وقد ذكر اللّه الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعًا، وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، وقوله: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ}إلى قوله: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114، 115] {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}الآية [غافر: 55].
وجَعلَ الإمَامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فإن الدين كله علم بالحق وعمل به، والعمل به لابد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر. كما قال معاذ بن جبل ـ رضي اللّه عنه: علىكم بالعلم فإن طلبه للّه عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعلىمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف اللّه ويعبد، وبه يمجد اللّه ويوحد، يرفع اللّه بالعلم أقوامًا يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم، وينتهون إلى رأيهم.
فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولابد في الجهاد من الصبر؛ ولهذا / قال تعالى: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45].
فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وضد الأول الضلال، وضد الثاني الغي، فالضلال العمل بغير علم، والغي اتباع الهوى. قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1، 2]، فلا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر، ولهذا قال على: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ـ فإذا انقطع الرأس بان الجسد ـ ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له.
وأما الرضا، فقد تنازع العلماء والمشائخ من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم في الرضا بالقضاء: هل هو واجب أو مستحب ؟ على قولين: فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين، وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين. قال عمـر بن عبـد العزيز: الرضا عزيز ولكن الصبر معول المؤمن. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: " إن استطعت أن تعمل للّه بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا".
/ولهذا لم يجئ في القرآن إلا مدح الراضين لا إيجاب ذلك وهذا في الرضا بما يفعله الرب بعبده من المصائب، كالمرض والفقر والزلزال، كما قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}[البقرة: 177]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214]، فالبأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب.
وأما الرضا بما أمر اللّه به، فأصله واجب، وهو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضى باللّه ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا)، وهو من توابع المحبة كما سنذكره إن شاء اللّه ـ تعالى ـ قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: 65]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} الآية [التوبة: 59]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28]، وقال تعالى: {مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}[التوبة: 54].
ومن النوع الأول: ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: _من سعادة ابن آدم استخارته / للّه، ورضاه بما قسم اللّه له، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته للّه، وسخطه بما يقسم اللّه له).
وأما الرضا بالمنهيات من الكفر والفسوق والعصيان، فأكثر العلماء يقولون: لا يشرع الرضا بها، كما لا تشرع محبتها، فإن اللّه ـ سبحانه ـ لا يرضاها ولا يحبها، وإن كان قد قدرها وقضاها كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، وقال تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: 7]، وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ} [النساء: 108]، بل يسخطها كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28].
وقالت طائفة: ترضى من جهة كونها مضافة إلى اللّه خلقًا، وتسخط من جهة كونها مضافة إلى العبد فعلًا وكسبًا. وهذا القول لا ينافي الذي قبله، بل هما يعودان إلى أصل واحد. وهو ـ سبحانه ـ إنما قدر الأشياء لحكمة، فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية، وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة؛ إذ الشىء الواحد يجتمع فيه وصفان يحب من أحدهما ويكره من الآخر، كما في الحديث الصحيح: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه).
وأما من قال بالرضا بالقضاء الذي هو وصف اللّه وفعله لا بالمقضي الذي / هو مفعوله، فهو خروج منه عن مقصود الكلام، فإن الكلام ليس في الرضا فيما يقوم بذات الرب ـ تعالى ـ من صفاته وأفعاله، وإنما الكلام في الرضا بمفعولاته. والكلام فيما يتعلق بهذا قد بيناه في غير هذا الموضع.
والرضا وإن كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا؛ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمد اللّه على كل حال، وذلك يتضمن الرضا بقضائه، وفي الحديث: (أول من يدعى إلى الجنة: الحمادون الذين يحمدون اللّه في السراء والضراء)، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه الأمر يسره قال: (الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا أتاه الأمر الذي يسوؤه قال: (الحمد للّه على كل حال). وفي مسند الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قبض ولد العبد يقول اللّه لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد)، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد، وأمته هم الحمادون الذين يحمدون اللّه على السراء والضراء. والحمد على الضراء يوجبه مشهدان:
أحدهما: علم العبد بأن اللّه ـ سبحانه ـ مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه، فإنه أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء، وهو العلىم الحكيم، الخبير الرحيم.
/والثاني: علمه بأن اختيار اللّه لعبده المؤمن، خير من اختياره لنفسه، كما روى مسلم في صحيحه، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يقضي اللّه للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه اللّه للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5، لقمان: 31، سبأ: 19، الشورى: 33] وذكرهما في أربعة مواضع من كتابه.
