اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الثلاثاء 8 شوال 1445 هجرية
????? ??????????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

الأعمال

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الخامس عشر
كتاب التفسير
تفسير سورة النور
فَصْــل في معاني مستنبطة من سورة النور ـ ب ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

وقوله تعالى‏:‏‏{‏فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا‏}‏ هل يكون من توبته اعترافه بالذنب‏؟‏ فإذا ثبت الذنب بإقراره فجحد إقراره وكذب الشهود على إقراره، أو ثبت بشهادة شهود، هل يُعَدُّ بذلك تائبًا‏؟‏ فيه نزاع، فذكر الإمام أحمد أنه لا توبة لمن جحد، وإنما التوبة لمن أقر وتاب، واستدل بقصة على بن أبى طالب أنه أتى بجماعة ممن شهد عليهم بالزندقة فاعترف منهم ناس فتابوا فقبل توبتهم، وجحد منهم جماعة فقتلهم، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة‏:‏ ‏(‏إن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه‏)‏ رواه البخارى‏.‏
فمن أذنب سرًا فليتب سرًا، وليس عليه أن يظهر ذنبه، كما فى الحديث‏:‏ ‏(‏من ابتلى بشىء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله / ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله‏)‏، وفى الصحيح‏:‏ ‏(‏كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يبيت الرجل على الذنب قد ستره الله عليه فيكشف ستر الله عنه‏)‏‏.‏ فإذا ظهر من العبد الذنب فلابد من ظهور التوبة، ومع الجحود لا تظهر التوبة، فإن الجاحد يزعم أنه غير مذنب؛ ولهذا كان السلف يستعملون ذلك فيمن أظهر بدعة أو فجورًا، فإن هذا أظهر حال الضالين، وهذا أظهر حال المغضوب عليهم، ومن أذاه منعه ـ مع القدرة ـ من الإمامة، والحكم، والفتيا، والرواية، والشهادة، وأما بدون القدرة فليفعل المقدور عليه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 16‏]‏ فأمر بإيذائهما ولم يعلق ذلك على استشهاد أربعة، كما علق ذلك فى حق النساء وإمساكهن فى البيوت، ولم يأمر به هنا كما أمر به هناك، وليس هذا من باب حمل المطلق على المقيد؛ لأن ذلك لابد أن يكون الحكم واحدًا مثل الإعتاق، فإذا كان الحكم متفقًا فى الجنس دون النوع كإطلاق الأيدى في التيمم وتقييدها فى الوضوء إلى المرافق، وإطلاق ستين مسكينًا فى الإطعام وتقييد الإعتاق بالإيمان، مع أن كلاهما عبادة مالية يراد بها نفع الخلق، وفى ذلك نزاع بين العلماء‏.‏
ولم يحمل المسلمون من الصحابة والتابعين المطلق على المقيد فى قوله‏:‏‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏23‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 22‏]‏ قال الصحابة والتابعون وسائر أئمة الدين‏:‏ الشرط فى الربائب خاصة، وقالوا‏:‏ أبهموا ما أبهم الله، والمبهم هو المطلق، والمشروط فيه هو المؤقت المقيد، فأمهات النساء، وحلائل الآباء والأبناء يحرمن بالعقد، والربائب لا يحرمن إلا إذا دخل بأمهاتهن، لكن تنازعوا هل الموت كالدخول‏؟‏ على قولين فى مذهب أحمد؛ وذلك لأن الحكم مختلف، والقيد ليس متساويًا فى الأعيان، فإن تحريم جنس ليس مثل تحريم جنس آخر يخالفه، كما أن تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير لما كان أجناسًا، فليس تقييد الدم بكونه مسفوحًا يوجب تقييد الميتة والخنزير أن يكون مسفوحًا، وهنا القيد كون الربيبة مدخولا بأمها، والدخول بالأم لايوجد مثله فى الحليلتين وأم المرأة، إذ الدخول فى الحليلة بها نفسها، وفى أم المرأة ببنتها‏.‏
وكذلك المسلمون لم يحملوا المطلق على المقيد في نصب الشهادة، بل لما ذكر الله فى آية الدين‏:‏رجلين أو رجلاً وامرأتين، وفى الرجعة‏:‏رجلين، أقروا كلا منهما على حاله؛ لأن سبب الحكم مختلف وهو المال والبضع، واختلاف السبب يؤثر فى نصاب الشهادة، وكما فى إقامة الحد فى الفاحشة وفى القذف بها اعتبر فيه أربعة شهداء،فلا يقاس بذلك عقود الإيمان والإبضاع، وذكر فى حد القذف ثلاثة أحكام‏:‏ / جلد ثمانين، وترك قبول شهادتهم أبدًا، وأنهم فاسقون ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 5‏]‏، وأن التوبة لا ترفع الجلد إذا طلبه المقذوف، وترفع الفسق بلا تردد، وهل ترفع المنع من قبول الشهادة‏؟‏ فأكثر العلماء قالوا‏:‏ ترفعه‏.‏
