اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 17 شوال 1445 هجرية
???? ??????? ?????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ??? ???????? ???? ??? ???? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

بسم

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
الإستذكار لإبن عبد البر
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
بَابُ جَامِعِ الْجَنَائِزِ
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ
الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا (...)
الكتب العلمية
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ
الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ ثَابِتَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ
مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبَ وَأَبُو سَلَمَةَ
وَحُمَيْدٌ ابْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبُو صَالِحٍ السِّمَّانُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ
بْنُ سِيرِينَ
وَلَمْ يروه مالك عن بن شِهَابٍ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة واختلف أصحاب بن شِهَابٍ عَنْهُ فِيهِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ
عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَزَعَمَ الذُّهْلِيُّ أَنَّ الطُّرُقَ فيه عن بن شِهَابٍ صِحَاحٌ كُلُّهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ مولود
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ
مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَانَ لَهُ أَبَوَانِ
عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ
قَالُوا وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ مَوْلُودُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ
بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْلُودَ عَلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي
كُفْرِهِمَا حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ وَيَبْلُغَ مَبْلَغَ مَنْ يَكْسِبُ عَلَى نَفْسِهِ
وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمَا مَا دَامَ لَمْ يَحْتَلِمْ
فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كَانَ حَكَمَ نَفْسِهِ
وَاحْتَجَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِحَدِيثِ أَبِي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ
طَبَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ طَبَعَهُ كَافِرًا
وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ
خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يولد مؤمنا ويحيى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا
ويحيى كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَلَدُ مُؤْمِنًا ويحيى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ
مَنْ يُولَدُ كَافِرًا ويحيى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَخَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ
قَالُوا فَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ
يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ أَوْ يَهُودِيَّانِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَيْ يُحْكَمُ لَهُ
بِحُكْمِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ وَفِي دَفْنِهِ مَعَ أَبَوَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا دَامَ صَغِيرًا ثُمَّ يَصِيرُ عِنْدَ
بُلُوغِهِ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ
قَالُوا وَأَلْفَاظُ الْحُفَّاظِ عَلَى نَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا
وَدَفَعُوا رواية من روى كل بني آدم يولد عَلَى الْفِطْرَةِ
قَالُوا وَلَوْ صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ مَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْخُصُوصَ جَائِزٌ دُخُولُهُ
عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فِي لسان العرب
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98
أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) الْأَحْقَافِ 25 وَلَمْ تُدَمِّرِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ
وَقَوْلُهُ (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) الْأَنْعَامِ 44 وَلَمْ يَفْتَحْ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ وَمِثْلُهُ
كَثِيرٌ
وَذَكَرُوا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ
عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أو يمجسانه
وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ بن شِهَابٍ فِيهِ فِي التَّمْهِيدِ
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي
الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ الرويا وَفِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الرَّجُلُ
الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِبْرَاهِيمُ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
وَقَالَ آخَرُونَ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَهُوَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَدًا وَأَبَوَاهُ يَحْكُمُ لَهُ
بِحُكْمِهِمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ
قَالُوا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا وَصَفْنَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ وَمَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَحَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ
بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ قال حدثني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ
تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99
ثم قال أبو هريرة اقرؤوا (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ) الرُّومِ 30
وَذَكَرُوا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ الرُّؤْيَا فِيهِ
وَالشَّيْخُ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالْوِلْدَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ
فَقَالُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ أَلْفَاظُهَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ لَيْسَ
كَمَا تَأَوَّلَهُ الْمُخَالِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ بَلِ الْجَمِيعُ مِنْ أَوْلَادِ النَّاسِ مَوْلُودُونَ عَلَى
الْفِطْرَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَاضْطَرَبُوا فِي
مَعْنَاهَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ مُتَبَايِنَةً وَادَّعَتْ كُلُّ فُرْقَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَ آيَةٍ أَوْ
ظَاهِرَ سُنَّةٍ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَنُوَضِّحُهُ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَقْوَالِ عَنِ السَّلَفِ
