئاً أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [الأنبياء:7]
والحديث الثاني في بيان أحق الناس بحسن صحبة الإنسان ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بذلك الأم ، فأعيد عليه السؤال فقال : أمك مرة ثانية ، كرر ذلك ثلاث مرات ، ثم بعد ذلك الأب ؛ لأن الأم حصل عليها من العناء والمشقة للولد ما لم يحصل لغيرها ؛ حملته أمه وهنا على وهن ، حملته كرها ً ووضعته كرهاً ، وفي الليل تمهد وتهدئه حتى ينام ، وإذا أتاه ما يؤلمه لم تنم الليلة حتى ينام .ثم إنها تفديه بنفسها بالتدفئة عند البرد ، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقهما مضاعفاً ثلاث مرات على حق الأب.
ثم إنها أيضاً ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها ، فلهذا أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، وأوصى بالأب مرة واحدة ، وفي هذا الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضاً بقدر المستطاع . أعاننا الله والمسلمين على ذلك .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ووصلنا والمسلمين بفضله وإحسانه .
(135) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5987 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب صلة الرحم . . . ، رقم ( 2554 ) .
(136) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5988 ) .
(137) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بالصحبة ، رقم ( 5971 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . .، رقم (2548) .
(138) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . ، رقم ( 2548 ) [2] .
عدد المشاهدات *:
419830
419830
عدد مرات التنزيل *:
177242
177242
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 19/04/2015