وإذا اشتهر عن شخص الفاحشة بين الناس لم يُرْجَم؛ لما ثبت فى الصحيح عن ابن عباس أنه لما ذكر حديث الملاعنة وقول النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن جاءت به يشبه الزوج فقد كذب عليها، وإن جاءت به يشبه الرجل الذى رماها فقد صدق عليها‏)‏، فجاءت به على النعت المكروه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لولا الإيمان لكان لى ولها شأن‏)‏، فقيل لابن عباس‏:‏ أهذه التى قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمتها‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ لا، تلك امرأة كانت تعلن السوء فى الإسلام‏.‏ فقد أخبر أنه لا يرجم أحدًا إلا ببينة ولو ظهر عن الشخص السوء‏.‏
ودل هذا الحديث على أن الشبه له تأثير فى ذلك، وإن لم يكن بينة، وكذلك ثبت عنه أنه لما مر عليه بتلك الجنازة فأثنوا عليها خيرًا إلى آخره قال‏:‏ ‏(‏أنتم شهداء الله فى أرضه‏)‏، وفى المسند عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار‏)‏، قيل‏:‏ يا رسول الله، وبم ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بالثناء الحسن، والثناء السيئ‏)‏‏.‏ فقد جعل الاستفاضة /حجة وبينة فى هذه الأحكام ولم يجعلها حجة فى الرجم‏.‏وكذلك تقبل شهادة أهل الكتاب على المسلمين فى الوصية فى السفر عند أحمد، وكذلك شهادة الصبيان فى الجراح إذا أدوها قبل التفرق فى إحدى الروايتين، وإذا شهد شاهد أنه رأى الرجل والمرأة والصبى فى لحاف أو فى بيت مرحاض، أو رآهما مجردين، أو محلولى السراويل، ويوجد مع ذلك ما يدل على ذلك من وجود اللحاف قد خرج عن العادة إلى مكانهما، أو يكون مع أحدهما أو معهما ضوء قد أظهره فرآه فأطفأه، فإن إطفاءه دليل على استخفائه بما يفعل، فإذا لم يكن ما يستخفى به إلا ما شهد به الشاهد كان ذلك من أعظم البيان على ما شهد به‏.‏
فهذا الباب باب عظيم النفع فى الدين، وهو مما جاءت به الشريعة التى أهملها كثير من القضاة والمتفقهة، زاعمين أنه لا يعاقب أحد إلا بشهود عاينوا، أو إقرار مسموع، وهذا خلاف ما تواترت به السنة وسنة الخلفاء الراشدين، وخلاف ما فطرت عليه القلوب التى تعرف المعروف وتنكر المنكر، ويعلم العقلاء أن مثل هذا لا تأباه سياسة عادلة‏:‏ فضلا عن الشريعة الكاملة، ويدل عليه قوله تعالى‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏]‏ ففى الآية دلالات ‏:‏
/ أحدها‏:‏قوله‏:‏‏{‏إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ فأمر بالتبين عند مجىء كل فاسق بكل نبأ، بل من الأنباء ما ينهى فيه عن التبين، ومنها‏:‏ ما يباح فيه ترك التبين، ومن الأنباء ما يتضمن العقوبة لبعض الناس؛ لأنه علل الأمر بأنه إذا جاءنا فاسق بنبأ خشية أن نصيب قوما بجهالة، فلو كان كل من أصيب بنبأ كذلك لم يحصل الفرق بين العدل والفاسق، بل هذه دلالة واضحة على أن الإصابة بنبأ العدل الواحد لا ينهى عنها مطلقًا، وذلك يدل على قبول شهادة العدل الواحد فى جنس العقوبات، فإن سبب نزول الآية يدل على ذلك، فإنها نزلت فى إخبار واحد بأن قومًا قد حاربوا بالردة أو نقض العهد‏.‏
وفيه ـ أيضا ـ أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه، فقد استبان الأمر وزال الأمر بالتثبت، فتجوز إصابة القوم وعقوبتهم بخبر الفاسق مع قرينة إذا تبين بهما الأمور، فكيف خبر الواحد العدل مع دلالة أخرى؛ ولهذا كان أصح القولين أن مثل هذا لوث فى باب القسامة، فإذا انضاف أىمان المقسمين صار ذلك بينة تبيح دم المقسم عليه وقوله‏:‏ ‏{‏أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ‏}‏ فجعل المحذور هو الإصابة لقوم بلا علم، فمتى أصيبوا بعلم زال المحذور، وهذا هو المناط الذى دل عليه القرآن، كما قال‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏86‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏‏.‏
/ وأيضًا، فإنه علل ذلك بخوف الندم، والندم إنما يحصل على عقوبة البرىء من الذنب، كما فى سنن أبى داود‏:‏ ‏(‏ادرؤوا الحدود بالشبهات، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة‏)‏ ، فإذا دار الأمر بين أن يخطئ فيعاقب بريئًا، أو يخطئ فيعفو عن مذنب، كان هذا الخطأ خير الخطأين‏.‏ أما إذا حصل عنده علم أنه لم يعاقب إلا مذنبًا فإنه لا يندم، ولا يكون فيه خطأ، والله أعلم‏.‏
وقد ذكر الشافعى وأحمد أن التغريب جاء فى السنة فى موضعين أحدهما‏:‏أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الزانى إذا لم يحصن‏:‏ ‏(‏جلد مائة وتغريب عام‏)‏ والثانى‏:‏نفى المخنثين فيما روته أم سلمة‏:‏ أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث،وهو يقول لعبد الله أخيها‏:‏ إن فتح الله لك الطائف غدًا أدلك على ابنة غيـلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمـان فقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أخرجوهم من بيوتكم‏)‏رواه الجماعة إلا الترمـذى، وفى روايـة فى الصحيـح‏:‏‏(‏لا يدخلن هؤلاء عليكم ‏)‏، وفى رواية‏:‏‏(‏أرى هذا يعرف مثل هذا لا يدخلن عليكم بعد اليوم‏)‏‏.‏