والخلف إن شاء الله
وقد سَأَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْفَقِيهَ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ
مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا أَجَابَهُ فِيهِ بِأَكْثَرِ مِنْ أَنْ قَالَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ يُفَسِّرُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ في تفصيل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وبن الْمُبَارَكِ وَلَمْ يَزِدْ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا عن
غيرهما
وأما ما ذكره عن بن الْمُبَارَكِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مُقْنِعٌ مِنَ
التَّأْوِيلِ وَلَا شَرْحُ مَذْهَبٍ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَلَكِنَّهَا جُمْلَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوفِ عَنِ الْقَطْعِ
فِيهِمْ بِكُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ مَا لَمْ يَبْلُغُوا
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَظُنُّهُ حَادَ عَنِ الْجَوَابِ إِمَّا لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ
لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِكَرَاهَةِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ
فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ
بِالْجِهَادِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَالْأَحْنَفِ جَمِيعًا عَنِ الْأَسْوَدِ
بْنِ سَرِيعٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100
وَرَوَى عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَنَادَاهُ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ أُرِيدَ بِالْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا
الْمَوْلُودُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى خِلْقَةٍ يَعْرِفُ بِهَا رَبَّهُ إِذَا
بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَعْرِفَةِ يُرِيدُ خِلْقَةً مُخَالِفَةً لِخِلْقَةِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصِلُ بِخِلْقَتِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ
ذَلِكَ
وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ وَالْفَاطِرَ الْخَالِقُ بِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ) فَاطِرَ 1 يَعْنِي خَالِقَهُنَّ
وَقَوْلُهُ (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) يس 22 يَعْنِي خَلَقَنِي وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِنْ آيِ
الْقُرْآنِ
وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ فُطِرَ عَلَى كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ أَوْ إِنْكَارٍ
وَقَالُوا إِنَّمَا يُولَدُ الْمَوْلُودُ عَلَى السَّلَامَةِ فِي الْأَغْلَبِ خِلْقَةً وَبِنْيَةً وَطَبْعًا لَيْسَ مَعَهَا إِيمَانٌ
وَلَا كُفْرٌ وَلَا إِنْكَارٌ ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أوالكفر بعد أذا ميزوا
واحتجوا بقوله فِي الْحَدِيثِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ - يَعْنِي سَالِمَةً - هَلْ
تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ يَعْنِي مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ فَمَثَّلَ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بِالْبَهَائِمِ لِأَنَّهَا تُولَدُ
كَامِلَةَ الْخَلْقِ لَيْسَ فِيهَا نُقْصَانٌ وَلَا آفَةٌ ثُمَّ تُقْطَعُ آذَانُهَا بَعْدُ وَتُشَقُّ وَتُثْقَبُ أُنُوفُهَا وَيُقَالُ
هَذِهِ بِحَائِرُ وَهَذِهِ سَوَائِبُ وَكَذَلِكَ قُلُوبُ الْأَطْفَالِ فِي حِينِ وِلَادَتِهِمْ سَالِمَةٌ لَيْسَ لَهُمْ كُفْرٌ
وَلَا إِيمَانٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ وَلَا إِنْكَارٌ فَلَمَّا بَلَغُوا اسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ وَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ وَعَصَمَ
اللَّهُ أَقَلَّهُمْ
قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْأَطْفَالُ قَدْ فُطِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْكُفْرِ أَوِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِيَّةِ أَمْرِهِمْ
مَا انْتَقَلُوا عَنْهُ أَبَدًا كَمَا لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْ خِلْقَتِهِمْ وَقَدْ نَجِدُهُمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يَكْفُرُونَ
وَيَكْفُرُونَ ثُمَّ يُؤْمِنُونَ
قَالُوا وَيَسْتَحِيلُ فِي الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ الطِّفْلُ فِي حِينِ وِلَادَتِهِ يَعْقِلُ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا لِأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الَّتِي يُولَدُ النَّاسُ عَلَيْهَا والله
أعلم
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101
وَذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَةَ السَّلَامَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ يَعْنِي عَلَى
اسْتِقَامَةٍ وَسَلَامَةٍ
وَالْحَنِيفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَقِيمُ السَّالِمُ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَعْرَجِ أَحْنَفُ عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ كَمَا قِيلَ لِلْقَفْرِ مَفَازَةٌ
فَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ الَّذِينَ خَلَصُوا مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَالطَّاعَاتِ بِلَا
طَاعَةٍ مِنْهُمْ وَلَا مَعْصِيَةٍ إِذْ لَمْ يَعْمَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ (أَقَتَلْتَ نَفْسًا
زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) الْكَهْفِ 74 لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَكْسِبِ الذُّنُوبَ
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا وَحُجَّةً فِي التَّمْهِيدِ
وقال آخرون الفطرة ها هنا الْإِسْلَامُ قَالُوا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ
قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الرُّومِ 30 يَعْنِي
الْإِسْلَامَ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أبي هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)
الرُّومِ 30
وَذَكَرُوا عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ قَالُوا (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الرُّومِ 30 دِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
(لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الرُّومِ 30 قَالُوا لِدِينِ اللَّهِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمًا أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي اللَّهُ فِي الْكِتَابِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ
وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
