/وقال أيضا:
فصـــل :
حقيقة مذهب الاتحادية - كصاحب الفصوص ونحوه - الذي يؤول إليه كلامهم ويصرحون به في مواضع - أن الحقائق تتبع العقائد، وهذا أحد أقوال السوفسطائية، فكل من قال شيئا، أو اعتقده، فهو حق في نفس هذا القائل المعتقد؛ ولذا يجعلون الكذب حقا، ويقولون: العارف لا يكذب أحدا، فإن الكذب هو ـ أيضا ـ أمر موجود وهو حق في نفس الكاذب، فإن اعتقده كان حقا في اعتقاده، وكلامه. ولو قال ما لم يعتقده كان حقا في كلامه فقط.
ولهذا يأمر المحقق أن تعتقد كل ما يعتقده الخلائق، كما قال:
عقد الخلائق في الإله عقائدا ** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
ومعلوم أن الاعتقادات المتناقضة لا تكون معتقداتها في الخارج،لكن في نفس المعتقد؛ ولهذا يأمرون بالتصديق بين النقيضين والضدين ويجعلون هذا من أصول طريقهم، وتحقيقهم.ومعلوم أن النقيضين لا يجتمعان في الخارج،لكن يمكن اعتقاد اجتماعهما فيكون ذلك حقا في نفس المعتقد،وهم يدعون أن ذلك يحصل كشفا فكشفهم متناقض، فخاطبت بذلك بعضهم، فقال:كلاهما / حق، كالذي كشف له أن الزهـرة فوق عطارد، والذي كشف له أنها تحت عطارد، فقـال هي من كشف هذا فوق عطارد،وفي كشف هذا تحت عطارد، وأمثال ذلك. فجعلوا الحقائق الثابتة تتبع الكشف والاعتقاد، والقول.
ولهذا يقولون: سر حيث شئت، فإن الله ثَمَّ، وقل ما شئت فيه، فإن الواسع الله.
ومضمون هذا الأصل أن كل إنسان يقول ما شاء ويعتقد ما شاء، من غير تمييز بين حق وباطل، وصادق وكاذب، وأنه لا ينكر في الوجود شيء، وهكذا يقولون. هذا من جهة الخبر والعلم، وأما من جهة الأمر والعمل، فإن محققهم يقول: ما عندنا حرام، ولكن هؤلاء المحجبون قالوا:حرام فقلنا: حرام عليكم، فما عندهم أمر ولا نهي، كما قال القاضي الذي هو تلميذ صاحب الفصوص فيما أنشدنيه الشاهد ابن عمد المقلب بعرعيه
ما الأمر إلا نســــق واحــد ** ما فيه من حمــــد ولا ذم
وإنما العادة قد خصـــــصت ** والطبع والشــارع بالحكـم
وحينئذ فما يبقى للأقوال والأفعال إلا مجرد القدرة؛ ولهذا هم يمشون مع الكون دائما، فأي شيء وجد وكان، كان عندهم حقا، فالحلال ما وجدته وحل بيدك، والحرام ما حرمته، والحق ما قلته كائنا ما كان، والباطل ما لم يقله أحد. وهؤلاء شر من المباحية الملاحدة الذين يجرون مع محض القدر.
فإن أولئك يعطلون الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وهؤلاء/ عطلوا أيضا الصانع والرسالة والحقائق كلها، وجعلوا الحقائق بحسب ما يكشف للإنسان، ولم يجعلوا للحقائق في أنفسها حقائق تتحقق به، يكون ثابتا، وبنقيضه منتفيا، بل هذا عندهم يفيده الإطلاق. ألا تقف مع معتقد، بل تعتقد جميع ما اعتقده الناس، فإن كانت أقوالا متناقضة فإن الوجود يسع هذا كله، ووحدة الوجود تسع هذا كله.
ومعلوم أن الوجود إنما يسع وجود هذه الاعتقادات لا يسع تحقق المعتقدات في أنفسها، وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء، فإن الاعتقاد الباطل والقول الكاذب هو موجود داخل في الوجود، لكن هذا لا يقتضي أن يكون حقا وصدقا، فإن الحق والصدق إذا أطلق على الأقوال الخبرية لا يراد به مجرد وجودها، فإن هذا أمر معلوم بالحس، وعلى هذا التقدير فكلها حق وصدق.