قال ابن جُرَيْج‏:‏ المخنث هو هيت ‏[‏الهِيتُ‏:‏ الغامض من الأرض، ومخنث نفاه النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة‏]‏، وهكذا ذكره غيره وقد قيل‏:‏ إنه هِنْب ‏[‏هِنبُ‏:‏ رجل مخنث نفاه النبى صلى الله عليه وسلم‏]‏، وزعم بعضهم أنه ماتع ‏[‏ماتع‏:‏ اسم‏]‏، وقيل‏:‏ هوان‏.‏ وروى الجماعة إلا مسلمًا أن النبى صلى الله عليه وسلم لعن المخنثين من الرجال ،/ والمترجلات من النساء، وقال‏:‏ ‏(‏أخرجوهم من بيوتكم، وأخرجوا فلانًا وفلانًا، يعنى‏:‏ المخنثين‏)‏، وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة‏:‏ بهم وهيت وماتع ـ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنيثهم وتأنيثهم لينًا فى القول، وخضابًا فى الأيدى والأرجل، كخضاب النساء ولعبًا كلعبهن‏.‏
وفى سنن أبى داود عن أبى يسار القرشى عن أبى هاشم عن أبى هريرة‏:‏ أن النبى صلى الله عليه وسلم أُتى بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحنّاء، فقال‏:‏ ‏(‏ما بال هذا‏؟‏‏)‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفى إلى النقيع، فقيل‏:‏ يا رسول الله ألا نقتله‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنى نهيت عن قتل المصلين‏)‏، قال أبو أسامة حماد بن أسامة‏:‏ والنقيع‏:‏ ناحية عن المدينة، وليس بالبقيع، وقيل‏:‏ إنه الذى حماه النبى صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة، ثم حماه عمر، وهو على عشرين فرسخًا من المدينة، وقيل‏:‏ عشرين ميلا‏.‏ ونقيع الخضمات موضع آخر قرب المدينة، وقيل‏:‏ هو الذى حماه عمر‏.‏ والنقيع‏:‏ موضع يستنقع فيه الماء، كما فى الحديث‏:‏ ‏(‏أول جمعة جمعت بالمدينة فى نقيع الْخَضَماتِ‏)‏‏.‏
فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت، فمعلوم أن الذى يمكن الرجال من نفسه والاستمتاع به، وبما يشاهدونه من محاسنه، وفعل الفاحشة الكبرى به شر من هؤلاء، وهو / أحق بالنفى من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم؛ فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء؛ لأنه إذا تَشبَّه بالنساء فقد تعاشره النساء، ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن؛ ولأن الرجال إذا مالوا إليه فقد يعرضون عن النساء؛ ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هى وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين، وقد تختار هى مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال‏.‏
وأما إفساده للرجال‏:‏ فهو أن يمكنهم من الفعل به ـ كما يفعل بالنساء ـ بمشاهدته ومباشرته وعشقه، فإذا أخرج من بين الناس وسافر إلى بلد آخر ساكن فيه الناس، ووجد هناك من يفعل به الفاحشة، فهنا يكون نفيه بحبسه فى مكان واحد ليس معه فيه غيره، وإن خيف خروجه فإنه يقيد إذ هذا هو معنى نفيه وإخراجه من بين الناس‏.‏
ولهذا تنازع العلماء فى نفى المحارب من الأرض، هل هو طرده بحيث لا يأوى فى بلد، أو حبسه، أو بحسب ما يراه الإمام من هذا وهذا، ففى مذهب أحمد ثلاث روايات الثالثة أعدل وأحسن، فإن نفيه بحيث لا يأوى فى بلد لا يمكن لتفرق الرعية واختلاف هممهم، بل قد يكون بطرده يقطع الطريق، وحبسه قد لا يمكن؛ لأنه يحتاج إلى مؤنة؛ إلى طعام وشراب وحارس؛ ولا ريب أن النفى أسهل إن أمكن ‏.‏ / وقد روى أن هِيْتًا لما اشتكى الجوع أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخل المدينة من الجمعة إلى الجمعة يسأل ما يقيته إلى الجمعة الأخرى، ومعلوم أن قوله‏:‏ ‏{‏أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 33‏]‏ لا يتضمن نفيه من جميع الأرض، وإنما هو نفيه من بين الناس، وهذا حاصل بطرده وحبسه‏.‏
وهذا الذى جاءت به الشريعة من النفى هو نوع من الهجرة أى هجره، وليس هذا كنفى الثلاثة الذىن خُلِّفُوا، ولا هجره كهجرهم، فإنه منع الناس من مخالطتهم ومخاطبتهم حتى أزواجهم، ولم يمنعهم من مشاهدة الناس وحضور مجامعهم فى الصلاة وغيرها، وهذا دون النفى المشروع، فإن النفى المشروع مجموع من الأمرين، وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضًَا على مصلحة دينهم ودنياهم، فمن كان بمخالطته للناس لا يحصل منه عون على الدين، بل يفسدهم ويضرهم فى دينهم ودنياهم استحق الإخراج من بينهم، وذلك أنه مضرة بلا مصلحة؛ فإن مخالطته لهم فيها فسادهم وفساد أولادهم، فإن الصبى إذا رأى صبيا مثله يفعل شيئًا تَشَبَّه به، وسار بسيرته مع الفُسَّاق، فإن الاجتماع بالزناة واللوطيين فيه أعظم الفساد، والضرر على النساء والصبيان والرجال، فيجب أن يعاقب اللوطى والزانى بما فيه تفريقه وإبعاده‏.‏