وَكَذَلِك رَوَاهُ بَكْرُ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ حُنَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التمهيد
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102
وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ وَلَمْ يَسْمَعْهُ قَتَادَةُ مِنْ
مُطَرِّفٍ لِأَنَّ هَمَّامَ بْنَ يَحْيَى رَوَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مُطَرِّفٍ وَلَكِنَّهُ حَدَّثَنِي
ثَلَاثَةٌ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَالْعَلَاءُ بْنُ يَزِيدَ كُلُّهُمْ
يَقُولُ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ لَمْ يَقُلْ مُسْلِمِينَ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ وَلَمْ يَقُلْ
فِيهِ مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا قَالَ حُنَفَاءَ فَقَطْ
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ محمد بن إسحاق عن من لَا يُتَّهَمُ عِنْدَهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي
كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمِينَ
فَدَلَّ هَذَا عَلَى حِفْظِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ مُسْلِمِينَ فِي رِوَايَتِهِ
عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضٍ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ
السَّلَامُ) يَقُولُونَ فِيهِ مُسْلِمِينَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قوله تعالى (حنفاء) فروي عن الضحاك والسدي فِي
قَوْلِهِ (حُنَفَاءَ) قَالَا حُجَّاجًا
رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ الْحَنِيفِيَّةُ حَجُّ الْبَيْتِ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حُنَفَاءَ مُتَّبِعِينَ هَذَا كُلَّهُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ الْإِسْلَامُ وَيَشْهَدُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا) آلِ عِمْرَانَ 67
وَقَالَ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الْحَجِّ 78
قَالُوا أَوَّلُ من تسمى مسلم وَسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ الْمُسْلِمِينَ (إِبْرَاهِيمُ) عَلَيْهِ السَّلَامُ
فِي الْحَدِيثِ خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ أَيْ سَالِمِينَ مِنْ آفَاتِ الْجَحْدِ وَالْإِنْكَارِ وَالْكُفْرِ
قَالُوا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُوَحِّدِينَ لَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فِي شَرِيعَتِهِ بَلْ عَلَى
دِينِ إِبْرَاهِيمَ فِي نَفْيِ الشِّرْكِ وَدَفْعِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَكُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ
اللَّهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103
نبيهم صلى الله عليه وسلم بِالْإِسْلَامِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَشَرَعَ لَهُ مِنْهَاجًا ارْتَضَاهُ لَيْسَ لَهُ
مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفِي دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ حُنَفَاءُ عَلَى الِاتِّسَاعِ
قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ الرَّاعِي
(أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ ... حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
(عَرَبٌ نَرَى لِلَّهِ فِي أَمْوَالِنَا ... حَقَّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلًا تَنْزِيلًا)
فَهَذَا قَدْ وَصَفَ الْحَنِيفِيَّةَ بِالْإِسْلَامِ بِإِسْنَادٍ
وَقَدْ قِيلَ الْحَنِيفُ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ سُمِّيَ مَنْ كَانَ يَخْتَتِنُ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ حَنِيفًا
وَالْحَنِيفُ الْيَوْمَ الْمُسْلِمُ وَيُقَالُ إِنَّمَا سُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ حَنِيفًا لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفَ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ
أَبُوهُ وَأُمُّهُ مِنَ الْآلِهَةِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ أَيْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَمَالَ
وَأَصْلُ الْحَنَفِ مَيْلٌ مِنْ إِبْهَامَيِ الْقَدَمَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى صَاحِبَتِهَا
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّهَا خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَعَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ يَعْنِي مِنْ
سُنَنِ الْإِسْلَامِ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِسْلَامُ أَبُو هريرة وبن شِهَابٍ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَيُجْزِئُ عَنْهُ الصَّبِيُّ أَنْ
يَعْتِقَهُ وَهُوَ يَرْضَعُ قَالَ نَعَمْ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْنِي الْإِسْلَامَ
وَعَلَى هَذَا الْفِعْلِ يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ مِنْ جَدْعَاءَ
يَقُولُ خُلِقَ الطِّفْلُ سَلِيمًا مِنَ الْكُفْرِ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى
ذُرِّيَّةِ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى) الْأَعْرَافِ 172
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْإِسْلَامَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ
وَالْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَالْفِطْرَةُ لَهَا
مَعَانٍ وَوُجُوهٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا أَجَزَأَ الطِّفْلُ الْمُرْضِعُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ عِتْقَهُ فِي
الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبَوَيْهِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الرِّقَابِ
الْوَاجِبَةِ إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْنِي
عَلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابتدأهم
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104
بِالْحَيَاةِ لِلْمَوْتِ وَلِلشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ إِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ مِنْ مُيُولِهِمْ عَنْ
آبَائِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ مَا لَا بُدَّ مِنْ مَصِيرِهِمْ إِلَيْهِ
قَالُوا وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَدْأَةُ وَالْفَاطِرُ المبدئ والمبتدئ فكأنه قال صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَا ابْتَدَأَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّقَاءِ والسعادة مما يصير
إليه
وذكروا عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فَاطِرٍ 1
حَتَّى أَتَانَا أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فَطَرْتُهَا أَيِ ابْتَدَأْتُهَا
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ
الضلالة) الْأَعْرَافِ 29 30
وَذَكَرُوا مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بَعْضِ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى
فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَبِيهٌ بِمَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ
فِي قَوْلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّهُ قَالَ
يُفَسِّرُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قَدْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ الْقَدَرِ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مَذْهَبَهُ نَحْوُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُجَاهِدٍ
وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ
الضَّلَالَةُ) الْأَعْرَافِ 29 30 قَالُوا شَقِيًّا وَسَعِيدًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبْعَثُ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا وَالْكَافِرُ كَافِرًا
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (كَمَا بَدَأَكُمْ تعودون الْأَعْرَافِ 29 قَالُوا عَادُوا
إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ (فَرِيقًا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) الْأَعْرَافِ 30
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِلضَّلَالَةِ سَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ وَإِنْ عَمِلَ
بِأَعْمَالِ الْهُدَى وَمَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى سَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ
عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ ابْتَدَأَ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الضَّلَالَةِ وَعَمِلَ بِعَمَلِ السُّعَدَاءِ مَعَ
الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنَ الضَّلَالَةِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105
قَالَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَابْتَدَأَ خَلْقَ السَّحَرَةِ عَلَى الْهُدَى وَعَمِلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ
ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ إِلَى الْهُدَى وَالسَّعَادَةِ وَتَوَفَّاهُمْ عَلَيْهَا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظهورهم
ذريتهم) الْأَعْرَافِ 172 يَقُولُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ
أَجْسَادُهَا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ
الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172 الْحَدِيثَ عَلَى
مَا فِي الْمُوَطَّأِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ (كَمَا بَدَأَكُمْ تعودون) الْأَعْرَافِ 29 وَلَا فِي أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ
وَجَلَّ) يَخْتِمُ لِلْعَبْدِ بِمَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ حِينَ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
لَيْسَ مِمَّنْ يَعْقِلُ إِيمَانًا وَلَا كُفْرًا
وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ أَنَّ النَّاسَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ
كَافِرًا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا مَطْعَنَ
فِيهَا لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ فِيهِ كَانَ رَفَّاعًا
عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلَهُ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَيْ يُولَدُ لِيَكُونَ مُؤْمِنًا وَيُولَدُ لِيَكُونَ كَافِرًا عَلَى سَابِقِ
عِلْمِ اللَّهِ فِيهِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا يؤول إِلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَخَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ أَكْثَرُ مِنْ مُرَاعَاةِ
مَا يُخْتَمُ بِهِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي حِينَ طُفُولَتِهِمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ جَنَّةً أَوْ نَارًا أَوْ يَفْعَلُ كُفْرًا أَوْ
إِيمَانًا
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّ اللَّهَ
قَدْ فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَأَخَذَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِيثَاقًا حِينَ
حَلَّفَهُمْ فَقَالَ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قَالُوا جَمِيعًا بَلَى
فَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَقَالُوا بَلَى عَلَى مَعْرِفَةٍ بِهِ طَوْعًا مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَقَالُوا
بَلَى كُرْهًا لَا طَوْعًا
قَالَ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)
آلِ عِمْرَانَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)
الْأَعْرَافِ 29 30
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاحْتَجَّ
بِقَوْلِ أَبِي هريرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ) الرُّومِ 30
قَالَ إِسْحَاقُ يَقُولُ لَا تَبْدِيلَ لِخِلْقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ يَعْنِي مِنَ الْكُفْرِ
وَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ
وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172
قَالَ إِسْحَاقُ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ فَاسْتَنْطَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) فَقَالَ انْظُرُوا أَنْ لَا تَقُولُوا (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) الْأَعْرَافِ 172 173
وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ أَيْضًا بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الخضر أنه
كان طبع كافرا وبأن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا)
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فِي التَّمْهِيدِ
وَسُئِلَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ هَذَا
عِنْدَنَا حَيْثُ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ
وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ إِسْحَاقَ
وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ حِينًا يَقُولُ بِهِ وَحِينًا يَحِيدُ عَنْهُ
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا عَنِ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ الْأَثَرِ الْآثَارَ الشَّاهِدَةَ لِأَقْوَالِهِمْ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ فَمُنْكِرُونَ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ 172
قَالُوا مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَ خَلْقِهِ إِيَّاهُمْ وَمَا خَلَقَهُمْ قَطُّ إِلَّا فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَمَا اسْتَخْرَجَ قَطُّ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ دُونَهُ مُخَاطَبٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَأَحْيَاهُمْ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
قَالُوا وَكَيْفَ يُخَاطِبُ اللَّهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ وَكَيْفَ يُجِيبُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَكَيْفَ يَحْتَجُّ