ومن المعلوم أن السائل عن حقها وصدقها، هي عنده منقسمة إلى حق وباطل، وصدق وكذب، والمراد بكونها حقا وصدقا كونها مطابقة للخبر أو غير مطابقة، ثم قد تكون مطابقة في اعتقاد القائل دون الخارج، وهذا هو الخطأ. وقد يسمى كذبا، وقد لا يطلق عليه ذلك.
فالأول: كقول النبي صلى الله عليه وسلم : [كذب أبو السنابل]،وقوله:[كذب من قالها إن له لأجرين اثنين، إنه لجاهد مجاهد ].وقول عبادة: كذب أبوكم. وقول ابن عباس: كذب نوف.
والثاني: كقوله صلى الله عليه وسلم:(لم أنس ولم تقصر)فقال له ذو اليدين: بلى قد نسيت. وكأن الفرق ـ واللّه أعلم ـ أن من أخبر مع تفريطه في الطريق الذي يعلم به صوابه وخطؤه فأخطأ سمي كاذبا ـ بخلاف من لم يفرط،لأنه تكلم بلا حجة ولا دليل مجازفة فأخطأ، بخلاف من أخبر غير مفرط. وهذا الفرق يصلح أن يفرق به فيمن حلف على شيء يعتقده، كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه إن حلف مجازفاً بلا أصل يرجع إليه مثل من حلف أن هذا غراب أو ليس بغراب بلا مستند أصلا فبان خطأ، فإن هذا يحنث وذلك يحنث، مثل هذا وإن لم يعلم خطؤه وإن أصاب وهي مسألة حلفه أنه في الجنة وهذا كما تقول: المفتى إذا أفتى بغير علم أنه أثم وإن أصاب، وكذلك المصلي إلى القبلة بغير اجتهاد، وكذلك المفسر للقرآن برأيه.
ولهذا تجد هؤلاء في أخبارهم من أكثر الناس كذبا، بل الكذب كالصدق عندهم، فيستعملونه بحسب الحاجة، ولا يبالون إذا أخبروا عن الشيء الواحد بخبرين متناقضين، وتجدهم في أعمالهم بحسب أهوائهم، فيعملون العملين المتناقضين أيضا، إذا وافق هذا هواهم في وقت، وهذا هواهم في وقت
وهم دائما مع المطاع، سواء كان مؤمنا أو كافراً، أو براً أو فاجراً، أو صديقاً أو زنديقاً. والتتار قبل إسلامهم،وإن شركوهم في هذا، فهم أحسن منهم في الخبريات؛ إذ التتار لا يخبرون عن الأمور الإلهية بالخبرين المتناقضين بل أحدهم إما أن يعتقد الشيء علماً أو تقليداً،أو لا يعتقد شيئا، فأما أن يجمع/بين النقيضين فلا،فهؤلاء شر حالا من مثل التتار؛ولهذا ليس لهم عاقبة، فإنهم ليسوا متقين يميزون بين مأمور، ومحظور،وصدق وكذب، والعاقبة إنما هي للمتقين، وإنما قيام أحدهم بقدر ما يكون قادراً.
ومعلوم أن قدرة أحدهم لا تدوم، بل يعمل بها من الأعمال ما يكون سبب الوبال، ولا ريب أن هؤلاء مندرجون في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1]، وفي قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} [محمد:3] وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:39]، وفي قوله: { الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ} [إبراهيم:18]، وفي قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]، وفي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف:179].
ولا ريب أن الحق نوعان: حق موجود، وبه يتعلق الخبر الصادق، وحق مقصود، وبه يتعلق الأمر الحكيم، والعمل الصالح، وضد الحق الباطل، ومن الباطل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل لهو يلهو الرجل به فهو باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق).والحق الموجود إذا أخبر عنه بخلافه كان كذبا، وهؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل، بين الحق الموجود الذي ينبغي اعتقاده، والباطل المعدوم الذي ينبغي نفيه في الخبر/ عنهما، ولا بين الحق المقصود الذي ينبغي اعتماده، والباطل الذي ينبغي اجتنابه، بل يقصدون ما هووه وأمكنهم منهما.