وجماع الهجرة هى هجرة السيئات وأهلها، وكذلك هجران الدعاة إلى / البدع، وهُجْرَان الفُسَّاق ، وهجران من يخالط هؤلاء كلهم أو يعاونهم، وكذلك من يترك الجهاد الذى لا مصلحة لهم بدونه ، فإنه يعاقب بهجرهم له لما لم يعاونهم على البر والتقوى، فالزناة واللوطية، وتارك الجهاد ، وأهل البدع، وَشَرَبَةُ الخمر، هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام، وليس فيهم معاونة لا على بر ولا تقوى ، فمن لم يهجرهم كان تاركا للمأمور فاعلا للمحظور ، فهذا ترك المأمور من الاجتماع،وذلك فعل المحظور منه، فعوقب كل منهما بما يناسب جُرْمَه ُ، فإن العقوبة إنما تكون على ترك مأمور أو فعل محظور، كما قال الفقهاء‏:‏ إنما يُشْرَع التعزير فى معصية ليس فيها حد، فإن كان فيها كفارة فعلى قولين فى مذهب أحمد وغيره‏.‏
قال‏:‏ وما جاءت به الشريعة من المأمورات والعقوبات والكفارات وغير ذلك فإنه يفعل منه بحسب الاستطاعة، فإذا لم يقدر المسلم على جهاد جميع المشركين، فإنه يجاهد من يقدر على جهاده‏.‏ وكذلك إذا لم يقدر على عقوبة جميع المعتدين، فإنه يعاقب من يقدر على عقوبته، فإذا لم يمكن النفى والحبس عن جميع الناس؛ كان النفى والحبس على حسب القدرة، مثل أن يحبس بدار لا يباشر إلا أهلها لا يخرج منها، أو ألا يباشر إلا شخصًا أو شخصين، فهذا هو الممكن، فيكون هو المأمور به، وإن أمكن أن يجعل فى مكان قد قل فيه القبيح ولا يعدم بالكلية كان ذلك هو المأمور به، فإن الشريعة جاءت بتحصيل / المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فالقليل من الخير خير من تركه، ودفع بعض الشر خير من تركه كله، وكذلك المرأة المتشبهة بالرجال تحبس شبيها بحالها إذا زنت، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، فإن جنس الحبس مما شرع فى جنس الفاحشة‏.‏
ومما يدخل فى هذا أن عمر بن الخطاب نفى نصر بن حجاج من المدينة، ومن وطنه إلى البصرة، لما سمع تشبيب النساء به وتشبهه بهن، وكان أولاً قد أمر بأخذ شَعْرِهِ؛ ليزيل جماله الذى كان يفتن به النساء فلما رآه بعد ذلك من أحسن الناس وجنتين غَمَّه ذلك فنفاه إلى البصرة، فهذا لم يصدر منه ذنب ولا فاحشة يعاقب عليها؛ لكن كان فى النساء من يفتتن به فأمر بإزالة جماله الفاتن، فإن انتقاله عن وطنه مما يضعف همته وبدنه، ويعلم أنه معاقب، وهذا من باب التفريق بين الذين يخاف عليهم الفاحشة والعشق قبل وقوعه، وليس من باب المعاقبة، وقد كان عمر ينفى فى الخمر إلى خيبر زيادة فى عقوبة شاربها‏.‏
ومن أقوى ما يهيج الفاحشة، إنشاد أشعار الذين فى قلوبهم مرض من العشق، ومحبة الفواحش، ومقدماتها بالأصوات المطربة، فإن المغنى إذا غنى بذلك حرك القلوب المريضة إلى محبة الفواحش، فعندها يهيج مرضه ويقوى بلاؤه، وإن كان القلب فى عافية من ذلك جعل فيه مرضًا، كما قال بعض السلف‏:‏ الغناء رُقْيَةُ الزنا‏.‏
/ ورقية الحية هى ما تستخرج بها الحية من جحرها، ورقية العين والحمة هى ما تستخرج به العافية، ورقية الزنا هو ما يدعو إلى الزنا، ويخرج من الرجل هذا الأمر القبيح، والفعل الخبيث، كما أن الخمر أم الخبائث، قال ابن مسعود‏:‏ الغناء ينبت النفاق فى القلب كما ينبت الماء البقل، وقال تعالى لإبليس‏:‏ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 64‏]‏ واستفزازه إياهم بصوته يكون بالغناء ـ كما قال من قال من السلف ـ وبغيره من الأصوات؛ كالنياحة وغير ذلك، فإن هذه الأصوات كلها توجب انزعاج القلب والنفس الخبيثة إلى ذلك، وتوجب حركتها السريعة، واضطرابها حتى يبقى الشيطان يلعب بهؤلاء أعظم من لعب الصبيان بالكرة، والنفس متحركة، فإن سكنت فبإذن الله، وإلا فهى لا تزال متحركة‏.‏
وشبهها بعضهم بكرة على مستوى أملس لا تزال تتحرك عليه،وفى الحديث المرفوع‏:‏‏(‏القلب أشد تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا‏)‏، وفى الحديث الآخر‏:‏‏(‏مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض تحركها الريح‏)‏، وفى صحيح البخارى عن سالم عن ابن عمر قال‏:‏ كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا ومقلب القلوب‏)‏، وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏‏(‏اللهم مصرف القلـوب اصرف قلوبنا إلى طـاعتـك‏)‏، وفى الترمذى / عـن أبى سـفيان قال‏:‏كـان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكـثر أن يقـول‏:‏ ‏(‏يـا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك‏)‏ قال‏:‏فقلت‏:‏ ىا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا‏؟‏ قال‏:‏‏(‏نعم، القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء‏)‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏، لما أمر الله ـ تعالى ـ بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين هجرًا لهما، ولما معهما من الذنوب والسيئات‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 5‏]‏، وجعل مجالس فاعل ذلك المنكر مثله بقوله تعالى‏:‏‏{‏إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 140‏]‏، وهو زوج له، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 22‏]‏ أى‏:‏ عشراءهم وقرناءهم وأشباههم ونظراءهم؛ ولهذا يقال‏:‏ المستمع شريك المغتاب‏.‏
