اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
????????????? ??????????? ???????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????????? ?????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

مصرف

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
سيرة الخلفاء
سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي
المبحث الرابع حقيقة العلاقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان بن عفان رضي الله عنهما
الكتب العلمية
الفصل الخامس مؤسسة الولاة في عهد عثمان

المبحث الرابع حقيقة العلاقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان بن عفان رضي الله عنهما

أولاً: مجمل القصة:

إن مبغضي عثمان بن عفان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر إلى الربذة، وزعم بعض المؤرخين أن ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) لقي أبا ذر في الشام وأوحى إليه بمذهب القناعة والزهد، ومواساة الفقراء، ووجوب إنفاق المال الزائد عن الحاجة، وجعله يعيب معاوية، فأخذه عبادة بن الصامت إلى معاوية، وقال له: هذا والله الذي بعث إليك أبا ذر فأخرج معاوية أبا ذر من الشام.([1]) وقد حاول أحمد أمين أن يوجد شبها بين رأي أبي ذر ورأي مزدك الفارسي، وقال بأن وجه الشبه جاء من أن ابن سبأ كان في اليمن، وطَوَّف في العراق، وكان الفرس في اليمن والعراق قبل الإسلام، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق، واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها.([2])

وكل ما قيل في قصة أبي ذر مما يشنع به على عثمان بن عفان باطل، لا يبنى على رواية صحيحة، وكل ما قيل حول اتصال أبي ذر بابن السوداء باطل لا محالة([3])، والصحيح: أن أبا ذر نزل في الربذة باختياره، وأن ذلك كان بسبب اجتهاد أبي ذر في فهم آية خالف فيها الصحابة، وأصر على رأيه، فلم يوافقه أحد عليه فطلب أن ينزل بالربذة([4]) التي كان يغدو إليها زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن نزوله بها نفيا قسريا، أو إقامة جبرية، ولم يأمره الخليفة بالرجوع عن رأيه؛ لأن له وجها مقبولا، لكنه لا يجب على المسلمين الأخذ به.([5])

وأصح ما روي في قصة أبي ذر ما رواه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر t، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [التوبة: 34] قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك, وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت فكنت قريبا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا عليَّ حبشيا لسمعت وأطعت.([6]) وقد أشار هذا الأثر إلى أمور مهمة، منها:

1- سأله زيد بن وهب ليتحقق مما أشاعه مبغضو عثمان: هل نفاه عثمان أو اختار أبو ذر المكان؟ فجاء سياق الكلام أنه خرج بعد أن أكثر الناس عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، وليس في نص الحديث أن عثمان أمره بالذهاب إلى الربذة بل اختارها بنفسه، ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر رأسه، فقال: والله ما أنا منهم -يعني الخوارج-، فقال: إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة، قال: نعم([7]).

2- قوله: كنت بالشام: بيَّن السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى عن طريق زيد ابن وهب: حدثني أبو ذر، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ البناء -أي المدينة- سلعا، فارتحل إلى الشام»، فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها.([8]) وفي رواية قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر -تعني الربذة- ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بلغ البناء سلعا، فاخرج منها» ([9]).

3- إن قصة أبي ذر في المال جاءت من اجتهاده في فهم الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ` يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ" [التوبة: 34، 35] وروى البخاري عن أبي ذر ما يدل على أنه فسر الوعيد "يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا" الآية.. وكان يخوف الناس به، فعن الأحنف ابن قيس حدثهم قال: جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم، فسلم ثم قال: بشر الكانزين برَضْف([10]) يحمى عليه في نار جنهم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نُغْض([11]) كتفه، ويوضع على نُغْض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، يتزلزل.([12]) ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو، فقلت له: ما أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت، قال: إنهم لا يعلقون شيئا.

واستدل أبو ذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا، أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير» ([13]).