فأما من لا يصبر على البلاء، ولا يشكر على الرخاء، فلا يلزم أن يكون القضاء خيرًا له؛ ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضي على المؤمن من المعاصي بجوابين:
أحدهما: أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد، كما في قوله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ} أي: من سراء، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: 79] أي: من ضراء، وكقوله تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168] أي: بالسراء والضراء، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120]، فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار، ويراد بها الطاعات والمعاصي.
والجواب الثاني: أن هذا في حق المؤمن الصبار الشكور. والذنوب تنقص الإيمان، فإذا تاب العبد أحبه اللّه، وقد ترتفع درجته بالتوبة. قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير: إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة. وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر اللّه ويتوب إلىه منها. وقـد ثبـت في الصحيـح عـن النبـي صلى الله عليه وسلم أنـه قـال: (الأعمـال بالخواتيم). والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب:
أن يتوب فيتوب اللّه عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أو يستغفر فيغفر له، أو يعمل حسنات تمحوها، فإن الحسنات يذهبن السيئات، أو يدعوا له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيًا وميتًا، أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه اللّه به، أو يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أو يبتليه اللّه ـ تعالى ـ في الدنيا بمصائب تكفر عنه، أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه، أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه، أو يرحمه أرحم الراحمين.
/فمن أخطأته هذه العشرة، فلا يلومن إلا نفسه، كما قال ـ تعالى ـ فيما يروي عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
فإذا كان المؤمن يعلم أن القضاء خير له إذا كان صبارًا شكورًا، أو كان قد استخار اللّه وعلم أن من سعادة ابن آدم استخارته للّه ورضاه بما قسم اللّه له، كان قد رضى بما هو خيرله، وفي الحديث الصحيح عن على ـ رضي اللّه عنه ـ قال: (إن اللّه يقضي بالقضاء، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط). ففي هذا الحديث الرضا والاستخارة، فالرضا بعد القضاء والاستخارة قبل القضاء، وهذا أكمل من الضراء والصبر؛ فلهذا ذكر في ذاك الرضا، وفي هذا الصبر.
ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيرًا له، فكيف مع الرضا؟ ولهذا جاء في الحديث: (المصاب من حرم الثواب) في الأثر الذي رواه الشافعي في مسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات سمعوا قائلًا يقول: يا آل بيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن في اللّه عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل فائت، فباللّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب ولهذا لم يؤمر بالحزن المنافى للرضا قط، مع أنه لا فائدة فيه، فقد يكون فيه مضرة لكنه يعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه اللّه.
/لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، وذلك لا ينافى الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه، وبهذا يعرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بكى على الميت وقال: (إن هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده، وإنما يرحم اللّه من عباده الرحـماء)، فإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه على فضحـك وقال: رأيت أن اللّه قد قضى فأحببت أن أرضى بما قضى اللّه به، حاله حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع. وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد اللّه ـ تعالى ـ كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل. كـما قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17]، فذكر ـ سبحانه ـ التواصي بالصبر والمرحمة.
والناس أربعة أقسام: منهم من يكون فيه صبر بقسوة. ومنهم مـن يكـون فيه رحمة بجزع. ومنهم من يكون فيه القسوة والجزع. والمؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه ويرحم الناس.
وقد ظن طائفة من المصنفين في هذا الباب أن الرضا عن اللّه من توابع المحبة له، وهذا إنما يتوجه على المأخذ الأول وهو الرضا عنه لاستحقاقه ذلك بنفسه، مع قطع العبد النظر عن حظه، بخلاف المأخذ الثاني وهو: الرضا لعلمه بأن المقضي خير له، ثم إن المحبة متعلقة به والرضا متعلق بقضائه، لكن قد يقال في تقرير ما قال هذا المصنف ونحوه. إن المحبة لله نوعان: / محبة له نفسه، ومحبة له لما فيه من الإحسان، وكذلك الحمد له نوعان: حمد له على ما يستحقه نفسه، وحمد على إحسانه إلى عبده، فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة.
وأما الرضا به وبدينه وبرسوله، فذلك من حظ المحبة، ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان، كما ذكر في المحبة وجود حلاوة الإيمان. وهذان الحديثان الصحيحان هما أصل فيما يذكر من الوجد والذوق الإيماني الشرعي، دون الضلالي البدعي. ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي باللّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا)، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا للّه، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه منه، كما يكره أن يلقى في النار). وهذا مما يبين من الكلام على المحبة فنقول:
عدد المشاهدات *:
490464
490464
عدد مرات التنزيل *:
265901
265901
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013