ورفع إلى عمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر، وكان فيهم جليس لهم صائم فقال‏:‏ ابدؤوا به فى الجلد، ألم تسمع الله يـقول‏:‏ ‏{‏فَلا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 140‏]‏، فإذا كان هذا فى المجالسة والعشرة العارضة حين فعلهم للمنكر يكون مجالسهم مثلا لهم، فكيف بالعشرة الدائمة‏؟‏
والزوج يقال له‏:‏ العشير، كما فى الحديث من حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء / يكفرن‏)‏، قيل‏:‏ يكفرن بالله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يَكْفرْنَ العشير ويَكْفُرْنَ الإحسان‏)‏ فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زانٍ أو مشرك‏.‏
أما المشرك‏:‏ فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها، وأما الزانى‏:‏ ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا‏.‏
وفى الآية دليل على أن الزانى ليس بمؤمن مطلق الإيمان، وإن لم يكن كافرًا مشركًا، كما فى الصحيح‏:‏ ‏(‏لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن‏)‏، وذلك أنه أخبر أنه لا ينكح إلا زانية أو مشركة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فعلم أن الإيمان يمنع من ذلك ويزجر، وأن فاعله إما مشرك وإما زان ليس من المؤمنين الذين يمنعهم إيمانهم من ذلك، وذلك أن الزانية فيها إفساد فراش الرجل، وفى مناكحتها معاشرة الفاجرة دائمًا، ومصاحبتها، والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه، وهذا المعنى موجود فى الزانى، فإن الزانى إن لم يفسد فراش امرأته كان قرين سوء لها، كما قال الشُّعَبِىُّ‏:‏ من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها‏.‏
وهذا مما يدخل به على المرأة ضرر فى دينها ودنياها، فنكاح الزانية أشد من جهة الفراش، ونكاح الزانى أشد من جهة أنه السيد المالك الحاكم على المرأة، فتبقى المرأة الحرة العفيفة فى أسر الفاجر الزانى الذى / يقصر فى حقوقها ويتعدى عليها‏.‏
ولهذا اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة فى الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة، واختلفوا فى صحة النكاح بدون ذلك، وهما قولان مشهوران فى مذهب أحمد وغيره، فإن من نكح زانية مع أنها تزنى فقد رضى بأن يشترك هو وغيره فيها، ورضى لنفسه بالقيادة والدياثة، ومن نكحت زان وهو يزنى بغيرها فهو لا يصون ماءه حتى يضعه فيها؛ بل يرميه فيها وفى غيرها من البغايا، فهى بمنزلة الزانية المتخذة خِدْنًا، فإن مقصود النكاح حفظ الماء فى المرأة، وهذا الرجل لا يحفظ ماءه، والله ـ سبحانه ـ شرط فى الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين، فقال‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏ وهذا المعنى مما لا ينبغى إغفاله؛ فإن القرآن قد نصه وبينه بيانًا مفروضًا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 1‏]‏‏.‏
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه‏.‏
وقد ادعى بعضهم أن هذه الآية منسوخة بقوله‏:‏ ‏{‏والْمُحْصَنَات‏}‏، / وزعموا أن البغى من المحصنات، وتلك الآيات حجة عليهم، فإن أقل ما فى الإحصان العفة، وإذا اشترط فيه الحرية فذاك تكميل للعفة والإحصان، ومن حرم نكاح الأَمَةِ لئلا يرق ولده، كيف يبيح البغى التى تلحق به من ليس بولده، وأين فساد فراشه من رق ولده‏؟‏‏!‏ وكذلك من زعم أن النكاح هنا هو الوطء، والمعنى أن الزانى لا يطأ إلا زانية أو مشركة، والزانية لا يطؤها إلا زان أو مشرك، وهذا أبلغ فى الحجة عليهم، فمن وطئ زانية أو مشركة بنكاح فهو زان، وكذلك من وطئها زان، فإن ذم الزانى بفعله الذى هو الزنا حتى لو استكرهها أو استدخلت ذكره، وهو نائم كانت العقوبة للزانى دون قرينه، وهذه المسألة مبسوطة فى كتب الفقه‏.‏