4- وقد خالف جمهور الصحابة أبا ذر، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة». ([14]) وقال الحافظ ابن حجر: ومفهوم الحديث أن ما زاد على الخمس ففيه صدقة، ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه، فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا.([15]) وقال ابن زيد: فإن ما دون الخمس لا تجب فيه الزكاة، وقد عفى عن الحق فيه فليس بكنز قطعا، والله قد أثنى على فاعل الزكاة، ومن أثنى عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثنى عليه فيه، وهو المال.([16]) قال الحافظ: ويتلخص أن يقال: ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمى كنزا؛ لأنه معفو عنه، فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك؛ لأنه عفى عنه بإخراج ما وجب منه فلا يسمى كنزا([17]).

وقال ابن عبد البر: والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤدَّ زكاته، ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك، ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر([18]).

5- ولعل مما يفسر مذهب أبي ذر في الإنفاق ما رواه الإمام أحمد عن شداد بن أوس، قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه، يسلم لعله يشدد عليهم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص فيه بعد، فلم يسمعه أبو ذر فيتعلق أبو ذر بالأمر الشديد([19]).

6- قوله: «إن شئت تنحيت فكنت قريبا». يدل على أن عثمان طلب من أبي ذر أن يتنحى عن المدينة برفق ولم يأمره، ولم يحدد له المكان الذي يخرج إليه، ولو رفض أبو ذر الخروج ما أجبره عثمان على ذلك، ولكن أبا ذر كان مطيعا للخليفة؛ لأنه قال في نهاية الحديث: لو أمَّروا عليَّ حبشيًّا لسمعت وأطعت.([20]) ومما يدل على أنه يمقت الفتنة والخروج على الإمام المبايع، ما رواه ابن سعد في أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة: إن هذا الرجل فعل بك وفعل، هل أنت ناصب له راية؟ -يعني مقاتله- فقال: لا، لو أن عثمان سيرني من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت([21]).

7- والسبب في تنحي أبي ذر عن المدينة، أو طلب عثمان منه ذلك، أن الفتنة بدأت تطل برأسها في الأقاليم، وأشاع المبغضون الأقاويل الملفقة، وأرادوا أن يستفيدوا من إنكار أبي ذر متعلقا برأيه ومذهبه، ولا يريد أن يفارقه، فرأى عثمان تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة؛ لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في طلاب العلم، ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة.

8- قال أبو بكر بن العربي: كان أبو ذر زاهدا ويرى الناس يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم, وهو غير لازم، فوقع بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام، فخرج إلى المدينة فاجتمع إليه الناس، فجعل يسلك تلك الطرق، فقال له عثمان: لو اعتزلت؛ معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس، ومن كان على طريقة أبي ذر فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه ولا يخالط الناس، ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة، فخرج زاهدا فاضلا، وترك جلة فضلاء، وكل على خير وبركة وفضل، وحال أبي ذر أفضل، ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا، فسبحان مرتب المنازل([22]).

وقال ابن العربي: ووقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلام، وكان أبو الدرداء زاهدا فاضلا قاضيا لهم (في الشام)، فلما اشتد في الحق وأخرج طريقة عمر بن الخطاب في قوم لم يحتملوها عزلوه، فخرج إلى المدينة, وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين، ولا تؤثر في منزلة أحد من المسلمين بحال، وأبو الدرداء وأبو ذر بريئان من كل عيب، وعثمان برئ أعظم براءة وأكثر نزاهة، فمن روى أنه نفي وروى سببًا فهو كل باطل([23]).

9- ولم يقل أحد من الصحابة لأبي ذر إنه أخطأ في رأيه، لأنه مذهب محمود لمن يقدر عليه, ولم يأمر عثمان أبا ذر بالرجوع عن مذهبه، وإنما طلب منه أن يكف عن الإنكار على الناس ما هم فيه من المتاع الحلال. ومن روى أنه عثمان نهى أبا ذر عن الفتيا مطلقا لم تصل روايته إلى درجة الخبر الصحيح.([24]) والذي صح عند البخاري أن أبا ذر قال: لو وضعتم الصمصامة على هذه -وأشار إلى قفاه- ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذتها.([25]) وفي البخاري لم يروا أن عثمان نهى أبا ذر عن الفتيا؛ لأن نهي الصحابي عن الفتيا دون تحديد الموضوع أمر ليس بالهين([26]).