عَلَيْهِمْ بِمِيثَاقٍ لَا يَذْكُرُونَهُ وَهُوَ (تَعَالَى ذِكْرُهُ) لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا نَسُوا
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107
قَالُوا وَلَا نَجِدُ أَحَدًا يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ عُرِضَ لَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ
قَالُوا وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بِقَوْلِهِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ)
الْأَعْرَافِ 172 إِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا وَخَلْقَهِ لَهُمْ وَإِقَامَتَهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ بِأَنْ فَطَرَهُمْ
وَنَبَّأَهُمْ فِطْرَةً إِذَا بَلَغُوا وَعَقَلُوا عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَخْرَجَ الذَّرِّيَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَعَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
بِمَا جَعَلَ فِي عُقُولِهِمْ مِمَّا تُنَازِعُهُمْ فِيهِ أَنْفُسُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ حَتَّى صَارُوا
بِمَنْزِلَةِ مَنْ قِيلَ لَهُمْ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) الْأَعْرَافِ 172
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ عَلَى أَلْسَنَةِ أَنْبِيَائِهِ
وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ
لِلْآيَةِ
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا كُلِّهِ فِي الْمَعْرِفَةِ هَلْ تَقَعُ ضَرُورَةً أَوِ اكْتِسَابًا وَلَيْسَ هَذَا
مَوْضِعَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِيمَا وَصَفْنَا فِي مَعْنَى
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَطْفَالِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَوْلَادُ النَّاسِ كُلُّهُمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ
وَالْكَافِرِينَ إِذَا مَاتُوا أَطْفَالًا صِغَارًا مَا لَمْ يَبْلُغُوا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) يُصَيِّرُهُمْ
إِلَى مَا شَاءَ مِنْ رَحْمَةٍ أَوْ عَذَابٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَدْلٌ مِنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مُوَطَّأُ مَالِكٍ
وَهَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ أَهْلُ الْكَلَامِ إِلَى أَهْلِ الْأَخْبَارِ
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عَنِ الْأَطْفَالِ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) وَكَّلَ
بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةً يَا رَبِّ عَلَقَةً يَا رَبِّ مُضْغَةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ
خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108
أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌ أَمْ سَعِيدٌ وَمَا الرِّزْقُ وَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق أن بن آدَمَ يَمْكُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا
ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَذْكَرٌ أَمْ أُنْثَى
أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ وَمَا الْأَجَلُ وَمَا الْأَثَرُ فَيُوحِي اللَّهُ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ حَتَّى أَنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ
حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ عَنْهُمْ في التمهيد
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَطُرُقُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ وَهِيَ أَثْبَتُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ مِنْ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَقَدْ
ذَكَرْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَمِنْ جِهَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ
عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ ذَنْبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ
غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلَهَا وَخَلَقَهُمْ فِي أَصْلَابِ
آبَائِهِمْ وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلَهَا وَخَلَقَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ
وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى وَفُضَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ
عَائِشَةَ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109
ومن حجتهم أيضا حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله
عليه وسلم قال إن الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ طُبِعَ كَافِرًا
وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي
مَرْفُوعًا إِلَّا رَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ الْهَمْدَانِيُّ وَلَمْ يرفعه شعبة
والثوري
وهو مذهب بن عَبَّاسٍ فِي كِتَابِهِ إِلَى نَجْدَةَ الْحَرُورَيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ وَأَمَّا الْغِلْمَانُ فَإِنْ
كُنْتَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَهُ الْخِضْرُ مِنَ الْغُلَامِ فَاقْتُلْهُمْ
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ رَجُلٌ وَكَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ
وَهَذَا خِلَافُ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَفْظِ الْغُلَامِ لِأَنَّ الْغُلَامَ عِنْدَهُمْ هُوَ الصَّبِيُّ
الصَّغِيرُ يَقَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِهِمُ اسْمُ الْغُلَامِ مِنْ حِينِ يَفْهَمُ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَعِنْدَ
بَعْضِهِمْ يُسَمَّى غُلَامًا وَهُوَ رَضِيعٌ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا وَيَفَاعًا إِلَى عَشْرِ
سِنِينَ ثُمَّ يَصِيرُ حَزَوَّرًا إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً
وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ مَنَازِلَ سِنِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَصِيرَ هَمًّا فَانِيًا كَبِيرًا مِمَّا لَا حَاجَةَ
بِنَا إِلَى ذِكْرِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا آثَارَ هَذَا الْبَابِ بِأَسَانِيدِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى طُرُقِهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَقَالَ آخَرُونَ (وَهُمُ الْأَكْثَرُ) أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي الْمَشِيئَةِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مَنْ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ
رَحْمَتِهِ تُجَاوِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ لَا حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا
فَيُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِي
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الرَّحْمَةُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ وَشُفِّعَ فِيهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَرْحُومًا
قَبْلَهُ وَكَانَ أَرْفَعَ حَالًا وَأَسْلَمَ مِمَّنْ شُفِّعَ فِيهِ
وَحَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُحِبُّهُ فَقَالَ أَحَبَّكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا
أُحِبُّهُ فَتُوُفِّيَ الصَّبِيُّ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ قَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ تُوُفِّيَ ابْنُهُ ثُمَّ دَخَلَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى
أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا جَاءَهُ يَسْعَى يَفْتَحُهُ لَكَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ
وَحْدَهُ! أَمْ لَنَا كُلِّنَا قَالَ بَلْ لكم كلكم
رواه يحيى القطان وبن مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لَهُ
مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صِغَارُكُمْ
دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ تَكْفُلُهُمْ سَارَّةُ وَإِبْرَاهِيمُ فَإِذَا كَانَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَفَعُوهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) الْمُدَّثِّرِ 38 39 قَالَ هُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْآثَارَ بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَقَالَ آخَرُونَ حُكْمُ الْأَطْفَالِ كُلِّهِمْ كَحُكْمِ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِ
آبَائِهِمْ وَكَافِرُونَ بِكُفْرِ آبَائِهِمْ فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ
وحجتهم حديث بن عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ
وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ إِنْ أُصِيبُوا فِي التَّبْيِيتِ
وَالْغَارَةِ فَلَا قَوْدَ فِيهِمْ وَلَا دِيَةَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ قَتْلِ
النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَتْ تُقْرِي الضَّيْفَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَهَلْ يَنْفَعُهَا مِنْ عَمَلِهَا شَيْءٌ قَالَ لَا
قُلْنَا إِنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلِغِ الْحِنْثَ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعٌ أُخْتَنَا فَقَالَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوائدة والموؤودة فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ
الْإِسْلَامَ فَيُغْفَرُ لَهَا
وَرَوَى بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ
يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِي الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ قُلْتُ فَلَا عَمَلَ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَرَارِي
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ قُلْتُ فَلَا عَمَلَ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ غَيْرِ هَذَا هُمَا أَضْعَفُ مِنْ هَذَا
وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُقَيْلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ بَهِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ زِيَادَةٌ فِي أَوْلَادِ
الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ شِئْتِ لَأَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيهِمْ فِي النَّارِ
وَأَبُو عُقَيْلٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي التَّمْهِيدِ وَلَوْ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ
شَيْءٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا لِقَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ لَئِنْ
شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيهِمْ فِي النَّارِ
وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَنْ مَاتَ وَصَارَ فِي النَّارِ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ
النَّظَرِ وَالْأَوْلَى بِأَهْلِ النَّظَرِ أَنْ يَعْرِضُوا لِهَذِهِ الْآثَارِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مَجِيئًا مِنْهَا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ لِلْأَطْفَالِ كُلِّهِمْ بِالْجَنَّةِ
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَأَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ
مِنْ شَيْءٍ) الطَّوْرِ 21 وَقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِنُوحٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ
لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) هُودٍ 36 فَلَمَّا قِيلَ لِنُوحٍ ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ وَأَنَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ يَمُوتُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِهَلَاكِهِمْ جَمِيعًا فَقَالَ (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)
نُوحٍ 26 27
وَهَذَا عِنْدِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ يَلِدُونَ الْفُجَّارَ وَالْكُفَّارَ وَلَا
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112
يَصِحُّ الْفُجُورُ وَالْكُفْرُ إِلَّا مِمَّنْ تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَقْلَامُ وَيَلْحَقُهُ التَّكْلِيفُ
وَقَالَ آخَرُونَ أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُ الْكُفَّارِ إِذَا مَاتُوا صِغَارًا فِي الْجَنَّةِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً
وَحُجَّتُهُمْ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ
حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ خَنْسَاءَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي صَرِيمٍ عَنْ عَمِّهَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ فِي الْجَنَّةِ وَالشُّهَدَاءُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ
وَالْوَلِيدُ فِي الْجَنَّةِ
وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ثُمَّ
سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الْأَنْعَامِ 164 فَقَالَ هُمْ عَلَى
الْفِطْرَةِ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ
وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُ رَبِّي
عَنِ اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطَانِيهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قِيلَ لِلْأَطْفَالِ اللَّاهِينَ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَاللَّهْوِ وَاللَّعِبُ مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ وَلَا
قَصْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لَهَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا لَمْ أَعْتَقِدْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) الْأَنْبِيَاءِ