والمقصود قوله‏:‏‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏، فإن هذا يدل على أن الزانى لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، وأن ذلك حرام على المؤمنين، وليس هذا لمجرد كونه فاجرًا، بل لخصوص كونه زانيًا، وكذلك فى المرأة ليس لمجرد فجورها، بل لخصوص زناها، بدليل أنه جعل المرأة زانية إذا تزوجت زانيًا، كما جعل الزوج زانيًا إذا تزوج زانية، هذا إذا كانا مسلمين يعتقدان تحريم الزنا، وإذا كانا مشركين، فينبغى أن يعلم ذلك‏.‏ ومضمونه أن الرجل الزانى لا يجوز نكاحه حتى يتوب، وذلك بأن يوافق اشتراطه الإحصان، والمرأة إذا كانت / زانية لا تحصن فرجها عن غير زوجها، بل يأتيها هو وغيره، كان الزوج زانيًا هو وغيره يشتركون فى وطئها، كما تشترك الزناة فى وطء المرأة الواحدة، ولهذا يجب عليه نفى الولد الذى ليس منه‏.‏
فمن نكح زانية فهو زان أى تزوجها، ومن نكحت زانيًا فهى زانية أى تزوجته؛ فإن كثيرًا من الزناة قصروا أنفسهم على الزوانى فتكون المرأة خِدْنًا وخليلا له لا يأتى غيرها، فإن الرجل إذا كان زانيًا لا يعف امرأته، وإذا لم يعفها تشوقت هى إلى غيره فزنت به، كما هو الغالب على نساء الزوانى أو من يلوط بالصبيان، فإن نساءه يزنين ليقضين إربهن ووطرهن، ويراغمن أزواجهن بذلك حيث لم يعفوا أنفسهم عن غير أزواجهن، فهن ـ أيضًا ـ لم يعففن أنفسهن عن غير أزواجهن؛ ولهذا يقال‏:‏ عفوا تعف نساؤكم وأبناؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها؛ فإن الرجل إذا رضى أن ينكح زانية رضى بأن تزنى امرأته، والله ـ تعالى ـ قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فأحدهما يحب لنفسه ما يحب للآخر، فإذا رضيت المرأة أن تنكح زانيًا فقد رضيت عمله، وكذلك إن رضى الرجل أن ينكح زانية فقد رضى عملها، ومن رضى الزنا كان بمنزلة الزانى‏.‏ فإن أصل الفعل هو الإرادة؛ ولهذا جاء فى الأثر‏:‏ من غاب عن معصية فرضيها / كان كمن شهدها أو فعلها، وفى الحديث‏:‏ ‏(‏المرء على دين خليله‏)‏ وأعظم الخلة خلة الزوجين‏.‏
وأيضًا، فإن الله قد جعل فى نفوس بنى آدم من الغيرة ما هو معروف، فيستعظم الرجل أن يطأ الرجل امرأته أعظم من غيرته على نفسه أن يزنى، فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغياً وهو ديوث كيف يكره أن يكون هو زان‏؟‏‏!‏ ولهذا لم يوجد من هو ديوث أو قواد يعف عن الزنا، فإن الزانى له شهوة فى نفسه، والديوث ليس له شهوة فى زنا غيره، فإذا لم يكن معه إيمان يكره به زنا غيره بزوجته كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزنا ‏؟‏ فمن استحل أن يترك امرأته تزنى استحل أعظم الزنا، ومن أعان على ذلك فهو كالزانى، ومن أقر على ذلك مع إمكان تغييره فقد رضيه، ومن تزوج غير تائبة فقد رضى أن تزنى إذ لا يمكنه منعها من ذلك، فإن كيد النساء عظيم‏.‏
ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها ‏[‏يعضلها‏:‏ العضل هو أن يضارها ولا يحسن عشرتها؛ ليضطرها ذلك إلى الافتداء منه بمهرها الذى أمهرها‏]‏؛ لتفتدى نفسها منه، وهو نص أحمد وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب، ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دل عليه قول النبى صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال‏:‏ مالى، قال‏:‏ ‏(‏لا مال لك عندها، إن كنت صادقًا عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبا عليها / فهو أبعد لك‏)‏؛ لأنها إذا زنت قد تتوب لكن زناها يبيح له إعضالها حتى تفتدى منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب‏.‏
وفى الغالب أن الرجل لا يزنى بغير امرأته إلا إذا أعجبه ذلك الغير، فلا يزال يزنى بما يعجبه فتبقى امرأته بمنزلة المعُلَّقة التى لا هى أيم ولا ذات زوج، فيدعوها ذلك إلى الزنا، ويكون الباعث لها على ذلك مقابلة زوجها على وجه القصاص مكايدة له ومغايظة؛ فإنه ما لم يحفظ غيبها لم تحفظ غيبه، ولها فى بضعه حق كما له فى بضعها حق، فإذا كان من العادين لخروجه عما أباح الله له لم يكن قد أحصن نفسه، وأيضا، فإن داعية الزانى تشتغل بما يختاره من البغايا، فلا تبقى داعيته إلى الحلال تامة، ولا غيرته كافية فى إحصانه المرأة، فتكون عنده كالزانية المتخذة خِدْنًا‏.‏ وهذه معان شريفة لا ينبغى إهمالها‏.‏
وعلى هذا، فالمرأة المساحقة زانية كما جاء فى الحديث‏:‏‏(‏زنا النساء سحاقهن‏)‏‏.‏ والرجل الذى يعمل عمل قوم لوط بمملوك أو غيره هو زان، والمرأة الناكحة له زانية، فلا تنكحه إلا زانية أو مشركة؛ ولهذا يكثر فى نساء اللوطية من تزنى بغير زوجها،وربما زنت بمن يتلوط هو به مراغمة له وقضاء لوطرها، وكذلك المرأة المزوجة بمُخَنَّث ينكح كما تنكح هى متزوجة بزان،بل هو أسوأ الشخصين حالاً،فإنه مع الزنا صار مخنثًا ملعونًا على نفسه للتخنيث غير اللعنة التى تصيبه بعمل قوم لوط، / فإن النبى صلى الله عليه وسلم لعن من يعمل عمل قوم لوط،وثبت عنه فى الصحيح أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال‏:‏‏(‏أخرجوهم من بيوتكم‏)‏‏.‏