10- ولو كان عثمان نهاه عن الفتيا مطلقا لاختار له مكانا لا يرى فيه الناس، أو حبسه في المدينة، أو منعه من دخول المدينة، ولكن أذن له بالنزول في منزل يكثر مرور الناس به؛ لأن الربذة كانت منزلا من منازل الحجاج العراقيين، وكان أبو ذر يتعاهد المدينة يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال له عثمان: لو تنحيت فكنت قريبا. والربذة ليست بعيدة عن المدينة، وكان يجاورها حمى الربذة الذي ترعى فيه إبل الصدقة، ولذلك يروى أن عثمان أقطعه صرمة من إبل الصدقة، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه رزقا، وكانت الربذة أحسن المنازل في طريق مكة.([27]) وبعد أن ذكر الإمام الطبري الأخبار التي تفيد اعتزال أبي ذر من تلقاء نفسه قال: وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة وأمورا شنيعة كرهت ذكرها([28]).

إن الحقيقة التاريخية تقول إن عثمان لم ينفِ أبا ذر إنما استأذنه فأذن له، ولكن أعداء عثمان كانوا يشيعون عليه بأنه نفاه، ولذلك لما سأل غالب القطان الحسن البصري: عثمان أخرج أبا ذر؟ قال الحسن: لا، معاذ الله.([29]) وكل ما روي في أن عثمان نفاه إلى الربذة، فإنه ضعيف الإسناد لا يخلو من علة قادحة، مع ما في متنه من نكارة لمخالفته للمرويات الصحيحة والحسنة، التي تبين أن أبا ذر استأذن للخروج إلى الربذة وأن عثمان أذن له([30])؛ بل إن عثمان أرسل يطلبه من الشام ليجاوره بالمدينة، فقد قال له عندما قدم من الشام: إنا أرسلنا إليك لخير لتجاورنا بالمدينة.([31]) وقال له أيضا: كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح.([32]) أفمن يقول ذلك له ينفيه؟([33])ولم تنص على نفيه إلا رواية رواها ابن سعد، وفيها بريدة بن سفيان الأسلمي الذي قال عنه الحافظ ابن حجر: ليس بالقوي وفيه رفض، فهل تقبل رواية رافضي تتعارض مع الروايات الصحيحة والحسنة؟([34]) واستغل الرافضة هذه الحادثة أبشع استغلال فأشاعوا أن عثمان نفى أبا ذر إلى الربذة، وأن ذلك مما عيب عليه من قِبَل الخارجين عليه أو أنهم سوغوا الخروج عليه.([35]) وعاب عثمان بذلك ابن المطهر الحلي الرافضي المتوفي سنة 726هـ، بل زاد أن عثمان ضرب أبا ذر ضربا وجيعا([36])، ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية ردا جامعا قويا.([37]) وكان سلف هذه الأمة يعلمون هذه الحقيقة، فإنه لما قيل للحسن البصري: عثمان أخرج أبا ذر؟ قال: لا، معاذ الله.([38]) وكان ابن سيرين إذا ذكر له أن عثمان سير أبا ذر، أخذه أمر عظيم، ويقول: هو خرج من نفسه، ولم يسيره عثمان.([39]) وكما تقدم في الرواية الصحيحة الإسناد أن أبا ذر لما رأى كثرة الناس عليه خشي الفتنة، فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه في الخروج، فقال له عثمان t: إن شئت تنحيت فكنت قريبا([40]).

