/فصــل
والسبب الذي أوقع هؤلاء في الكفر ببعض ما أنزله هو من جنس ما أوقع الأوَّلين في الكفر بجميع ما أنزل الله في كثير من المواضع؛ فإن مـن تأمَّل وَجَدَ شُبَه اليهـود والنصارى ومن تبعهم من الصابئين في الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هي من جنس شُبَه المشركين والمجوس، ومن معهم من الصابئين في الكفر بجنس الكتاب، وبما أنزل الله على رسله في كثير من المواضع؛ فإنهم يعترضون على آياته، وعلى الكتاب الذي أنزل معه، وعلى الشريعة التي بعث بها، وعلى سيرته، بنحو مما اعترض به على سائر الرسل؛ مثل موسى وعيسى، كما قال الله تعالى ـ في جميعهم ـ: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر:4، 5] إلى قوله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:34 ،53] وفي الآية الأخرى:{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [غافر:56] إلى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [غافر:69 ،70].
/هذا مع أن السلطان الذي أيد الله به رسوله من أنواع الحجج المعجزات، وأنواع القدر الباهرات، أعظم مما أيد به غيره، ونبوته هي التي طبق نورها مشارق الأرض ومغاربها، وبه ثبتت نبوات من تَقَدَّمَه، وتبين الحق من الباطل، وإلا فلولا رسالته لكان الناس في ظلمات بعضها فوق بعض، وأمر مَرِيج [أي: مختلط]، يؤفك عنه من أفك؛ الكتابيون منهم والأميون؛ ولهذا لما كان ما يقال له إلا ما قد قيل للرسل من قبله، أمره الله ـ سبحانه ـ باستشهاد أهل الكتاب على مثل ما جاء به.
وهذا من بعض حكمة إقرارهم بالجزية، كقوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس:94]، وقوله: {كَفي بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:43، 44]،وفي الآية الأخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} الآية [الأنبياء:7، 8]، ومثل قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10].
وجماع شبه هؤلاء الكفار: أنهم قاسوا الرسول على من فرق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الذي اختص به رسله، فأتوا من / جهة القياس الفاسد. ولابد في القياس من قدر مشترك بين المشبه والمشبه به؛ مثل جنس الوحي والتنزيل؛ فإن الشياطين ينزلون على أوليائهم ويوحون إليهم، كقوله {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، وقال سبحانه:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:221 ـ 223].
وقال ـ تعالى ـ في الـ {طس} وقد افتتح كلا منهن بقصة موسى وتكليم الله إياه، وإرساله إلى فرعون، فإنها أعظم القصص كما قدمناه، فقال في سورة الشعراء المحتوية على قصص المرسلين واحدًا بعد واحد، وهي سبع؛قصة موسى، وإبراهيم، ونوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، ثم قال عن القرآن:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:192، 193] إلى قوله:{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:226] فذكر الفرق بينه وبين من تنزل عليه الشياطين من الكهان والمتنبئين ونحوهم، وبين الشعراء؛ لأن الكاهن قد يخبر بغيب بكلام مسجوع، والشاعرـ أيضًا ـ يأتي بكلام منظوم يحرك به النفوس؛ فإن قرين الشيطان مادته من الشيطان، ويعين الشيطان بكذبه وفجوره، والشاعر مادته من نفسه، وربما أعانه الشيطان.
فأخبر أن الشياطين إنما تنزل على من يناسبها، وهو الكاذب في قوله، الفاجر في عمله، بخلاف الصادق البر، وأن الشعراء إنما يحركون / النفوس إلى أهوائها فيتبعهم الغاوون، وهم الذين يتبعون الأهواء، وشهوات الغي، فنفي كلا منهما بانتفاء لازمه، وبين ما يجتمع فيه شياطين الإنس والجن.
والسبب الذي أوقع هؤلاء في الكفر ببعض ما أنزله هو من جنس ما أوقع الأوَّلين في الكفر بجميع ما أنزل الله في كثير من المواضع؛ فإن مـن تأمَّل وَجَدَ شُبَه اليهـود والنصارى ومن تبعهم من الصابئين في الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هي من جنس شُبَه المشركين والمجوس، ومن معهم من الصابئين في الكفر بجنس الكتاب، وبما أنزل الله على رسله في كثير من المواضع؛ فإنهم يعترضون على آياته، وعلى الكتاب الذي أنزل معه، وعلى الشريعة التي بعث بها، وعلى سيرته، بنحو مما اعترض به على سائر الرسل؛ مثل موسى وعيسى، كما قال الله تعالى ـ في جميعهم ـ: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر:4، 5] إلى قوله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:34 ،53] وفي الآية الأخرى:{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [غافر:56] إلى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [غافر:69 ،70].
/هذا مع أن السلطان الذي أيد الله به رسوله من أنواع الحجج المعجزات، وأنواع القدر الباهرات، أعظم مما أيد به غيره، ونبوته هي التي طبق نورها مشارق الأرض ومغاربها، وبه ثبتت نبوات من تَقَدَّمَه، وتبين الحق من الباطل، وإلا فلولا رسالته لكان الناس في ظلمات بعضها فوق بعض، وأمر مَرِيج [أي: مختلط]، يؤفك عنه من أفك؛ الكتابيون منهم والأميون؛ ولهذا لما كان ما يقال له إلا ما قد قيل للرسل من قبله، أمره الله ـ سبحانه ـ باستشهاد أهل الكتاب على مثل ما جاء به.
وهذا من بعض حكمة إقرارهم بالجزية، كقوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس:94]، وقوله: {كَفي بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:43، 44]،وفي الآية الأخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} الآية [الأنبياء:7، 8]، ومثل قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10].
وجماع شبه هؤلاء الكفار: أنهم قاسوا الرسول على من فرق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الذي اختص به رسله، فأتوا من / جهة القياس الفاسد. ولابد في القياس من قدر مشترك بين المشبه والمشبه به؛ مثل جنس الوحي والتنزيل؛ فإن الشياطين ينزلون على أوليائهم ويوحون إليهم، كقوله {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، وقال سبحانه:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:221 ـ 223].
وقال ـ تعالى ـ في الـ {طس} وقد افتتح كلا منهن بقصة موسى وتكليم الله إياه، وإرساله إلى فرعون، فإنها أعظم القصص كما قدمناه، فقال في سورة الشعراء المحتوية على قصص المرسلين واحدًا بعد واحد، وهي سبع؛قصة موسى، وإبراهيم، ونوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، ثم قال عن القرآن:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:192، 193] إلى قوله:{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:226] فذكر الفرق بينه وبين من تنزل عليه الشياطين من الكهان والمتنبئين ونحوهم، وبين الشعراء؛ لأن الكاهن قد يخبر بغيب بكلام مسجوع، والشاعرـ أيضًا ـ يأتي بكلام منظوم يحرك به النفوس؛ فإن قرين الشيطان مادته من الشيطان، ويعين الشيطان بكذبه وفجوره، والشاعر مادته من نفسه، وربما أعانه الشيطان.
فأخبر أن الشياطين إنما تنزل على من يناسبها، وهو الكاذب في قوله، الفاجر في عمله، بخلاف الصادق البر، وأن الشعراء إنما يحركون / النفوس إلى أهوائها فيتبعهم الغاوون، وهم الذين يتبعون الأهواء، وشهوات الغي، فنفي كلا منهما بانتفاء لازمه، وبين ما يجتمع فيه شياطين الإنس والجن.
عدد المشاهدات *:
465001
465001
عدد مرات التنزيل *:
263408
263408
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013