وكيف يجوز للمرأة أن تتزوج بمخنث قد انتقلت شهوته إلى دبره‏؟‏ فهو يؤتى كما تؤتى المرأة، وتضعف داعيته من أمامه كما تضعف داعية الزانى بغير امرأته عنها، فإذا لم تكن له غيرة على نفسه ضعفت غيرته على امرأته وغيرها، ولهذا يوجد من كان مخنثًا ليس له كبير غيرة على ولده ومملوكه ومن يكفله، والمرأة إذا رضيت بالمخنث واللوطى كانت على دينه فتكون زانية وأبلغ، فإن تمكين المرأة من نفسها أسهل من تمكين الرجل من نفسه، فإذا رضيت ذلك من زوجها رضيته من نفسها‏.‏
ولفظ هذه الآية وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً‏}‏ الآية ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏، يتناول هذا كله إما بطريق عموم اللفظ، أو بطريق التنبيه وفحوى الخطاب الذى هو أقوى من مدلول اللفظ، وأدنى ذلك أن يكون بطريق القياس، كما قد بيناه فى حد اللوطـى ونحوه‏.‏ والله أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 26‏]‏ فأخبر ـ تعالى ـ أن النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، فلا تكون خبيثة لطيب، فإن ذلك خلاف الحصر ، فلا / تنكح الزانية الخبيثة إلا زانيًا خبيثًا، وأخبر أن الطيبين للطيبات، فلا يكون الطيب لامرأة خبيثة ، فإن ذلك خلاف الحصر ؛ إذ قد ذكر أن جميع الخبيثات للخبيثين، فلا تبقى خبيثة لطيب ولا طيب لخبيثة‏.‏ وأخبر أن جميع الطيبات للطيبين فلا تبقى طيبة لخبيث، فجاء الحصر من الجانبين موافقًا لقوله‏:‏‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏ ؛ ولهذا قال من قال من السلف‏:‏ ما بغت امرأة نبى قط، فإن هذه السورة نزل صدرها بسبب أهل الإفك وما قالوه فى عائشة ؛ ولهذا لما قيل فيها ما قيل ، وصارت شبهة ، استشار النبى صلى الله عليه وسلم من استشاره فى طلاقها قبل أن تنزل براءتها، إذ لا يصلح له أن تكون امرأته غير طيبة‏.‏ وقد روى أنه‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة ديوث‏)‏ والديوث‏:‏ الذى يقر السوء فى أهله‏.‏
ولهذا كانت الغيرة على الزنا مما يحبها الله وأمر بها،حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتعجبون من غيرة سعـد‏؟‏ لأنا أغير منـه، والله أغير منى،من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏)‏؛ ولهذا أذن الله للقاذف إذا كان زوجها أن يلاعن؛ فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين،وجعل ذلك يدفع عنه حد القذف،كما لو أقام على ذلك أربعة شهود؛ لأنـه محتاج إلى قـذفها لأجل مـا أمـر الله بـه مـن/ الغيرة؛ ولأنها ظلمته بإفساد فراشه،وإن كـانت قـد حبلت مـن الزنا فعليه اللعان لينفى عنه النسب الباطل؛ لئلا يلحق به ما ليس منه‏.‏
وقد مضت سنة النبى صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين المتلاعنين، سواء حصلت الفرقة بتلاعنهما أو احتاجت إلى تفريق الحاكم، أو حصلت عند انقضاء لعان الزوج؛ لأن أحدهما ملعون أو خبيث، فاقترانهما بعد ذلك يقتضى مقارنة الخبيث الملعون للطيب، وفى صحيح مسلم عن عمران بن حصين حديث المرأة التى لعنت ناقة لها فأمر النبى صلى الله عليه وسلم فأخذ ما عليها وأرسلت، وقال‏:‏ ‏(‏لا تصحبنا ناقة ملعونة‏)‏، وفى الصحيحين عنه أنه لما اجتاز بديار ثمود قال‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين،فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لئلا يصيبكم ما أصابهم‏)‏، فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب‏.‏
وهكذا السنة فى مقارنة الظالمين والزناة، وأهل البدع والفجور وسائر المعاصى ، لا ينبغى لأحد أن يقارنهم ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به مــن عذاب الله ـ عز وجـل ـ وأقل ذلك أن يكون منكرًا لظلمهم ، ماقتا لهم ، شانئا ما هم فيه بحسب الإمكان ، كما فى الحديث ‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع /فبقلبه ،وذلك أضعف الإيمان‏)‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ‏}‏ الآية ‏[‏التحريم‏:‏ 11‏]‏، وكذلك ما ذكره عن يوسف الصديق وعمله على خزائن الأرض لصاحب مصر لقوم كفار‏.‏