ثانيًا: بطلان تأثير ابن سبأ على أبي ذر t:

كتب سعيد الأفغاني في كتابه (عائشة والسياسة)، فعظم دور ابن سبأ في الفتنة، ونسب إليه كل المؤامرات والفتن والملاحم الواقعة بين الصحابة، ويرى أن هذه المؤامرة المحكمة سهر عليها أبالسة خبيرون، وسددوا خطاها وتعاهدوها حتى أتت ثمارها في جميع الأقطار، ولهذا كتب هذا العنوان (ابن سبأ البطل الخفي المخيف).([41]) ويبدو التهويل من شأن ابن سبأ عند الأفغاني حينما يصفه بأنه رجل على غاية من الذكاء وصدق الفراسة، والنظر البعيد، والحيلة الواسعة، والنفاذ إلى نفسية الجماهير([42])، ويقطع أنه أحد أبطال جمعية تلمودية سرية غايتها تقويض الدولة الإسلامية.([43]) ويكاد يقرر بأنه يعمل لصالح دولة الروم التي انتزع المسلمون منها لفترة قريبة قطرين هامين هما مصر والشام، عدا ما سواهما من بلاد أخرى على البحر المتوسط، ويستغرب نشاط ابن سبأ إلى شتى المجالات الدينية والسياسية والحربية([44]).

وهو يرى أن ابن سبأ كان موفقا كل التوفيق في لقائه مع أبي ذر، وفي تفصيل هذه المقالة التي ركبها على مزاج أبي ذر، وأن الذي ساعده على ذلك فهمه الجيد لأمزجة الناس واستخباراته الصادقة المنظمة.([45]) وهذا الزعم -أي تأثير ابن سبأ على أبي ذر t- لا أساس له من الصحة من عدة وجوه:

أ- حينما أرسل معاوية إلى عثمان يشكو إليه أمر أبي ذر لم تكن منه إشارة
إلى تأثير ابن سبأ عليه، واكتفى أن قال: إن أبا ذر قد أعضل بي، وقد كان من أمره
كيت وكيت([46]).

ب- ذكر ابن كثير الخلاف الواقع بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه، ولم يرد ابن سبأ في واحد منها([47]).

ج- وفي صحيح البخاري، ورد الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر ومعاوية، وليس فيه الإشارة من قريب أو بعيد إلى ابن سبأ([48]).

د- وفي أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ترد محاورة معاوية لأبي ذر، ثم نزوله الربذة، ولكن شيئا من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر([49]).

هـ- بل ورد الخبر في الطبري هكذا.. فأما العاذرون معاوية في ذلك -يعني إشخاص معاوية أبا ذر إلى المدينة- فذكروا في ذلك قصة ورود ابن السوداء الشام ولقياه أبا ذر.. إلخ.([50]) وهذا الخبر الذي أورده الطبري ساقط وكاذب، تكذبه وقائع التاريخ الزمنية، وإليك البيان:

* يذكرون أن ابن سبأ أسلم في عهد عثمان، وكان يهوديا من اليمن، وبدأ نشاطه المخرب في الحجاز، ولكنهم لم يذكروا أنه التقى أحدا أو التقاه أحد في الحجاز.

* كان أول ظهوره في البصرة بعد أن تولى عبد الله بن عامر عليها بثلاث سنوات، وعبد الله بن عامر جاء بعد أبي موسى الأشعري سنة 29هـ، وبهذا يكون ظهوره في البصرة 32هـ، وقد طرده ابن عامر من البصرة يوم عرفة.

* قالوا: إنه توجه إلى الكوفة، فباض وفرخ، وحرضه على معاوية, ولا بد أنه مكث زمنا في الشام ليتعرف على أحوال الرجال، ويضع خططه ليبث دعوته فيهم، ولنفرض جدلاً أنه عرف أمره في الشام في أواخر سنة 33هـ، فماذا تقول أيها القارئ إذا عرفت أن الروايات الصحيحة تقول: إن أبا ذر كانت مناظرته لمعاوية سنة 30هـ، وأنه رجع إلى المدينة وتوفي بالربذة سنة 31هـ، أو سنة 32هـ، ومعنى هذا أن ابن سبأ ظهر في البصرة في وقت كان فيه أبو ذر ميتا، فكيف وأين التقاه؟.([51])

إن أبا ذر لم يتأثر لا من قريب ولا من بعيد بآراء عبد الله بن سبأ اليهودي، وقد أقام بالربذة حتى توفى، ولم يحضر شيئا مما وقع في الفتن([52])، ثم هو قد روى حديثا من أحاديث النهي عن الدخول في الفتنة([53]).