وأصدق الحق الموجود ما أخبر الله بوجوده، والخبر الحق المقصود ما أمر الله به. وإن شئت قلت: أصدق خبر عن الحق الموجود خبر الله، وخير أمر بالحق المقصود أمر الله، والإيمان يجمع هذين الأصلين: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر. وإذا قرن بينهما قيل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف:107]،والعمل خير من القول، كما قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
فصـــل :
حقيقة مذهب الاتحادية - كصاحب الفصوص ونحوه - الذي يؤول إليه كلامهم ويصرحون به في مواضع - أن الحقائق تتبع العقائد، وهذا أحد أقوال السوفسطائية، فكل من قال شيئا، أو اعتقده، فهو حق في نفس هذا القائل المعتقد؛ ولذا يجعلون الكذب حقا، ويقولون: العارف لا يكذب أحدا، فإن الكذب هو ـ أيضا ـ أمر موجود وهو حق في نفس الكاذب، فإن اعتقده كان حقا في اعتقاده، وكلامه. ولو قال ما لم يعتقده كان حقا في كلامه فقط.
ولهذا يأمر المحقق أن تعتقد كل ما يعتقده الخلائق، كما قال:
عقد الخلائق في الإله عقائدا ** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
ومعلوم أن الاعتقادات المتناقضة لا تكون معتقداتها في الخارج،لكن في نفس المعتقد؛ ولهذا يأمرون بالتصديق بين النقيضين والضدين ويجعلون هذا من أصول طريقهم، وتحقيقهم.ومعلوم أن النقيضين لا يجتمعان في الخارج،لكن يمكن اعتقاد اجتماعهما فيكون ذلك حقا في نفس المعتقد،وهم يدعون أن ذلك يحصل كشفا فكشفهم متناقض، فخاطبت بذلك بعضهم، فقال:كلاهما / حق، كالذي كشف له أن الزهـرة فوق عطارد، والذي كشف له أنها تحت عطارد، فقـال هي من كشف هذا فوق عطارد،وفي كشف هذا تحت عطارد، وأمثال ذلك. فجعلوا الحقائق الثابتة تتبع الكشف والاعتقاد، والقول.
ولهذا يقولون: سر حيث شئت، فإن الله ثَمَّ، وقل ما شئت فيه، فإن الواسع الله.
ومضمون هذا الأصل أن كل إنسان يقول ما شاء ويعتقد ما شاء، من غير تمييز بين حق وباطل، وصادق وكاذب، وأنه لا ينكر في الوجود شيء، وهكذا يقولون. هذا من جهة الخبر والعلم، وأما من جهة الأمر والعمل، فإن محققهم يقول: ما عندنا حرام، ولكن هؤلاء المحجبون قالوا:حرام فقلنا: حرام عليكم، فما عندهم أمر ولا نهي، كما قال القاضي الذي هو تلميذ صاحب الفصوص فيما أنشدنيه الشاهد ابن عمد المقلب بعرعيه
ما الأمر إلا نســــق واحــد ** ما فيه من حمــــد ولا ذم
وإنما العادة قد خصـــــصت ** والطبع والشــارع بالحكـم
وحينئذ فما يبقى للأقوال والأفعال إلا مجرد القدرة؛ ولهذا هم يمشون مع الكون دائما، فأي شيء وجد وكان، كان عندهم حقا، فالحلال ما وجدته وحل بيدك، والحرام ما حرمته، والحق ما قلته كائنا ما كان، والباطل ما لم يقله أحد. وهؤلاء شر من المباحية الملاحدة الذين يجرون مع محض القدر.
فإن أولئك يعطلون الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وهؤلاء/ عطلوا أيضا الصانع والرسالة والحقائق كلها، وجعلوا الحقائق بحسب ما يكشف للإنسان، ولم يجعلوا للحقائق في أنفسها حقائق تتحقق به، يكون ثابتا، وبنقيضه منتفيا، بل هذا عندهم يفيده الإطلاق. ألا تقف مع معتقد، بل تعتقد جميع ما اعتقده الناس، فإن كانت أقوالا متناقضة فإن الوجود يسع هذا كله، ووحدة الوجود تسع هذا كله.
ومعلوم أن الوجود إنما يسع وجود هذه الاعتقادات لا يسع تحقق المعتقدات في أنفسها، وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء، فإن الاعتقاد الباطل والقول الكاذب هو موجود داخل في الوجود، لكن هذا لا يقتضي أن يكون حقا وصدقا، فإن الحق والصدق إذا أطلق على الأقوال الخبرية لا يراد به مجرد وجودها، فإن هذا أمر معلوم بالحس، وعلى هذا التقدير فكلها حق وصدق.