3
وَمِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
وَرَوَى أَبُو رَجَاءٍ العطاردي عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ حَدِيثَ الرويا وَفِيهِ قَوْلُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي
الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَّا الْوِلْدَانُ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ
الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ فَهَذَا يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ وَعُمُومُهُ جَمِيعَ
النَّاسِ
وَآثَارُ هَذَا الْبَابِ مُعَارِضَةٌ لِحَدِيثِ الوائدة والموؤودة فِي النَّارِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113
وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْآثَارُ وَجَبَ سُقُوطُ الْحُكْمِ بِهَا وَرَجَعَنَا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ
أَحَدٌ إِلَّا بِذَنْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الْإِسْرَاءِ 15 وَقَوْلِهِ
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الزُّمْرِ 71
وَآيَاتُ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَنِّي أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلَوْ
عَذَّبَهُمْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ تَسَمَّى بالغفور الرحيم الرؤوف الْحَكِيمِ أَنْ
تَكُونَ صِفَاتُهُ إِلَّا حَقِيقَةً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
وَقَالَ آخَرُونَ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في
الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَوْلُودِ قَالَ يَقُولُ الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ لَمْ يَأْتِ كِتَابٌ وَلَا
رَسُولٌ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ
إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ) طه 134 وَيَقُولُ الْمَعْتُوهُ يَا رَبِّ لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَعْقِلُ بِهِ
خَيْرًا وَلَا شَرًّا قَالَ وَيَقُولُ الْمَوْلُودُ رَبِّ لَمْ أُدْرِكْ الْعَقْلَ وَالْعَمَلَ قَالَ فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ
فَيُقَالُ لَهُمْ رُدُّوهَا وَادْخُلُوهَا قَالَ فَيَرِدُهَا أَوْ يَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ
أَدْرَكَ الْعَمَلَ وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ
(عَزَّ وَجَلَّ) إِيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِثْلُهُ وَمَعْنَاهُ
وَهِيَ كُلُّهَا أَسَانِيدُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَلَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ وَلَا
ابْتِلَاءٍ وَكَيْفَ يُكَلَّفُونَ دُخُولَ النَّارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا وَلَا يَخْلُو أَمْرُ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ كَافِرٍ إِذَا
لَمْ يَكْفُرُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا رَسُولٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ كَافِرًا جَاحِدًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ
الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ فَكَيْفَ يُمْتَحَنُونَ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِأَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ وَلَا أُرْسِلَ
إِلَيْهِ رَسُولٌ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ أَنْ يَقْتَحِمَ النَّارَ وَهِيَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالطِّفْلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ
أَحْرَى بِأَنْ لَا يُمْتَحَنَ بِذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ النَّظَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ الْأَثَرُ وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114
وقد ذكره بن عباس ومحمد بن الْحَنَفِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ
ذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ
أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَاتِيًا أَوْ
مُتَقَارِبًا حَتَّى يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَنْظُرُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ
قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ أَيَسْكُتُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْجَهْلِ قُلْتُ فَيَأْمُرُ
بِالْكَلَامِ فَسَكَتَ
وَذَكَرَ الْمَرْوَذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علية عن بن
عَوْنٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَاذَا كَانَ بَيْنَ قَتَادَةَ
وَبَيْنَ حَفْصِ بْنِ عُدَيٍّ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ
الْقَاسِمُ إِذَا اللَّهُ نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نارا فأطفئت
وقد سمع بن عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْقَدَرِ فَقَالَ كِلَاكُمَا زَائِغٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بَلَغَنَا عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الَّتِي يُولَدُ
الْمَوْلُودُ عَلَيْهَا وَاخْتَصَرْنَا الْقَوْلَ لِأَنَّا بَسَطْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَحْكَامُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَبَقِيَتْ أَحْكَامُهُمْ فِي الدُّنْيَا
فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَنَحْنُ نذكر ذلك ها هنا بِعَوْنِ اللَّهِ
وَفَضْلِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا عَلِمْتُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْأَطْفَالِ
فِي الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ آبَائِهِمْ مَا لَمْ يَبْلُغُوا فَإِذَا بَلَغُوا فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ هَذَا فِي أَطْفَالِ
الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَآبَائِهِمْ فِي الْمَوَارِيثِ وَالنِّكَاحِ وَالصَّلَاةِ عَلَى أَطْفَالِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَطْفَالِ الْحَرْبِيِّينَ فَإِنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ آبَائِهِمْ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ
يَقْتُلُونَ وَهُمْ يُسْبَوْنَ وَلَا يُقْتَلُونَ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الطِّفْلِ الْحَرْبِيِّ
يُسْبَى وَمَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ يُسْبَى وَحْدَهُ
فَذَهَبَ مَالِكٌ - فِي رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الطِّفْلَ
مِنْ أَوْلَادِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ
لَمْ يَكُونَا حَتَّى يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَيُلَقَّنَهُ فَيُلَقَّنَهُ وَيُسْلِمُ
وَهُوَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِنِ اخْتَلَفَ دِينُهُ عَلَى دِينِ