ثالثـًا: وفاة أبي ذر وضم عثمان عياله إلى عياله:

في غزوة تبوك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال:«دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه».([54]) وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا ذر» ([55]), فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده». ([56]) ومضى الزمان وجاء عهد عثمان وأقام أبو ذر في الربذة، فلما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلوا به كذلك، فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده».([57]) فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا، ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم إلى مكة، ونعوه إلى عثمان فضم ابنته إلى عياله.([58]) وجاء في رواية: «... فلما دفناه دعتنا إلى الطعام وأردنا احتمالها, فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين قريب نستأمره، فقدما مكة فأخبرناه الخبر، فقال: يرحم الله أبا ذر، ويغفر له نزوله الربذة، ولما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، فضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة وتوجهنا نحو العراق([59]).



([1]) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/216، 217).

([2]) فجر الإسلام، ص110.

([3]) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/217).

([4]) كانت منزلا في الطريق بين العراق ومكة.

([5]) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/217).

([6]) البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته، رقم 1406.

([7]) فتح الباري (3/274).

([8]) المدينة المنورة فجر الإسلام، (2/219).

([9]) سير أعلام النبلاء (2/72) صحيح الإسناد.

([10]) الرضف: الحجارة المحماة، واحدها رضفة.

([11]) نغض: العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف.

([12]) يتزلزل: يضطرب ويتحرك.

([13]) البخاري، كتاب الزكاة، رقم (1407).

([14]) البخاري، كتاب الزكاة، رقم (1405).

([15]) فتح الباري (3/272).

([16]، 8) فتنة مقتل عثمان (1/107).

([18]) فتح الباري (3/273). ([18]) المسند (5/125).

([20]) البخاري (1406). (4) الطبقات (4/227).

([22]) العواصم من القواصم، ص77. (2) المصدر نفسه، ص79.

([24]) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/223).

([25]) البخاري، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل (1/29).

([26]) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/224).

([27]) تاريخ الطبري (5/286).

([28]) المصدر نفسه (5/288).

([29]) تاريخ المدينة، ابن شبة، ص(1037)، إسناده صحيح.

([30]) فتنة مقتل عثمان (1/110).

([31]) تاريخ المدينة، ص1036، 1037، إسناده حسن.

([32]) الطبقات، لابن سعد (4/226، 227).

([33]، 6، 7) فتنة مقتل عثمان (1/111).

([36]) منهاج السنة لابن تيمية (6/183).

([37]) المصدر نفسه (6/271-355).

([38]، 11) تاريخ المدينة (1037) إسناده صحيح.
([40]) البخاري كتاب الزكاة رقم (1406).

([41]-5) عائشة والسياسة، سعيد الأفغاني، ص60.
([45]) عائشة والسياسة، ص60.

([46]) تاريخ الطبري (5/285).

([47]) البداية والنهاية (7/170-180).

([48]) البخاري، رقم (1406).

([49]) عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة، سليمان العودة، ص51.

([50]) تاريخ الطبري (5/285).

([51]) المدينة المنورة، فجر الإسلام (2/225).

([52]) أحداث الفتنة الأولى بين الصحابة في ضوء قواعد الجرح والتعديل، د. عبد العزيز دخان، ص174.

([53]) المصدر نفسه, ص174. ([53]) تلوم على بعيره: تمهل.

([55]) كن أبا ذر: لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء، أرجو الله أن تكون أبا ذر.

([56]) السيرة النبوية، لابن هشام (4/178).

([57]) المصدر نفسه (4/478).

([58]) التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، ص87، 88.

([59]) تاريخ الطبري (5/314).

 

سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي


عدد المشاهدات *:
466582
عدد مرات التنزيل *:
94332
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 02/05/2011 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 02/05/2011

الكتب العلمية

روابط تنزيل : المبحث الرابع حقيقة العلاقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان بن عفان رضي الله عنهما
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  المبحث الرابع حقيقة العلاقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان بن عفان رضي الله عنهما لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1