ومن المعلوم أن السائل عن حقها وصدقها، هي عنده منقسمة إلى حق وباطل، وصدق وكذب، والمراد بكونها حقا وصدقا كونها مطابقة للخبر أو غير مطابقة، ثم قد تكون مطابقة في اعتقاد القائل دون الخارج، وهذا هو الخطأ. وقد يسمى كذبا، وقد لا يطلق عليه ذلك.
فالأول: كقول النبي صلى الله عليه وسلم : [كذب أبو السنابل]،وقوله:[كذب من قالها إن له لأجرين اثنين، إنه لجاهد مجاهد ].وقول عبادة: كذب أبوكم. وقول ابن عباس: كذب نوف.
والثاني: كقوله صلى الله عليه وسلم:(لم أنس ولم تقصر)فقال له ذو اليدين: بلى قد نسيت. وكأن الفرق ـ واللّه أعلم ـ أن من أخبر مع تفريطه في الطريق الذي يعلم به صوابه وخطؤه فأخطأ سمي كاذبا ـ بخلاف من لم يفرط،لأنه تكلم بلا حجة ولا دليل مجازفة فأخطأ، بخلاف من أخبر غير مفرط. وهذا الفرق يصلح أن يفرق به فيمن حلف على شيء يعتقده، كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه إن حلف مجازفاً بلا أصل يرجع إليه مثل من حلف أن هذا غراب أو ليس بغراب بلا مستند أصلا فبان خطأ، فإن هذا يحنث وذلك يحنث، مثل هذا وإن لم يعلم خطؤه وإن أصاب وهي مسألة حلفه أنه في الجنة وهذا كما تقول: المفتى إذا أفتى بغير علم أنه أثم وإن أصاب، وكذلك المصلي إلى القبلة بغير اجتهاد، وكذلك المفسر للقرآن برأيه.
ولهذا تجد هؤلاء في أخبارهم من أكثر الناس كذبا، بل الكذب كالصدق عندهم، فيستعملونه بحسب الحاجة، ولا يبالون إذا أخبروا عن الشيء الواحد بخبرين متناقضين، وتجدهم في أعمالهم بحسب أهوائهم، فيعملون العملين المتناقضين أيضا، إذا وافق هذا هواهم في وقت، وهذا هواهم في وقت
وهم دائما مع المطاع، سواء كان مؤمنا أو كافراً، أو براً أو فاجراً، أو صديقاً أو زنديقاً. والتتار قبل إسلامهم،وإن شركوهم في هذا، فهم أحسن منهم في الخبريات؛ إذ التتار لا يخبرون عن الأمور الإلهية بالخبرين المتناقضين بل أحدهم إما أن يعتقد الشيء علماً أو تقليداً،أو لا يعتقد شيئا، فأما أن يجمع/بين النقيضين فلا،فهؤلاء شر حالا من مثل التتار؛ولهذا ليس لهم عاقبة، فإنهم ليسوا متقين يميزون بين مأمور، ومحظور،وصدق وكذب، والعاقبة إنما هي للمتقين، وإنما قيام أحدهم بقدر ما يكون قادراً.
ومعلوم أن قدرة أحدهم لا تدوم، بل يعمل بها من الأعمال ما يكون سبب الوبال، ولا ريب أن هؤلاء مندرجون في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1]، وفي قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} [محمد:3] وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:39]، وفي قوله: { الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ} [إبراهيم:18]، وفي قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]، وفي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف:179].
ولا ريب أن الحق نوعان: حق موجود، وبه يتعلق الخبر الصادق، وحق مقصود، وبه يتعلق الأمر الحكيم، والعمل الصالح، وضد الحق الباطل، ومن الباطل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل لهو يلهو الرجل به فهو باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق).والحق الموجود إذا أخبر عنه بخلافه كان كذبا، وهؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل، بين الحق الموجود الذي ينبغي اعتقاده، والباطل المعدوم الذي ينبغي نفيه في الخبر/ عنهما، ولا بين الحق المقصود الذي ينبغي اعتماده، والباطل الذي ينبغي اجتنابه، بل يقصدون ما هووه وأمكنهم منهما.
وأصدق الحق الموجود ما أخبر الله بوجوده، والخبر الحق المقصود ما أمر الله به. وإن شئت قلت: أصدق خبر عن الحق الموجود خبر الله، وخير أمر بالحق المقصود أمر الله، والإيمان يجمع هذين الأصلين: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر. وإذا قرن بينهما قيل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف:107]،والعمل خير من القول، كما قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
عدد المشاهدات *:
464579
464579
عدد مرات التنزيل *:
263368
263368
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013