أَبَوَيْهِ فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115
وَمِنِ الْحُجَّةِ لِمَذْهَبِهِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَا دَامَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ سِبَاءٌ فَحُكْمُهُ
حُكْمُ أَبَوَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ
فَكَذَلِكَ إِذَا سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يَصِيرُ السَّبْيُ حُكْمَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ
ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ قَالَ قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ إِنِّي بِخُرَاسَانَ أَبْتَاعُ
السَّبْيَ فَيَمُوتُ بَعْضُهُمْ أَفَأُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ إِذَا صَلَّى فَصَلِّ عَلَيْهِ
قال الفزاري وسألت هشاما وبن عَوْنٍ عَنِ السَّبْيِ يَمُوتُونَ وَهُمْ صِغَارٌ فِي مِلْكِ
الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ هِشَامٌ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ بن عَوْنٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصَلُّوا
وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجَشُونُ عَنْ أبيه ومالك المخزومي وبن دِينَارٍ
وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ مِنَ السَّبْيِ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ
عَلَى دِينِ أَبِيهِمْ إِنْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ يَمُتْ عَلَى الْكُفْرِ فَهُمْ
عَلَى دِينِهِ وَلَا يُعْتَدُّ فِيهِمْ بِدِينِ الْأُمِّ عَلَى حَالٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُونَ
إِلَى أَبِيهِمْ وَبِهِ يُعْرَفُونَ
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا مَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمُ السِّبَاءُ فَيَقَعُونَ فِي قَسْمِ مُسْلِمٍ وَمِلْكِهِ بِالْبَيْعِ
وَالْقَسْمِ فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ بِالْبَيْعِ أَوِ الْقِسْمَةِ فَأَحْكَامُهُمْ حِينَئِذٍ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ
فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
كَمَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الصِّبْيَانِ يَمُوتُونَ مِنَ السَّبْيِ بَعْدَ أَنِ اشْتُرُوا قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَإِنْ
كَانُوا لَمْ يُبَاعُوا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ
يُرِيدُ إِذَا كَانُوا فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ فَمِلْكُهُ لَهُمْ أَوْلَى بهم من حكم آبائهم
قال بن الطَّبَّاعِ عَلَى هَذَا فُتْيَا أَهْلِ الثَّغْرِ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانِ بْنِ مُوسَى وَرِوَايَةُ الْحَارِثِ
عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَذَكَرَ أَبُو الْمُغِيرَةِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا وَمَشْيَخَتَنَا يَقُولُونَ مَا
مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صِبْيَانِ الْعَدُوِّ فَمَاتُوا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ
سَاعَةَ يَمْلِكُهُمُ الْمُسْلِمُونَ
وَقَالَ تَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ كُنْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى بِأَرْضِ الرُّومِ وَهُوَ عَلَى السَّبْيِ
فَكَانُوا يَمُوتُونَ صِغَارًا فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُقَالُ مَا أَحْرَزَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116
الْمُسْلِمُونَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ قَالَ ذَاكَ إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ فَصَارَ فِي مِلْكِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ حُكْمُ الطِّفْلِ حُكْمُ
أَبَوَيْهِ إِذَا كَانَا مَعَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا وَسَوَاءٌ الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
مَعَهُ وَلَا أَحَدُهُمَا فَصَارَ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَدِينُهُ دِينُ سَيِّدِهِ الْمُسْلِمِ
وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حنيفة وروى عنه بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ
يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ كَافِرِينَ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَغْلَبُ عَلَيْهِ وَأَمَلَكُ بِهِ
وَهَذَا كَقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ إِذَا دَخَلُوا فِئَةَ الْمُسْلِمِينَ صَلِّي عَلَيْهِمْ وَإِذَا صَارُوا فِي مِلْكِ
الْمُسْلِمِينَ صَلِّي عَلَيْهِمْ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ وَحْدَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ
الْإِسْلَامَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ لِأَنَّ دِينَ سَيِّدِهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ دِينِ وَالِدَيْهِ وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو
وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ قَالَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ إِذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذَا
كَانَا حَيَّيْنِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَخْتَلِفُونَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا سُبِيَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ
عَلَى دِينِهِمَا
قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ صَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ هُمْ يَلُونَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ
قَالَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ جَازَ أَنْ يُفْدَى بِهِ مُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ لَمْ يَجُزْ
وَكَانَ بن حَنْبَلٍ يَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الثُّغُورِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى أَبَوَيْهِ فِي
حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَجَعَلُوا حُكْمَهُ حُكْمَ سَيِّدِهِ الْمُسْلِمِ
قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ
يُنَصِّرَانِهِ

عدد المشاهدات *:
470144
عدد مرات التنزيل *:
94689
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018

الكتب العلمية

روابط تنزيل : مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ
الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا (...)
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ<br />
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْاتَجُ<br />
الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا (...) لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
برنامج تلاوة القرآن الكريم
الكتب العلمية


@designer
1