وذلك أن مقارنة الفجار إنما يفعلها المؤمن فى موضعين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون مكرهًا عليها، والثانى‏:‏ أن يكون ذلك فى مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة، أو أن يكون فى تركها مفسدة راجحة فى دينه، فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة، وفى الحقيقة فالمكره هو من يدفع الفساد الحاصل باحتمال أدناهما، وهو الأمر الذى أُكْرِهَ عليه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 106‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 33‏]‏، ثم قال‏:‏ ‏{‏وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏33‏]‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 97 ـ 99‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 75‏]‏‏.‏
/ فقد دلت هذه الآية على النهى عن مناكحة الزانى، والمناكحة نوع خاص من المعاشرة والمزاوجة والمقارنة والمصاحبة؛ ولهذا سمى كل منهما زوجًا وصاحبًا وقرينًا وعشيرًا للآخر، والمناكحة فى أصل اللغة‏:‏ المجامعة، والمضامة، فقلوبهما تجتمع إذا عقد العقد بينهما، ويصير بينهما من التعاطف والتراحم ما لم يكن قبل ذلك، حتى تثبت بذلك حرمة المصاهرة فى غير الربيبة لمجرد ذلك، والتوارث وعدة الوفاة وغير ذلك، وأوسط ذلك اجتماعهما خاليين فى مكان واحد، وهو المعاشرة المقررة للصداق، كما قضى به الخلفاء، وآخر ذلك اجتماع المباضعة، وهذا وإن اجتمع بدون عقد نكاح فهو اجتماع ضعيف، بل اجتماع القلوب أعظم من مجرد اجتماع البدنين بالسفاح‏.‏
ودل قوله‏:‏ ‏{‏وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ‏}‏ على ذلك من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ، ودل ـ أيضًا ـ على النهى عن مقارنة الفجار ومزاوجتهم، كما دل على هذا غير ذلك من النصوص؛ مثل قوله‏:‏ ‏{‏احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 22‏]‏، أى‏:‏ وأشباههم ونظراءهم، والزوج أعم من النكاح المعروف، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 49،50‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏7‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 5‏]‏، و ‏{‏كَرِيمٌ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 7‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 49‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏3‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 8‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 40‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 14‏]‏‏.‏
وإن كان فى الآية نص فى الزوجة التى هى الصاحبة وفى الولد منها، فمعنى ذلك فى كل مشابه ومقارن ومشارك، وفى كل فرع وتابع فـ ‏{‏الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 111‏]‏، و ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 1، 2‏]‏‏.‏
فالمصاحبـة والمصاهـرة والمؤاخـاة لا تجوز إلا مع أهل طاعة الله ـ تعالى ـ على مراد الله، ويدل على ذلك الحديث الذى فى السنن‏:‏ ‏(‏لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقى‏)‏، وفيها‏:‏ ‏(‏المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل‏)‏، وفى الصحيحين مـن حـديث أبى هـريرة عـن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ثم إن زنت فليجلدهـا الحـد، ثم إن زنت فليبعها ولو بضفـير‏)‏‏.‏ و ‏(‏الضفـير‏)‏‏:‏ الحبـل، وشك الراوى هل أمر ببيعها فى الثالثة أو الرابعة‏.‏ وهذا أمر من النبى صلى الله عليه وسلم ببيع الأمة بعد إقامة الحد عليها مرتين أو ثلاثًا ولو بأدنى مال، قال الإمام أحمد‏:‏ إن لم يبعها كان تاركًا لأمر النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏
/ والإماء اللاتى يفعلن هذا تكون عامتهن للخدمة لا للتمتع، فكيف بأمة التمتع‏؟‏ وإذا وجب إخراج الأمة الزانية عن ملكه فكيف بالزوجة الزانية‏؟‏ والعبد المملوك نظير الأمة، ويدل على ذلك كله ما رواه مسلم فى صحيحه عن على بن أبى طالب عن النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنه لعن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا‏)‏‏.‏ فهذا يوجب لعنة كل من آوى محدثًا سواء كان إحداثه بالزنا أو السرقة أو غير ذلك، وسواء كان الإيواء بملك يمين أو نكاح أو غير ذلك؛ لأن أقل ما فى ذلك تركه إنكار المنكر‏.

عدد المشاهدات *:
354844
عدد مرات التنزيل *:
249499
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : فَصْــل في معاني مستنبطة من سورة النور ـ ب ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  فَصْــل في معاني مستنبطة من سورة النور ـ ب ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فَصْــل في معاني مستنبطة من سورة النور ـ ب ـ  لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1